أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - رجل الشارع والإنسان العادى














المزيد.....

رجل الشارع والإنسان العادى


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 09:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يكفى أن تسير المرأة فى الشارع لتكون نهبا للحملقة أو تسمع كلمة تهدر كرامتها، أو تمتد يد تتحرش بها، كأنها امرأة الشارع أما رجل الشارع فهو يمثل الشعب أو يشكل الرأى العام، الذى تعمل القوى الحاكمة حسابه فى الانتخابات والمظاهرات والثورات، لكن هذا الرجل من الشعب يصبح بلا قيمة حين يدخل مكتبا حكوميا وإن كان كشك مرور.
جربت أن أذهب وحدي، دون وساطة، الى مكاتب الحكومة، وشهدت إهدار كرامة الإنسان العادى على يد الموظفين، من أصغر حارس واقف على الباب الى الجالس فى التكييف بالمكتب الفخم وبالأمس شعرت بالألم فى العمود الفقرى فذهبت الى أقرب مستشفي، قاومت الرغبة فى المرور على مكتب المدير، وقلت لنفسي: ربما تحسنت معاملة الحكومة للشعب المصرى "العظيم" بعد ثورته "المجيدة" وقفت فى طابور المرضى، الفقر والمرض محفوران فى الوجوه الضامرة الممصوصة، تذكرنى بالوجوه، فى منتصف القرن الماضى، حين كنت طبيبة بمستشفى قصر العيني، لكن العيون أصبحت أكثر حزنا، والنساء أكثر بؤسا، ملابسهن أكثر سوادا وترابا، يحملن أطفالا لهم جماجم العجائز، مضت ساعة حتى وصلت الى الباب المغلق المكتوب عليه: غرفة الكشف، واقف على الباب ممرض عملاق يشبه سيدنا رضوان (كما تخيلته فى طفولتى) لا أحد يدخل الى الجنة إلا بإذنه.
جاءت سيدة أنيقة بالمكياج تشبه مذيعات التليفزيون، رحب بها الممرض: اتفضلى يا أستاذة، وأدخلها قبلى رغم أنها جاءت بعدى، فاعترضت وأشرت للممرض أن يحترم الطابور، لكنه رمقنى باستهتار: أنا عارف شغلى يا ست الكل على فكرة لقب "ست الكل" يجرى على ألسنة الرجال الذكور وينم عن الاستهانة بالمرأة التى يسمونها "الأنثى".
قلت له بغضب: أنا مش "ست الكل" والنظام لازم تحترمه، رد غاضبا: أنا عارف النظام كويس يا حاجة ولقب "حاجة" ينم عن استهانة أكثر بالمرأة، قلت بغضب أشد: أنا مش "حاجة" أولا، ثانيا، لازم تحترم النظام، اللى ييجى الأول يدخل الأول.
فى هذه اللحظة جاء ضابط أنيق فوق كتفيه نجوم، ضرب له الممرض تعظيم سلام وفتح له الباب، قبل أن ينغلق الباب اندفعت داخل غرفة الكشف وأنا أهدد الممرض بتقديم شكوى ضده. كان الطبيب يكشف على مريض، إلى جواره ممرضة، ترتدى حجابا حول رأسها شفتاها مدهونتان بالأحمر وحاجباها على شكل قوسين رفيعين، رحبت الممرضة بالضابط الأنيق وأفسحت له الطريق، ثم اعترضت طريقى، وطلبت بلهجة السلطة أن أعود الى الطابور خارج الغرفة، فانفجرت بالغضب ورفضت التنازل الذى يضع النظام، ولم يكن أمامى الا تهديد الطبيب وقلت، سأطلب الآن مدير المستشفى فى رقمه المحمول تغيرت لهجة الطبيب على الفور، تلاشت الخشونة والغلظة فى صوته، ابتسم فى رقة وقال معتذرا، متأسف يا دكتورة اتفضلى، وقدم لى الكرسى لأجلس، ثم طلب من الضابط ذى النجوم الانتظار مؤقتا خارج الغرفة، لكنى رفضت الكشف الطبي، كنت قد فقدت الثقة فى الطبيب وفى قدرته على علاجي، وخرجت من المستشفى أشعر بالمرض والإعياء، من شدة ما أصابنى من غضب وإرهاق، الى جانب الأسى والحزن، على هذا الشعب المسكين الذى يتاجر الجميع باسمه العظيم وثورته المجيدة.
هذا يوضح ما يمكن أن يتعرض له الإنسان العادى من إهانات، لو أن المرض أصابه، أو مأساة فى حياته أجبرته على دخول مكتب فى الحكومات التى ترفع شعار الثورة: العدل والحرية والكرامة.
الإرهاب المسلح يهدد بلادنا، لكن هناك إرهاب آخر لا يقل خطورة، يهدد الشعب العادى الذى قام بالثورة، ونزف فيها الدماء والأرواح والعيون والأفئدة وفلذات الكبد، إنه الإرهاب الموروث منذ آلاف السنين، الكامن فى مخ الجهاز المصرى الحكومي، الذى يعتبر الإنسان العادى من الشعب
"عبدا" لا يساق الا بالضرب والركل أو الشتيمة والسباب.
ويختزن الشعب المصرى الألم والهوان، ويجتره كالجمل والحصان، ثم يفيض به الكيل فيتمرد ويثور، لكن الحكومات (بعد الثورة) قادرة دائما على إرهابه إخضاعه، طالما أن الأحزاب السياسية والنخب المثقفة، جزء من الحكومة، تحت اسم المعارضة، وطالما أن أصحاب البلايين فى الداخل وأصحاب المعونات فى الخارج، يفرضون إرادتهم على الدولة والحكومات، تحت اسم الديمقراطية والسوق الحرة.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة لحلوان الثانوية للبنات
- رسالة أحمد دومة المنشورة
- النساء والبيئة وتوحش الحقيقة
- المعارضة الشرعية ونخب الميتافيزيقيا
- عبودية القرن الواحد والعشرين
- لن يغلبه زمن
- كافكا وأورويل وزويل وقانون الغابة
- تتوالد الأجيال الجديدة وتتكاثر
- هل تجهض الثورات الأفكار الوسطية؟
- ليس لأمي مكان في الجنة
- لو أن كل رجل أصبح إنسانا
- جدتى والعدالة الكونية
- الحديث
- لو أن كل وزير كان مثقفا؟
- إشارات القراء والقارئات
- لحظات فارقة فى حياتى ( ١)
- وهل تنال الكاتبة الثائرة حقها؟
- يدفعونها للأمام لتكون كبش الفداء
- لا كرامة لوطن تهان فيه الأمهات
- محنة الأساتذة علماء السياسة


المزيد.....




- يورو 2024: هل حرم الحكم رونالدو من ركلة جزاء؟ البرتغال تتأهل ...
- انقطاع الكهرباء.. هل تعاني أمريكا وبريطانيا من أزمة انقطاع ا ...
- يورو 2024: إسبانيا تتسلح بسجلها القوي أمام ألمانيا
- -إخوتي رجال يسدوا عين الشمس-.. فتاة مصرية تتوعد بعد انتشار ف ...
- -كجزء من استراتيجية الناتو ضد روسيا-.. إسبانيا تنشر قوات في ...
- 200 طفل روسي سيتجهون إلى كوريا الشمالية
- لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا تعقد قريبا اجتماعا في بغد ...
- أقصى اليمين يتصدر الانتخابات في فرنسا
- العراق يفتتح مركزا متطورا للدفاع الجوي
- برلمانية أوكرانية: الجنرالات يرسلون الجنود إلى الموت


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - رجل الشارع والإنسان العادى