علي زغير
الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 19:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتارت العولمة في الأوساط الفكرية والسياسية العربية ,جدلا صاخباومستمرا ,شانها في ذلك شأن العديد من المفاهيم السياسية والأقتصادية والسياسية والأجتماعية ذات المرجعية الغربية ,فأصحاب الفكر والساسة العرب وبالاستناد الى متبنياتهم الايديولوجية غالبا ماحكموا على العولمة انطلاقا من موقفين متناقضين : الأول يتبنى رفض العولمة ويدعو الى الحذر من طرق دعايتها وأساليب أنتشارها ,وأصحاب هذا الموقف في خطابهم غالبا ما يمنحون لصورة العولمة ملامح أعدائهم والوان مخاوفهم ,فالماركسيون لا يعرفونها الا ( بانها أعلى مراحل الا مبريالية ) ,والاسلامويون لا يرون فيها غير (هجمة غريبة صهيونية شرسة )أما القوميون فلا يجدون فرقا بين العولمة و(الأمركة ),وعلى العكس من هذه الاراء ينطلق أصحاب الموقف الثاني من الدعوة الى القبول بالعولمة وذلك بوصفها (قفزة حضارية )تقدم للافراد والمجتمعات امكانات ووسائل وطاقات خلاقة تعمل على أعادة صياغة العلاقات وتشكيل الواقع على نحو مغاير تماما لما سبق ,ولذلك شدد علي حرب على ضرورة (التعامل معها كحدث ينبغي تعقله وتدبره للمساهمة في صنعه ).
ومع حقيقة أستمرار الجدل النظري بين هذين الفرقين وفي ضوء ركود النمو السياسي والا قتصادي والاجتماعي للبلدان العربية ,كان من الصعب تلمس أثار العولمة ونتائجها المباشرة على نحو واضح يسهل من رصد فواعلها وتقييم دورها بما يسمح من ترجيح كفة احد الطرفين على الأخر ,لذلك كان لابد من الا نتظار , انتظار انبثاق حدث نوعي ,يقود الى حصول تحولات جذرية في بنية العلاقات التسلطية واطر التنظيم الشمولية القائمة بين المجتمع والدولة في العالم العربي ,الأمر الذي يمكن معه التحقق من صحة فروض كل فريق أتجاه العولمة وما ذهب اليه من تصورات بشأن طبيعة دورها وأنماط تداعياته ,ومع أندلاع الشرارة الاولى لما اصطلح عليه ب(ثورات الربيع العربي ) في تونس وانتقالها الى بلدان اخرى من العالم العربي , بدا واضحا لكل المتابعين بروز السمات العولمية التي اتسمت بها هذه الثورات , الامر الذي وفر للباحثين ولاول مرة امكانية دراسة تأثيرالعولمة في العالم العربي انطلاقا من معطيات زمكانية يمكن رصدها وتتبع نتائجها الملموسة, بالشكل الذي يقود الى انتاج احكام واقعية عن هذه الظاهرة ,تنأى عن الصور النمطية والآراء المختزلة التي راجت في اوساط الفكر العربي .
لقد بينت ثورات العرب وبماحفلت به من حراك وزخم جماهيري واسع ,ان العولمة المعلوماتية وفرت ومن خلال ادواتها وتقنياتها الاتصالية فرصة واقعية للشعوب العربية من اجل التخلص والفكاك من نمط الرقابة البوليسية التي كانت تفرضها انظمة الحكم المستبدة على طرق ووسائل الاتصال وتبادل المعلومات با شكالها التقليدية ,فوسائل الاتصال المتطورة وخصائص المعلوماتية الحديثة مكنت افراد هذه الشعوب من التمتع بقدر اكبر من حرية التعبير ,والتفاعل مع بعضهم البعض دون اي خوف من رقيب أو تحسب لنيل عقاب ,وهو ما رتب نتيجة اساسية مفادها : أرتفاع مستوى النقد الجماهيري لسياسيات ونظم الحكم العربية ,مما دفع الى التعجيل في بلورة الاجواء الأحتجاجية والتسريع في موعد انطلاق ثوراث العرب .
أن العولمة المعلوماتية وعبر انفتاح فضائها السبراني على جميع الافراد وخاصة الشباب منهم ساهمت في تعزيز حالة التفاعل الوطني , وتنمية الحس النقدي المشترك بين مختلف شرائح الشعب وطبقاته ,فسهولة الاتصال ويسر التخطب والتحاور عبر أدواتها ,قاد الى زيادة درجة التقارب المادي والمعنوي ,وهو ما نجح في تفعيل عمليات التدوال والتحاور والجدل حول القضايا الجوهرية ذات الاهتمام العام ,وبالاخص ما يرتبط منها بالازمات السياسية والأقتصادية والاجتماعية ,بالشكل الذي مكن أبناء الوطن الواحد من تنظيم أرائهم وحشد طاقاتهم وترتيب صفوفهم خلف وجهات نظرهم المتعلقة بسبل معالجة هذة الازمات وكيفية الخروج من تداعياتها المتفاقمة وأجوائها الخانقة .
هكذا ومع اندلاع ثوراث العرب ظهر الدور الكبير لما بات يعرف بالأعلام الاجتماعي a social medi الذي عمل وبكل كفاءة على التفاعل مع الاحداث الثورية لحظة بلحظة من أماكن وقوعها ,مساعدا بذلك على نقل تفاصيل وملامح يوميات الثورة وعرضها بالصورة والصوت على شاشات مواطني العالم الواحد , عاملا بذلك الى دفع الرأي العام الاقليمي والعالمي الى الوقوف بجانب شعوب هذة الثوراث وتبني مطالبهم العادلة وتوجيه سهام النقد وشهر اصابع الاتهام الى نظم الحكم الاستبدادية بفعل ما تنتجه الاتها القمعية من مشاهد الدمار في مدن الثورة وسيناريوهات القتل المجاني على اجساد أبنائها الفتية .
لم يقتصر دور العولمة في ثورات العرب على بعدها المعلوماتي بل اقترن معه وبشكل مواز تدخل العولمة بنمطها السياسي في التاثير على أحداث ومجريات هذه الثورات ,التي أكدت وبشكل جلي ومنذ بداياتها الاولى مدى الأهتمام الكبير والتفاعل التصاعدي الذي أبدته قوى ومؤسسات المجتمع الدولي وبمختلف مستوياتها الفردية والجماعية ,الاقليمية والدولية ,في التعامل مع طبيعة أحداث هذة الثورات ومسار تطوراتها ,وذلك بوصفها حدثا سياسيا تتجاوز أثاره وتداعياته الاطار المحلي والاقليمي لتشمل المجال السياسي العالمي ,ففي عصر العولمة لم تعد الثورة بمفهومها السياسي وبعدها الحركي حدثا تنحصر اثاره وتتركز نتائجه في حدود شوراع وميادين ومؤسسات الدول التي تندلع فيها ,وانما على الضد من ذلك أصبحت الثورة وكل أشكال الأحداث السياسية الاخرى الرامية الى تغيير أنظمة الحكم التسلطية وفي أي دولة كانت , ذات بعد عالمي فما تقود اليه الثورة من تطورات ونتائج سياسية في هذا البلد او ذاك ستنعكس اثاره وتداعياته بالضرورة على مجمل البلدان والمنظمات التي ترتبط معها بعلاقات بينية تختلف من حيث الطبيعة والاتساع ,وبناءا على هذه الحقيقة وفي اطار ثورات العرب شهد المجتمع الدولي اهتماما وتحركا مبكرين ومستمرين في التعامل مع الايقاع التصاعدي لهذه الثوراث ,فبالنظر الى الاهمية الجيوسياسية للدول التي حدثت فيها هذه الثوراث ,وشكل نظام توزان القوى العالمي السائد والذي يؤكد تفرد الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة منها على الاخص ,في قيادة وأدارة النظام الدولي ,فأن الاهتمام والتدخل الدوليين قد ترواحا بأشكال ووتائرمختلفة وذلك بحسب طبيعة الموقع الجغرافي ونوع المصالح التي ترتبط بها دول العالم مع بلدان الثورة .
وفي ضوء هذه الحقيقة برز ما يمكن ان نصطلح عليه (بالتدخل العولمي )والذي أسفر عن خصائصه وابان مستوياته عبر تفاعلات هذه الثورات وبما قادت اليه من تدخلات دولية متعددة ,ابرزها الانواع التالية :
-أولا-التدخل السياسي –العولمي :-
والمتمثل في مجموعة البيانات والاعلانات والتصريحات التي تصدر عن ممثلي قوى المجال السياسي العالمي ,وعادةما ينقسم هذا التدخل الى مستويين ,هما :
1-المستوى الاحادي :ويشمل الزيارات والتصريحات التي تصدر عن رؤساء ومسؤلي الدول ,ومثلها :
تصريح الرئيس الامريكي بارك أوباما بانه قد ابلغ الرئيس المصري مبارك بضرورة اتخاذ خطوات ملموسة للوفاء بتعهداته للاصلاح ,كذلك تصريح روبرت جيبز المتحدث بأسم البيت الأبيض للصحفيين في 31/كانون الثاني من أن واشنطن تريد ان يحدث التغيير في مصر الان وتاكيده بان (الان تعني الان).
2-المستوى الجمعي:ويتضمن مجموعة الاعلانات والبيانات الصادرة في اطار المنظمات الاقليمية والعالمية ,ومثاله البيان المشترك الذي اصدره قادة كل من فرنسا والمانيا وانكلترا وايطاليا واسبانيا في 3شباط والذي يتضمن التنديدبأعمال العنف الذي تمارسة السلطات المصرية ,كما انة شدد على ان (العملية الانتقالية يجب ان تبدا الان ).
-ثانيا-التدخل القانوني-العولمي:
وهو يضم مجموعة التشريعات والقرارات والمراسيم القانونية التي تصدر من قبل السلطات المختصة وباتباع الاجراءت المنصوص عليها قانونيا في أطار التعامل مع الأحداث والوقائع السياسية الخارجية ,ويتوزع هذا التدخل على مستويين هما :
1-المستوى الأحادي ويتكون من التشريعات والقرارت التي تتخذها احدى الدول ويكون موضوعها أحداث سياسية تجري في دولة أخرى –يختلف نوع هذا التدخل باختلاف طبيعة المجال الذي يتعامل معه ,لذلك فهو قد يتمظهر على شكل تدخل قانوني اقتصادي عولمي ,أو بصورة تدخل قانوني سياسي عولمي ومن تجسدات هذا النوع الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الامريكي بارك أوباما في 25/2/2012والذي يقضي بتجميد أصول القذفي .
2-المستوى الجمعي :-يشمل مجموع التشريعات والقرارت التي تتخذها مجموعة من الدول ,ومثلما تصدر قرارت هذا النوع في اطار المنظمات الأقليمية والعالمية .فانها قد تتخذ أيضا خارج نطاق هذه المنظمات ,ومن أبرز تجليات هذا المستوى ,القرار رقم 1973الصادر عن مجلس الامن في 17/3والذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا واتخاذ كافة الأجراءت الضرورية لحماية المواطنين ,وكذلك قرار الاتحاد الاوربي الصادر في 28/2 والذي ينص على يحظر بيع الأسلحة الى ليبيا وتجميد أصوال واموال القذافي وخمسة من أفراد أسراته .
-ثالثا-التدخل العسكري العولمي :
ونقصد به مجموع العمليات العسكرية على مختلف مراحلها ,بدأمن عملية توفير الدعم العسكري غير المباشر وأنتهاءا بشن الهجمات الحربية بمختلف اشكالها البرية ,والبحرية والجوية وكسباقيه ينقسم هذا التدخل الى مستويين هما :
1-المستوى الاحادي :وهو ما تقدم عليه احدى الدول من تقديم دعم عسكري غير مباشرالى طرف معين في صراع داخلي أو القيام بشن أعمال حربية تجاه دولة أخرى خارج أطار المنظمات العالمية وقوانينها المرعية,وبينما تمارس العديد من دول العالم الشكل الاول من هذا المستوى فأن جانب استخدام القوة العسكرية في عمليات هجومية خارج سياقات منظمة الأمم المتحدة غالبا ما يقتصر على الدول العظمى ,وبخاصة تلك التي تمتلك منها حق الفيتو في مجلس الامن والملاحظ ان ثورات العرب لم تشهد حدوث مثل هذا النوع ,ولكنها وفي الحالة الليبية اشارت ظهور هذا المستوى بشقه الاول فقط والمتمثل بتقديم الدعم اللوجستي للثوار اللبيين من قبل بعض دول الاتحاد الاوربي وخاصة في مجال التدريب والجهد الاستخباراتي .
2-المستوى الجمعي :وهو مجموع الاجراءت والعمليات العسكرية التي يتم تنفيذها بالاستناد الى قرارت المنظمات الدولية .ومثالها الهجمات الجوية العنيفة المتخذة من قبل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضد كتائب النظام الليبي تنفيذا لقراري مجلس الامن 1973 /1970 المتخذين في اطار البند السابع من ميثاق الامم المتحدة ,والقاضيان بتفويض أعضاء الامم المتحدة الحق في فرض حظر جوي على ليبيا واتخاذ جميع ما يلزم لحماية المدنيين بما في ذلك اللجؤء الى اتخاذ اجراءت عقابية .
لقد بينت ثورات العرب لكل المشككين والرافضين للعولمة ,بأن العالم اليوم باتت بالفعل ولبس على سبيل المجاز قرية صغيرة تنعدم فيها الحدود بين ما هو داخلي محلي وما هو خارجي عالمي ,ومن ثم فلا وجود اليوم لسيادة مطلقة عاصمة ,وانما هي سيادة نسبية مقيدة بحدود الاتفاقات الدولية وقواعدالقانون الدولي اضافة الى المحددات التي يفرضها واقع التشابه والتداخل الدولي على مختلف الاصعدة وفي كافة المجالات .
#علي_زغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟