أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - د. عبدالرحيم الكريمى - في المسألة الديموقراطية - 2















المزيد.....


في المسألة الديموقراطية - 2


د. عبدالرحيم الكريمى

الحوار المتمدن-العدد: 324 - 2002 / 12 / 1 - 04:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في المسألة الديموقراطية(2)

د.عبدالرحيم الكريمى

ــــــــــــــــــــــــ

 

لقد فرض علينا الواقع العالمي الجديد حديث خاص عن الديموقراطية ليس ككل حديث سابق عنها، فلم تعد ديموقراطية القرن التاسع عشر، ولا ديموقراطية النصف الأول من القرن العشرين، ولا ديموقراطية النصف الثاني من القرن العشرين، هي الديموقراطيات النموذج الذي نبحث عنه، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي القطب الثاني في العلاقات الدولية الذي كان يحقق التوازن الدولي النسبي في العالم الآفل، أصبح العالم الجديد يتشكل بقيادة القطب الأوحد الأمريكي، والتوازن النسبي في العلاقات الدولية لن يتحقق بوجود قطب آخر دولي كما كان في الماضي القريب، وإنما سوف يتحقق هذا التوازن ولأول مرة في التاريخ بين حكومة القطب الواحد الأمريكي المركزية من جانب، وشعوب العالم قاطبة من جانب آخر، التي تقع في نطاق ودائرة استغلال حكومة العالم المركزية، وهيمنتها ونهبها الجائر المستمر لممتلكاته وثرواته وطاقة عمله وسوقه وقوته الشرائية.

 

لم يصبح بشكل عام الحديث عن الديموقراطية الليبرالية القومية مجديا في مثل هذا العالم الجديد الذي يتشكل، ومن ثم تصبح ظاهرة الأحزاب السياسية الأيديولوجية، يمينا أو يسارا، وهى الأحزاب التي تشكلت ونمت وتطورت في ظل الدولة القومية، وفى ظل الصراعات بين مصالح القوى الاجتماعية والاقتصادية الناشئة، والتي كان لديها في الزمن القومي من الاستقلال الذاتي ما يكفى لتكوين أحزابها السياسية المعبرة عن مصالحها المتناقضة، للعمل على تحقيقها وتقنينها من خلال النظام البرلماني الذي كان يحافظ على وحدة الدولة وقوتها وهيمنتها، مثل هذه الأحزاب والعمل على تنشيطها وتفعيلها، في زمن القطب الواحد والنظام العالمي الجديد، مجهود ضائع ودعوة جوفاء بلا مردود عملي حقيقى، فمثل هذه الأحزاب الأيديولوجية قومية المضمون، كانت في تماثل واضح مع قومية الدولة وزمنها القومي الآفل، إذ كانت هي نفسها منتجها السياسي المباشر، ولكن الأمر الآن تغير، ولم تصبح لمثل هذه الأحزاب دورا قوميا تلعبه، فى ظل هذا الزمن اللاقومى، فمآلها إلى الزوال.

 

ففي مواجهة هذا العدو الهائل القوة والجشع إلى حد التوحش، المتمثل في القطب الواحد، والذي انطلق كالمارد من قمقمه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بشكل عام وبعد أحداث سبتمبر في أمريكا بشكل خاص، لم تصبح المصالح الضيقة لتلك القوى الاجتماعية والاقتصادية في كل بلد على حده تستطيع المواجهة، فلم يعد لهذه القوى مصالح خاصة في حقيقة الأمر تدافع عنها في ظل هذه الهيمنة الأمريكية، فالشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات والحدود والحكومات، أصبحت مهولة القوة وميزانياتها أكبر كثيرا من كثير من دول العالم، ومنافستها أصبحت أسطورة من أساطير الخيال، ولم تصبح طبقة أو فئة ما في بلد ما سواء أوروبي أو آسيوي قادرة على الدفاع عن مصالحها في مواجهة هذه الشركات الديناصورات، بحيث أصبح الحديث عن أحزاب تدافع عن مصالح مثل هذه الطبقات والفئات نكتة في زمن هيمنة العماليق،  ومن ثم فالنظام السياسي الذي بنى على الفكرة القومية، بأحزابه وبرلماناته وهيئاته التنفيذية والقضائية نظام أصبح آيل للسقوط ولابد وزائل.

 

علينا أن ندرك هذه الحقيقة ونحن نتكلم عن الديموقراطية والإصلاح السياسي والحريات السياسية، في ظل نظام القطب الواحد الذي يتشكل حولنا بالفعل الأمريكي، وهو ما يجعل من حقنا أن نناقش، أو نعيد مناقشة كتاب "العقد الاجتماعي" لجون جاك روسو الذي أقنعنا والعالم معنا آنذاك في القرن الثامن عشر، إننا كشعوب لابد أن نتنازل كأفراد عن سلطتنا الطبيعية وتسليمها طواعية إلى سلطة المجتمع، لتعلو فوق سلطه الأفراد عن طريق سن القوانين المنظمة لتلك العلاقة بين سلطه الفرد والمجتمع، وهى قوانين واجبة الطاعة، وما من شك أن "روسو" كان يقصد آنذاك المجتمع والدولة القومية، أما تحت ظل جناح النسر الأمريكي والنظام العالمي الجديد، فلابد أن نقول لروسو ونسأله، لمن اليوم نتنازل كأفراد وشعوب عن سلطتنا الطبيعية والتي حدثنا عنها "جون لوك" في كتابه "رسالتان في الحكم" في القرن السابع عشر، أن الإنسان حر بطبيعته ولا يجب أن يكون خاضعا لأية قوة عليا على الأرض، فهل نتنازل مسيو "روسو" عن حقنا الطبيعي في الحرية لسلطتنا ودولنا المحلية القومية أم لسلطة الدولة المركزية الأمريكية؟

 

لم تعد ديموقراطية روسو صالحة لهذا الزمان والهيمنة الأمريكية البغيضة، والتي تعمل على السيطرة وإحكام قبضتها على العالم، أو بمعنى أدق وأعم على استعمار العالم كله شرقه وغربه، ومن ثم يكون الحديث عن الديموقراطية في هذا العالم الجديد حديث عن تحرير أوسع أغلبية عرفها التاريخ البشرى منذ تشكلت وانتظمت مجتمعاته، انه حديث عن حرية الشعوب كافه، وليس طبقة بعينها أو فئة بعينها، انه حديث عن تنظيمات جماهيرية واسعة وعريضة، وليس عن أحزاب أيديولوجية ضيقة الأفق، كما في الزمن الآفل، انه حديث عن تسييس المجتمع المدني كله، وليس ادلجته، حديث عن تجييش الإنسان المعاصر في كل مكان على الكره الأرضية ضد هذه الهيمنة الأمريكية، بكل صورها وأشكالها ومضامينها. وهو ما جعلنا  نؤكد على هذا الترابط الوثيق والجدلي بين الحريات السياسية للشعوب والقضية الوطنية في شكلها ومضمونها الجديد العالمي.

 

بغير هذا الفهم يصبح الحديث عن الديموقراطية حديث زائف، لو ظل حديثا مسجونا في الأشكال الحزبية القديمة واللجان الرسمية والأغلبية والأقلية، يصبح حديثا خادعا عن تداول السلطة عن طريق الأغلبية البرلمانية، يصبح حديثا مشكوكا في أهدافه لو لم يرتبط في الأساس بإطلاق حرية الشعوب في مقاومة هذه الهجمة الأمريكية على شعوب العالم قاطبة، بدءا من حق الكلمة حتى حق حمل السلاح، يصبح حديثنا عن الديموقراطية لو لم يؤكد هذا المعنى المقاوم للنظام الأمريكي وهيمنته، مرده الأساسي توكيد هذا الاستعمار العالمي الجديد، وتثبيت أركانه في العالم أجمع، فلم يعد حديثنا اليوم عن الديموقراطية مرتبطا بطبقة أو فئة اجتماعية بعينها، بل اصبح حديثا مرتبطا بالشعب كله، ليس حديثا عن مده حكم الرئيس أو استقالته من رئاسة الحزب الحاكم، أو حرية تكوين الأحزاب، أو حرية الصحافة، أو حرية الاجتماع والتظاهر بقدر ما هو حديث عن حق الشعب في مقاومة هذه الهجمة الأمريكية، حقه في أن يمتلك أدوات نضاله وكفاحه للدفاع عن حقه الطبيعي في الحياة والحرية.                        

 

ففي ظل المرحلة الأمريكية الجديدة للنظام الرأسمالي، والتي يحاول فيها أن يفرض البيت الأبيض سيطرته المطلقة على العالم اقتصاديا وثقافيا وبالتالي سياسيا، وهو في سبيل ذلك لا تتورع خاصة بعد أحداث سبتمبر أن يستخدم ترسانته العسكرية بكل شراسة، ضد كل من تسول له نفسه المعارضة أو المقاومة، خاصة بعد أن سلمت الحكومات القومية في محيط العالم ورفعت برايتها البيضاء واستسلمت لهذا الوحش الكاسر، ولم يبقى مقاوم غير الشعوب في مواجهة هذه الهجمة الأمريكية، ولذا فهي تحت شعار محاربة الإرهاب تذهب إلى حد استخدام كل أنواع أسلحتها وإمكاناتها حتى لو كانت ضد منظمات صغيرة وضعيفة بعينها، وتتعقبها في كل أنحاء العالم وتفرض على الحكومات المحلية الامتثال لقوانين اللعبة الجديدة وإلا اتهمتها بالمارقة وأنها حزب الشيطان، في حربها  المبتذلة ضد الشعوب المقاومة، تحت عنوان محاربة الإرهاب.

 

ولنا أن نقول أنها في سبيل فرض سيطرتها الكاملة على شعوب العالم، فهي لا تتورع أيضا من الضرب بكل قسوة والإلقاء بعرض الحائط بالمكتسبات الكلاسيكية اللبرالية السياسية والديموقراطية عبر تاريخها،  من أجل ليبراليتها الاقتصادية، فهي في أمريكا ذاتها بدأت تكشر عن أنيابها الدكتاتورية، خاصة حينما شعر أصحاب الثروات الضخمة انهم ليسوا في منأى من ضربات الشعوب في عقر دارهم، فأوكل هؤلاء مقاليد القوة والبطش السياسي إلى الجناح الفاشستي العسكري والصهيوني في التركيبة العضوية للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليعيد لهم ترتيب البيت في الداخل الذي فسد في نظرها بفعل الليبرالية السياسية، وترتيب العالم في الخارج الذي فسد بفعل المقاومة الشعبية العنيدة خاصة في مناطق النفط الغنية.   

 

لقد اصبح البطش العسكري في الخارج والبطش السياسي في الداخل سمة من أهم سمات تلك المرحلة الجديدة من النظام العالمي، وأصبح الحديث القديم عن الليبرالية السياسية في ظل هذا النظام العالمي الجديد درب من الخيال، لن يتحقق، فالتغيير ومداولة السلطة في عوالمنا خاصة النامية منها، لم يعد بفعل داخلي، وإنما أصبحت له قوانين جديدة تحكمه خارج الأطر القديمة، فأصبحت الديموقراطية التي نتحدث عنها، أو التي يجب التحدث عنها هي فقط ديموقراطية المقاومة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. عبدالرحيم الكريمى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#د._عبدالرحيم_ الكريمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - د. عبدالرحيم الكريمى - في المسألة الديموقراطية - 2