|
سؤال الثقافة في ظل العولمة
عثمان بوعرفة
الحوار المتمدن-العدد: 4451 - 2014 / 5 / 12 - 01:00
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
سؤال الثقافة في ظل العولمة
حظيت قضية العولمة في الفكر العربي المعاصر باهتمام بالغ قل أن نجد له نظير ؛ ولا أدل على ذلك من الندوات والمؤتمرات التي عقدت حولها والكتب والمقالات التي نشرت بشأنها؛ فقد اضطلع المفكرون العرب والمسلمون على اختلاف اتجاهاتهم بمهمة مقاربة موضوع" العولمة" درسا وتحليلا وبيانا لمختلف أبعادها وتأثيراتها وبنوا مواقف شتى منها رفضا وتحفظا وقبولا. والحقيقة أن العولمة بأبعادها المعقدة والمتشابكة تطرح عشرات الأسئلة المتعلقة بماهيتها وطبيعتها ؛ ومنها عوامل وأسباب بروزها وآليات وطرق اشتغالها ؛ ثم تجلياتها وأبعادها ؛ خصوصا أنها تشير كما يقول أحد الباحثين إلى" العملية التاريخية التي تحفر مجراها بشدة في التاريخ الإنساني الراهن ؛ وتؤثر تأثيرات بالغة العمق في كل المجتمعات المعاصرة والمتقدمة والنامية على حد السواء". ولا شك ان تغلغل "العولمة" في جميع الأنساق المجتمعية الثقافية على المستوى العالمي وبدون استثناء يؤثر بشكل أكيد على المحتوى الثقافي لهذه المجتمعات . فما المقصود إذن بالعولمة ؟ وما معنى الثقافة ؟ وكيف تؤثر العولمة على العنصر الثقافي لمجتمعاتنا؟ 1) في مفهوم العولمة. يذهب العديد من المفكرين إلى أنه حتى إن لم يظهر مصطلح "العولمة" إلا حديثا ؛ فإن العولمة كظاهرة ليست حديثة فهي قديمة قدم تاريخ البشرية ؛ ومن ثم يكون العالم قد شهد العديد من العولمات وما النموذج الحالي لها إلاأحدث أشكال العولمة ؛ يقول "حسن حنفي"العولمة ليست ظاهرة جديدة بل قديمة قدم التاريخ ؛ عندما تتصدر حضارة ما لباقي الحضارات وتقود العالم (...) فالعولمة ليست ظاهرة اقتصادية أو سياسية أو تقنية أو معلوماتية فحسب ؛ بل هي ظاهرة تاريخية مستمرة ". ومهما تكن مبررات هذا الطرح لابد من القول أن العولمة التي نحيا في ظلها ؛ وإن تقاربت مع ما حدث في لحظات تاريخية معينة ؛ تظل متميزة في كثير من وجوهها ؛ انطلاقا من عوامل ظهورها وآليات اشتغالها التي تعطيها طابعا خاصا لم يشهد التاريخ له مثيل. إن العولمة هي ترجمة لكلمةmondialisation الفرنسية وكلمة globalisation الإنجليزية ؛ وقد شاع هذا المصطلح في العقد الأخير من القرن 20 وهي تعني جعل المحلي عالميا ؛ أي تعميم المحلي أو الوطني ليصبح حالة عالمية؛ أما من الناحية الإصطلاحية فقد تعددت وتنوعت تعاريف العولمة ؛ ولا نكاد نجد تعريفا جامعا مانعا لها وهذ نظرا لتعدد مجالات العولمة في حد ذاتها ؛ فهي تمس كل جوانب الحياة الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية وحتى الدينية . لكننا سنحاول أن نستعرض تعريفين للعولمة فقط تجنبا للإطالة والإطناب؛ الأول هو التعريف الذي أعطاه "علي حرب" في مقاله "الثقافة والعولمة"والذي قال "... أما العولمة فهي مقولات راهنة من مقولات ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة ؛ ارتبطت بانفجار تقنيات الاتصال على نحو ضاقت معه الأمكنة وتقلصت المسافات إلى حد جعل الأرض قرية صغيرة تسيح في العالم الرقمي الذي يتشكل منة الفضاء السبرنتيكي... وهذه الكائنات أو الدرجات هي التي تسكن في العقول الإلكترونية وتسافر بسرعة الضوء وعلى أساسها يتوحد العالم اليوم وبواسطتها يجري الإتصال بين البشر." وأما التعريف الثاني فهو الذي قدمه الدكتور "حسن حنفي " في كتابه المشترك مع الدكتور "صادق جلا ل العظم" "ما العولمة " حيث قال "العولمة مفهوم برز لإحكام السيطرة على العالم باسمه ؛ ولصالح المركز ضد مصالح الأطراف... العولمة مسألة صراع ومقاومة دفاعا عن الاستقلال ضد التبعية ... العولمة ظاهرة اقتصادية وسياسية وتقنية ومعلوماتية وتاريخية..." وهكذا فالعولمة أصبحت مفروضة على الانسانية والتنافس الاقتصادي الحر والثقافي والسياسي والتقني والاعلامي أصبح في متناول الجميع وهي فرصة للمجتمعات المستهلكة لتغير واقعها الاجتماعي والتعريف بحضارتها وثقافتها التي كانت منحصرة بين بعض الفئات والأقليات المجتمعية. وبالعودة الى جميع الدراسات والأبحاث والأطروحات التي ناقشت مسألة "العولمة" نجدها قد تراوحت بين ثلاث تصورات أساسية : بالنسبة للتصور الأول فيعتبر أن "العولمة " شرا لابد منه؛ أما التصور الثاني فيرى أن" العولمة" هي خير يجب الإنتفاع بها ؛ وأما التصور الثالث فيرى بأن العولمة مجرد أمركة للعالم ليس إلا. كل هذه المواقف والإتجاهات تظهر لنا جليا حينما نحاول أن نعالج ظاهرة "العولمة" من جوانبها المتعددة ومستوياتها المتداخلة؛ فالعولمة إذا ما أردنا أن نصنفها أو نبرز سلطاتها المتعددة نجدها تنقسم إلى ثلاث مستويات حسب بعض الباحثين: 1 - سلطة معرفية 2- سلطة مالية واقتصادية 3- سلطة معلوماتية وإعلامية وتواصلية 2) في مفهوم الثقافة . يعد مفهوم الثقافة من المفاهيم المحورية في علم الاجتماع بصفة عامة والأنتروبولوجية الثقافية بصفة خاصة ؛ ويشكل مفهوم الثقافة أحد الأفكار الأساسية والكبرى التي ساعدت البشرية على إنجاز العديد من التقدم العلمي والتطور الفكري؛ فالثقافة مفهوم يتميز بكونه ذو طبيعة تراكمية ومستمرة فهي ليست وليدة عقد أو عدة عقود ؛ بل هي ميراث اجتماعي لكافة المنجزات البشرية لذلك فإن محاولة تعريف هذا المفهوم محاولة صعبة على الرغم من شيوع هذا المصطلح على ألسنة العامة من الناس. بالرغم من أن كلمة ثقافة أصبحت كثيرا ما تستعمل في كتب الأدب والتربية وعلم الإجتماع العام وعلم الأجناس وما إلى ذلك ؛ فإنه يمكن للباحث العربي أن يجد لها أصلا في معاجم اللغة العربية ؛ ففي قاموس "المحيط " ل "الفيروز بادي"نجد "ثقف وثقفا وثقافة" إذا صار حاذقا خفيفا فطنا؛ يقول الأستاذ "أنور الجندي"اشتق اسم الثقافة من ثقف وهو لفظ قرآني أساسا لم يكن من اشتقاق أحد من يدعون اشتقاقه من غير القرآن؛ والثقافة عريقة في لغتنا بمعنى صقل النفس؛ والمنطق ؛ والفطانة؛ وهو بمعنى تثقيف الرمح أي تسويته وتقويمه ؛ ثم استعمل للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والإجتماعي للأفراد والجماعات". وقد ورد في لسان العرب ما نصه "يقال ثقف الشيئ وهو سرعة التعلم" ويقول ابن دريد" تقفت الشيئ حذقته" وفي حديث الهجرة "هو غلام لقن ثقف أي ذو فطنة وذكاء" والمراد أنه ثابث المعرفة بما يحتاج إليه. وفي دائرة معارف القرن العشرين يقول " فريد وجدي" " ثقف يثقف ثقافة" أي فطن وحذق و " ثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع في أخذه ؛" وثقفه يثقفه ثقفا" أي في الحذق؛ و"التثقيف"الحاذق الفطن. ويعرف الدكتور " عبد الله عبد الدايم" مفهوم الثقافة " في كتابه "أزمة الثقافة في الوطن العربي" بأنها "أنماط السلوك المعنوي والمادي السائدة لدى شعب من الشعوب ؛ وتدخل في ذلك انماط السلوك الخاصة بالمأكل والمشرب والملبس وسواها من مظاهر الحياة المادية؛ كما تدخل فيه أنماط النتاج الفكري والأدبي والفني والعلمي". إن جوهر هذا التعريف هو التأكيد على أن الثقافة هي ما يميز شعبا من الشعوب حياة وعطاء ونتاجا ؛ ومن هنا كان الشرط الأول للثقافة أصالتها وخصوصيتها؛ أي تعبيرها عما يميز شعبا عن آخر؛ وتصويرها للهوية الخاصة بكل أمة ؛ ونقلها للعطاء المتفرد التي تود أمة من الامم أن تضيفه إلى ثرات الإنسانية؛ ومن حق لنا أن نقول أن لا ثقافة لمن لا أصالة عنده .أي لمن لا يملك من التجارب الفكرية والأدبية والفنية الذاتية الفريدة ما يقدم به رفدا جديدا للجهد الإنساني الشامل. أما التعريف الذي يعتبر بمثابة المرجع أو المصدر بالنسبة للدارسين وخاصة الأنتروبولوجيين منهم فهو التعريف الذي أعطاه أحد أعلام الأنتروبولوجيا في القرن التاسع عشر وهو " إدوارد تايلور" حيث يرى بأن " الثقافة هي ذلك الكل المركب والمعقد الذي يشمل المعرفة والعقيدة والفن والتقاليد وأي قدرات وعادات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع." أما "هنري لاوست" فيعتبر " الثقافة بأنها مجموعة الأفكار والعادات والموروثات الذي يتكون منها خلقي لأمة ما ؛ ويؤمن أصحابها بصحته وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تمتاز عن سواها ؛ وجميع الثقافات تتكون وتتطور بعوامل داخلية وتتأثر ببعض المؤثرات الأجنبية". إن استعراض كل هذه المفاهيم والتعاريف يبدو وكأنه بدون جدوى وبدن فائدة تذكر إن لم نقم بتأملها وإعادة قراءتها من جديد وتفكيك مضامينها وأفكارها؛ فعندما نتمعن في كل هذه التعاريف والتصورات نجدها أنها تتحدث عن الثقافة بشقيها المادي والمعنوي؛ فالمادي يشمل كل ما أبدعه الانسان كالآلات والمصنوعات وأساليب المواصلات والتكنولوجيا الحديثة...أما الشق المعنوي للثقافة فيشمل العادات والتقاليد والأخلاق والقانون واللغة والفن... إن هاذين البعدين الخاصين بالثقافة يقدمان لنا قراءة عامة وعميقة لهذا المفهوم؛ كما يساعدنا على فهم الانسان فهما دقيقا من جميع جوانبه ونواحيه المتعددة باعتباره ركيزة أساسية التي تقوم عليها هذه الثقافة. 3- تأثير العولمة على مفهوم الثقافة. قبل الخوض في الموضوع دعونا نطرح السؤال التالي ؛ هل العولمة في صياغتها الحديثة يمكن أن تكون مبنية على الثقافة؟ لعل هذا هو السؤال المحرج الذي الذي شكل ظهور عدة اتجاهات واستقطابات وتيارات ترفض العولمة في شكلها الحديث. إن الذي يقرأ العولمة في جوهرها يجدها مرتكزة على الاقتصاد والمال والأعمال والربح والإنتاج؛ وبالتالي فإن شروطها من هذا القبيل قائمة على شبكات وأقمار صناعية وحركية الرساميل في زمن آني ودون حواجز؛ وبالتالي فإن العولمة أصبحت تتأسس على المرونة والإنضباط والبقاء للأقوى. إن مسألة العولمة بهذه الصيغة هي التي ستشكل لنا مدخلا أساسيا في طرحنا هذا؛ الذي سنحاول التركيز فيه على مفهوم الثقافة في ظل العولمة التي تجتاح كل الثقافات والخصوصيات الثقافية. بداية دعونا نطرح السؤال التالي: هل يمكن للثقافة ان تصبح معولمة في عصرنا هذا ؟ إن الجواب المحتمل عن هذا السؤال إما بالسلب أو بالإيجاب أو بالرفض أو بالقبول يفترض عدة شروط ؛ فعولمة الثقافة الحقيقية حسب الباحث "يحيى اليحياوي "يجب أن تكون مبنية على تلاقح وتبادل ثقافي بين منظومات القيم المختلفة دون مركب قوة أو نقص من لدن هذه الثقافة أو ذاك ؛ أما وأن الثقافة المراد عولمتها هي الثقافة الغربية ذات المرجعية المسيحية واليهودية المحكومة بعقدة التفوق والمطبوعة بالتعالي عما سواها ؛ فهذا أمر مرفوض بل ومضر بمبدإ الإختلاف الذي لا قيمة للثقافة في غيابه. إن الإختراق الثقافي في أبسط معانيه هو اختراق للهوية الحضارية للأمم والشعوب عن طريق اختراق منظومتها الثقافية. وبناء عليه هل يمكن للعولمة أن ترسخ ثقافة عالمية موحدة وتحقيق قسمة عادلة بين الثقافات ؟. ففي ظل الصورة الراهنة للعولمة لا يمكنها ان تحقق ذلك؛ بحيث لا تستطيع أن تفرز منظومة ثقافية عالمية موحدة لأنها إقصائية في توجهاتها وانتقائية في أسلوب تعاطيها مع باقي الثقافات واختزالية لهذه الاخيرة في حد ذاتها وفاتلة فضلا عن كل ذلك لمبادئ الإختلاف والتنوع الذي لا مستقبل للأجناس البشرية بيولوجيا على الأقل في غيابها أو تغييبها. من الجائز ان تفرز العولمة الحالية "منظومة قيم" لها ولفاعليتها لكنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تصهر كل الثقافات في ثقافتها ؛ وبالتالي ستبقى الثقافة أقوى آخر قلاع المواجهة والصمود والتصدي لكل أشكال الغزو والإستهداف. يفترض المفكر المغربي "المهدي المنجرة" أن المصدر الرئيسي للصراع والنزاع لهذا العالم الجديد لن يكون مصدرا إيديولوجيا أو اقتصاديا بالدرجة الأولى ؛ بل سيكون ثقافيا ؛ إن صدام الحضارات سيهيمن على السياسة الشاملة وستكون الخطوط الفاصلة بين الحضارات خطوطا للمواجهات في المستقبل. لقد غيرت التطورات الحديثة في مجال الاتصال والاعلام مفهوم السيادة ومضمونها عما كان متعارف عليه تقليديا في القانون الدولي ؛ فعلى الصعيد الدولي تتسم الاعلاميات بكونها في الوقت نفسه عنصر تفاهم وتعاون كما أنها مصدر جدي للمواجهة والصراع. وإذا كان الاستعمار الجديد قد ارتكز على القوة الاقتصادية والسياسية ؛ فإن مرحلة ما بعد الاستعمار تستغل الثقافة كوسيلة أساسية للسيطرة ؛ وفي هذا الصدد يقول الدكتور "المهدي المنجرة" وهو من الأوائل الذين بوؤوا القيم الحضارية والثقافية ودورها الجوهري في الصراع بين دول الجنوب ودول الشمال في تقرير نادي روما لسنة 1979 "سيتقوى دور الهوية الثقافية سواء على المستوى الوطني أو الدولي كموضوع للخلاف داخل المجتمعات وبين بعضها البعض؛ إننا نواجه صراعا حقيقيا بين القيم ... هناك تسامح لكن لا وجود لقبول صادق لقيم الجنوب ؛ وذللك بسبب انعدام مجهود جدي لفهمها . فالحضارة اليهودية المسيحية تقترف خطأ جسيما عندما تعتبر أن التحديث لا يمكنه إلا ان يكون غربيا..." إن هذه الفجوات والصراعات التي خلقتها العولمة بدورها الإقصائي لكل الثقافات الخارجة عن المركزية الغربية أو الهيمنة الثقافية الغربية يجعل من التواصل الثقافي أمرا ملحا ومفروضا في عصرنا الراهن؛ بحيث يجب أن يتأسس هذا الحوار على احترام الإختلاف الثقافي كشرط أولي من أجل إقامة السلام. يشير العالم الإقتصادي "دانييل كوهن" في مؤلفه "العولمة وأعداؤها" على أن العولمة سمحت بانتشار وذيوع نماذج ثقافية جديدة ساهمت في خلخلة النماذج التقليدية القائمة ؛ فالنساء الصينيات يرغبن في تقليد النساء اليابانيات اللواتي يستشعرن طريقتهن في السلوك من النساء الأمريكيات؛ ويتعلق الأمر في الجوهر بالتشبث بفكرة الحرية ومحاولة تجسيدها على أرض الواقع. إن البلدان المهيمنة إقتصاديا وثقافيا تضع البلدان الخاضعة أمام مأزق وجودي ما لم تتوفر هذه الأخيرة على الامكانيات الضرورية لإستيعاب المعارف والتكنولوجيات الجديدة ؛ فإنها ستظل خارج التاريخ بمعنى أنها لن تساهم في كتابته. وحسب "دانييل كوهن" فإن فهم العولمة يقتضي من جهة التخلي عن الرؤية الميكانيكية لأولئك الذين يعتبرون بأن مراحل النمو الاقتصادي والإجتماعي محددة سلفا ؛ ومن جهة أخرى التخلي عن النزعة النسبية للمدافعين عن صدام الحضارات والذين يعتبرون بأن كل شعب مطالب بمواجهة هويات الشعوب الأخرى للحفاظ على هويته. يتضح من خلال كل هذا أن ثقافتنا المحلية تواجه غزوا ثقافيا عالميا يهدف إلى تنميطها وجعلها في اتجاه واحد يسير وتوجهات الهيمنة الغربية ؛ والهيمنة الثقافية تعني هنا الهيمنة على الإنسان واستلاب وعيه وثقافته وجعله يتلهث وراء الثقافة الغربية وهذا يقتل في الإنسان روح الانتماء والدفاع عن هويته. إن هذا الإجتياح يجعل الإنسان غريبا في وطنه وغير قادر على التأقلم والإنسجام مع واقعه ومحيطه الاجتماعي والثقافي وبالتالي يخلق نوعا من الارتباك والإنهزام النفسي ؛ فالعنصر الثقافي هو الذي يجعل الإنسان على قدر كبير من تحقيق إنسانيته التي لا وجود لها بدون وجود تنوع ثقافي . وبالتالي تكون العولمة بهاته الصيغة بكل تياراتها ومستوياتها تهدد وجود الانسان بكيفية يجعلها تقضي على روح الانتماء والهوية. لكن في ظل كل هذا ؛ ما العمل؟ أو كيف يمكن التعامل مع العولمة ؟ يقترح بعض الباحثين مسألتان أساسيتان: أولهما ينبغي ألا نتسرع في التهويل والتخوف من ظاهرة "العولمة" وتجاوز كونها مشروعا مفتوحا؛ وثانيا ؛ وفي الوقت نفسه يجب ألا نستسهل الموضوع أو نقدم وصفات جاهزة هي آمال أكثر منها إقتراحات عملية. لذلك فالمطلوب بذل المجهود الأكاديمي اللازم لفهم القوانين الحاكمة لعملية العولمة ؛ ولعل أول خطوات الفهم أن نفرق بين العولمة كعملية غير قادرة للإرتداد؛ ونسق القيم التي تدار العولمة على أساسها. لكن ألا يمكن أن يكون هناك حوار ثقافي؟. نقترح بخصوص هذه النقطة الإستئناس بما ورد في مؤلف المفكر الفرنسي" إدغار موران" والذي اختار له عنوان "المنهج" حيث اقترح هذا الأخير مجموعة من الشروط الضرورية لقيام حوار ثقافي لخصها كما يلي : 1- إن الشرط الأول للحوار الثقافي هو التعددية وتنوع وجهات النظر ؛ فكل مجتمع يضم أفراد مختلفين وراثيا وذهنيا ونفسيا وعاطفيا ؛ أي أن نكون مستعدين لتبني وجهة نظر معرفية جد متنوعة. 2- إن الحوار الثقافي يقتضي تبادلات ثقافية ؛ يتم فيها تبادل الأفكار والمعلومات والآراء مما يعزز الانفتاح الفكري ويساعد في مواجهة الدوغمائية والتعصب والتطرف. 3- تستدعي هذه التبادلات التنافس والتعارض ؛ وبالتالي صراع الأفكار والتصورات ورؤى العالم . 4- يتعين أن يخضع هذا الصراع لقاعدة الحوار ؛ وإلا تحول من صراع فكري إلى عنف جسدي ؛ لذلك من الواجب الإقرار بهذه القاعدة كأساس للحوار الثقافي الحقيقي ؛ بحيث يصبح النقاش محفزا للمخيال والمحاججة والبحث عن الأدلة لإقناع الآخرين. 5- عندما يكون المجتمع متعدد الثقافات ويكون للفرد انتماءات عديدة ( إثنية - عائلية - وطنية - سياسية - دينية - فلسفية ...) فإن بإمكان الصراع بين هذه الانتماءات أن يصبح مصدرا للنقاشات الساخنة . ذلك أن المواجهة بين الأفكار المتناقضة تخلخل التصورات الحتمية للثقافة ؛ وتثير لدى الأفراد والجماعات الشكوك وعدم الرضى وإعادة النظر والتقصي والبحث. وهناك ثلاث سيناريوهات ممكنة ناتجة عن هذه المواجهة : - إما أن تقصي أن تقصي الأفكار بعضها بعضا ؛ وهو ما يؤدي إلى مواقف ارتيابية تتأرجح بين النقد البناء والإستئصال. - وإما أن تولد أزمة فكرية وروحية لدى الشخص قد تكون عاملا محفزا على البحث عن حل جديد . - وإما أن تؤدي إلى تركيب خلاق للأفكار المتصارعة فيما بينها. هكذا يمكن اختزال الفعالية الناجمة عن الحوار الثقافي في النقاط التالية : - الإستقلالية النسبية للأفكار. - انبثاق معارف وأفكار جديدة . - تطور مواقف نقدية لدى جميع الأطراف القابلة بمبدأ الحوار . وعندما يتسع الحوار ليشمل الأفكار والمعارف المنبثقة من ثقافات أخرى ؛ آنذاك تتشكل إمكانية التلاقح بين النظريات والتصورات وتتطور الروح النقدية المتأرجحة بين النزعة النسبية والكونية. من إنجاز الطالب: عثمان بوعرفة حاصل على شهادة الاجازة في شعبة : علم الاجتماع
#عثمان_بوعرفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤال الدولة الإسلامية في ظل الربيع العربي
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|