|
القصة القصيرة جدا في ضوء نظرية الجذمور
محمد يوب
الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 07:19
المحور:
الادب والفن
إن القصة القصيرة؛ تشبه في طبيعتها نبتة "الجذمور"؛وهي النبتة التي تنمو في جميع الاتجاهات، بلا جذر ولا ساق؛ونظرية الجذمور (rhizome) نظرية تحطم الوحدة الخطية للمعرفة،وتكسر نظرية الإحالة على الوحدة الدورية للعَود الأبدي الحاضر كمعطى غير معروف داخل الفكر؛حيث إن مفهوم الوحدة يتعرض باستمرار للإزعاج وللعراقيل داخل الموضوع، في حين ينتصر نوع جديد للوحدة داخل الذات. فالجذمور كما يرى جيل دولوز "هو الصيغة الظرفية التي تتواصل بحسبها التعددات،أي هو صورة التلاقي المصادف الذي تحققه التركيبات العابرة و الجزيئية أفقيا على مستوى البساط،وبهذا فكل موجود هو في الحقيقة جذمور، بما أن كل كائن، مهما كانت طبيعته،هو في عرف فلسفة الحدث تعدد وتوليف،أي ترابط ظرفي حركي يتحقق بدون أي مبدأ قار أو غاية تحكمه، وآلة عابرة لا يتحدد معناها ودلالتها إلا مجاليا،أي في حدود ما تمنحه تفاعلاتها وأطرافها المجاورة" ص219 فلسفة جيل دولوز – عادل حدجامي إن القصة القصيرة جدا في ضوء نظرية الجذمور لا تبدأ ولا تنتهي، وتعمل على خلخلة فعل الكينونة واجتثاثه، فهي موجودة دائماً في الوسط، بين الأشياء، إنها كائن بيني،ترابطي وتعاطفي،يتحقق بين عنصرين متنافرين بتركيبة مفتوحة على كل التوليفات بطريقة أفقية أي على مستوى البساط وليس على مستوى الجذور،إنها تحالف،إنها تعتمد طريقة أخرى في السفر والتحرك، فهي تنطلق من الوسط، ومن خلال الوسط تدخل وتخرج ولا تبدأ ولا تنتهي . إن القصة القصيرة جدا تتخلص من العضوية ومن الأصول الثابتة؛ وغير قابلة للانتساب إلى أي نوع من أنواع السرد.إنها تدور حول نفسها وتتفرع بكثرة جانبياً ودائرياً، تتوفر على مداخل متعددة، وتتوفر على خط الهروب كممر للتنقل وتغيير المحطات،وخاضعة للقانون التعددي الذي ينميها ويبعتها على التطور. إنها اللحظة التي تستحوذ فيها القصة القصة القصيرة جدا على القصة الكبيرة وتطيح بمفهوم «القصة الجامعة الشاملة الحقيقية» لصالح مفهوم القصة القصيرة جدا التي تمثل واحدة من عدد لانهائي من القصص الممكنة، والتي تناهض دائما تكريس دلالتها بطرق شتى.. والتعدديات تحدد من الخارج بواسطة الخط المجرد وخط الهروب أو الترحيل التي بمقتضاها تتبدل طبيعتها عند ارتباطها بتعدديات أخرى برانية، بمعنى أنها تنهض وتنمو من تلقاء نفسها و تتغذى من تجارب ونماذج إبداعية متنوعة،تأخذ منها ما يزيدها عمقا وقدرة على استيعاب خصائص هذه النماذج الإبداعية. فالقصة القصيرة جدا ضد التأصيل و ضد الجينالوجيا، تشبه الخريطة، وليست نسخاً بورق شفاف،والمطلوب من المبدعين في مجال القصة القصيرة جدا رسم الخريطة وليس تقليد الرسم وتتبع خطوطه ، منفتحة، و قابلة للتواصل بكل أبعادها، وقابلة للتفكيك والنقض، ومستعدة للتحولات بشكل دائم. ويمكنها أن تتمزق وأن تتكيف مع التوليفات من كل نوع، ويعاد إنتاجها بصيغ تعبيرية مختلفة من حين لآخر وفق ما تتطلبه متطلبات المتلقي وما تفرزه ذات المبدع. ويكون لكل مبدع خريطته الإبداعية الخاصة نظرا(لتفاوت الناس في حذقهم لفن السرد وطرائق القص؛ومن هنا كان لكل فرد سردياته؛ونصيبها من النجاح و الإخفاق؛ومن الجذب و الإملال؛ومن الإيحاء أو المباشرة؛ومن الإيجاز أو الإطناب؛وربما كان القاصون الموهوبون هم أكثر الناس عناية وإتقانا لفن السرد وسحر القص)[1] و القصة القصيرة جدا ليست صورة للعالم وإنما هي العالم نفسه ولكن بطعم أدبي،تسير معه في خط واحد لا يمكن الفصل بينهما،وتتقوى بفعل ترابطها وتكاثفها وتلاقحها الخارجي، وتموت عندما تتراجع باحثة عن جذورها وشجرة أنسابها،كما أنها تنتهي عندما تدخل في صراع حول الزعامة ... وبهذا يمكننا أن نصف طبيعة القصة القصيرة جدا بالحرباء عندما تغير لونها،فإن جلد الحرباء يتكون من خلايا تحتوي داخلها على مواد ملونة أو صبغات تكون هي المسؤولة عن لون الجلد،تتغير بحسب تفاعلها مع المحيط الذي يؤثر فيها، ولون جلد القصة القصيرة هو بناؤها الفني وقدرة القاص على التخيل وابتكار عوالم فنية جميلة تتفاعل معها ذات القارئ وتتأثر بها؛ بل تتماهى مع طبيعتها.وحينذاك تصبح القصة القصيرة جدا هي السردية البديل،التي تسعى إلى نقض أقانيم السرديات الكبرى عن التحرير والتنوير والسلام والعدل والحق والخير والجمال،.. إلخ، وتفكيك مقولاتها، وزعزعة مركزيتها والتشكيك في أيديولوجياتها، وذلك عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات والحيل والأساليب الفنية أو الجمالية التي تجد تمثيلاتها النصّية الدالّة في قطاع عريض من النصوص العربية القصيرة جدا "أمثلة" فمن يقول بأن القصة القصيرة جدا خرجت من معطف جوجول، كمن يقول بأن الحرباء خرجت من جسم الدينصور،إن كل كائن حي له خصائصه ومميزاته التي تميزه عن باقي الكائنات الأخرى،فالقصة القصيرة جدا كائن حيوي حي، تعيش في المجتمع،تتفاعل مع الناس تؤثر فيهم وتتأثر بهم،تفعل وتفتعل، تتعرض لكثير من الأزمات ومن التقلبات، ففيها الأفضل وفيها الأسوأ ومنها ما يتعرض لأزمات قاتلة تسرع من فنائها.ولعل أخطر ما يهددها هو غرقها في التقليد وتكرار الذات المستمر،بعد أن تستنفذ أغراضها وأساليب كتابتها،فتصبح فقيرة في بنائها ومحتواها.حيث تصبح عبارة عن وسيلة لنقل الأفكار و العبر والعظات،حيث الأفكار حينها تبدو جاهزة و بارزة يسقطها الكاتب داخل الشكل القصصي القصير جدا.
[1] - عادل الفريجات، النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سورية ، ص 10
#محمد_يوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمالية السرد النسائي
-
قراءة في كتاب -نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا- للدكتور ح
...
-
جمالية الفوضى في ديوان -صمت يساقط أكثر-لعزيزة رحموني
-
الوصف و الدلالة قراءة في كتابات الأديب إدريس الجرماطي
-
المضمر الخفي و المشترك الثقافي في القصة القصيرة جدا
-
عتبات القصة القصيرة جدا
-
فائض المعنى في المجموعة القصصية - سرير الدهشة- للأديب محمد أ
...
-
جمالية السرد العجائبي في - موتى يقلقون المدينة - للقاص السور
...
-
النص الأدبي: المعنى و المبنى
-
التباينات الخطابية في رواية أمريكانلي للأديب صنع الله إبراهي
...
-
شقائق النعمان
-
القصة القصيرة جدا الفهم...الإفهام...الإقناع...الاقتناع
-
السخرية السوداء في-وطن وسجائر... بالتقسيط-للقاص أحمد السقال
-
تقويض بنية اللغة في “مرايا” للقاص سعيد رضواني
-
الرمز في الشعر المغربي المعاصر
-
حدود السرد وحدود السيناريو في -كائنات من غبار-للروائي هشام ب
...
-
مستويات الرؤية إلى العالم في القصة المغربية المعاصرة
-
من أجل رواية حداثية-ليلةإفريقية-لمصطفى لغتيري نموذجا
-
قضية الموت أم موت القضية في -فتنة المساءات الباردة-للمختار ا
...
-
بنية التقاطع السردي وتفاعلية النصوص دراسة في -وشم العشيرة- ل
...
المزيد.....
-
هل تؤثر الشاشات على ذكاء طفلك؟.. كشف العلاقة بين وقت الشاشة
...
-
-سنجعله عظيما مرة أخرى-.. ترامب يعين نفسه رئيسا لمركز -جون ك
...
-
قناة RT العربية تعرض فيلم -الخنجر- عن الصداقة بين روسيا وسلط
...
-
مغامرة فنان أعاد إنشاء لوحات يابانية قديمة بالذكاء الاصطناعي
...
-
قتل المدينة.. ذكريات تتلاشى في ضاحية بيروت التي دمرتها إسرائ
...
-
في قطر.. -متى تتزوجين-؟
-
المنظمات الممثلة للعمال الاتحاديين في أمريكا ترفع دعوى قضائي
...
-
مشاركة عربية في مسابقة ثقافة الشارع والرياضة الشعبية في روسي
...
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|