محمد القصبي
الحوار المتمدن-العدد: 4449 - 2014 / 5 / 10 - 18:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم الكم الهائل من التفاصيل التي تمكن الكاتب أحمد عبده وباقتدار من حشدها في صفحات كتابه " ثورة يناير والبحث عن طريق " الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ..إلا أنه من الجور تبنيد الكتاب كمرجع تاريخي توثيقي عن أحداث ثورة 25 يناير 2011 ..هو بالفعل كذلك ..لكنه أيضا رسالة حتى للمصريين أنفسهم الذين يجهلون طبيعة هذا الجينوم الفريد الذي يتفردون به ..
في الفصل الثاني من الكتاب ترد تلك العبارة: كما استخفت إسرائيل باستعدادات مصر لخوض الحرب ضدها فى أكتوبر 73 , استخف نظام مبارك بالدعوة للثورة والمظاهرات المعلنة على الفيس بوك والتويتر فى 25 يناير !
تلك العبارة التي قد يراها القاريء وكأنها وردت بشكل عفوي عبر تدفق سطور الكاتب حول وقائع الثورة ..إلا أنها تعد تحذيرا لمن لا يستوعب جينوم هذا الشعب ..فإن بدا سطحه ساكنا مستكينا ..وربما قانطا ..فالدواخل مغايرة تماما ..حيث تموج بالغضب والإصرار على المواجهة ..درس ليس فقط على أي حاكم لمصر أن يعيه ..بل وكل القوى الإقليمية والعالمية ..لاتبنوا أحكامكم على ظواهر السطح ..لأعماق المصريين أبجدية أخرى..حروفها ..نعم أحد حروفها الصبر ..وقد يكون مديدا ..لكن ثمة حروفا أخرى على شاكلة الكبرياء والعزة والكرامة ..حروف لاتبهت أبدا حتى لو امتد صبر المصريين عقودا ..
لذا لم يبالغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين قال : ما حدث فى مصر يمثل إلهاما للبشرية .
ولقد أحسن المؤلف حين صدر كتابه بتلك العبارة.
وما أكثر العبارات ذات الدلالات العميقة التي يحتشد بها الكتاب ..
في سطوره الاستهلالية للفصل الأول والمعنون ب " الغليان ومقدمات الانفجار " يقول الكاتب أحمد عبده "
! الثورة الشعبية هى أقدس فعل تقوم به الشعوب , لولا مايصحبها من فوضى وانفلات " ..
ومتن النصف الأول من العبارة كان يقيننا خلال الأيام الأولى لثورة 25 يناير إلى أن رضخ الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وتخلى عن موقعه في الاتحادية ..لكن النصف الثاني من العبارة أصبح الكابوس الذي يطاردنا حتى في ساعات صحونا ..الأمر الذي دفعني إلى تنظيم ندوة في قاعة مصطفى أمين بمؤسسة أخبار اليوم ..وكان عنوانها مفزعا حتى أن زملائي في جريدة المسائية اقترحوا علي تغييره ..لكنني رأيته الأكثر تعبيرا عن أحوالنا في مطلع 2012 ..كان عنوان الندوة : هل يشعر المصريون بالحنين إلى حكم مبارك ؟ ونشرت مقالا في جريدة القاهرة بذات العنوان ..وفإن لم تخني الذاكرة فقد ذيلته بعبارة تنطوي على هذا المعنى : إن لم تنصت القوى الثورية إلى صوت العقل ..وتلتف حول رؤية واضحة لانقاذ الوطن من حالة الفوضى التي تعصف به فليس مستبعدا أن يخرج ملايين المصريين ليحاصروا سجن طرة مطالبين بعودة مبارك إلى الحكم !
وكتاب الصديق أحمد عبده " ثورة يناير والبحث عن طريق" ليس فقط مؤلفا نجتر مع صفحاته ذكريات 25 يناير بنشوة أنستولوجية أو بمخاوف على فقدان أهم ما يحرص عليه المصريون -الأمن والاستقرار- .. ..بل هو يقدم لنا الماضي القريب نبراسا لمستقبل نصنعه لمصر القوية الناهضة الجديرة بأن تكون مركز حضارة القرن الحادي والعشرين ومابعده ..
وتبدو في هذا الشأن عبارة الكاتب
"ليت الشعوب تطهرنفسها بنفسها أولا بأول , مع ولادة كل ظلم وظالم " ..فانتظار الشعب - حتى لو كان الصبر من شيمه - ثلاثين عاما لينقلب على نظام فاسد ليس من الحكمة في شيء ..ويقينا الفاتورة سيكون بمقدور المواطن البسيط أن يتحملها ..لو كشر عن أنيابه منذ اللحظة الأولى لتولي الحاكم مقاليد الأمور ! درس ينبغي أن يعيه المصريون وكل شعب يبحث عن مكانة له تحت شمس الحضارة الحديثة .
والكتاب في توثيقه للأحداث يضفر ما بين تقنيات التحقيق الصحفي وحميمية السرد الشفهي والتي تحسب للكاتب حيث تجعل الكتاب مقبولا من القاريء العادي وليس فقط المؤرخ والمثقف العام ..بل ويضع هذا القارئ طرفا في الأحداث ..وكأن مسرحها الزمني اللحظة الآنية..ويجعله يفكر مع الخبراء العسكريين والسياسيين وفقهاء الدستور مع كل مأزق تنزلق إليه ثورة يناير فيما ينبغي أن يكون عليه المخرج ..حتى لو كان مأزقا دستوريا معقدا..كهذا المأزق الذي بدا البعض يتحدث عنه قبيل تنحي مبارك بساعات ..وقد أوجزه
الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون , وعضو مجلس الشورى فى نظام مبارك ..على النحو التالى :
السيناريو الأول : فى حالة تنحى مبارك .. يؤدى ذلك بالضرورة إلى تولى رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية .. على أن تجرى انتخابات الرئاسة خلال 67 يوما وفقا لشروط المادة 76 المجحفة , والتى ترفضها المظاهرات المشتعلة فى شوارع وميادين الجمهورية .. وفى هذه الحالة لن يكون هناك تنافس .. ولن تتاح الفرصة لمرشحين .. إلا بشروط هذه المادة المجحفة .
- السيناريو الثانى : الرئيس يحل المجلس .. ويعين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا للبلاد , ثم يتنحى .. لكن هذا الخيار يؤدى إلى فراغ دستورى , فأين مجلس الشعب لكى يقر تعديلات دستورية .. أهم مادة فيها هى المادة 76 .. لكى تتيح إجراء تنافس حقيقى على الرئاسة . وأيضا لن يتمكن رئيس المحكمة الدستورية من إقالة الحكومة .
- السيناريو الثالث : تفويض الرئيس اخصاصاته لنائبه .. لكن التفويض فى اختصاصات الرئيس غير دستورى .. فلم ينص الدستورعلى التفويض فى اختصاصات الرئيس .. لكن وفقا للمادة 83 من الدستور .. فإنه .. إذا حل مانع مؤقت برئيس الجمهورية يحول دون ممارسته لمهامه كالمرض أو السفر .. فإنه ينيب عنه نائب الرئيس .والنائب فى هذه الحالة ليس من حقه تعديل الدستور أوإقالة الحكومة أو حل مجلس الشعب .. وبالتالى ستجرى الانتخابات الرئاسية فى سبتمبر "2011" بنفس الشروط الظالمة للمادة 76 .
- السيناريو الرابع : بقاء الرئيس .. ويعدل الدستور .. آراء تقول بأن هذه الحالة ــ من الناحية العملية ــــ هى الأفضل دستوريا .. لتحقيق مطالب الشباب دون اعوجاج دستورى .. فسوف يتم تعديل الدستور .. فى مدة أقصاها 75 يوما .. بما فيه المادة 76 ..و بما يضمن التنافس الحقيقى على الرئاسة .. ثم الاستفتاء على التعديل .. ثم تعديل قانون الانتخابات الرئاسية .. والذى سيحتاج إلى رقابة من المحكمة الدستورية العليا . بعدها يمكن تنحى الرئيس بشكل رسمى لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة , أوالانتظار لنهاية ولايته .. حيث سيتم فتح باب الترشح فى يوليو , وهذا أفضل نموذج لانتقال السلطة سلميا .. مما يجنب البلاد الفراغ الدستورى والفوضى .
..كما أن الكتاب تتدفق سطوره - خاصة مع سرد وقائع الثورة سواء في الشوارع أو الغرف المغلقة – أحاسيس زهو في دواخل قارئه إن كان شارك في هذه الأحداث التاريخية وبالحسرة إن كان قد تقاعس عن المشاركة فيها.
وكما لايخفى على أحد مازالت دقائق وساعات تقويم الثورة تختزن أسرارا تتعلق بمواقف مؤسسات ورموز .. وهذا هو حال كل الثورات التي قد تمضي العقود دون أن تبوح بأسرارها ..وأحد الأسئلة التي مازالت إجاباتها مغلفة بالغموض ..موقف المؤسسة العسكرية من طرفي الصراع - ثوار الميدان ..ومؤسسة مبارك- ..ويدلي المؤلف بدلوه في هذا الشأن حيث يقدم رؤية أراها جديرة بالاهتمام ..حيث يلخص موقف المؤسسة العسكرية فيما يلي :
-المجلس العسكرى اتخذ الثورة فرصة " جاءت له وحدها " للتخلص من وراثة الإبن .. فكان واضحا قبل الثورة امتعاضه ورفضه لمشروع التوريث !
ــــ حاول الحفاظ على تماسك الدولة أثناء زلزال الثورة .. وتحت ضغط الجماهير ضحى بالرأس .. مع الحفاظ على جسد النظام .. فهو عضو فعال في هذا الجسد .. ومتورط فى تكوينه وتصرفاته .. على النحو الذى أدى لقيام ثورة .
ـ المجلس العسكرى لم يتعامل بمنطق الثورة .. لغياب البعد الثورى عن " شيوخ الضباط " هؤلاء .. ولكنه تعامل مع الموقف بمنطق إدارة أزمة أصابت النظام الذى ينتمى إليه .
ـ الثوار -والمفروض أنهم الأصل فى الثورةـ لم يتمكنوا من إدارة المرحلة الانتقالية .. ولم يصلوا لإدارة شئون البلاد .. هبت عليهم موجات قوية لإضعافهم .. ساهم فيها التيارالإسلامى بالتذأب والمناورات والخداع .. كما لم يمكنهم المجلس العسكرى من ذلك .. فأعرضوا عن مصافحته والتحاور معه .. فغابوا عن مطبخ الحوار والاتفاقات والقرارات والتدابير .. ففقدوا بوصلة الثورة .. ووقعوا فى شرك شعار " يسقط حكم العسكر " الذى صنعه الإخوان .. تمهيدا لإخلاء الطريق أمامهم , فكان أن تشتتوا عمليا وتفرقوا فكريا .. وجاء ارتباك المرحلة الإنتقالية .. فى الحكم .. بما لاتشتهيه الثورة !
أما التيار الإسلامي فيراه الكاتب متعدد الأيديولوجيات .. مُتحد فى التوجهات .. ليس فى قاموسه الثورة ولاالفكرالثورى .. المراوغة سبيلهم للوصول لمأربهم ..و كانوا سببا رئيسا فى إرباك وتشتت المشهد السياسى منذ استفتاء مارس 2011 بإقحام البعد الدينى فى خيارات وقضايا الوطن السياسية فى المرحلة الإنتقالية والمراوغات السياسية لقضايا دينية .. فالإخوان مثلا –يقول الكاتب - هم آخر من دخل الثورة وأول من خرج منها .. حيث التحقوا بالثورة فى رابع أيامها .. يبحثون عن المناورات التى فى صالحهم .. وبعد التنحى أخذوا لهم جانبا .. لايشتركون فى فعالية يخسرون بها ورقة سياسية .. تحالفوا مع المجلس العسكرى .. وراحوا يفكرون :كيف سينقضون على السلطة .
ويؤكد الكاتب أن الجدل الدينى غطى المساحة الكلية للثورة .. وبدا الأمر كأنها ثورة إسلامية قامت لتربية اللحى .. وبناء المساجد وطباعة المصاحف .. وتطبيق شرع الله فى بلد مهترئ .. ولم تقم من أجل الأولويات .. الحفاة والعراة والجوعى , والمقهورون فى معتقلات أمن الدولة .
لقد أخبرني الصديق أحمد عبده بعزمه عن إصدار جزء ثان عنوانه "الشرق الأوسط أبو لحية " ..لذا أنصحه بأن يعتني تماما بتنقية صفحاته من الأخطاء المطبعية والنحوية واللغوية ..إنها تمثل بؤر عوار في الكتاب الذي صدر ..خاصة أن مؤلفه معروف عنه أنه أديب متميز ..متمكن من أدواته اللغوية .
#محمد_القصبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟