احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:52
المحور:
الادب والفن
لكشت زوجتي، انظري خفية الى الطاولة المقابلة، من ساعة ما قعدنا وزبون العوافي يبحلق فينا، انسان غريب يأكل كالفجعان، يلبع ولا يمضغ، وبسرعة كأنه مطارد، وعيناه تبحلصان فيّ، كأني غريم له او له دَين في رقبتي، بعد ان نظف "شختور" وجبة المشاوي كفت كأسين من اللبن في جوفه تجشأ بتدريعة تنافس بقوة صوتها رعد كوانين، لو كان بريطاني او اوروبي جالسا في "مشاوي عمان الكبرى" لسابق الريح هربا معتقدا بحدوث انفجار ارهابي.
تعجبنا عندما جاء الى طاولتنا وبدون شور او دستور ربخ على الكرسي وقال: "فكرتك بالاول هنديا، هندي وبحكي عربي، اثرت فضولي يا اخ، فهل انت هندي ام عربي، والتعارف سنة يا محترم!"
لا اعرف لماذا لم يدخل مزاجي، كشيت منه، واردت بتر الحديث معه بجملة واحدة، قلت: انا عربي فلسطيني احمل منذ سبع وخمسين سنة شهادة لاجئ بالغصيبة، اعمل حراثا في الحقل الوطني وأصلي من قرية البروة المهجرة ولم يتركني الوطن لاتركه! ياه! نحن من نفس المنطقة، قال وتابع: الظاهر انك متورط في البطيخ المسمر اللي اسمه سياسة ووطنية وثورة وفلسطين، شو بدك بصنعة وجع الدماغ هذه، دوّر على معيشتك ومصلحتك، معك قرش بتسوى قرش، وبينما اخذ نفسا وشرب كوبا من الماء قرصتني زوجتي في فخذي وهمست في اذني: "امسك اعصابك، طوّل بالك مع هذا الطبل الاجوف" ! تابع: انا بصراحة كنت من اتيس الطلاب في الجامعة، انهيت البكالريوس في ادارة الاعمال بالشحشطة والواسطة، سافرت من لبنان الى احدى دول الخليج، اشتغلت في شركة استيراد وتصدير كموظف صغير، صاحبها من اغنياء البلد، حطيت عيني على ابنته، مع انها معطعطة واسود منك يا اخ، لا تزعل، (قلت في عقلي كمل يا ابن المنبوطة)، بصراحة غويتها وحملت مني واضطر والدها، الموافقة على زواجها مني. مصلحتي فوق الدنيا، ابتعدت عن شوشرة الجالية الفلسطينية واجتماعاتها وتظاهراتها وتبرعاتها للانتفاضة، بلا انتفاضة بلا بلوط، قلت لنفسي، يا اسماعين ربك معين، السياسة لا تطعم خبزًا، ابعد عن شرها، بكرة بتطبق بثروة العطعوطة وابوها. في ظرف سنة بعد زواجي عيّنني ابو العطعوطة مديرا لاعماله مع انه يدرك انني اغبى موظفيه، تكفي شهادة القربى! ما رأيك يا اخ؟!
تصور يا اخ ان سبحانه وتعالى منّ علي بسكرتير ابن حلال وفهيم وذكي، ويقوم بكل اعمالي ويستر على افعالي، اعوض على حياتي مع العطعوطة بالطفاش في دنيا الله الواسعة لامتع نفسي، ما خليت شقراوات لندن ولا حول العينين في الصين ولا سمراوات بيروت وعمان والقاهرة وتونس يعتبن علي. وجعر بضحكة اشبه بخوار الثور، امتشق من جيبه سيجارا كوبيا بطول الشبر، اخذ يمصمصه كأنه يرضع درة وحلمة بقرة، وقال: شو رأيك بحياتي يا حرّاث السياسة ؟ قلت له، لو سمعك ابو حيدر حسين خطار اليركاوي لقال لك كما يقول لأمثالك "لو كان هالعسكر عسكرنا من راس الدبوس انتصرنا" شو يعني الدبوس؟ إسأل اللي خلّفتك.
انتفضت زوجتي ولم تستطع التحمل اكثر، صارت كشرتها رطلين، نخعت وبصقت وقالت: لو كل لاجئينا من امثالك لتنازلنا عن حق العودة، الحمد لله النكرة قلائل جدا، غُص في اوحال انتهازيتك وبذخك الآثم، مبروك عليك الظلام، اما الصباح المشعشع نوره فلشعبنا.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟