ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 19:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"الاعتقاد رهان حكيم،علما ان الايمان لايمكن اثباته،ما الضرر الذي سيحدث لك لو راهنت على انه حقيقي وثبت العكس؟اذا ربحت،فستربح كل شيء،واذا خسرت،فلن تخسر اي شيء.راهن اذا دون تردد على ان الله موجود"
-باسكال-
لم يكن بليز باسكال1623-1662 رياضيا عبقريا فحسب،بل كان فيلسوفا ومفكرا بارزا ايضا.كان ينظر ويتعامل مع الواقع الموضوعي بالمنهج العلمي الامبيريقي،والذي يعتمد معطيات التجربة والتحقق.ولكنه من اللجانب الاخر،كان يلجا للحدس الروحي والتأمل الفلسفي،فيمايتعلق باللاهوت والمشاعر والوجدان،والموقف من الوجود والمطلق والانسان.كان باسكال يحاول،وبحماس،التوفيق المتعسف،والموازنة القلقة،بين نزعته الروحية الميتافيزيقية المتشددة في ايمانها،وبين الاتجاه العقلي والعلمي الخاضع للتجربة والمنطق الوضعي.كان مرنا ومنفتحا في ازدواجيته وتناقضه بين العقل والعلم،والروح والايمان!.فلم يكن عقلانيا خالصا،وفي نفس الان،لم يكن دوغمائيا متخشبا لحد ما!.حاول ان يكون وسطيا وتعادليا في جمعه المتعارض والمتذبذب،والبعيد عن الاستقرار بين العقلانية والميتافيزقية!.ومن هنا تمكن من ان يحظى بأحترام واعجاب وتقويم معاصريه،ومن اتى بعده من عقلانيين ملحدين،وعلمانيين مؤمنين،وحتى ايضا من مفكرين ماركسيين تميزوا بالرصانة والعمق،كغولدمان ولوفيفر.ولسسنا بصدد الحديث عن فلسفة باسكال الدينية،وابداعاته في مجال الرياضيات والفيزياء.مايهمنا هنا هو ماوردفي خواطره التي كتبها وكانت مجرد مسودات لم تنشر في حياته.وهي في مضمونها وحقيقتها دفاعا حارا ومخلصا عن ايمانه الديني(المسيحي)والذي كان شديد الاقتناع بصدق حيثياته.والذي نشر بعد وفاته ككتاب بعنوان(الافكار).وما يهمنا بالتحديد هو:ماورد في تلك الخواطر من صيغة الرهان الشهيرة والمعروفة ب(رهان باسكال).وهو الذي اعتمد على منطق حساب الاحتمالات الرياضي.يقول باسكال عن رهانه،والذي يبين-والاحرى يقرر-فيه المكسب والخسارة بحساب الاحتمالات،وهو ما يدخل حيز المقامرة واللعب المحض!.فهو يقول:"ان الايمان بالله ومن ثم اكتشاف وجوده فعليا،سوف يكون ربحا بلا حدود،اما اذا كنت مؤمنا واكتشفت لاحقا ان الله غير موجود فالخسارة هناطفيفة ومحدودة،واللاعب الماهر والعاقل هو من يراهن على الربح اللامحدود،واذا خسر فخسارته هينة لايعتد بها لانها محدودة قياسا على الفوز العظيم في حالة ربح الرهان!!.ان باسكال هنا يربط ما بين:الايمان كيقين داخلي سايكولوجي خالص وبأمتياز،بما هو عرضه او قابل للتشكيك او اللايقين النسبي والمطلق،هذا اذا ما اخذنا به!.نحن لانعرف كيف وفق باسكال بين مذهبه الكاثوليكي المتزمت(الجانسينية)وبين رهانه القلق والعابث في اعتباطيته وهشاشته كرهان؟؟!!.وهنا نسأل:هل هذا الرهان هو برسم المؤمنين وموجه اليهم؟!لا طبعا،وكما اعتقد.فما حاجة المؤمن الواثق من ايمانه الراسخ في يقينه لرهان عابث وشكوكي كهذا،يعكر العقيدة بالشك والقلق ويزعزع الثبات في الايمان؟!وهذا من طبيعة المراهنة والمقامرة،الحظ والصدفة والاحتمال!!!.ويتفرع من السؤال سؤال:ايجوز وهل من المنطق ان يبنى ايماننا الديني او اعتقادنا اللاهوتي على لعبة مراهنة ام مقامرة؟!.اي ايمان سقيم بالغيب والمطلق هذا؟؟!!واي قناعة هشة بالعالم الاخر هذه؟؟!!.ان ترمي نردا،راغبا بالربح،ورافضا ومجازفا بالخسارة الواردة والمحتملة!!!.وهنا يحضر السؤال الرئيسي الاخر:هل هذا الرهان موجها للمشككين والملحدين واللاادريين كنوع من التوفيق والمصالحة،ومساومة تنازل وحل منطقي للصراع،وكرهان رابح جدا في حالة الفوز،وخسران طفيف في حالة الخيبة وخسارة الرهان؟!.وهنا وكما اظن:نعم.فقد حاول باسكال بخطابه هذا،كسب الملحد اللامؤمن واللاادري المتردد والذي لم يحسم قناعاته بعد في قضية شائكة وجدالية لم يبت العلم فيها بكلمته الاخيرة،كما وان الدينلم ولن يثبت ذلك بقول فصل!.جرب باسكال هداية وتحييد الخراف الضالة باللجوء للرهان الاحتمالي،بدل الشك والقلق المدمر،وبدعوى انهم لن يخسروا شيئا ذو قيمة امام الربح الوفير!!.من طبيعة الرهانات انها تعتمد كليا على المجازفة الاحتمالية غير المحسومة النتائج اونسبيتها.كالتاجر الذ يجازف بصفقة او مشروع غير مضمون،قد يربح او يخسر!.وكالرياضي الذي يلفه القلق في سباق العدو خوفا من ان لايفوز ويسبقه عداء اخر اسرع منه،وغير ذلك من نشاطات وممارسات ومواقف واعمال تعتمد الحظ او الصدفة او ترجيح الاحتمالات والنتائج الايجابية والسعي من اجلها.ولكن ان يدخل الرهان واللعب حقل الايمان بالمطلق والعالم الاخر!!فهذا نوع من الصبيانية الهازلة والعقيمة والهشة والتي لاتصمد للمحاجة وتفتقر للجدية والرصانة في مقاربة العقيدة الصافية والسامية،وبالضد من الايمان القار.فاللاهوت ويقينه الجازم والتام،وروحانيته المتسامية والمسلمة للايمان المطلق بالمطلق!لاتستقيم ولاتنسجم،بل وتتعارض مع قواعد لعبة تعتمد او تتكأ على احتمالات حتى ولاواحد بالمئة من الخسارة!!فشتان بين الايمان بالله والمراهنة على حصان في سباق الخيل!!!فهذا يناقض بقوة مباديء الايمان واولياته القائمة على التسليم والخضوع واليقين اللامتناهي دون ذرة من ريب او شك.هذا جانب،والجانب الاخر فيما يتعلق باللامؤمنين والملحدين واللاادريين:كيف لي ان المراهن على الوجود الالهي،من عدمه،ان اقامر واجازف بفقدان تجربة واحدة معاشة ولن تتكرر ابدا،احياها مرة واحدة فقط،واحيط نفسي بسور رهيب من التابوات والشرائع والطقوس،وارمي نردي الغبي على احتمال وجود حياة اخرى،لست واثقا،بل مشككا بحقيقتها،واعتقد بزيفها وتوهمها؟؟!!!ان الامر يمكن عكسه هنا وبمنطق وصيغة باسكال نفسه:ان عدم الايمان بالله،ومن ثم اكتشاف وجوده ستكون خسارة معرفية هينة.اما اذا كنت غير مؤمنا واكتشفت لاحقا-كيف سأكتشف ذلك؟؟!!-ان الله غير موجود!فالربح هنا بلا حدود فحده الحياة نفسها التي تعيشها بعمق وطولا وعرضا مستمتعا بها وتغادرها وانت سعيد لانك عشت حقا وبلا اوهام.وهكذا نجد ان ما افترضه باسكال من ربح غير محدود برهانه على وجود الله،وخسارة طفيفة ومحدودة لو كان الله غير موجود.هو دعوة للخسران المبين.ان:اضحي بوجودي اليقيني والوحيد وتجربتي اليتيمة كذات لن تتكرر،من اجل وجود مختلق ووهمي ومشكوك فيه!فهذا منتهى الغباء والسفاهةّان يقامر الانسان بحياته الواحدة والحقيقيةوالفعلية والتي سيغادرها بعد حين،من اجل حياة افتراضية،لايمكن ابدا التحقق من وجودها!! هو الحماقة بعينها!.ان رهان باسكال وكما اعتقد كان رهانا ذاتيا خالصا لتبديد شكه وريبته هو-باسكال-وكنوع من الايحاء والاقناع الذاتي وكمنطق لروح قلقة تفتقد اليقين ومن اجل الراحة النفسية والسلام الداخلي لحرب النوازع اخترع باسكال رهانه وقامر على صحته!!ولكن يبدو ان رهان باسكال كان رهانا خاسرا -على الاقل بالنسبة لنا نحن الاحياء-فهو يرقد الان ومنذ خمسة قرون ونصف تختلط عظامه بتراب الارض في قبر!لافي في الجنان التي حلم بها وراهن عليها!!!!!!!!!!
...........................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟