ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 23:30
المحور:
الادب والفن
قصيدتان.. وعنوان واحد: الى شاعر، بعد ألف عام!
ماجد الحيدر
إرسال وصايا أو نصائح أو رسائل بعينها الى الأجيال القادمة، أو الى شعراء الأجيال القادمة بالتحديد، واحد من الثيمات المتكررة في الآداب العالمية. نقدم هنا قصيدتين تحملان العنوان نفسه " الى شاعر، بعد ألف عام" كتب الأولى الشاعر الإنكليزي جيمس إلروي فليكر1884-1915 (سبق أن ظهرت في كتابي "عبور الحاجز-قصائد من الشعر العالمي" الصادر في بغداد عام 2007، مع بعض التعديلات التي ارتأيتها مؤخراً) أما الثانية فهي للشاعر الإنكليزي الأحدث منه جون هيث ستبس..1918 –2006
إن عقد مقارنة سريعة بين القصيدتين وأسلوب الشاعرين فيهما يعكس بوضوح النزعة الرومانسية-التفاؤلية للأولى والنزعة الساخرة-التشاؤمية للثانية، تلك التي كتبت في عالم ما بعد الحربين الكونيتين والسلاح الذري وثورة الاتصالات والذكاء الاصطناعي وما بعد التصنيع.
(1)
جيمس إلروي فليكر
الى شاعرٍ ، بعدَ ألفِ عام
جيمس إلروي فليكر Flecker, James Elroy (1884-1915) : مع تسنم الملك جورج الخامس عرش بريطانيا عام 1910 اقترح بعض النقاد والشعراء إطلاق تسمية الشعر الجورجي على أعمال عدد من الشعراء المعاصرين منهم "روبرت كرايفز" و "والتر ديلامير" و"هارولد مونرو" و "ج. إ. فليكر" وآخرون. وقد نشرت بالفعل خمسة مجلدات من "الشعر الجورجي" بين عامي 1912 و 1922. وبرغم أن المواهب الفردية للعديد من هؤلاء الشعراء أمر لا يمكن تجاهله فإن هذه "الموجة" المتسمة بالرومانسية الفجة والعودة الى استلهام الطبيعة والريف سرعان ما خبا بريقها وطواها النسيان فصار مصطلح الشعر الجورجي يستعمل على غير ما أراد له مطلقوه. أكمل فليكر دراسته الجامعية في أوكسفورد وكامبردج حيث درس اللغة العربية وغيرها من اللغات الشرقية ونشر أول مجموعاته الشعرية "جسر النار" قبل تخرجه ، ثم قضى عددا من السنوات في القسطنطينية "استنبول" وفي لبنان حيث عمل قنصلا مساعدا غير أن صحته ما لبثت حتى تدهورت ليقضي نحبه متأثرا بمرض السل وهو في ريعان شبابه. كان فليكر شاعراً وكاتبا مسرحيا ومن أشهر مسرحياته "حسن" و"الرحلة الذهبية الى سمرقند" اللتان نالتا ثناء النقاد وتضمنتا بعضا من أحسن قصائده الغنائية. إن وصفه للعادات والتقاليد الشرقية مؤثر ويدل على معرفة جيدة بالشرق.
الى شاعرٍ ، بعدَ ألفِ عام
ج إ فليكر
أنا الذي متُّ قبلَ ألفِ عامٍ
وكتبتُ إليك هذه الأغنيةَ القديمةَ العذبةَ
إليك أطلقُ الكلماتِ
رُسُلا في الطريقِ الذي.. لن أمرَّ عليهِ.
ليسَ يعنيني أنكَ ستمدُّ الجسورَ بين البحارِ
أو ستطيرُ آمنا في السماءِ القاسية
أو تُعلي شوامخَ القصورِ
من الحجرِ أو من المعدن.
لكن أخبِرني : أما زالَ عندكم خمرٌ وموسيقى
وتماثيلُ ، و حبيباتٌ نجلاواتُ
وخواطرُ ساذجاتٌ عن الخيرِ والشرِ
وصلاةٌ تؤدّونَها للجالسينَ في العُلى ؟
وكيف سننالُ الظفرَ ؟ تهبُّ أوهامُنا
مثلَ ريحٍ في المساء،
قد قالها ميونيديسُ الأعمى العجوز (*)
قبلَ ثلاثة آلافٍ من الأعوام.
إيهٍ يا صديقي الذي لمّا يولدْ، لمّا يُرى أو يُعرَف
يا دارسَ لسانِنا الإنكليزيِّ العذبِ
إقرأ في الليل وحيدا كلماتي حتى النهاية
لقد كنتُ شاعرا ، كنتُ فتِيّا.
ولأني لن أرى مُحَيّاكَ البتّةَ
ولن تصافحَ يدي يديكَ
أرسلُ إليك روحي عبرَ الفضاءاتِ والأحقاب
كي تقرأَ عليك السلامَ .. وستفهمُ أنتَ كلَّ شيء.
(*) Maeonides : هو الاسم الثاني للشاعر العظيم هوميروس مؤلف الأوديسة والإلياذة.
النص الأصلي:
Flecker, James Elroy
TO A POET A THOUSAND YEARS HENCE
I who am dead a thousand years,
And wrote this sweet archaic song,
Send you my words for messengers
The way I shall not pass along.
I care not if you bridge the seas,
Or ride secure the cruel sky,
Or build consummate palaces
Of metal´-or-of masonry.
But have you wine and music still,
And statues and a bright-eyed love,
And foolish thoughts of good and ill,
And prayers to them who sit above?
How shall we conquer? Like a wind
That falls at eve our fancies blow,
And old Maeonides the blind
Said it three thousand years ago.
O friend unseen, unborn, unknown,
Student of our sweet English tongue,
Read out my words at night, alone:
I was a poet, I was young.
Since I can never see your face,
And never shake you by the hand,
I send my soul through time and space
To greet you. You will understand.
(2)
جون هيث ستبس
الى شاعرٍ، بعدَ ألفِ عام
جون هيث ستبس John Heath-Stubbs (1918 –2006) شاعر وأكاديمي ومترجم إنكليزي عرف بتأثره الشديد بالأساطير الكلاسيكية وبمعرفته الواسعة باللغة الإنكليزية التي منحها الكثير من وقته واهتمامه. ولد في لندن وتخرج من جامعة أوكسفورد ثم أكمل دراساته العليا في مجال الشعر. عمل تدريسيا في العديد من الجامعات العالمية ومنها الإسكندرية. أصدر خلال حياته العشرات من الدواوين والدراسات والأنطولوجيات الشعرية كما ترجم رباعيات الخيام وأشعار حافظ شيرازي وبول فرلين وصافو وهوراس وآخرين. بدأ منذ الستينات بفقدان بصره لكن ذلك لم يحل دون مواصلته نشاطه المتفرد الذي جعله واحدا من أهم ممثلي الأدب الإنكليزي المعاصر. يمتاز شعره، رغم رهافة الحس، بالقوة والحرفية العالية والصنعة المتقنة وهو ما جعله واحداً من شعراء النخبة. وهو، كأغلب الشعراء الرومانسيين، كثيرا ما يفصح عن حنينه الى الماضي الكلاسيكي الغابر.
الى شاعرٍ ، بعدَ ألفِ عام
ج هـ ستبس
أنا الذي متُّ قبلَ ألفِ عامٍ
وكتبتُ هذه الخطبةَ ما بعدَ-الكلاسيكيةِ
إليك أطلقُها- بخطها المتشابك- رغم شكي
بامتلاكك مهارةَ القراءة.
أنت، يا من بعيونك الوردية المتحولة وراثياً
جثمتَ في المستنفع الموبوء بالإشعاع
تحت ملجأٍ راشح
لتقرأ هذي السطور
تحت مصباحٍ وامضٍ مضطرب
أو اتخذت مسكنا
في جنة بلاستيكية، من عُدَدٍ حمقاءَ
وجدت فيها كل ما تريد،
فلم يدر بخلدك
أنها قد تكون جحيماً
لكن أخبِرني : أما زالَ فننا الأدبي حيا بينكم؟
أما زالت الشعراء في مستنقعكم ذاك
تتلو حكايات من قرننا العشرين
تطفح بالحنين الى الماضي
في ملاحمَ فطرية خشنة؟
أم أن الحواسيب،
بدلاً من أغنيات الحب والحرب،
ملأت الآفاق بشعارات رسمية
وصلوات.. للجالسينَ في العُلى؟
وكيف سننالُ الظفرَ؟ تخبو كبرياؤنا
مثلَ حمرة غسقٍ في الأصياف.
ومن سيقرأ لي بعد رحيلي؟
من يقرأ "إلروي فليكر" الآن؟
وما لم تكُ ، أيْ شاعري العزيز،
ولدتَ، مثلي، متأخراً عن زمانك،
ما من سبب يدعوك لتقرأ،
ناهيك أن تفهم،
هذي القوافي!
النص الأصلي:
John Heath-Stubbs
To a Poet a Thousand Years Hence
I who am dead a thousand years
And wrote this crabbed post-classic screed
Transmit it to you—though with doubts
That you possess the skill to read,
Who, with your pink mutated eyes,
Crouched in the radioactive swamp,
Beneath a leaking shelter, scan
These lines beside a flickering lamp--;--
Or in some plastic paradise
Of pointless gadgets, if you dwell,
And finding all your wants supplied
Do not suspect it may be Hell.
But does our art of words survive—
Do bards within that swamp rehearse
Tales of the twentieth century,
Nostalgic, in rude epic verse?
Or do computers churn it out—
In lieu of songs of War and Love,
Neat slogans by the State endorsed
And prayers to them, who sit above?
How shall we conquer—all our pride
Fades like a summer sunset’s glow:
Who will read me when I am gone—
For who reads Elroy Flecker now?
Unless, dear poet, you were born,
Like me, a deal behind your time,
There is no reason you should read,
And much less understand, this rhyme.
يمكنكم الاستماع الى القصيدتين باللغة الإنكليزية من الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=EGObZEQACNw
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟