|
تحليل رواية 1919 لأحمد مراد
سامح محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 13:20
المحور:
الادب والفن
تتميز كتابات أحمد مراد بأنها تقوم بخلق جو خاص يجعلك تعيش الرواية كأحد أفرادها ، أو شخص يشاهد الأحداث من بعيد و هو ما يجعل رواياته مميزة جداً و تنقى عن ذلك الوصف الأحمق "روايات التيك أوى" .
و تتميز تلك الرواية (1919) بأنها ليس فقط لعرض لحال المجتمع المصرى خلال حقبة زمنية معينة ، بل هى إنعكاس لما حدث خلال الثلاث سنوات و نصف الماضية و ذلك منذ إندلاع ثورة 25 يناير ، فلم تكن مصر خلال تلك الحقبة الزمنية تختلف كثيراً بعد 25 يناير إلا فى مقدار ما كان متوفراً من تكنولوجيا أو تشريعات قد توصف عند البعض بأكثر تحرراً كممارسة البغاء بترخيص حكومى و هو الأمر الملغى الآن بموجب التشريع رقم 10 لسنة 1961 .
و لعل المميز فى تلك الرواية هى قيام مؤلفها بأسناد البطولة لأربعة شخصيات ، و هو أمر يختلف كلياً عن روياته السابقة ذات البطل الواحد و السنيد ، كما أن إنتقاء مراد لشخصيات البطولة قد تم بعناية فائقة تعكس فهمه للحقبة الحالية ، فهى إظهار لطبيعة الشخصيات التى ظهرت على الساحة بعد 25 يناير ، كما أن الآمر سيان فى إختياره للشخصيات الفرعية بالرواية .
فبالنسبة للشخصية الأولى"سيلان أو ورد" فهى تجسيداً رائعاً للإضهاد الذى يحدث للأقليات و للمرأة داخل هذا المجتمع ، فبعد هروبها و هى طفلة مع والديها تجنباً لما قام به الأتراك للأرمن من مذابح فأنوثتها قد تعرضت للأنتهاك على يد "سلامة النجس و بنبة العايقة" فى منزلهما المرخص لممارسة البغاء . فالأمر لا زال سارياً حتى الآن من إنتهاك لحقوق الاقليات و المرأة و أيضاً ما يحدث للسوريات على أرض مصر و غيرها من البلاد ، فالثورة قد كشفت القناع عن ذلك الوجه الخبيث للمجتمع المصرى من إضهاد للمرأة و وضعها فى صورة تختزل كأداه جنسية خسيسة و أيضاً من إضهاد للعرق الاجنبى و الدينى و كأننا خلقنا من تراب الجنة ، و لنا فى ما يحدث من تحرش للنساء و سكوت المجتمع و إالقاء اللوم على الفتاه آيه و كذلك ما يدفعه الأقباط جراء نزاع سياسى قد تدفعهم و للأسف سلطاتهم الدينية إليه ، و أيضاً ما حدث للسوريات من بيع و على يد المتكلمين بالدين و كأننا فى سوق للنخاسين و كله بما يرضى الله .
و بالنزول للشخصية الثانية بالرواية و هى "أحمد عبد الحى كيرة" ، ذلك الشاب المجتهد و المثابر الذى حارب ظروف الحياه ليخلق تلك الكينونة المقعدة و التى عرضها أحمد مراد ببراعة . فأحمد كيرة هو رمز للوطنية و إحترام الايدلوجيات و أصحابها و ما أكثرهم الآن و لكننا لا نعرفهم إلا بعد أن يحملةا لقب شهيد دفاعاً عما يؤمنون به و فداء لأصحاب الأفكار . إن أمثال هؤلاء الشباب يتعرض طيلة حياته للتكفير أو التخوين و الذى اصبح عادة يشترك فيها أبناء هذا الوطن و هو دائماً يصب فى مصلحة العدو ، فأحمد كيرة تم وصفه بالمخرب و المتطرف و هو ما حدث منذ 25 يناير و حتى الآن فمازال الثوار يوصفون بالخونة و العملاء بالرغم من إفنائهم لحياتهم لذلك الوطن ، الوطن المتحجر القلب الذى لا يتقن شعبه سوى مبادىء العبودية ( عاش الملك مات الملك ، و سيدى هو رغيفى ) الأمر الذى يعكس ماذوكية عجيبة لهذا الشعب .
و عن الشخصية الثالثة و هى "عبد القادر الجن" أبن الفتوة "شحاتة الجن" ، تلك الشخصية التى أحببتها و أعجبت بها و إن مقتها فى أول الأمر و التى ظهر أنه هى الشخصية الأروع فى الرواية ، فهى تمثيل للمصرى الأصيل . فالظروف هى من جعلت عبد القادر يتعامل مع الإحتلال فى تجارة السلع الغذائية و المخدرات التى تدر عليه دخلاً مكنه من شراء سيارة ، إلا أنه لم يتهاون حين جاء ميعاد الوطنية و الدفاع عن الأرض و العرض ، فهو الأصيل الذى دافع عن "ورد و دولت" متحدياً بذلك التقاليد الحدادة و الصرامة المشبعة لعقله و دمه . فعبد القادر يمثل القليل جداً من بعض شباب الآن الذين يعرفون أن الشرف إذا آمنت به فيجب حمايته و ذلك دون سلطوية ذكورية متعفنة و إنما بجدعنة و رجولة ، فتلك الأخيرة لا يعبر عنها إلا تصرفات و حكمة صاحبها ، فالرجل ليس هو ذلك الحامل لأعضاء ذكورية فقط و إنما هو ذلك الحكيم فى أفعاله و فى رجاحة عقله فهو الظهر الذى يستن عليه الضعيف ، فهو الذى يطالب بالحق و الثأر معاً دون أن ينسى إنسانيته .
و عن الشخصية الرئيسية الرابعة و الأخيرة و هى"سعد زغلول" و هى شخصية حالمة تخشى أن يكون أسمها من تلك التى يلحقها العار ، فهو يعشق الظهور و البروز و هو يمثل حالياً بعض النشطاء ممن أصبحو بعد يناير 2011 أشهر من نجوم الكرة و السينما . فسعد يرى أنه يمكن حل أزمة الأحتلال بالين و المفاوضات تارة و العنف تارة و ذلك حين وافق على نشاط اليد السوداء قبل أن يجحفها بعد إستشهاد أحمد كيرة ، و الغاية من ذلك ليش إظهار تذبذب الشخصية الواضح فى مطلع الرواية و إنما إظهار رغبتها فى الحفاظ على سمعتها و لتسجيل أسمها بحروف من نور فى تاريخ مصر . فهناك الآن من النشطاء أصبحوا مع التيار و آخرون ضد التيار و لكن ليس بغاية الوطن و غنما لكى يحتفى بوطنيتهم و ذلك حتى يتمكنوا من تطبيق ايدلوجياتهم ، فالوطن بالنسبة لهم لا وجود له إلا بتلك المرجعية التى يؤمنون سواء إن كانت مطبقة أو على الأقل تحترم بنص قانون .
و لما كان لا يمكن لتلك الشخصيات أن تتعاون إلا بوجود أخرى فرعية فقد خلق أحمد مراد العديد من تلك الشخصيات ، و لعلى أحاول ذكر أهمها و بأختصار مدعم بالربط عن سابقاتها .
فنحن نرى الفتاه الأرستقراطية"نازلى" التى لا تعى شيئاً هى فقط سعيدة بما يحدث تحسب الأمر لعبة فتمرد الشخصية نابع من أنانيتها ، فهى لم تشارك فى المظاهرات بل تكتفى بالحضور لمنزل سعد لمقابلة زوجته"صفية" . فها هى تفعل مثلما يفعل البعض الآن على مواقع التواصل الإجتماعى من نشر صزره بطريقة الـ(FAMOUS) حتى يقول أنا هنا ، فنازلى أحبت أحمد كيرة بطريقة (التيك أوى) كنوع من التسلية و إرضاء تمردها المكتوم المغرور و لتجربة شيئاً لم تعهده من قبل . نازلى ليست كـ "دولت" لا تعرف شعور الكادحين من الشعب و المتمسكين من أجل ذلك بسعد ورفاقه ، فدولت هى تلك الشخصية التى تعكس أصالة فتيايات مصر و رغبتهم الأكيدة فى التحرر من تابوهات المجتمع(RL) و إظهار أنهم لسن مجرد نزوة للرجال .
فدولت إمرأة عاملة فى ظل حقبة لا تسمح للنساء بالخروج إلا مرتديات برقع يغطى وجها ، فى الثائرة التى تدافع عن قضية مؤمنة بها أشد الإيمان لا يهمها ايدلوجيات أو أشخاص و إنما الوطن فى المقام الأول ، فها هى تضع سمعتها و حياتها من أجل قضيتها فقد قتلتها جدعنة انساء على يد أخيها"ياسين" ذلك الصعيدى الذى يتكلمون عنه فى الأساطير و الرويات بوصف يفوق الخيال فهو القاهر للظلم المدافع عن الحق! .
فالأمر على غير الحقيقة فالصعيدى ليس سوى عبداً للنظام طائعاً له مقابل حفاظ ذلك النظام على خرافاته القبلية و التى لا يثور إلا إذا مست تلك الخرافات ، و لكن هيهات هيهات لما كنتم توعدون سيأتى يوماً نتخلص فيه من العفن الفكرى الصعيدى و نخلق مجتمعاً متحضراً لا يعبد فكرة أو شخص. فياسين قتل دولت الحرة ،"ياسين" هو ذلك الذى ضرب بالسياط كالبهيمة و أجبروه على قتل رفاقه ، فهو الراضى عن الظلم و الساكت عن الحق كالشيطان الخرس ، فمنذ عودته لا يعمل و لا يكد غارقاً فى ذكرياته على ما جرى له على يد الإحتلال دون ان يعترض أو يحاول إستعادة حقه بالنضال كأخته دولت ، فهو نقيضها تماماً مثله مثل "سلامة النجس و بنبة العايقة" أرباب الرزيلة المقننة و لكن بخلاف الأسلوب . فسلامة و بنبة لا يهمهم ما يحدث إلا بمقدار تأثير ذلك على بضاعتهم فالأمر أشبه بما فعله المصريين بعد الثورة أنكروها فقد وصفوها بوقف الحال و اننا كنا نصنع القنابل النووية فى السابق ، فهم لا يعرفون سوى الخبز الأسود الذى ياكلون كذلك فعل ياسين الذى أغلق عينه عن الحق و قتل أخته دولت كما قتلت ورد من قبل على يد سلامة و بنبة حتى حررها عبد القادر أبن البلد الحقيقى و أحمد كيره الناشط الحقيقى ، فكم تعرض النشطاء للتخوين و التكفير تحت تصفيق هذا المجتمع و كم دافع هؤلاء الحمقى عن عادات و تقاليد بالية لا تزيدهم سوى قيد على قيد .
كما تعكس الرواية صورة أخرى من صور التكافل و الإنسانية و ذلك فى أدوار بسيطة جسدتها كلاً من"بديعة مصبنى و ميشيل بولتس" صاحب كافيه ريش فكلاهما لم يكن مصرياً و وقفا بجانب القضية الوطنية و الانسانية و هو الأمر الذى حدث فى بداية الثورة و مازال يحدث حتى الآن .
كما توضح الرواية من يقاتل فقط من أجل مصلحته و رغبته فى الحصول غلى قطعة من الكعكة ، "الأهوانى" هو ذلك الشخص الذى إذا حادثته يخونك ألوبه فأمثاله هم الذين يعجبك قولهم فى الحياة الدنيا و يشهد الله على ما فى قلبه و هو الد الخصام . فالأهوانى باع كيرة و عبد القادر كمن باع رأس المسيح بثلاثين قطعة من الفضة ، فتخيل أن شخص يضيع حياته و يتحمل السجن فقط لأنه طامع فى السلطة مثله مثل من يعتقد أن الطريق للجنة هو إراقة الدماء . إلا أن إنعكاس تلك الشخصية هو نتاج لرد فعل طبيعى للاجحاف من قبل الزاصلين للسلطة بعد ثورة مثلما فعل الإخوان " وهو فى الرواية مصطفى النحاس" مع الثوار فأنقلبوا عليهم و أستغل العدو الحادث و فعلوا مثلما فعل الانجليز قدموا الحرية فى مواجهة الأمن ، و إن اختلف ذلك عن تصريح 28 فبراير الذى قدمه الانجليز لمصر .
و لهذا فرواية 1919 هى إنعكاس لما حدث منذ ثلاث سنوات و نصف فكانت نهايات الأبطال حتمية الحدوث ، فالجهل يسود المجتمع و الرضا بالظلم و القيام بالتخوين يتشبع بهما دمائه . فمن الطبيعى أن يموت الإنسان و يبقى المسخ حياً ، فالمسخ هى الغريزة المتوحشة التى يسعى الإنسان بكافة السبل لرضائها مقابل توقفه عن إستعمال العقل لأستبيان الحقيقة من الواقائع ، فالحكمة هى النظر للأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان كما قال أبن رشد.
#سامح_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمك - لبن - تمر هندى
-
أم الدنيا
-
جمهورية نعم العظمى
-
وجه العنصرية القذر
-
لماذا الشوارع حواديت ؟
-
مبارك شعب مصر - ادخلوا مصر إنشاء الله آمنين
-
المبحث الثالث : صراع الحضارات
-
المبحث الثانى : نظام الاسرة الابويه
-
رمز المقاومة - ملالا يوسف رازاى
-
أتوبيس نقل عام
-
العداء مع الحضارة
-
التابوهات الثلاثة
-
الكافرون بالحرية - المبحث الاول : حرية الاعتقاد الدينى
-
الانسانية بين الوهم و الحقيقة
-
الحقيقة المأساوية
-
رواية الأفاعي صرخة ضد الجهل والإرهاب
المزيد.....
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|