|
الثقافة النخبوية ، وحقوق المرأة .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 20:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لم تعد أغلب الجهود الثقافية ، المبذولة من قبل المهتمين بشؤون المرأة في المنطقة العربية عموماً ، وفي العراق على وجه الخصوص ، بحاجة الى التذكير بكون أن تلكم الجهود ، سوف تبقى محكومة بمصير لا حدود لمعالمه ، وانه سيبقى في ذمة المجهول ولفترات زمنية قد تمتد لحياة أجيال متعاقبة جديدة ، تضل المرأة خلالها تعاني من الحرمان والتشرد وهدر الكرامة والخضوع لسنن القوانين المتخلفة والمجحفة .. كل ذلك إن لم تتوفر للمجتمعات العربية عموماً الوسائل والصيغ التي تسير بها نحو المعرفة الحقيقية بتفاصيل حقوقها المشروعة ، وإن لم تعي تلك المجتمعات ، بنسائها ورجالها ، من هم اعدائها الحقيقيين ، وكيف يمكن للطاقات الفاعلة فيها وخاصة شريحة الشباب ، أن تتقدم صوب صروح الرجعية بمختلف صنوفها ومواقعها ، بهدف هدها وازاحتها عن مراكز التأثير ، وإحلال معايير الحداثة والمدنية محلها ، كي تعم مظاهر الثقافة النافعة وغير المرتبطة بأية أجندات سلفية أو دينية أو مذهبية جامدة . لقد تعرضت النساء في بلادنا ، ولزمن غير منظور ، الى شتى صنوف الاستغلال ، وتكالبت عليهن أبشع مظاهر العبودية المخزية ، لتكون المرأة مجرد محطة يجد الرجال عندها ملاذاً ترتاح فيه شهواتهم المتدنية ، فكانت مفاهيم الزوجة المطيعة ، والابنة البارة المبتعدة عن مراكز الرذيلة ، تشكل لب الدعوات التي تروج لها المنابر العدوة لحقوق النساء ، وحيكت اكثر الشباك قوة للايقاع بالمرأة وايهامها بأنها مخلوق من الدرجة الثانية ، وانها عليها ابداء الطاعة المطلقة لولي أمرها والقيم على حياتها ، حتى تحظى بمرضاة الله ، ولكي تكون صالحة ولا يحكم عليها بالنشوز عن مسالك الأخلاق والفضيلة . تحت ذرائع هذه الشرائع المتخلفة ، سيقت المرأة ، وبدم بارد ، لتذبح على دكة حمامات الدم ، و تحرق وتقتل ، وتجبر على الانتحار حينما لا تجد من يناصرها ويقف الى جانبها ضد الرجل المتلحف بقوانين تحميه ، وتطلق يده وبكل حرية ، للنيل من كرامتها وبشكل مطلق . في جو كهذا ، مفعم بالظلم ، راحت العديد من أوساط الثقافة الموصوفة بانها مدنية ومناصرة لحقوق المرأة ، تكتفي باعداد الديباجات ( الناعمة ) والمستندة في أغلب تفاصيلها على أجزاء من فلسفات قديمة لم تعد بمقدورها أن تضع لنا تفاسير مقنعة لما جرى في جسد المجتمعات العربية من تغيير .. انها أصول لمفاهيم شكلت في زمنها أسساً لبناء مجتمعات أكثر تطوراً ، غير أنها ، وبمرور الزمن ، أصبحت بحاجة الى توفير القدرة على مقاومة أسلحة مغايرة ، امتلكتها جحافل الرجعية المعادية لحقوق الانسان وحقه في ممارسة حياته بحرية واقتدار . ان المرأة في بلادنا ، وبشرائحها الواسعة ، تفتقر اليوم ، وبشكل لم يحمل لنا التاريخ العربي منذ بدايته ، صوراً مشابهة ، الى ابسط وسائل المعرفة ، وهي ان لم تكن أمية لا تقرأ ولا تكتب ، فهي ضحية الابتزاز المستند على الفقر ، ويحرث جوانب حياتها اليومية معول العوز ليجعل منها مشروعاً جاهزاً للاستغلال الذكوري وفي أي وقت يشاء .. فهي تشحذ ومعها اطفالها على قواطع الطرق العامة ، وتجمع شتات القمامة لتبيعها الى محلات تدوير النفايات وبأرخص الأثمان ، وهي عاملة رخيصة الأجر في معامل صنع طابوق البناء ، وهدفاً لتوفير المتعة العابرة من خلال شتى انواع الزواج المؤقت ، لا تحميها القوانين ، ولا تقف الى جانبها السنن مهما كانت مصادرها ، تأكلها الاعراف العشائرية البالية بتهم جاهزة ومدعومة من قبل منابر الافتاء الديني المتربصة بها شر تربص .. المرأة في بلادنا ، أصبحت ، وفي اغلب كياناتها ، عبارة عن هياكل يلفها السواد ، ويكبلها اليأس ، وتميت عناصر العطاء في دواخلها كوابح الخوف من الوقوع تحت رحمة الجلاد .. انها مأمورة بأن تقر في بيتها كي لا تكون فتنة للرجال ، وان تحركت خارج حدود منزلها فستكون عرضة للتحرش الجنسي وباوسخ صوره .. هي لوحة جميلة تمنح الذكور متعة الاستجمام وراحة النفس ، لتغطيها بعد ذلك خرقة تسترها عن مشاعية الانحطاط حسب ما أقرته الذكورية العربية المنبعثة من اعماق إرث الصحراء . المرأة في بلادنا ، تعج بوجودها المحاط بمشاعر الذل ، قاعات محاكم الاحوال الشخصية بهدف ايقاع الطلاق بحقها لا لسبب غير انها قد اصبحت سلعة ( عتيقة ) لا ينتفع منها الزوج على سرير طلب اللذة .. وما دامت تلك السلعة متوفرة في واحات العرض ، فلا بأس من استبدالها وبأيسر السبل . هذا جانب لم تعرض فيه كل التفاصيل الدقيقة لحياة النساء في بلادنا ، لعدم امكانية ذلك ، كونه مستحيلاً بحكم السرية المطبقة على المنافذ المؤدية الى فك طلسم هذه الحياة . ولكن .. واعتماداً على هذه الحقائق . ماذا يمكن للثقافة المناصرة لحقوق المرأة ، عمله لكي تكون منصفة ، وقادرة على إحداث فعل مؤثر وبقدر ما ، يدفع بحياتها الى حيز أفضل ؟ . ان الدعوة الحثيثة والجادة ، لأقامة صروح لمنظمات المجتمع المدني ، المتسمة بالقدرات الذاتية على البقاء في ساحة الصراع مع الاجهزة المتنفذة في السلطة ، وخاصة التشريعية منها ، بهدف اجبارها على الانحياز لحقوق النساء ، والابتعاد عن معاداة هذه الحقوق ، هو من المهام الملقاة على عاتق المثقفين العرب ، والعراقيين منهم ، إذ أن المتوفر من تلك المنظمات حالياً ، إما أن يكون محكوماً بانتماءات حزبية تضيق عليه حرية الابداع ، وتسد أمامه سبل الوصول الى قاع ما تعيشه المرأة من واقع مزري ، أو أنه موجود لاغراض الانتفاع الذاتي فحسب . على المثقفين العرب ، والعراقيين منهم ، العزوف عن الاستمرار في عزلتهم الخانقة عن الجماهير ، وعدم الاكتفاء بصيغ التخاطب النخبوي المنقطع الجذور ، وعليهم الانحدار الى قاع الحياة العامة لرسم صيغ فنية صادقة تعبر عن واقع ما تعيشه تلك الجماهير ، ومنها النساء .. عليهم أن يفتحوا منافذ يكثر عددها وتبلغ سعتها بمقدار الحيف الواقع على حياة البسطاء من الناس ، ومن ثم الشروع بتنفيذ بواعث تعريف النساء بطبيعة حقوقهن وتحريضهن على المطالبة بهذه الحقوق . اننا بأمس الحاجة اليوم ، الى اعادة الحياة الى الابداع الثقافي المنتمي الى صفوف الشعب ، لتعود الينا المسرحية الشعبية ، والاغنية الشعبية ، واللوحة الشعبية واضحة الخطوط ، والى القصيدة المبتعدة عن محاولات التزلف الى الحكام .. اننا بامس الحاجة اليوم ، الى خلق وعي ثقافي تعبوي تعد له النخبة المثقفة ، وفق برامج مكثفة ، الهدف منها هو زحزحة عناصر اليأس من نفوس العامة من شرائح المجتمع ، وفتح مسالك الفرح أمامهم بدل المسالك المؤدية الى العيش وفق قدرية لم تترك فيهم غير حب الموت وكره الحياة . هذا ما نحن بحاجة اليه .. وليس تلك المصوغات الفكرية العصية على الفهم ، والتي تدور في ذات المحور ، لا جديد فيها ولا منفعة .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ويبقى النفط العربي .. هو المصير
-
أفواه ... ودخان
-
النهاية المحزنة اقتربت .. فهل ثمة من يسمع ؟؟
-
رائحة القبور ..
-
الهجرة المعاكسة للفلاحين .. هي الحل .
-
اليابان .. وآمال شاكر الناصري
-
مرة أخرى .. من أجل يسار موحد .
-
حصار الثقافة .
-
منظمات المجتمع المدني في العراق .. والدائرة المغلقه
-
الأستاذ برهان غليون .. انه النبأ اليقين
-
حقوق المرأة في اقليم كرستان .. الى أين ؟
-
الحرب الطائفية في سورية .. وكذبة الأمة الواحدة
-
حقيقة التدخل الدولي في سورية ( مداخلة مع الاستاذ سلامة كيلة
...
-
فراشاتي الثلاثه
-
هجرة الارياف الى المدن ، واحدة من الاسباب المهمة لظاهرة البط
...
-
بذور عباد الشمس
-
رمية في بحيرة الربيع العربي .
-
كنت في القاهره ( تجربة في طيات مخيلة ممنوعة من السفر )
-
داء الوعي
-
أوراق صفراء
المزيد.....
-
نضال الكلمة السورية من قلب المعتقلات إلى فضاء الشهرة
-
مصر.. تحذير جديد من عقار يؤدي للاغتصاب
-
مقتل امرأة بحادثة طعن في إسرائيل
-
نجم الأهلي السعودي يفاجئ صديقته بطلب الزواج في الملعب (صورة)
...
-
المغرب: تقييد تعدد الزوجات يثير ضجة
-
منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر anem.dz شروط التقديم وخط
...
-
السجنة 15 عاما لامرأة متهمة بالخيانة في القرم
-
العثور على رفات 100 امرأة وطفل كردي في مقبرة جماعية بالعراق
...
-
شبح النظام الأبوي يلاحق النساء إلى -أروقة العدالة-.. لبناني
...
-
كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 والشروط m
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|