|
نحو نظام عالمي مالي جديد
عبدالله جناحي
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 04:53
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
صندوق النقد الدولي مؤسسة نقدية دولية تتحكم في مصير النظام النقدي والمالي العالمي، وهو احد أضلاع المثلث الاقتصادي العالمي المكون بجانب الصندوق من البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية.
وكان لهذا الصندوق دوراً كبيراً في الصراع الأيديولوجي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي أبان الحرب الباردة، حيث ساهم في تعميم بل وفرض نماذج الرأسمالية الاقتصادية الليبرالية في دول العالم النامي من تحرير الاقتصاد و التخصيص وإلغاء الدعم الحكومي للخدمات العامة والتركيز على تقليل العجوز في موازنات الدول وبالأخص الميزان التجاري.
وكان للولايات المتحدة الأمريكية الدور الأكبر في تسيير سياسات هذا الصندوق، بل وتغيير مجرى الاقتصاد العالمي أمام أزماتها المستفحلة، فلقد دشنت انهيار نظام النقد الدولي الذي قام على أساس اتفاقية بريتون وودز منذ عام 1945م والذي تميز نسبياً حتى بداية السبعينات من القرن المنصرم بثبات أسعار الصرف عالمياً، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس 1971م وقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وهو الأساس الجوهري الذي قام عليه نظام النقد الدولي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتم بعد ذلك تعويم أسعار الصرف بعد مؤتمر جاميكا عام 1976م.
وتوالت الأزمات النقدية منذ ذلك التاريخ من النمو الفلكي للدولار الأوروبي (أورودولار) وقدرته الهائلة على خلق السيولة مع تعويم أسعار الفائدة العالمية مروراً بالصدمتين البتروليتين عامي 1973 و 1997م حيث زلزلتا بعنف علاقات التبادل غير المتكافئ بين الدول النامية المصدرة للنفط مع الدول المستوردة له، ومن ثم بروز الفوائض النفطية التي خططت الدول الصناعية وبتأييد واضح من صندوق النقد الدولي ورضوخ فاضح من حكومات الدول النفطية على إعادة تدويرها إلى أسواق النقد العالمية وإعادة ضخها عبر شبكة البنوك التجارية الدولية بهدف تسوية العجز المتنامي الذي بدا يظهر في موازين مدفوعات البلاد المستوردة للنفط، حيث سارعت الدول الصناعية برفع أسعار صادراتها، الأمر الذي خلق صعوبات مالية قاسية في موازين مدفوعات الكثير من الدول النامية، و قام صندوق النقد الدولي بدوره المخطط له بالضغط على هذه الدول النامية لتنفيذ المزيد من سياسات التحرير الاقتصادي ووضع القروض الدولية مما أدى بدورة أيضاً إلى بروز أزمة المديونية الخارجية في عقد الثمانينات من القرن المنصرم.
الضفة الرأسمالية الأخرى:
غير أنه ومن عقر دار قائدة الرأسمالية الراهنة بدأ نمو النقيض الذي بدأ صداه يأخذ دوره في القارة الأوربية، حيث تبنى البرلمان الإيطالي أطروحة عالم الاقتصاد والسياسة الأمريكي ليندون لاروش حول إفلاس النظام المالي والنقدي العالمي الحالي وضرورة تأسيس نظام عالمي عادل جديد. رؤية الاقتصادي لاروش في هذا الشأن تتمثل في الفقرة التالية: إن امما عديدة في العالم، ومنها دول عربية" تقوم تحت إغراءات بمساعدات ومنح مرة وتهديد مرة أخرى بتطبيق سياسات اقتصادية مطروحة من قبل المؤسسات المالية والنقدية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تسيرها مصالح حفنة من الأسر المصرفية في الولايات المتحدة وبريطانيا بدعم من إدارة بوش الحالية و حليفتها بريطانيا ودول أخرى. وإن هذه السياسات الاقتصادية المفروضة التي تخضع لها دول عربية وغيرها من الدول النامية من تقشف قاتل ورفع الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية وما يسمى "تحرير الاقتصاد و فتح الأسواق المالية المحلية" للاستثمار الأجنبي وغيرها من الشعارات البراقة هي جزء من المحاولة الأخيرة لنظام مالي عالمي مفلس ينهب تلك الشعوب. إن ما لا تدركه حكومات هذه الدول هو أن النظام المالي العالمي أو نظام الدولار العائم الذي بدأ منذ أن فرض هنري كيسنجر وجورج شولتز على الرئيس الأمريكي نيكسون التخلي في عام 1971م عن نظام بريتون وودز الذي تأسس عام 1944م، ورفع الدولار عن قاعدته الذهبية وتعويمه، إن هذا النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة فبدلا من الارتجاف خوفاً أمام الماكينة العسكرية للتحالف الأنجلو أمريكي، على هذه الدول أن تدرك إن اقتصاد الولايات المتحدة وبريطانيا مفلسان، و أن القاعدة الصناعية لهاتين القوتين يتم نهبها من قبل نفس المصالح المالية في وول ستريت ولندن التي تنهب دول العالم.
هذه المصالح المالية لا تكترث بالصالح العام للشعب الأمريكي أو البريطاني. على هذا الأساس أن النظام الذي عليه أن يخشى على نفسه من التغيير هو الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية. على هذا بدأت تحركات معارضة لاستمرار هذه السياسات الاقتصادية الهدامة في الولايات المتحدة وأوروبا من قوى وطنية في داخلها تريد إعادة الولايات المتحدة إلى الجمهورية الدستورية التي كانت قبل وفاة الرئيس فرانكلن روزفلت، ووقف الزحف نحو تحويل الولايات المتحدة إلى إمبراطورية عسكرية فاشية. ان نزع مخالب وأسنان مؤسسات الطبقة الأوليجاركية المالية الأنجلوأمريكية التى تقف وراء إدارة بوش و سياساتها العدوانية في العالم هو الذي سيوقف المسير نحو خلق حروب جديدة إقليمية وأهلية وتغيير الأنظمة خاصة في الشرق الأوسط و أفريقيا وآسيا الوسطى. ماذا جرى في البرلمان الإيطالي؟ في حدث تاريخي قام البرلمان الإيطالي بالمصادقة على اقتراح يدعو الحكومة الإيطالية إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي على مستوى قادة الدول و الحكومات لصياغة نظام مالي و نقدي عالمي عادل جديد، هذا الاقتراح، الذي تمت المصادقة عليه بأغلبية ساحقة تمت صياغته من قبل باولو رايموندي ممثل حركة لاروش في ايطاليا بالتعاون مع النائب البرلماني ماريو ليتيري الذي قدم النص الأصلى مع زملاؤه في البرلمان من جميع الأحزاب الإيطالية تقريباً.
النمو غير الطبيعي للاقتصاد المالي
تشير إحصائيات بنك التسوية الدولي، إلى الخطر القادم للانهيار البنيوي للنظام العالمي نتيجة لفقاعة العقود الآجلة الهائلة التى تشترك فيها البنوك العالمية وصناديق التحوط والاستثمار. وعليه قام عالم الاقتصاد والسياسية الأمريكي ليندون لاروش لفترة من الزمن بتحليل أسباب هذه الأزمة النظامية وقدم حلولا لإعادة تنظيم مجمل النظام المالي و النقدي العالمي عن طريق مؤتمر بريتون وودز "جديد" وبناء على ذلك سيكون من الضروري التحرك لعقد مؤتمر للدول الصناعية الثمانية بمشاركة دول أخرى لمناقشة القواعد الأساسية لنظام مالي و نقدي عالمي قادر على تفادي الانهيارات المالية و قادر على إعادة تنشيط الاقتصاد الحقيقي، و كخلفية تاريخية اعتبر لاروش ان عقد مؤتمر بريتون وودز الأول في عام 1944م قد جاء على أرضية الخروج الوشيك من حرب عالمية. أما اليوم فإن الواجب يفرض أن نشن حرباً شعواء ضد الفقر في العالم و ذلك لتفادي تهديد نظام من شأنه ان يشعل ازمة اسوأ من ازمة العام 1929. ولقد أكد البرلمان الإيطالي ان الوقت قد حان لبناء بنية مالية جديدة تحمي الاقتصاد الحقيقي، مما يعني انه قد حان الوقت لعقد مؤتمر دولي جديد مشابه للمؤتمر الذي عقد في بريتون وودز في عام 1944على خلفية الرؤية الاقتصادية الجديدة.
لقد أشار البيان الصادر عن البرلمان الإيطالي إلى أن سبب تبني الدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي مالي لتأسيس نظام بريتون وودز جديد قد جاء في ضوء تطورات سلبية كبيرة في أسواق المال العالمية منها على سبيل المثال انهيار شركة بارمالات وضياع مليار دولار لا يعرف مصيرها لحد الآن، حيث كشف هذا عن عدم وجود الأدوات الفعالة و نظم السيطرة فيما يخص العمليات المالية وتصرفات تخص المشاركين في النشاطات الاقتصادية مثل شركات المحاسبة ووكالات تصنيف الاعتمادات و المستشارين الاقتصاديين والشركات التى تعوم الأسهم والسندات....الخ. وبعد انهيار صندوق التحوط (لونج تيرم كابيتال ماناجمينت) وشركة (اينرون) وبعدها السندات الأرجنتينية بالإضافة إلى شركة (تشيريو و بارمالات و فينماتيكا)، وهي الحالات الأكثر إثارة التى تقدم مؤشرات لأزمة قادمة. هذا الأمر، يعزز القناعة بان امة بمفردها، لا حتى أوروبا مجتمعة قادرة على ضمان السيطرة على قواعد وأسس النشاطات المالية وتطبيقها بشكل حازم. أن الأزمة المالية والمصرفية تثير مخاوف كبيرة ليس فقط بين المستثمرين الصغار والشركات الجادة، لكن أيضاً في اوساط الطبقات السياسية الحاكمة لمختلف البلدان المعنية. هناك ازمة تلف النظام المالي العالمي بأكمله، وهذا نظام يتوجه اكثر فاكثر نحو المضاربات البحته. في الواقع اذا حسبنا جميع المشتقات المالية والعقود الآجلة وجميع الاشكال الاخرى من الديون، تبلغ حوالي 400 ترليون دولار، مقارنه بإجمالي ناتج محلي لجميع دول العالم أكثر بقليل من 40 ترليون دولار في ذات الوقت، تشير اخر إحصائيات بنك التسوية العالمي في بازل ليس فقط إلى اتساع الهوة بين الاقتصاد الحقيقي و الاقتصاد المالي فحسب، بل و تكشف ايضاً الطبيعة الحقيقية لانفجار فقاعة العقود الآجلة المالية. يشير تقرير بنك التسوية العالمي الخاص بسوق العقود الآجلة في النصف الأول من 2003 الذي تم نشره في نوفمبر، إلى ارتفاع قيمة العقود بين يونيو 2002 و يونيو 2003 من 127،500 مليار دولار الى 169،700 مليار دولار، أي ارتفاع بمقدار 42 ترليون دولار في 12 شهر إضافة إلى البنوك الإيطالية المتورطة في قضيتي (بارمالات و تشيريو). وتعتبر البنوك الأمريكية الثلاثة "جي بي مورجان" و "بانك أوف أمريكا" و سيتجروب المسئول الرئيسي لهذا النمو المثير للحيره. كما يمكن ملاحظته من تقارير مؤسسة المراقبة المالية للعملة وهو مؤسسة حكومية امريكية، فإن مستوى قيمة العقود الآجلة التى لدى مصرف (جي بي مورجان) قد وصل إلى مليار دولار في يونيو 2003 بارتفاع قدرة 4،500 مليار دولار خلال ستة أشهر فقط. بينما وصل مستوى عقود مصرف بانك أوف امريكا إلى 33،300 مليار دولار و سيتي جروب إلى 4،300 مليار دولار.
لذلك طالب مجلس النواب الإيطالي الحكومة بأن تعمل من خلال القنوات العالمية المناسبة لكي يتم خلق بنية مالية عالمية جديدة تهدف الى تفادي الانهيارات المالية في المستقبل وعودة الفقاعات المالية، وعلى هذا الاساس ان يكون النظام المالي مسخرا للهدف الرئيسي المتمثل بدعم الاقتصاد الحقيقي. كما يطالب الحكومة باتخاذ كافة المبادرات الضرورية وفي اسرع وقت ممكن بالاشتراك مع حكومات اخرى لعقد مؤتمر دولي على مستوى قادة الدول و الحكومات مماثل للمؤتمر الذي عقد في بريتون وودز في عام 1944، لخلق نظام مالي و نقدي عالمي اكثر عدلا.
إن مؤتمر بريتون وودز الجديد يسعى لإقرار النقاط التالية:-
1. إعادة العمل بأسعار الصرف الثابتة للعملات بشكل مباشر
2. التوقيع على اتفاقية بين الحكومات تنص على تحريم المضاربات في الأدوات المالية والعقود العاجلة.
3. جميع الديون اما أن تلغى او يعاد تنظيمها.
4. إصدار اعتمادات جديدة من قبل الحكومات لخلق فرص عمل جديدة عن طريق الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الاقتصادية الأساسية الضرورية و التقدم التكنولوجي
5. بناء الجسر القاري الاوراسيوي (الاوربي – الاسيوي) باعتباره الحجر الأساس لإعادة بناء الاقتصاد العالمي، الذي يعتبر الرؤيا التى ستجلب ليس فقط معجزة اقتصادية بل و ايضاً السلام في القرن الحادي و العشرين.
6. عقد معاهدة "سلام و يستفاليا" جديدة سيضمن للخمسين عام القادمة استخراج المواد الخام و تصنيعها لصالح كل أمة على هذا الكوكب، إن ما تسمى "العولمة"، هذا النوع من الرأسمالية المفترسة، قد كشفت نفسها على انها مفلسة من النواحى المالية. إن الإنسان يجب ان يكون مركز الاقتصاد وعلى هذا الأساس على الاقتصاد ان يخدم الصالح العام. إن هدف النظام الاقتصادي العالمي الجديد هو ضمان الحقوق المقدسة للإنسان.
#عبدالله_جناحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النقابات العمالية وتراجع ثقلها النوعي في المجتمع المدني!!
-
المنظمات غير الحكومية ودورها المطلوب في وكالات الأمم المتحدة
...
-
الشباب والكوكبة
-
إصلاح سوق العمل والاصلاح الشامل: المتطلبات والضرورات
-
تحرير سوق العمل والضرورات المفقودة: خطاب إلى ولي العهد
-
ما أشبه الليلة بالبارحة
-
النقابات العمالية ودورها في اتفاقية التجارة الحرة: بين البحر
...
-
فقدان ثقافة التفاوض بين الحكم والمعارضة
-
الشقيقة الكبرى - السعودية - ومعوقات الاصلاح السياسي
المزيد.....
-
كوريا الشمالية تندد بالتدريبات العسكرية بين واشنطن وسول وطوك
...
-
اقتحامات واسعة للضفة والاحتلال يعتقل شابا من ذوي الإعاقة بال
...
-
منظمات روهينغية تدعو ماليزيا لتغيير ميثاق -آسيان- والتدخل لو
...
-
استشهاد فلسطينيين بقصف إسرائيلي لشقة سكنية في مخيم النصيرات
...
-
غارات إسرائيلية على الضاحية بعد غارة عنيفة على بيروت
-
الجيش الإسرائيلي يتهم حزب الله باستهداف موقع لليونيفيل
-
العراق يراسل منظمات دولية ردا على -التهديدات الإسرائيلية-
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|