أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان محسن - آراغون شاعر عصر















المزيد.....

آراغون شاعر عصر


عدنان محسن

الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


آراغون شاعر عصر
ترجمة: عدنان محسن
يقول آراغون على المرء أن يكون مجنونا كي يكتب عن الشعر، وأكثر جنونا يقول ببرنار دوفيل ليكتب عن آراغون.فقد مرّ على الأدب الفرنسي أحد عشر عصرا،واحدا منه شغله آراغون لوحده.
وضع آراغون بصماته على الأدب الفرنسي برمته،منذ القصيدة الأولى التي نشرها له شاعر فرنسا الكبير بيير ريفيردي في مجلة(نور- سود أي شمال-جنوب) عام1918م حتى آخر قصيدة كتبها وهو في الثانية والثمانين من عمره.
لم يكن آراغون شاهد عصره وحسب، إنّما كان أيضا طرفا في معظم الأحداث الأدبية والسياسية التي عرفتها فرنسا حتى يوم وفاته في العام 1982م. فمن الدادائية(1919م) إلى السريالية(1924م) إلى الانتساب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي،إلى مقاومة النازيين(1939م-1944م)،مرورا بالقضية المعروفة باسمه،هذا كلّه يلخّص تاريخ مرحلة سياسية وأدبية غطّت عصرا بأكمله.
هنا،ترجمة لحوار أجراه معه الصحفي الفرنسي جان جاك بروشيه ونشرته ( المجلة الأدبية) في عددها المكرّس لآراغون بعنوان (عصر آراغون)، حوار يلقي الضوء على فترة في غاية الأهمية في تاريخ الأدب الفرنسي.
عند إعلان الحرب سنة 1914م كنت تمارس الكتابة وتدرس الطب في الوقت نفسه، هل ثمّة علاقة بين ألاثنين؟
آراغون : لا علاقة بينهما البتة. كنت أدرس الطب إرضاء لأمي، أو فلنقل مجاملة لها.أيام الحرب كنت ممن سيرسلون إلى الجبهة بما ينطوي على ذلك من استحالة العودة منها سالما.أما الكتابة فحياتي كلّها قضيتها في الكتابة.كنت أكتب قبل أن أعرف القراءة والكتابة، إذ كنت أملّي على خالتي نصوصي.لم أكن أعرف إن كنت حقا كاتبا أم لا،وحتى عام 1917م عندما بدأت النشر لم أكن أعرف ما كان سيؤول إليه كلّ ذلك.لم يكن لديّ أي فكرة عن (المهنة)،كانت هذه الكلمة تثير الضحك عندي وتنطبق الحالة نفسها على جيلي.
يقودنا هذا الحديث إلى الحرب،أنها لعبت دورا مهما في حياتك.
آراغون:أتردد قليلا قبل الإجابة، وأسأل نفسي: أي حرب تقصد؟لقد عرفنا منها الكثير.في سنة1914م كانت الحرب دائرة وليس بالمستطاع التملص منها. ولمّا رأيتها بعيني فهمت أنها الرعب بعينه. لم تصدمني الحرب أكثر مما صدمني ما كان يقوله الناس عنها وعلى وجه الخصوص حماس الكثير من المثقفين لها.وقد ألحق هذا الحماس العار بعدد كبير منهم.كنت من الجيل التالي، وكنت مع جيلي، ومثل كلّ الأجيال،نحتقر من سبقنا أيما احتقار، وما جمعني بأندريه بروتون هو بالتحديد آراء مشتركة بمن سبقنا وأخرى تتعلق بالشعر والفن عندما التقينا عام1917م في مستشفى (فال دو كراس) وكان بروتون يدرس الطب مثلي،وكنّا مجندين كطبيبين مساعدين.
من هؤلاء الكتاب الذين ألحقوا العار بأنفسهم،هل تعتبر غيوم أبو لينير منهم في قوله (يا إلهي ما أجمل الحرب )
آراغون: (يا إلهي ما أجمل الحرب ) يمكن أن نقرأها بأوجه مختلفة، واحد من هذه الأوجه ساخر، ثم أنّ أبو لينير كان يتحدث بطرق مختلفة. البعض من جيلي صدمه الجانب الأكاديمي عند أبو لينير.والمفارقة أنّ هذا الجانب يظهر في ما يقول وليس في ما يكتب.وبالنسبة لنا جميعا كان أبو لينير رمزا شعريا وليس في ما كتب ما يلحق العار به.
بعد الهدنة بقليل ظهرت شخصية ترستان تزارا وظهرت الدادائية. وكنتم مع أندريه بروتون وفيليب سوبو،أصدرتم مجلة (ليتراتور)،أول مجلة دادائية.
آراغون: لم يصل تزارا إلى باريس إلا في نهاية عام 1919م ،أي بعد سنة من الهدنة.في ذلك الوقت أصدرنا المجلة، وسرعان ما ألتحق بنا رفيق رابع هو بول إيلوار. وقررنا دعوة تزارا إلى باريس كي يساهم معنا من أجل استمرار الحركة الدادائية التي أسسها في زيورخ. وفي نهاية عام 1919م قمنا بأول نشاط دادائي في باريس.كان تزارا يتكلم الفرنسية بلكنة واضحة جدا وكان لا يرغب في الحديث أمام الجمهور،فخطرت بباله فكرة بسيطة جدا ودادائية جدا،هي أن يقرأ مقالا مستلا من صحيفة يومية, وحالما بدأ القراءة رحنا بول إيلوار و أنا نقرع أجراسا صغيرة محدثين صخبا لم يفهم ولم يسمع أحد من خلاله، ما كان يقول، هكذا بدأت الدادائية في باريس.
عُرفت الدادائية بسبب فعاليات تثير الفضائح أو كان يُنتظر منها أن تثير الفضائح،فانسحب بروتون وسوبو وأنت،والتحق بكم آخرون.
آراغون: في البدء دعني أصحح استعمالك لكلمة (فضيحة).بالفعل كانت الدادائية تثير الفضائح ولم يكن هذا بالأمر الصعب،لأننا كنّا جميعا نعيش داخل الفضيحة.ما كنّا نفكّر به و نقوم به هو الفضيحة بعينها.
واليوم،عندما نرى ما آل إليه الدادائيون من اهتمام أناس في غاية الجدية من الجامعيين إلى الصحفيين،لا أملك سوى الانفجار من الضحك، فليس ثمّة غباء أكبر من هذا الذي يُقال عنها اليوم.و لو وضعنا الدادائيين وجها بوجه أمام صورتهم اليوم ،لانفجروا غاضبين.أما الآن فقد توارى غضبهم،بل أنّ الغضب نفسه بدا لهم شكلا من أشكال الدادائية ولكن بالمقلوب. والدادائيون أناس مختلفون. دادائية تزارا مثلا هي شكل من أشكال الهيغيلية، بينما كنّا نحن منصرفين إلى قيم تناقض الدادائية في جوهرها. من هنا حصلت القطيعة.كان تزارا يريد إلغاء كلّ شيء ولم نكن ضدّ مبدأ الإلغاء ولكن بقصد خفي.ولم نكن نقبل إلغاء بود لير أو رامبو فقامت مفاهيم الذين انتموا إلى السريالية على الدفاع عن الإرث الشعري الإنساني.هذا أمر لا يمكن التخلي عنه.
إل (لا شيء لا شيء لا شيء) لم تكن سوى مرحلة أولى إذن
آراغون: كانت هذه العبارة تنطبق على كلّ شيء من حولنا. على هذا العالم الذي مرّغ نفسه بالدماء عن طريق الحرب.والمسألة أبعد من هذه العبارة: السريالية محكومة بهاجس اكتشاف اللاوعي والباطني عن طريق العبقرية الشعرية.هذا هو جوهر الاختلاف بين السريالية والدادائية.وعلى أية حال كان تزارا يعتبر الدادائية مرحلة أسباب دوامها تكمن في اختفائها
وحدثت القطيعة أثناء انعقاد مؤتمر باريس.
آراغون:في الحقيقة إنها حدثت قبل المؤتمر،فمنذ ا زيارة سان جولين لو بوفر لم يكن بيننا وبين الدادائيين علاقة وثيقة.ثمّ شرع بروتون بالإعداد إلى مؤتمر باريس. وكان يريد منه تحديد قواعد عامة يلتقي حولها من انفصل عن الحركة ومن كان في السابق قد تعرض لهجومنا. وبالمناسبة لم أكن موافقا على المشروع برمته، لاعتقادي بأنّ السريالية ستفقد مسارها الأول إن هي صارت خليطا من الناس لا يجمعهم جامع.غير أنّي وافقت بسبب صداقتي لبروتون. وكما تعرف كان الفشل نصيب المشروع.
كانت السريالية إذن مجموعة أو (فريق) وكنت مع بروتون و سوبو أحد عناصرها الأساسية: النقاد وحدهم جعلوا منها حركة،أليس كذلك؟
آراغون:ليس الأمر تماما هكذا، الاسم جاءنا من خارج الحركة،تحديدا من جيرارد دو نرفال الذي كان يتحدث عن أل (فوق طبيعية) وكذلك أبو لينير وهو أول من استعمل الكلمة في كتابه (أثداء تريزياس).وكلمة سريالية لم تكن تغطي كلّ ما نقوم به.كانت الكلمة متداولة والصحف تستعملها للإشارة إلينا فانتهى الأمر بنا إلى الموافقة عليها وحاولنا منحها دلالة ما.
لكن السريالية في الكتابة سبقت تشكيل الحركة وينبغي تحديد ميلادها في الكتابة بين مايس وحزيران من عام 1919م .
في تلك الفترة كنت في الخدمة العسكرية وحال عودتي قادما من ألمانيا عرض عليّ بروتون وسوبو الفصول الأولى من (الحقول المغناطيسية) وهو نص كتباه معا ويعتبر أول تطبيق عملي لأفكار بروتون في الكتابة:السرعة في الكتابة من أجل إلغاء الرقابة الداخلية،هذه هي السريالية بالنسبة لنا في البداية.ثمّ أطلقنا على هذه الطريقة الكتابة الآلية.وقبلنا كانت الدادائية وكلّ ما دار حولها. وشيئا فشيئا لم تعد السريالية تتحدد بالكتابة الآلية فقط، إنّما أيضا بالمناخ الفكري المحيط بها وبمفاهيمنا المتعلقة بالشعر والأخلاق وحتى السوسيولوجي.
إذا استثنينا (الحقول المغناطيسية)، أنت أول من كتب نصا سرياليا في (موجة أحلام)
آراغون: لا، ليس هذا هو النص الأول. الأول كان بيانا سرياليا نُشر في مجلة (كوميرس).في هذا البيان حاولت تعريف بعض المفردات،مثلا،من أجل استعمال كلمة سريالية،بمعنى عام،كنتُ أحاول تحديد مدلولات معينة ك (فوق الواقع) و (فوق الواقعية) وأحسب أنّي أول من استخدم هاتين المفردتين.ويمكن القول إنّ كلّ ما كُتب بين عام1919م و1923م يندرج ضمن مفهوم السريالية الذي حدده بروتون (سريالي في شيء ما)في البيان الأول الذي صدر بعد كتابي (موجة أحلام) بقليل.ويمكن استعمال كلمة سريالية للتعريف بالمجموعة التي تشكلت من بروتون وسوبو وايلوار وآراغون،كما ينبغي إضافة من كنّا نطلق عليهم (الجيل اللاحق)،وهؤلاء كانوا أصغر منّا بثلاث أو أربع سنوات والتحقوا بنا بعد صدور مجلتنا الجديدة (الثورة السريالية): فيبتراك،لامبور،بارون،ديسنوس، وكانوا يشكلون مجموعة (أفنتور)، ثمّ انضمّت إلينا مجموعة (أوف دور):ماتيس،لوبيك،نافيل،آرتو الذي لم يكن ينتمي إلى أي مجموعة،ثمّ انضم إلينا الرسامون ماسون و ميرو ورولان توال وميشيل ليريس وجورج باتاي . وفي هذه الفترة انضم إلينا السينمائي بونويل الذي وصل إلى باريس برفقة سلفادور دالي، وأخيرا مجموعة جاك بريفير،تانغي و مارسيل دوشان وهكذا كما ترى، أنّ السريالية جمعت أناسا مختلفين أحدهما عن الآخر، حتى قيل عنها إنها صالحة لجميع المستويات،بل رأى البعض في هذا نقطة التقاء.
كانت السريالية بالفعل مركزا يجمع عدّة اتجاهات....
آراغون:لنقل إنّ الجميع يلتقي حول مفهوم معين للفعل..أدبيا كان أم فنيّا.
وقادك مسارك السريالي إلى الأخذ بعين الاعتبار ما هو سياسي و اجتماعي، أليس كذلك؟
آراغون:كنّا جميعا نعتبر الحرب جريمة. وقيل لنا إنّها لن تقوم ثانية.لكن فرنسا شنّت حربها على المغرب(حرب الريف)،وهذه أول حرب إستعمارية تخوضها فرنسا.كانت هذه الحرب صدمة لنا جميعا. ومعارضتنا لهذه الحرب قرّبتنا من الشيوعيين .وأستطيع القول إنّني صرت شيوعيا بسبب تلك الحرب التي خاضتها فرنسا ضدّ الشعب المغربي.في تلك الفترة كنّا نقرأ الكتب السياسية بحماس،وبعد سنتين انتميت إلى الحزب الشيوعي الفرنسي وكنتُ أول سريالي ينضم إليه،ثمّ تبعني بروتون و ايلوار وجورج سادول، والأخير بقي في الحزب حتى النهاية، أما بروتون وأيلوار فخرجا منه بعد ثلاثة أسابيع فقط من انضمامهم،الأمر الذي أفهمه جيدا،ذلك أنّ حياة الحزب لم تكن ممكنة لأناس من طراز بروتون.
بمعنى آخر أنّ انتماء بروتون كان عابرا...
آراغون:بالضبط.وكما تعرف أنّ بروتون لم يرجع للحزب،أما أيلوار فقد عاد إليه في عام1943م، أي في الفترة التي كان فيها من الخطر جدا أن تكون شيوعيا،وهذا يُسجل له.
وبروتون؟
آراغون:وجد بروتون نفسه في الحزب أمام أناس لا تعرف قيمته وليس لديهم أي فكرة عمّا كان يمثله حقا ،ولم يكن بروتون يحمل قدرا كافيا من الصبر،فنفذ صبره ولم يحتمل المواصلة. وفي رأي ،لم يكن الخطأ خطأه.
بعد انضمامك للحزب،حدثت حادثة مهمة بالنسبة لك ولتاريخ السريالية،أعني مؤتمر خراكوف عام 1930م. آراغون:القضية أعقد مما تقوله الحكايات عنها.مقابل كلّ ما كنّا نقرف منه في فرنسا،كان الحلم السوفيتي والثورة المنتصرة. الحلم والثورة تجسدا عندي في عمل أيزنشتاين في (بارجة بوتمكين).وكان من الطبيعي الذهاب إلى الاتحاد السوفيتي،كما أنّ الحظ له دور في صنع الأحداث: كنت التقيت بإلزا عام 1928م ولم نفترق أبدا من يومها.وفي عام 1930م،ذهبنا إلى الإتحاد السوفيتي ،ليس من أجل المؤتمر،إنّما لزيارة أختها زوجة مايكوفسكي بعد انتحاره بقليل،ثمّ انضم إلينا جورج سادول.ولأننا كنّا هناك،طلب منّا المشاركة في مؤتمر عالمي للكتاب الثوريين منعقد في خراكوف.كانت المواقف والمشاكل والمجابهات من التعقيد بحيث لا أستطيع إيجازها الآن.وما كان يشغلني بالدرجة الأولى أن أزور هذا البلد الفقير والحزين والبطولي والمحارب من العالم بأسره.وكانت تبهجني هذه الغنائية الثورية أكثر بكثير من المؤتمر نفسه.ثمّ دارت الأحاديث عن المؤتمر في باريس وقيل ما قيل من الحماقات عنه.أمّا نحن،جورج سادول وأنا،فقد عبرّنا عن وجهات نظرنا بقدر ما تسمح به الظروف،حيث كان المؤتمر غاصا بمشاكل لم نفهمها، فكيف استطاع الأصدقاء السرياليون أن يفهموا من باريس ما حصل في خراكوف.وعند عودتي إلى باريس دارت نقاشات لم تصل إلى غايتها في يوميين بل في سنتين.انعقد المؤتمر عام1930م وتمت قطيعتي مع بروتون عام 1932م.
وحدثت القطيعة بسبب خلافنا حول مسألة الانضباط داخل الحزب.لم أكن راغبا في فرض الانضباط الحزبي على بروتون ولا على غيره، لكن بروتون كان يريد منّي أن أجعل الانضباط السريالي فوق الانضباط الحزبي، وهذا أمر لا يمكن الموافقة عليه.وسببت هذه القطيعة شرخا كبيرا في نفسي.ورغم أنّ هذا الشرخ قد اتسع بسبب بروتون وليس بسببي، لكني لم أهاجمه أبدا ولم أهاجم السرياليين الذين أرهقوني باسم السريالية بهجوم لم أردّ علية البتة.كنت وما زلت أعتبر بروتون شاعرا كبيرا وناثرا كبيرا، قلت هذا عندما كان حيّا وأقوله اليوم بعد موته.لا نستطيع غصب المرء على الفهم ولا على تخطيط حياته.
عندما نمعن النظر في علاقة بين اثنين عاشا نفس المغامرة وجمعهما تاريخ مشترك، نادرا ما يكون وراءها تخطيط مسبق..
آراغون:نحن نخطط؟ هذه الكلمة كانت مادة لضحك طويل، بالنسبة لي ولبروتون ولجميع الأصدقاء من السرياليين.
في عام 1930م طرأت تغييرات كثيرة على كتاباتك وصرت تكتب الرواية،لكن من الصعب تصنيف (أنيسه) و (مغامرات تيليماك) ضمن الرواية.
آراغون:(أنيسه)،بشكل خاص رواية ،هذا إذا كنّا نعرف أن نقرأ وهو أمر غير شائع اليوم.قلت منذ البداية إنّ الرواية مرتبطة بحياة الكاتب.وفي (أنيسه)،جميع الشخوص يمثلون أصدقائي.فهذا الشخص في (الرواية) هو بيكاسو وليس هو،وهذا بروتون وليس هو،وأنيسه هو آراغون وليس هو.هذه انشغالات المرحلة انعكست في الرواية.وفي (تيليماك) الخطابات التي يوجهها تيليماك إلى آتاك وكليبو وأورودوس هي خطابات دادائية كنّا نرددها منذ عام1920م. وفي (أجراس بازل) و(الأحياء الجميلة)،الأحداث تمثل تجربة شخصية.
في عام 1933م أعلن سائقو الأجرة إضرابا و كُلفت بتغطية هذا الإضراب.هذا أتاح لي وصف إضراب عام 1911م في إحدى الروايات.أسوق هذا المثل لأقول إنّ في كلّ ما كتبت ثمة مبدأ الوحدة.المراحل قد تكون مفيدة للمؤرخين، لكن لا وجود لها في واقع الأدب.أنّ كاتبا كلاسيكيا لا يعتبر نفسه أبدا كلاسيكيا.
لكن، أنك بهذا الشكل أو ذاك، دخلت تاريخ الأدب وما زلت على قيد الحياة.
آراغون:نعم.كدخول العظم في اللثة.لست وحدي من دخل التاريخ حيّا.بروتون وتزارا أيضا،وكان هذا الأمر يضحكنا ويحرجنا.
الفرق بينك وبينهما أنّك كبت الكثير، ولنصوصك مسار سياسي معروف.
آراغون:لست مصنفا أكثر من غيري. في عام 1920م كنّا في سفرة.ورأى أحدنا بيتا فقال: ما أقبحه من بيت،فردّ عليه دوشان:لا يوجد بيت قبيح.وهذا ينطبق على الكتابة و إلّا فكلّها قبيحة.ثمّة كتّاب نجد في ما يكتبون شيئا ما، لكنهم أنفسهم: لا شيء.
عشت عصرك وهذا سرّ الوحدة في كتاباتك..
آراغون:الحياة هي الكتابة.وهذا ينطبق على السريالية بمعناها الحقيقي: الكتابة الآلية ليست غربية عن حقيقة ألإنسان، هو يرى حياته ليكتب نفسه آليا.
انتميت إلى الحزب الشيوعي عام1927م، وبدأت تكتب سلسة من الكتابات أطلقت عليها(عالم الواقع)
آراغون:فرغت من (أجراس بازل) و (الأحياء الجميلة) و(مسافرو الباص ذو الطابقين)،عام 1993م، أثناء الحرب كتبت (أورليان) أما (شيوعيات)فصدر عام 1948م.السريالية في رواياتي آثارها واضحة ولا تستطيع فهمها ما لم تجعلها(وحدة)
فليس بوسعك أن تفهم (أنيسه) إذا أنت لم تفهم (تيليماك) .وليس من قبيل المصادفة أن أعيد طبع (مغامرات تيليماك)الصادر عام 1922م في 350نسخة،عام 1966عند غاليمار.ولنفس الأسباب أُعيد طبع (فلاح من باريس).
هذه الأعمال تشكل (كل) ولكن..
آراغون:بشكل لا يقبل أي جدل.أما عن الشكل فقبل أن نتساءل عن الفرق بين نصوصي السريالية وعالم الواقع، ينبغي طرح السؤال نفسه في ما يخص الفرق بين شعري وأعمالي الروائية، المسألة واحدة.
لكنّك مسؤول إلى حد ما عن هذا الخلط عندما وضعت عنوانا ك(عالم الواقع) لهذه الروايات.
آراغون:أبدا،كنت أريد القول إنّ العمل غير منجز بشكل نهائي.خذ مثلا،يقال عن (أجراس بازل)إنّه عمل كامل والحقيقة ليست كذلك،ثمّة بقية باقية تأتي.رواياتي مستوحاة من عالم الواقع لكنّها لا تدخل في دائرته.في (بلانش)تجد السريالية تتماهى مع الواقع بشكل بياني.
الواقعية هذه كلمة تقول كلّ شيء أو لا شيء، إلّا إذا منحناها معنى محدد، وعلى طوال حياتك الأدبية كنت تسعى إلى منحها معنى ما،غير أنّ المفهوم النظري في (بلانش) غير الذي دافعت عنه في (من أجل واقعية اشتراكية)،بلانش تنتهي بهذه العبارة:حتى الآن اكتفى الروائيون بمحاكاة العالم وينبغي عليهم اليوم اختراعه.
آراغون:كما تعرف أنّ هذه المحاكاة مأخوذة من كارل ماركس:انشغل الفلاسفة في تفسير العالم وينبغي اليوم تغييره.وجملتي هذه هي إعادة صياغة عبارة ماركس عن طريق الرواية.اختراع العالم يعني تدخل الإنسان ويعني الخلق عن طريق الإنسان، ولا توجد بنظري فوارق بين خلق العالم و إعادة صياغته وبين الواقعية الاشتراكية.عندما كتبت من أجل واقعية اشتراكية،كنت محدودا بالتجربة السوفيتية،وهذا يُفسر محدودية الكتاب نفسه.أما اليوم،أنّ المفهوم تغيير حتى في الاتحاد السوفيتي.أنا لست مواطنا سوفيتيا، لكنه يعتبروني كاتبا اشتراكيا، وما زلت أعتبر هذه التجربة بسبب ما لها وما عليها، وينبغي الاستفادة من الأخطاء التي اقترفتها.لا شيء أكثر فائدة للروائي من أخطاء الآخرين.
وعندما أقول إنّ إلزا حاضرة في كتبي كما هي حاضرة في حياتي،هذا ليس بالغريب عليها.أنا وقعت تحت تأثير تلك الإضاءات اللامعة في أفكارها......وإذا كنت قد خلقت انطباعا مبالغا فيه عن علاقتي بألزا،ذلك أننا النموذج لتغير الإنسان عن طريق الرواية.

ملاحظة المترجم:
هذه المادة مع مقالات أخرى مترجمة،ستصدر في كتاب عن تاريخ السريالية.



#عدنان_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عار الشعراء
- ناتالي ساروت والكتابة الأخرى
- مرثية جان دمّو
- مرثية جان دمو


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان محسن - آراغون شاعر عصر