معاذ عابد
الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 00:08
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
منذ الأيام الأولى لما سمي بالثورة السورية وبداية شكلها العسكري كانت العملية المسلحة منظمة وممولة بشكل ضخم، بدأت بظاهرها على شكل انشقاقات في الجيش العربي السوري وتشكيل ما سُمي بالجيش السوري الحر وتشكيل ألويته وكتائبه العسكرية على شكل مليشيات لعل أشهرها مليشيا خالد بن الوليد أو كتيبته في حمص والتي قادها أحد كبار البلطجية السابقين وهو بلال الكن الذي قُتل في بداية الأحداث، تطورت الأمور بصورة دراماتيكية إلى أن وصلت إلى الشكل الحالي المؤسف، مليشيات متعددة الجنسيات تقاتل تحت عشرات العناوين لعل أكبرها هو جبهة النصرة وأحرار الشام وبقايا ما سمي بالجيش الحر وداعش المكون من عناصر إرهابية متعددة الجنسيات وبقايا بعثية عراقية سابقة أو من جنود جيش الطريقة النقشبندية، التعاطي العسكري السوري مع هذه التطورات كان تعاطياً حكيماً ينم عن خبرة عسكرية متميزة وتقنية في العمل العسكري لا يسير بقاعدة أو طريقة واحدة كما كل الجيوش التقليدية التي تنطلق استراتيجياتها من قراءة الواقع واتخاذ القرارات بما يسبب النصر،الاختلاف بين الجيش العربي السوري وبقية الجيوش هو الوعي السياسي والفهم السياسي للقادة العسكريين والتفكير بطريقة جدلية متطورة قابلة للتغير، فلم يعد التفكير المثالي عن تحقيق النصر بأقل الخسائر وأكبر الأرباح وارداً خصوصاً بعد السُعار الإجرامي لهذه المليشيات والدعم الذي يصل لتغذية ما تم تجفيفه من هذه المجاميع المتطرفة، فكان لابد من استخدام تقنية جديدة تحافظ على التراب السوري كاملاً وتحاول ما استطاعت حسم المعركة لصالح الجمهورية السورية وهذا ما حصل، لكن ما هي الطريقة أو الحل لهكذا أزمة تسببت بالخراب والدمار وبث رائحة الموت في المنطقة والعالم؟
تكثر على منابر التواصل الاجتماعي مهاترات بين مؤيدي الدولة السورية في بعض المعارك أن القوميين السوريين (مثلاً) سبب في انتصار معركة ما ويرد الآخرون أن السبب هو الجيش العربي السوري وتبدأ مزاودات فارغة هنا وهناك، وبدأنا نسمع عن قوات الدفاع الوطني ومشاركاتها في المعارك المهمة على الأرض وكذلك يتقعر المعارضون وخصوصا ذوي الأرتباطات الخارجية أن لولا مشاركة حزب الله في الحرب السورية لم ينتصر الجيش، هذا الكلام صحيح نسبياً لأن العوامل الكثيرة والتكتيكات العسكرية في كل المناطق تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي النصر للدولة والجيش السوري لكن التغيير الذي طرأ هو بالاستراتيجية العسكرية.
عندما بدأت الأزمة السورية اتخذت المعارضة المسلحة عنوان استنزاف الجيش العربي السوري واستنزاف طاقاته في كل مكان بغية إضعافه وتدمير درع الدولة السورية، مما جعل القيادة السياسية السورية تعلن تغيراً في استراتيجيات الحرب على العصابات المسلحة بحرب عصابات أخرى فتم التغيير من حرب نظامية إلى حرب شعبية شبه نظامية الأمر الذي أعلنه الرئيس الأسد في أغسطس من العام الماضي حين تناقلت وسائل الإعلام خطابه الذي قال فيه أن "الحرب الشعبية كفيلة بإنهاء الحرب على سورية" المواقع والمراصد الإعلامية الغربية تناقلت الخبر بخبث شديد فصورت استخدام مصطلح الحرب الشعبية هو مشاركة المدنيين فيها كما نقلت يورو نيوز على سبيل المثال : "الرئيس السوري بشار الاسد اعتبر ان ضرب ما اسماه بالارهاب بيد من حديد هو الحل الممكن للازمة، مؤكداً ان الحرب الشعبية (اي ان مشاركة المدنيين الى جانب الجيش كفيلة بحسم المعركة خلال اشهر) "
لكن الحرب الشعبية هذه الاستراتيجية العسكرية المهمة التي أرسى دعائمها النظرية الرئيس الصيني ماوتسي تونغ خلال الحرب ضد الاحتلال الياباني والحرب ضد الكومنتانغ والتي أدت إلى قيام جمهورية الصين الشعبية،الحرب الشعبية كفن عسكري هي المقصودة في هذا المجال، الحرب النظامية التقليدية ضد مجاميع مسلحة تكون خاسرة في معظم الأحوال كما جرى في النيبال والصين وكوبا وكوريا وفيتنام كذلك، لايمُكن للجيش العربي السوري أن يبقى على استراتيجية واحدة مع عصابات تستخدم الأنفاق ومجارير الصرف الصحي للتنقل والفرار بين المناطق فما إن يسيطر الجيش السوري على منطقة أو نقطة ما حتى يغادر المسلحون عبر طرقهم وأنفاقهم ويعودون في حال مغادرة الجيش أو نقل تمركزه الى منطقة أخرى يتواجدون فيها كلعبة القط والفأر مما يسبب انهاكاً للقوات ناهيك عن تحطيم نفسيتها وهذا سبب يكفي لهزيمة أي جيش نظامي كما حصل مع القوات الأمريكية في فيتنام على سبيل المثال.
شكّل الجيش العربي السوري بهذا التغيير في الاستراتيجية حالة عسكرية جديدة لاستخدام الجيوش النظامية استراتيجية"شبه نظامية" في حرب داخلية ما يدلل على عبقرية سياسية انعكست عسكرياً في الميدان، وما عزز هذه الاستراتيجية هو المزج بين استخدامها من قبل قوات نظامية ومشاركة قوات شعبية فيها مثل قوات الدفاع الوطني والقوميين السوريين وقوى أخرى ولكن العلامة الفارقة كانت مشاركة حزب الله صاحب الخبرة الكبيرة في تقنيات هذه الحرب الناتجة عن مقاومته للاحتلال الصهيوني في لبنان.
صرحت قوى المعارضة المرتبطة بالخارج أنها تسيطر على ما يقارب 70% من الأراضي السورية وكان تصريحهم من باب التبجح والحرب النفسية المرافقة للحرب العسكرية،وعندما ترد أخبار عن تحركات ومعارك الجيش العربي السوري في مناطق كثيرة ومساحات واسعة مثل دير الزور وريف دمشق و القلمون والقصير يتبادر إلى الذهن أن هذه الأخبار كانت صحيحة لكن الحقيقة أن الجيش العربي السوري والقوى العسكرية تستخدم تقنية الحرب المتحركة بمجاميع عسكرية شبه نظامية وبقوة نارية عسكرية ولعل الخبرة والمهارة العسكرية تظهر في هذه المعارك التي تخلط بين الحرب الشعبية والدعم الناري من جيش نظامي كما حصل في معارك الحرب الوطنية العظمى السوفيتية ضد الغزاة النازيين فكان الجيش الأحمر يوفر الغطاء الناري للقوات الشعبية "الأنصار أنذاك" وهم يقومون بباقي المهمات، ويستخدم الجيش كذلك تكتيك التطويق والإبادة وتقنيات الهجوم المضاد السريع وتركيز القوات وخفة تنقلها والحرب المتحركة والسريعة والمدعومة بالقوات النظامية، فمعارك القلمون والقصير وريف اللاذقية أظهرت هذه التكتيكات العبقرية والتي تطورت خلال احتدام المعارك في مختلف المناطق بل وزادت من خبرات القادة العسكريين وأدت إلى تقوية الجيش العربي السوري وتطوير خططه العسكرية وبالطبع عامل الأرض والإلتزام بالقضية الوطنية كان من أسس هذه الانتصارات المبهرة والتي ستستمر خلال الأيام القادمة مؤكدة على نجاح هذه الاستراتيجية، ولكن عيباً واحداً في هذه الاستراتيجية وهي المدة الزمنية الطويلة التي تحتاجها وهذا مهم جداً لأن استراتيجة الحرب الشعبية وعواملها وظروفها تحتاج لهذا الوقت من أجل تثبيت الانتصار وضمان عدم قيام هذه العصابات المسلحة بالسيطرة على المناطق المحررة، الكل في سورية يريد الحسم السريع واتمام الحرب والقضاء على الإرهاب والإرهابيين لكن النصر لايأتي بالعواطف بل لا مكان كبير للعواطف في المعارك المصيرية، أثبتت هذه الاستراتيجية العسكرية التي استخدمتها القيادة السورية نجاعتها ودقة اختيارها بل شكلت أيضاً تطوراً مهما في العمل العسكري الذي طور التعاون بين قوى نظامية تعمل وفق هذا البرنامج وبين مجموعات عسكرية شعبية مما أضاف شيئاً جديداً لهذه الاستراتيجية يستحق إضافة باب جديد لكتاب "ست مقالات عسكرية" أو ما يعُرف بالكتاب الأحمر العسكري للرئيس ماوتسي تونغ،ليصبح الباب السابع بعنوان قضايا الاستراتيجية في التعاون مع الحرب النظامية.
#معاذ_عابد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟