فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 22:31
المحور:
مقابلات و حوارات
" اقرار الموازنة " و " تقسيم المعارضة "حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في "بؤرة ضوء"- الحلقة الخامسة من " العقلنة والإنعتاق الإنساني "
9.لماذا استبعد الحزب الجمهوري من اجتماع قيادات جبهة الإنقاذ، هل هناك نية مبيتة لتقسيم المعارضة ؟
الجواب:
الحزب الجمهوري ـ في تونس ـ يمثّل بمفرده طاهرة سياسيّة عجيبة , إلاّ أنّه و كما يقول مأثور القول العربيّ 3 إذا عرف السبب , بطل العجب " ؟
يتّكأ الحزب الجمهوري في دعايته السياسيّة على تضخيم الدور الذي لعبه خلال السنوات السابقة لسقوط النظام الدكتاتوري باعتباره مثّل خلالها مظلّة أو خيمة للالتقاء المعارضين. و هو الدور الذي بالتقاسم مع أحزاب و منظمات أخرى و مثل الحزب الشيوعي التونسي ( حاليا حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ) و و نقابة العمال و منظمة حقوق الانسان . مع أنّ " حيلة التضخيم النضالي " التي يفرط الحزب الجمهوري في استخدامها , لم تعد مقتصرة عليه فقط بل أصبحت تستعملها أيضا أحزاب "الاسلام السياسي " تحت عناوين مختلفة كـ 3 سنين الجمر " و " سنوات السجون و المنافي ...
غير أنّ هذا الحزب الذي جمع في تركيبته حساسيات متنوّعة : قوميّة , ماركسيّة و إسلاميّة , كان من أوّل الأطراف التي طالبت أثناء الانتفاضة الشعبيّة بالمحافظة على نظام الحكم القائم و الاكتفاء بإدخال بعض الإصلاحات عليه , ثمّ بالقفز لإلى المشاركة في الحكومة المؤقتة الأولى على عكس المدّ التصعيدي الذي كانت تفرضه حركة الجماهير الواسعة , لنجده فيما بعد يدخل منفردا للانتخابات معتدّا بقوّته الموهومة , في وقت كان فيه من أكثر الأحزاب المؤهّلة تنظيميّا على الأقل , لتوحيد المعارضة و تكوين حلف انتخابي واسع .
و بعد الفشل الانتخابي الذّريع عاد نفس الحزب إلى الاشتغال على فكرة التجميع و و لكن بشرط مسبق ـ أي بمعرقل أساسيّ ـ و هو الاتفاق على " تقسيم الحقائب " و منحه هو الزعامة و بالتالي منصب رئاسة الجمهوريّة لاحقا . و قد تزامنت هذه المساعي مع طهور حزب جديد و هو حزب " نداء تونس " برئاسة الوزير السابق لدى " بوقيبه " و رئيس الحكومة الانتقاليّة الثانية " الباجي قايد السبسي ", الذي تحوّل بسرعة و بسبب الفراغ الذي تركته المعارضة , إلى قوّة تجميع جارفة ـ و هي الظاهرة التي دعونا إلى ضرورة تخصيصها بدراسة منفردة ـ , فاختلّت الموازين , و أدخلت الكثير من الارتباك و التشويش على الأداء السياسي للحزب الجمهوري .
هذا و قد أدّت المشاورات الماراطونيّة , بعد أكثر من ستة أشهر إلى نشأة جبهتين سياسيتين : تحالف " الاتحاد من أجل تونس, و يضمّ الأحزاب المعتدلة بما فيها الحزب الجمهوريّ و نداء تونس , الصديقين اللّدودين , و "الجبهة الشعبيّة " التي تكوّنت من الأحزاب الراديكاليّة اقوميّة و اليساريّة . و قد ارتبطت هذه التطوّرات خلال سنة 2013 , بتصاعد الصراع مع الإسلام السياسي الحاكم الذي أدى إلى الاغتيال السياسي الأوّل , و طرح كحلّ للمأزق السياسي " حكومة التكنوقراط الأولى " . و هو الحل الذي أجهضه الحزب الجمهوري رغم انتمائه للجبهة التي اقترحته , و ذلك بإسناده لموقف حركة النهضة الحاكمة بالإبقاء على حكومة سياسيّة , ثمّ جاء الاغتيال السياسي الثاني ليدفع جبهتي المعارضة ـ تحت التهديد الموضوعيّ و ليس بحكم النضج الذاتي ـ إلى التكاتف في إطار " جبهة الانقاذ " . نجحت هذه الجبهة مع منظمات المجتمع المدني و خصوصا منها منظّمتي العمال و رجال الأعمال , في فرض صيغة " الحوار الوطني " , و مرّة أخرى ينفرد الحزب الجمهوري بالخروج عن إجماع المعارضة حول رفض الشخصيّة التي يسندها الائتلاف الحاكم لتولي رئاسة الحكومة ( السيد أحمد المستيري ) , و هي الحادثة التي مهّدت للافتراق و خروج الحزب الجمهوري من الجبهة الأصليّة التي بادر بتكوينها " الاتحاد من أجل تونس " و من جبهة الانقاذ متعلّلا بمسألة شكليّة تمثّلت في عدم استدعائه لحضور إحدى الاجتماعات الدوريّة ؟
يبقى السؤال المطروح هو إن كان لم يكن يوجد وراء كلّ هذه التطوّرات و الالتواءات , دافع أو خطّة لتقسيم المعارضة , فالإجابة هي بنعم , مع التأكيد بوجود مؤشّرات قويّة يستنتج منها أنّ للحزب الجمهوري ضلع في ذلك , بعلاقة مع أجندته الخاصّة , و هي كالتالي :
ـ تواتر خروج الحزب الجمهوري عن المعارضة كلّما حصلت توافقات هامة حول الحلول , و في منعطفات مصيريّة .
ـ الطموحات الشخصيّة المعلنة لرئيس الحزب الجمهوريّ الأستاذ " محمد نجيب الشابيّ " الذي غالبا ما يقدّم نفسه على أنّه " شخصيّة وطنيّة " , لكي لا يلزم نفسه بالقرارات المشتركة ويفتح لنفسه بابا للمناورة و للوساطة .
ـ السعي المتواصل لحركة النهضة الإسلاميّة لتقسيم المعارضة , بتقديم بعض الإغراءات للشخصيات المؤثّرة من ذلك وعد السيد نجيب الشابي بمنصب الرئاسة . هذا و قد بيّنت الوثائق التي تمّ الكشف عنها في مصر عن سياسة الإخوان التي تتضمّن خطّة مفصّلة لتقسيم المعارضة العلمانيّة أينما وجدت.
ـ العلاقات القديمة التي تربط رئيس الحزب الجمهوري مع الولايات المتحدة -ـعلى طريقة وليد جنبلاط في لبنان ـ و التي تعود إلى ما قبل قيام الانتفاضة الشعبيّة في ما يعرف بترتيبات " خلافة بن علي " , التي كانت تتم بين مكوّنات حركة 18 أكتوبر 2005 , و التي يمثّل كلّ من حركة النهضة و الحزب الجمهوري طرفا فيها و و أن التوافقات التي حصلت في ذلك الشأن حافظت على خطوطها الرئيسيّة , في ما عدا الطرف الذي يمثّل الدكتاتور السابق ( مؤقّتا ) , و مع إدخال التعديلات الجزئيّة للتأقلم مع الطروف الجديدة الناتجة عن الانتفاضة الشعبيّة .
*
*
10.التأخير في اقرار الموازنة لهذا العام ، هل يتعلق بخلافات التيارات السياسية ؟ وهل ستدفع تونس إلى أزمة اقتصادية ؟
الجواب:
التأخير في المصادقة على موازنة 2014 لم يدم طويلا , لأنّه كان مرتبطا بالخلافات السياسيّة في إطار فعاليات الحوار الوطني و و خاصّة بالنقطة المتعلّقة برئاسة الحكومة , وحصل إقرارها مع بعض التعديلات الطفيفة بمجرّد الإعلان عن نتائج التوافق و رجوع نوّات المعارضة في المجلس الـتأسيسي لحضور الجلسات بعد أن كانوا قد قرّروا مقاطعتها لذات السبب .
و خلاصة الأمر أنّ هذه الموازنة مثل سابقاتها من سنوات عديدة خلت و لم تعرف ـ رغم اهم]ّة التحوّلات التي حدثت ـ تغييرا جذريّا من حيث اختياراتها الكبرى و التركيبة الهكليّة لمواردها و نفقاتها , نظرا لخضوعها إلى إملاءات صندوق النقد الدولي و اشتراطات " برنامج الإصلاح الهيكلي " في نقاطه المعروفة و المتعلّقة بـ : التفويت في المؤسسات العموميّة للخواص المحلّيين و الأجانب , و تحرير الأسعار و السوق , و التخفيض من قيمة العملة الوطنيّة لتشجيع التصدير , و الحدّ من النفقات العموميّة و الضغط على الأجور , و الحد من الانتدابات و رفع الدعم عن أسعار المواد الأساسيّة , و في العموم توجيه آليات الاقتصاد نحو استرجاع القدرة على تسديد الديون و التي أصبحت خدماتها تساوي حاليّا نصف الناتج الداخليّ الخام .
و الموازنة الحاليّة وضعت في فترة حكم حركة النهضة الإسلاميّة , التي كانت آنذاك تعاني من العزلة السياسيّة الداخليّة و الخارجيّة , ممّا دفعها إلى البحث عن القبول الخارجي بها و بالتالي الخضوع إلى الإملاءات بدون أدنى مقاومة . و لم يضف هذا الحزب إلى الوضع المالي سوى الجوانب السلبيّة بمضاعفة العجز المالي بأكثر من أربع مرّات ( من 3.5 ألف مليار إلى 12 ألف مليار ) , بالإضافة الى تبديد ما وجده من مخزون التفويت في المؤسسات العموميّة ذات المردود المالي المرتفع ( كشركة الاتصالات و غيرها ..)
أمّا بالنسبة لاعتماد " الموازنة البديلة " , و خلافات الأحزاب السياسيّة حول هذه القضيّة , ز ما إن كانت البلاد التونسيّة تقف على أبواب أزمة اقتصادية خانقة , فغنني أعتقد في هذا السياق أنّ القول بإمكانيّة تقيم او عرض و اقترح موازنة بديلة , هو موقف خاطئ تماما و بل واهم بالنظر على موازين القوى السياسية القائمة حاليا , و التي تتجسّد في توازن بالغ الهشاشة بين فريق فاشل ترك السلطة التنفيذيّة لكنه لم يفرّط بعد في مواقعه في هياكل الدولة و و فريق معارض مفكك من الداخل رغم ظاهر توحّده في جبهة تفتقد للتجانس و الهيكلة (جبهة الانقاذ ) , مع حكومة تكنوقراط بدون اختيارات سياسيّة و اقتصادية محددة . كما أنّه ليس للمعارضة أن تلعب دور "حاشية السلطان " بتقديم المشورة للحكومة التي ساهمت الضغوط الأجنبيّة في تصعيدها و على اعتبار أن الأساسي بالنسبة للمعارضة لابدّ ان يقتصر على المهمّتين الرئيسيّتين التاليتين في ما يخصّ الحيز الزمنيّ الأخير و القصير من المرحلة الانتقاليّة , ألا وهما :
ـ مهمّة داخليّة خاصة بالأحزاب و هي الإعداد للانتخابات بالعمل بالقاعدة الوحيدة المجدية و هي التوسيع الأقصى لتحالف القوى الديمقراطيّة.
ـ و مهمّة خارجيّة و هي إعداد آليّة ناجعة لمراقبة حكومة التكنوقراط في مدى التزامها بتطبيق " عقد " نقاط خارطة الطريق المتفق عليه ( مراجعة التعيينات الإداريّة , تحقيق الأمن و مقاومة الإرهاب , توفير الشروط الملائمة لانتخابات ديمقراطيّة و نزيهة و و معالجة بعض الأوضاع ااجتماعيّة الملحّة ) و لتكون بذلك النقطة التفصيليّة الأخيرة , هي المجال الوحيد لتدخّل المعارضة في الشأن المالي ( وهي النقطة التي يتم إعداد موازنة تكميليّة في شانها حليّا / لإفريل 2014 ), أمّا اختلاق أيّة مهمّة أخرى فليس له إلاّ أن يشوّش على آداء هذه المعارضة و يساهم في تعميق الاختلافات بينها, بل إنّ فتح باب الاجتهاد في هذا المجال سيشرّع للطّرف الأقرب إلى دائرة القرار , و هو الحكومة و رعاتها الأجانب ان " يجتهدوا " في اتجاه تجاوز عقد خارطة الطريق و التنصّل من إلزاما ته ؟؟؟
أما عن مقولة الأزمة الاقتصاديّة فهي ليست بالأمر الطّارئ , لأنها قد اندلعت على المستوى العالمي منذ 2008 , و أنّها هي التي كانت و لا تزال السبب الهيكليّ العميق لكلّ ما حدث و يحدث من هزّات و انتفاضات و حروب , و أنّ ما بحدث في تونس من تقلّبات و ارباكات ليس سوى مظهرا لصعوبات الأزمة العالميّة و و أنّ تونس ليست أهون على بارونات المال و الأعمال العالميين من اليونان و البرتغال و إسبانيا و غيرها . إنّما خصوصيّة ما يقع في تونس هو انتقالها بعد النجاحات النسبيّة لتجربة الحوار الوطني , من حالة الضغط عليها بالإسلام السياسي و الإرهاب , من أجل التنفيذ الحرفيّ لشروط صندوق النقد الدولي , إلى حالة جديدة من الضغط بالإشهار لـ "فوبيا الإفلاس العموميّ " , و هو الأمر الذي ينعكس حاليا بالزعيق و النعيق الصحفي حول " العجز عن دفع الجرايات " , أو احتمال التخفيض فيها ... و الحال أنّ الاختصاصيين الماليين من الجانبين الرسمي و المعارض , يؤكّدون على أنّ الموارد الذاتيّة و القارّة للخزينة العموميّة كافية إلى حدود نهاية سنة 2014 لتغطية نفقات التسيير و توفير الأجور و الرواتب و الخدمات الأساسيّة ) , إنّما الصعوبة الماليّة الهامة هي العجز على الاستثمار و استئناف " التنمية ". هذا بعد أن كان الشرط الأساسي الذي كانت تتعلل به الأطراف المتدخّلة في مجال الاستثمار , يقتصر على تحقيق الاستقرار السياسي و الأمن الكافيين لتحسين المناخ الاستثماري غير أنّه لمّا توفّر لهم هذا الشرط عادوا من جديد للمربّع الأوّل , أي إلى منطق الابتزاز بطلب المزيد من التنازلات لفائدة تطبيق بنود برنامج الإصلاح الهيكليّ , بدرجة أولي , و بدرجة ثانية مواصلة التحكّم و التوجيه على مستوى المسار السياسي , لكي لا يتحوّل تراجع الإسلاميين إلى "زحف على السلطة " للتيارات اليساريّة و القوميّة , فيكتب النجاح لنموذج تونسيّ وطنيّ قد يتحوّل إلى بؤرة عدوى للشعوب الأخرى المناهضة للهيمنة الامبرياليّة .
_______________
انتظرونا والمفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني عند ناصية السؤال "11.لو اعتمدت الدولة مشروع الميزانية البديل هل سينقذها من تجاوز الأزمة ويأخذ تونس الى اقتصاد اجتماعي ؟." - الحلقة السادسة .
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟