محمود عواد السنمار
الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 13:07
المحور:
الادب والفن
محمود عواد السنمار
طارق ياسين يولد معنوياً
عن دار ميزوبوتاما للـــــطباعة والنشر صــدرت المجــــموعة الشعرية " وضوح أول " للشـــــاعرالعراقي المُثقف طارق ياسين
ويؤكد مقربون من مجايليه أنها الأولى والأخيرة فيما يخص نتاجه من الشعر العــــــامي , لكن هناك مخطـــــوطة لرواية مازالت
تغفو صمتاً في خزانة تُراثه المعرفي المجـــــهولة المكان للآن , ويُذكـــــر أن ياسين من مواليد بـــــغداد 1930 ومـــــن سكــنتها
لحين لحظة شد لمئزر نبضة قلبه الأخيرة تلميحاً منه بتهافت ملاكة رحيله نحو العدم المادي,ويُعد من المُجددين في القصيدة العامية
وكذلك الأغنية,فمن قصائده المغناة على سبيل الشاهد " لاخبر ومربيّ" وتقع المجموعة 142ص كما ضمت حوالي 42 نصاً وقد
توزعت بين نصوصٍ ملحميةٍ في بنائها الطولي ومتوسطة وقصيرة أي مايجوز تسميتها بنصوص الإشارة أو الشذرات في المدونات
الفلسفية وجاءت المقدمة بقلم الروائي سلام إبراهيم والمُلاحظ في ماطُرح بين ثنايا الكتاب وأقول كتاب ؟؟لما يحمل من معرفة وبنائية
عالية مُنســـابة بوعي اللاوعي لينطلق بما يختلج من ذاتهِ الحالمة الى ذاتهِ المُغتربة بالحلم , بمناورةٍ إستــــكشافية لا إستعراضية ,
ربما لو حظرت الأخـــيرة ستعمل على تجميدهِ مستقبلاً في تكوينهِ النص لأننا نُدرك أن إتخاذنا ثقافة الإستعراض ,هي تحويل الدفقة
الى شوّك يوخز نعومة الأفق وفي الوقت نفسه خروجاً من فردوس المخيلة,وحتى لو توافرت بنوعٍ من التخطيط فستكون غيّر مرحبٍ
بها نصياً , لذا أرى أن مايقترحهُ في وضوحهِ من تراكيبٍ لجملهِ الشعرية تٌجبر قارءه على التزود بثقافة الماوراء ولا يتم الوصول
الى ما يبتغيه خطفاتهِ شريطة حظور المؤول التفكيكي ومثال ذلك قوله في إحدى جمالياتهِ ( بين وجوهنا وجه الأفق نافورة متعطلة)
ويعود بعد سردٍ شعريٍ يُناقض جملتهُ الآنفة الذكر هاتفاً ( بين وجوهنا وجه الشمس نافورة مشتعلة ) ولو دققنا هاتين الجملتين نُمسك
بخيــــط لرمزية عالية تبرز في هذا البيت وذاك ,إضافة الى مُعانقة المطلق لفضاءات مُحــــتفية بشعلة تفكيرهِ في حالومــــية ضاجة
بكل المفاهيم الباشلارية , وهذا يُعتبر من النوادر في تاريخ الشعر الــــعامي العراقي كونه مهتماً بمُحاكاة الــــوجع العاطفـــي للكائن
مُنذ النواب وللآن عدا أربعة أسماء أشرت الى أهمية مُـــــــقترحاتهم في الأفق التجريبي وإتخاذهـــــم الحفر بآلية التـــــغريب بما
يمنحهم البقاء على قيد الشعرية , وقد نوهت عما أريد الذهـــــــاب اليه في مقالٍ سابقٍ لي نُشر في الصـــــحيفة الثقافية تحـــت مانشيت
تعريفي " شُعراء أحــــــــياء في ذمة التُراب " وفي العودة الى " وضــــوح أول " يتــــضح لنا عند تصفــــحهِ ألـــــق شاعريتهِ رغم
خشونة اللغة بجلفـــيتها البحتة في بعض البُنيات , كذلك نلــمس الـــــدعوة الى الحيـــطة من وقـــــوع الذات تحـــــت أقدام اللاقيمة
الراضخةً للعيش في دوائر الآيدلوجية أياً كانت , فنراهُ يُرتل وجع خيبتهِ بنكهة ألـــــــمه المُجسد كمطلعٍ لبوحٍ قادم إذ يهمس " طلعنة
من نهار البارحة مضيعين " قاصداً بتلويحتهِ هذه صديقه الشاعر علي الشباني في قصيدةٍ مهداة لهُ وفي تفكيــــكنا لبـــوحهِ هنا , تبرز
ملامح وأد الحلم اليساري على أدق تخمين , فكلاهما أُحِبطا بعدم تحقيق حلم الكرامة المُـــــستلب من ذاتية الحرمان ,فيــــقف محذراً من
خيبات يستلزم ترقبها والفرار من غطرسة رياحها وتأثيـــت العقول بمعرفة نوايا الآخر بلوحاتهِ , مُعتـــبرهن أقدس مدونةً منطوطاً
بها تسجيل الموقف, لكنه لايعتمد التدوين الصحافي كونهُ خالياً من الجمالية ,أما عنوان مؤلّفهِ فهو تضمينياً بكامل تفصيلاتهِ المُبشرة
بإيضاحات يحتم دعوتها ماءً نتطهر بعذوبتهِ من كل المـــدنسات بتماه ٍ لايتحسس مذاقهُ سواه لنسترجع ما فاتنا بمداعبة رغبة الطبيعة
بمكوناتها ومؤولاتها والحفاظ على وجودية بــساتينها من أحـلامـنا البريئة فتصحو كل واحدةٍ مغازلةً وجه صاحبها بهمس ياسين
الدافئ " ضحكتك خبزة مكسورة " علنا نحتفي بـوجوديتنا مـن جديد مُتجاوزين السياسة والتطرف ونبذه كـما تمكن الشاعرمن تأكيد
النبذ برومنسيتها الواعية ممنياً قلبه بالمحبة غي عابئ بكل ما يفتل قباحته من حولهِ , محاولاً الإثبات للآخر صوفيتهِ في البحث عن
خير الأشياء ومؤكداً ذلك بترتيله البــائن بحــــلاجية الخـــطاب مغنياً تمردهُ وإصرارهُ بـــ " أدور عالتعب بالحب " فهذا هو طارق
ياسين لمن لايعرفهُ وللتنويه فقط وليعلم القارئ أن ما حاولت إيضاحه في هذا الولوج الباطني لم يكن نقداً , بل مـن باب الرؤيا وما
أتمناه أن تحــظى مخطوطته الروائيه بنفس القيمة التي حــــظيّت بها هذهِ المجموعة لنراهُ روائياً في المـــــرة القادمة كي نكتب عن
براعتهِ في السرد وآليتهِ .
#محمود_عواد_السنمار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟