أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - لو نعيش يوما واحدا بلا عقلية المؤامرة















المزيد.....

لو نعيش يوما واحدا بلا عقلية المؤامرة


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 23:49
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لو نجرب العيش يوما واحدا بلا عقلية المؤامرة سنقتنع أنّ مجتمعنا التونسي وكل مجتمع عربي آخر بحاجة إلى منهاج للتغيير السياسي والاجتماعي وسنعمل على تأسيسه ثم تنفيذه. لكن لماذا كان الاقتناع بهذه الحاجة مشروطا بالتخلي عن عقلية المؤامرة؟ وهل المؤامرة موجودة أصلا؟ وماذا عسى أن تكون خصائص المنهاج المنشود؟

لمّا توفي بورقيبة ورحل عبد الناصر وأُعدِم الصدام ورحل حافظ الأسد وتوفي الحسن الثاني وغادر بومدين الجزائر، وغيرهم من الزعماء الأوائل، وكأنّ "البطارية" الأصلية لعربة القُطر العربي الواحد استنفذت شحنتها وحان وقت استبدالها بـ "بطارية" أخرى، بينما كان من المفترض أن يكون المجتمع مكتسِبا لكل مقومات السير الذاتي التي لا تعوّل على شخصية الزعيم الفذ والمنقذ.

بالفعل قد اعتلى رؤساء وملوك وأمراء من الجيل الثاني سدة الحكم في مجتمعاتنا لكن هذه "البطاريات" الثانية وجدت سيارات هرمة و متآكلة حيث لم يحصل في الأثناء أن كوّن كل بلد قوة مجتمعية قادرة على قيادته بشكل جماعي ناجع. وبالرغم من أنّ الحركة المجتمعية لم تتوقف إلا أنها كانت مجرد تتمّة لحركة الاستقلال الأولى. كان البلد العربي الواحد يسير لكن على وتيرةِ عربةٍ خالية من الوقود.

فماذا فعل بن علي لمّا فرض نفسه مكان بورقيبة للشعب التونسي سوى أنه ساير حركة مؤسس الدولة الحديثة ودفع القوى الحية بواسطة الترهيب على سكة مُسطّرة، و ذلك دون تشريك هذه القوى في التخطيط للتغيير ودون تهيئتها للاضطلاع بمهام الزعامة المجتمعية حتى أنه انغمس في سياسة الخدمات والترفيه والرياضة وتوفير البنى المادية دون سواها؟ ماذا فعل السادات ومبارك لمصر سوى أنهما اعتنيا بتزويد الشعب المصري بقدر معيّن من الخدمات لكي يحافظ على بقائه؟ وماذا فعل الحكام الآخرون لأقطارهم سوى أنهم رسخوا فيهم التبعية للغرب المهيمن ومهدوا الطريق لجيل ثالث أرعن؟

بالمحصلة، هل ترك رؤساء وملوك الجيل الأول، بحكم عبادة شعوبهم لشخصيتهم، أيّ رصيد للمناعة ضد استعمار جديد إلى جانب النموذج الأوّلي لبناء الدولة؟ وماذا فعل حكام الجيل الثاني للتاريخ سوى أنهم قاموا بعمليات صيانة ومكياج للنموذج الأصلي؟ المجتمع لم يتقدم، ومن لا يتقدم يتأخر. ومَن يتأخر فهو عُرضة لكل أصناف المؤامرة. هذا أمرٌ بديهي. هكذا كانت كل الأنسجة المجتمعية مهيأة لاستقبال للمؤامرة.

فلا نعجب من ضياع صحراء سينا من مصر، ولا لفقدان سوريا للجولان، ولا لاختراق طائرات العدو الصهيوني للمجال الجوي السيادي لتونس وقتل أبرياء في هجوم وحشي على مقر منظمة التحرير الفلسطينية بمنطقة حمام الشط في عام 1985، ولا للفتنة بين الكويت والعراق، ولا لضرب هذا الأخير في سنة 1991 من طرف 30 بلدا، ثم استعماره في سنة 2003، ولا للحرب على غزة في 2008-2009، ولا لغيرها من أعمال تطبيقية للمؤامرة الصهيوامبريالية.
كما لا نندهش لرؤية بلد شقيق من صنف "صغير جدا" ينتهج سلوك الصعاليك ويجرب التمطط ليقيس نفسه بأشقائه الكبار ويتحداهم في عقر دارهم وليزعم زرع أزهار الربيع في تربة أراضيهم الملآنة بالأشواك. ولا نشك في أنّ البلد العربي الواحد، المحكوم بالجيل الحالي _ الثالث_ للحكام، مَثله مَثل السيارة غير المزودة ببطارية وهي تهيم في كل الاتجاهات هكذا بلا طاقة.
كما أنه ليس عجبا، والحالة تلك، أن يصبح الوطن العربي بمثابة كتلة من الأجساد الهائمة تتصرف فيها قوى عالمية مفترسة، تحركها يمنة ويسرة، طولا وعرضا، أفقيا وعموديا، خطيا ودائريا.

فليس الإيمان بالمؤامرة هو الذي سيبدّل حالنا. وبالرغم من ثبوت المؤامرة، في الفعل و أيضا في شكل "نظرية" (اختلقها منظرون مثل هنري كيسنجر بناءً على تعلق العرب بالإيمان بالمؤامرة، وبالتالي ثبتوها لدى العرب بواسطة المخابرات والدعاية الإعلامية) فضلا عن كونها أصبحت "عقلية"، إلا أنّه كان على مجتمعاتنا أن يعملوا بقاعدة "كذبت نظرية المؤامرة وعقليتها ولو صدقت (المؤامرة نفسها)". لكن ميدانيا كانت مجتمعاتنا ولا تزال تعتاش من العقلية كمنتوج نهائي لهذه الفتنة المعاصرة. كيف ذلك؟

نحن نعيش واقعا جديدا وفي عالم جديد ومع هذا لم تغيّر نخبنا تصورها لحاجيات مجتمعاتنا ولمناهج العمل البنّاء. فليست السياسة، مثلا، هي الحاجة الآنية لتونس ولباقي الوطن العربي. وليست الانتخابات هي استحقاق تونس أو مصر العاجل في غضون الأشهر القادمة. إنّ الاستحقاق الأكبر هو تصحيح الرؤية إلى الواقع ابتغاء فهم نوعية المشكلات الخفية ومنه تصحيح طريقة تحديد نوعية الحاجيات. والتبديل سيسفر عن النتيجة التالية: إننا تأخرنا حضاريا إلى درجة أنّ اختيار القائد الصالح لم يعد ضرورة والسياسة الناجعة لم تعد غرضنا والتقدم الاجتماعي والرقي الحضاري لم يعودا يشكلان غايتنا من الناحية العملية. إنما قد تجمّعت الضرورة والغرض والغاية لتفرز خليطا غير متسق وبالتالي خاضع للتفكيك ولإعادة ترتيب مكوناته إن أرادت مجتمعاتنا فعلا الخروج من الأزمة. ويكون التمشي على النحر التالي:

لقد رجعنا القهقرى حتى أضحينا ممن يقعون تحت طائلة التمارين البدائية على غرار اللاعب الرياضي المبتدأ المطالب بالقيام بالحركات الإحمائية و بتدريبات مكثفة قبل أن يكتسب مهارة اللعب الناجع، وبِتنا شبيهين بتلامذة فنّ الرسم المطالبين باستعمال قلم الرصاص قبل استعمال الألوان الزيتية، وأصبحنا كمتعلم اللغة المطالب بالدربة على اللغة داخل المخبر قبل أن يتملك مهارة بث الكلام المتسق والمفهوم.

نحن أمام مثل هذه المراجعة الراديكالية لكي يهابنا المنافس على ميدان الرياضة ولكي تزدان رسومنا بالتقنيات الجمالية الضرورية ولكي يفهمنا المتكلم الآخر، لا سيما أننا من جهة نعاني من سوء فهم الآخر لنا، ومن جهة ثانية نعاني من سوء فهمنا للعصر، وهو عصر يتسم بكون الجاهل فيه ليس من لا يقرأ ولا يكتب (كما لا نزال تعتقد) وإنما من لا يعرف كيف "يتعلم- يمحو ما تعلمه- يعيد التعلم" (نظرية ألفن توفلر كما وردت في كتابه "رجّة المستقبل و الموجة الثالثة").

لو شرعنا في تطبيق الرؤية المصححة سيتبين أنّ أوّل ما يستحق المحو هو نظرية المؤامرة والعقلية الناجمة عنها. وذلك بالرغم من ثبوت المؤامرة بعينها. فمشكلة مجتمعاتنا هي أنها تعودت على إخلاء السبيل لعقيدة المؤامرة لتدَعها تشتغل كوقود للتفكير بدلا عن مقاومة المسببات الذاتية للمؤامرة. هكذا كانت ولا تزال المؤامرة تشتغل إما على أسّ التعويل على نتائجها من طرف مركز القرار الامبريالي وإما على أسّ غياب الإيمان بها _ من طرف فئات من المجتمع العربي_ وإما على أسّ حضورها الوازن في وعي الأغلبية العربية. بينما المطلوب ليس دحضها أو تجاهلها ولكن إدراكها والسيطرة عليها.

وهذا لا يتمّ إلا بفهم مكانة المؤامرة في مشهد الحركة في مجتمعاتنا. المؤامرة هي نتيجة للتخلف الفكري والحركي وللتواكل وللتقاعس، لا سببا لهذه المخرجات المميتة. نتيجة لهذا الفهم يتوجب إدراك أنّ الغرب يتآمر علينا لأننا ضعفاء ومتقاعسون بدلا عن التمادي في التوهم أننا متخلفون لأنّ الغرب يتآمر علينا.

لو ثابرنا على التصحيح بحسب متطلبات مجتمعاتنا كما تتضح لنا هذه المتطلبات عبر مجهر العصر، سنستنتج أنّ التحرك المجتمعي يكون نافذا وتقدميا حين يقوم كل مجتمع عربي بما يلزم من "حركات إحمائية وتمارين تدريبية" و"رسوم تجريبية" و"تمارين لغوية مخبرية" مستهدفا أولا وبالذات محو المؤامرة لناحية كونها نظرية أجنبية مرتبطة بعقيدة عربية معطِّلة للحركة _ لا لناحية أنها حقيقة سياسية_ وأيضا محو ما لا يصلح من المعرفة البائدة ومن ثمة إعادة تعلم قواعد السير إلى الأمام والنهوض والارتقاء.

حينئذ ستستبطن مجتمعاتنا معاني الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحق الانتخاب وحق البيئة وغيرها، وذلك بكل أريحية وسلاسة. لماذا، لأن مجتمعاتنا ستكون حينئذ قادرة على النفخ في هذه المفاهيم من روحها، متخلصة من المركبات والعقد التي كانت ترغمها على التظاهر باستيعابها وبتبنيها خشية أن تُتهَم بالرجعية أو في أفضل الحالات بالمحافظة.

لكن هل ستكون مجتمعاتنا قادرة على المحو والتفريغ، ثم على الملء والتعبئة، ومن ثمة على العمل بقاعدة الحديث النبوي "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" حتى لا تبقى هذه المجتمعات فريسة لحكام عالميين غائبين عن النظر ولا تبقى مواردها غنيمة لغول العولمة من دون ترويض هذه الآفة الجشعة والنفخ فيها من الروح ذاتها؟

أخلص إلى أنّ مدرسة المستقبل هي الإجابة الضرورية عن هذا السؤال و لو أنها ليست كافية. فيومَ تكون مناهج التعليم في مجتمعاتنا مطيعة لتوجّه القرن 21 الذي حدد بعض ملامحه نفرٌ من المفكرين العرب والمسلمين، و باحثون كبار على غرار نعوم تشومسكي (بفضل "البيداغوجيا الراديكالية") وإيليا بريغوجين (بفضل نظرية "سهم الزمان")، وتربويون ناجحون مثل ألفن توفلر وكين روبنسون، ستكون المعادلة كالآتي: بقدر ما يفقد بَالونُ المؤامرة الهواءَ شيئا فشيئا، ما يمتلأ العقل الشبابي العربي مادة محرِّكة، صافية ونقية، وما تتوفر لهذا العقل شروط الأداء المتحضر.

بالنهاية، أليس يوما واحدا نُقضيه بمنآى عن دائرة عقيدة المؤامرة_ يكون زاخرا بالوعي وبإدراك الحقائق المعاصرة_ كافيا لفك الحصار الذاتي المضروب على العقل ولإحداث الرجة التي ستمكّن هذا العقل من الإعداد المناسب لكيفية رفع التحديات وكسب الرهانات؟



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا التقى الانحراف العقائدي مع الانحراف اللغوي!
- قطار تونس يسير على جانب واحد من السكة
- تونس: الميزانية الاشتراكية البديلة في ميزان الشخصية الوطنية
- أليس من الحتمي أن تكون لتونس روابط ثورجية؟
- هل الإسلام السياسي مؤهل للتكيف مع العصر؟
- الإسلام والديمقراطية في مفترق الطرقات
- النموذج التونسي و التضييق على حرية التعبير والصحافة
- تونس: الفصل 38 أم الزنزانة رقم 38؟
- التديّن بالإسلام بين الحقيقة والأوهام
- ما قيمة نموذج تركي أمام قرآن عربي؟
- هل يجيب القرآن عن سؤال -لماذا اللغة هامة؟-
- النمذجة كوسيلة ابستمولوجية لإدارة الأزمة في تونس
- حتى يكون مهدي تونس منتظرا
- في انتظار عثور تونس على حكومة
- مخطط لإنقاذ تونس
- 7 توصياتٍ بشأن الحركة الإسلامية
- تونس: المآسي وراء الحوار الوطني الأساسي
- تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب
- تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش
- تونس: الكُتّاب الفاسدون وعودة الرجعية


المزيد.....




- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - لو نعيش يوما واحدا بلا عقلية المؤامرة