أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - أنتِ صديقتي..... وأكثر














المزيد.....

أنتِ صديقتي..... وأكثر


فاديا سعد

الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 18:19
المحور: الادب والفن
    


أنتِ صديقتي...... وأكثر
فاديا سعد

كونها المرة الأولى التي تخرج ما ترسمه إلى العلن، فقد كانت لشدة اضطرابها مشلولة الجسد، إن الناظر إليها لا يعرف أنها على

قيد الحياة سوى من تلك الابتسامة الهادئة الرصينة التي تتسع معها شفتيها بعد تعليق جيد على رسوماتها.

كان الرسام العجوز يلقي نظرة متفحصة وصارمة على لوحاتها، فيما اتخذت هي مكانا بعيدا قدر الإمكان.. بعيدا عنه إلى الوراء.

لقد بذلت جهدا رهيبا حقا كي تمتنع عن منح ساقيها للريح هربا من الرجل الصامت، الوقور، الذي وقف أمام اللوحة باحثا في ألوانها.

طالت وقفته أمام لوحة معينة، تسرب صبرها، فقالت: "أمزقها؟".

لم تتلق إجابة من الرسام المخضرم.

لم تكن تمزح...... فيما يخص الرسم لا شيء يجبرها على الاستهتار أو الاستهزاء.. وأمام جبروت صمته، لديها رغبة عارمة، و أكثر من أي وقت مضى لديها القدرة الحقيقية أن تبعد هذا العجوز بخشونة من أمام اللوحات.

لديها الحماس لتأتي على القماش المشدود بإطار خشبي وتكسرها على رأسها ورأسه وتقول: "هكذا أفضل من الوقوف كل هذا

الوقت، لتدرس الفكرة ثم اللون ثم سطوع الضوء وظلاله!"

كيف للمُنتج المستقل عن صانعه، أن يصير هو الصانع وهو الجسد البشري؟

حين توحدت مع لوحتها ما عادت تعرف من منهما اللوحة ومن منهما الشخص البشري.

كيف للوحة رُسمت في محيط خارج جسدها أن تصير ثغرا لقبلة؟ جسدا للتمحيص؟ كيف للون أن يصير الزراعين والعنق والساقين؟

هذا الرجل لا ينظر للوحة بل لجسدها ويخترقه كي يصل لأفكارها، أفكارها التي تخشى عليها من القراءة.... لا تراوغي يا فتاة أنت

تخشين ما يخشاه الجميع ... محاكمة الأشخاص على الأفكار...... كوني أكثر دقة.. بل أكثر انسجاما مع نفسك. هل ستجعلينه إذ ذاك

ينجو بفعلته؟!

وتذكرت ما قالته إحدى الحكيمات: "أن الحجاب لم يُفُرض على جسد المرأة، بل فُرض على الفكرة داخل جسدها".

أو الناس يخافون الفكرة وهي تقبع وراء الجسد لذلك يغطون الفكرة التي تكشف معيار الشخص في تطوره البشري.

تلطمها حركته الصامتة الوقورة، وبدل أن تنفذ خطتها وتكسر اللوحة على رأس الرسام ورأسها، عقدت ساعديها المتشنجين إلى

صدرها. تخشّب جذعها الطويل من غير قصد، ووصلت البرودة إلى أصغر وأدق عظيمة في جسدها.

تتخيله كيف ينظر للمرأة المسكونة في الرسمة، فيتعرف عليها مكتسية بالشغف، الذي يدعونه أهلها بالجنون.... هي لا تخاف الجنون

.... تخاف أن تفقد من يحبها بدعوى الجنون

كيف يقيّم العجوز انفلاتها عن المكان؟ عن بيوت المدينة القديمة أي فكرة تراوده وهو ينظر إلى تداخل لوني الأخضر والأزرق فوق

أفاريز البيوت؟ لماذا هذا البني الشاحب... سألت نفسها وبدأت تندم على اختيارها لهذا اللون.

لا بد وأنه حكم عليها: متمردة والمتمردة غير مرغوبة، وهي تريد أن تكون مرغوبة!

تنحنح العجوز قليلا، فطرق قلبها بشدة:

أتفكرين بأن تمسكي شعر المرأة الذي يغطي نوافذ المدينة، وتخرجينها من اللوحة؟ أترغبين بالهروب معها؟ ما هو مخرجك الذي

ستستخدمينه مع صاحبتك لتتركا الغرفة؟

كانت قد وصلت إلى قمة الانفعال: "جيدة أم سيئة؟" سألته بصوت مخنوق.

استدار الجسد النحيف للرسام العجوز في مواجهة مباشرة، فيما وقفت على حافة الانهيار: أهذا ما تودين سماعه؟ أن أقول لك جيدة

فتنتعش النبتة وتدبّ الحياة بكِ؟ أو أقول لك سيئة فتذبل الوردة وتموتين؟ في الحقيقة أود أن أقول لك إن كنت طموحة حقا فأول درس

عليك أن تتعلميه ألا تبالِ بحكم الآخرين.

هل كانت الزاوية المهملة والمخفية بستار خشبي رقيق في غرفة نومها في الشقة المأجورة "لثلاثة أشهر" بعد هذا الحديث ترقص؟.

أجل كانت كذلك.

وهذا الصديق الجالس على الكرسي الهزاز، وقد بان الخط الطولاني العميق بين حاجبيه أكثر عمقا هل يبتسم مؤكدا موهبتها؟ أيرسل

تهانيه عبر ابتسامة تميزه عن خلق الله بشدة تعبيرها؟

تراه من خلال الطبقة الشفافة لدموع محبوسة في محجري عينيها في لهفته كيف ينتظر حكم من يفهم في الرسم ليتأكد أنه قال ما

يجول في خاطره بأن الفتاة موهوبة، بعد أن أقنعها بعرض لوحاتها على مختص وجاء به إلى بيتها. الآن لو طلب روحها لما توانت

عن تقديمها له.

عندما انتهى العجوز من مشاهدته للطبيعة الصامتة أفسح مكانا الجلوس للعجوز، واضعا رجلا فوق أخرى، وقال:

"يمكنك أن تكوني تلميذة نجيبة.. يمكن الاعتناء بموهبتك!.. يمكننا كبداية أن نعرض هذه المرأة، التي أخرجت المدينة وبيوتها

ونوافذها من جسدها.. فكرة لطيفة.. منظر الطبيعة ليس هناك تناغم بين الضوء والظل... "

لم يعد مهما لها بعد أن سمعت حكم الرسام العجوز بوجهه المشابه للحاء الشجر ماذا يقول.

أخيرا أعطت أذنها السمراء الصغيرة والرقيقة لكلماته الأخيرة: "وقعي اسمك.. عفوا.. لم أتعرف على.." فكتبت بيد مرتعشة:

"رنيم معتوق".



#فاديا_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لسيد الرئيس بشار الأسد: أما عن الطمأنينة فسأحدّثك، ولا حرج:
- عن رنيم معتوق وتحصين الجبهة الداخلية ضد الارهاب.
- لأني أشعر بالغيرة
- رد جميل
- تأرجحنا... كثيرا
- مهما فعلموا... سيحاكمون
- ممنوع السرقة والاقتباس تحت طائلة... عدم وجود قانون!!
- خلطة سياسية مثل جملة اعتراضية
- كانت موهوبة
- فيما يخص المقاسات
- أنت غليظ؟ انضم إلينا
- حيث الخارطة الإنسانية
- أيتها اللئيمة
- الأسماء التي تضل الطريق
- يمارسون الأمومة.. ولا يدرون
- في عيدي وعيدكن.. قد يبدو الشكل بريء
- على أرجل حمام النّت.. الزاجل
- العالقون على سكة القطار
- أحب شفاهكِ منغلقة كانت، ومنفرجة
- هل من جديد


المزيد.....




- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟
- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاديا سعد - أنتِ صديقتي..... وأكثر