|
أكرام الضيف والتطور الحضاري
حيدر حسين سويري
الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 10:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أكرام الضيف والتقدم الحضاري ******************** من الصفات الثابتة عند العرب في قديم الزمان وحاضره ، اكرام الضيف والقيام بقضاء حاجته قدر الامكان ، وان كلفهم ذلك الايثار على انفسهم واهليهم ، وقد قرأنا الكثير من القصص في الكرم والجوار وحفظ كرامة الضيف ، وحمايته والسهر على راحته ، والكتب الدراسية المنهجية مملوؤة بهذه القصص !! ..... ولازالت المناطق الريفية تمتاز بهذا الفعل الحسن والواجب !! (كما يراه سكان الريف والبادية) ، ويبقى هذا الفعل الغير مفهوم من بقية الامم مترسخاً في جذور (عادات وتقاليد) الامة العربية ، حيث يمتاز العرب بهذه الصفة وغيرها من الصفات التي ليست لها مردودات مادية ، بل احياناً يكون ضررها اكثر من نفعها!! ، وكذلك فقد اكد الاسلام (وهو دين غالبية العرب) بعد مجيئه على هذه الصفات واثنى عليها ، منها موضوع مقالنا هذا (اكرام الضيف) ، وجعل له حصة من اموال المسلمين (بيت المال) وعبر عنه باسم (نفقة عابر السبيل) ، والضيف يختلف من حالة الى اخرى ، فتارة هو (عابر سبيل) لا يريد سوى الاكل والشرب والمبيت واجرة النقل ، وتارة اخرى يكون الضيف (مستجيرا) عند احد ما ، خوفا على نفسه وماله من القتل والسرقة ، وتارة يكون الضيف لديه حاجة يريد قضاءها فيسعى المضيف بكل جهده وطاقته لقضاءها ، وهذه هي اغلب الحالات للضيافة ، عدا اقامة الولائم المفتوحة بمناسبة او غيرها ..... ذات مرة وحيث كنت لم ابلغ سن 13من عمري ، كان الصيف قد بدء لهيبه يشتعل ، وكان والدي يصعد الى سطح الدار ويقعد في مكان فيه ظل ليتمتع ببعض النسيم ، طرق الباب ، فذهبت وفتحته ، واذا برجل شيبة وامرأة عجوز ، فقال الرجل وبكل وقار : السلام عليكم ، فاجبته : وعليكم السلام ، فقال : يابني اخبر والدك باننا ضيف (خطار) ، فتركته عند الباب وذهبت لاخبر والدي ، فقال ابي : اتعرفهم؟ ، قلت : لا ، قال : هل ادخلتهم ؟ ، قلت : طبعاً لا!! ، فاستنكر علي ذلك ، وقال : اسرع وادخلهم غرفة الضيوف (الديوانية) ، وساغير ملابسي واتيهم ، فاسرعت الى الباب وادخلتهم ، حتى اذا جلسوا قدمت لهم الماء ، فحضر والدي وسلم عليهم وقعد في مكانه المعتاد وصاح احضروا الغداء ، فرفض الضيف كونه قد تناول الطعام وقال : لاباس ببعض الشاي ، وذهبت لاحضر الشاي ، وعندما عدت وجدت الرجل يحكي ووالدي ينصت اليه ولا اتذكر ما كان موضوعه ولكني علمت انه فلاح من سكنة محافظة ديالى ، وبعد اتمامه لقصته استأذن بالانصراف فقال له ابي انتظرني قليلاً ، وذهب ابي وعاد ، فقام الرجل وسلم على ابي واتجه صوب الباب مغادراً وريت ابي يضع يده في جيب الضيف وكان فيها بعض المال لاأتذكره ، ولما غادر الضيف ، سألت ابي مستغرباً : لم افهم شيئاً ياأبي ؟!! ، قال : انه ضيف وله حاجة ساعدنا الله في قضاءها ، فقلت : ولكنه لم يطلب شيئاً انما حكى حكاية ، قال : نعم وانا فهمت مغزى الحكاية لانه فلاح ومثله ذو نفس تابى السؤال (التسول ) ففي السؤال ذلة وهذا ما نسميه بالعامية العراقية (يستعطي) ، فقلت : ولكنك لا تعرفه ؟! ولماذا جاءك دون غيرك؟! ، قال : لقد سأل الناس هل يوجد رجل شيبة من جذور ريفية (ابن عشاير واصول ) فدلوه علي واما قضاء حاجته فهي واجب ، هذا ما تعلمناه من اباءنا ..... وحدث ايضاً في تسعينيات القرن الماضي حيث كان نظام المقبور(صدام) ينفذ حكم الاعدام باي احد ولاتفه الاسباب ومن تلك الاسباب ايواء شخص مشتبه به او مساعدته ..... كان يوم عمل شاق قضيته ، وعندما عدت الى البيت اكلت ونمت ودخلت في نوم عميق ..... وعندما استيقضت وجدتني وحدي في غرفة الاستقبال والى جانبي رجل لا اعرفه وهو نائم !! فقمت وفتحت الباب ووجدت الجميع جلسوا في الصالة ، فصحت : من هذا؟ ما الذي يحدث؟ ، فقالت امي : (صوتك عيب لا يسمعك الرجال) ، فقلت : (يارجال) ، قالت : انه ضيف ، جاء الينا وطلب من ابيك المبيت ووافق ابوك على ذلك ، وعندما اعترضنا لم يسمع لكلامنا ، قلت لها : لا بأس ، ساعود واجلس في الاستقبال فغدا عندي امتحان ..... وفي صباح اليوم الثاني وكعادة ابي استيقظ لصلاة الصبح عند الاذان ونهض الضيف ايضا وبعد اداء الصلاة والفطور تقدم بالشكر الى والدي وانصرف ..... فقلت لابي وكلنا في البيت نحبه ونحترمه ولا نعصي له امرا : يا ابتي ان افعالك جميلة وحسنة ونحن والله نفخر بها ولكن المكان غير المكان والزمان غير الزمان ، قال (وبلهجة عصبية) : علمت قصدك ولكنه عابر سبيل لم يرد الا المبيت في هذا الجو البار ولم يضيفه احد فسأل ودلوه علي ، اذا جاءكم مثله مرة اخرى لاتنادوا علي فوالله لا انتهي عن اكرام الضيف !! ..... وكثيرا ما كاد ابي يوقعنا بمطبات ولكن الله سلم ... ما اريد الوصول اليه في هذه العجالة : اولا : ان الاخلاق التي تطبق في الريف هي لاتصلح ان تطبق في المدينة ، قطعاً ليست جميعها ولكن غالبيتها ، فالزمان والمكان مختلفان جداً ..... ثانياً : هل جميع الناس تستحق ان نكرمها ؟!! او ان نقوم بأجارتها ؟!! كما القصة المعروفة ، ذلك الرجل الذي اجار ام عامر (انثى الضبع ) وحماها من الذئاب فما ان نام اكلته !! وسار المثل قائلاً : كمضيف ام عامر ، وما نراه اليوم يحدث في محافظة الرمادي واهلها المساكين ، الذين ضيفوا داعش وغيرهم فبدؤا بقتلهم وتشريدهم والسيطرة عليهم والتحكم في اموالهم ومصائرهم !! ..... ثالثاً : سواءا في الريف او المدينة ، يجب الحذر في تعاملنا مع الغريب ، فالغريب يبقى غريباً وسيفارقنا في اي لحظة ، كذلك فنحن نجهل ماضيه الذي من الممكن ان يكون وبالاً علينا ، وكما روي عن الامام علي قوله : اتق شر من احسنت اليه !! ..... رابعاً : من غير الصحيح ان تملأ مناهجنا الدراسية بمثل هذه القصص والتي تدفع التلميذ الى هذا العمل دون ان توضح له سلبيات هذا العمل !! فكما تروي له كرم حاتم ارو له غدر ام عامر !!! أخيراً ، انا لا أريد ان انتقص من هذه الصفة ولكن يجب ان نكون علميين وعمليين في تعاملاتنا مع الاخرين .....
#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة - حيرة -
-
نقمة النسيان
-
قصيدة - صديقة -
-
سياسة الأزمات
-
قصيدة - قطرٌ وحجاز-
-
مكرمة الرئيس!! ألغاء الدوام الرسمي ليوم السبت
-
قصيدة - المؤتمر -
-
مظلومية المرأة العربية
-
ماذا يحصل لو ..... ؟!!
-
المناهج الدراسية والتطور التكنلوجي
-
ريفان 2
-
العالم والجاهل
-
قصيدة - فطام -
-
العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم
-
كيف اراك ؟!
-
قصيدة - فاتنة -
-
مَن المستفيد ؟!!
-
قصيدة - ريفان -
-
عودة بازوفت
-
قصيدة - سُرى -
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|