أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: المقدمة















المزيد.....

تاجرُ موغادور: المقدمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4411 - 2014 / 4 / 1 - 20:32
المحور: الادب والفن
    


’ من دخلَ موغادور فقيراً، خرجَ منها غنياً ’
مثل محليّ قديم
................

كنتُ أدققُ في وجوه العابرين، في تلك الظهيرة الخريفية المتألقة بشمسٍ كريمةٍ، فيما بصري يتنقل بين أطلال الحيّ اليهوديّ، شبه المندثر. بل إنني كنت ألتفت إلى الوراء بين فينةٍ وأخرى، كمن يعتقد بكونه ملاحقاً أو مراقباً.
إنه ذلك الرجل العجوز، الإسرائيليّ الجنسية، من جعلني على هذه الطارئة النفسية مذ أن تكررَ لقائي به، اتفاقاً، خلال مبتدأ رحلتي المغربية. فلأدخل إلى متن الحكاية، أولاً بأول، كما يفعل عادةً الرواة الشعبيون في ساحة " جامع الفنا "..!
*
قادماً كنت من ناحية " الملّاح " باتجاه " القصبة القديمة "، حينما لفتَ نظري ثمّة في الحيّ الأخير بناءٌ منيفٌ، مختلفٌ في عمارته عن مألوف التقليد المغربيّ. إلا أنّ ما استوقفني، في حقيقة الأمر، هوَ ما نقشَ في اللوحة الرخامية، المثبتة على مدخل ذلك البناء: " دار الكردي ـ 1853 ". هذا ما تمّ حفره على الرخام؛ كلمتان وتأريخ، حَسْب. إنّ اللوحة، وقد تبدّت لعينيّ على حالٍ من التلفِ بيّنة، كان عليها أن تجعلني أكثر حذراً في تفحّص نقشها. وقد حقّ لي بعدئذٍ أن أتيقن من قراءتي الصحيحة لنسَب هذه الدار الكبيرة، طالما أن المغاربة يميّزون الكاف الأعجمية بالتنقيط المثلث*.
الدار الأثرية ( المستثمرة حالياً كنزل ومطعم سياحيين )، قدّر لها أن تغيّر مسارَ رحلتي من مُجرّد سياحة عابرة إلى رحلة بحثٍ واستقصاء. أساساً، كان هدفي هوَ استجلاءُ حقيقة مواطني " الكرديّ "، المنسوبة لإسمه الدارَ. بيْدَ أن سيرة الرجل، في آخر المطاف، قدّر لها أن تسلّمني إلى سيرة " موغادور " نفسها: إنّ أحداثاً جساماً قد حُبِكَتْ نسُجُها هنا، في هذه الدار؛ مثلما أنّ دسائسَ ومؤامراتٍ، محلية وأجنبية، عليها كان أن تقررَ مصيرَ " موغادور " في عصرٍ شهدَ أوج مجدها، وفي آن واحد، بداية تدهور مركزها التجاريّ ـ السياسيّ. ولكن، مثلما نوّهتُ في مبتدأ القول، يجدر بالراوي ألا يستبق أحداثَ الحكاية..!
" ما الذي جاءَ بمواطنٍ من ملّتنا، في زمن عتيق ولا مَراء، إلى هذه الحاضرة البحرية الصغيرة..؟ "، تساءلتُ في نفسي وأنا ما أفتأ مراوحاً قدميّ قدّام الدار. وفيما كانت الجملة تصدى في داخلي، إذا بي أنتفض كالمأخوذ: " وأنا أيضاً!.. من الذي قادَ خطوي إلى هنا؟ "، فكّرتُ على الأثر وليسَ بدون رعدة.
أجل، لقد اتجَهَ سَهَمُ ريبتي إلى الرجل العجوز، الإسرائيليّ الجنسية؛ من سبق أن التقيتُ معه لمراتٍ ثلاث خلال أسبوع واحد.
*
اللقاء الأول، مع العجوز الاسرائيليّ، جدّ ثمّة في مطار " مدريد ". لقد بتّ ليلة في أحد فنادق العاصمة الاسبانية، وكنت في طريقي صباحاً لأستقلّ طائرة أخرى إلى " مراكش ". هناك، في المطار، عَلِمتُ بالخبر المباغت والمفزع: الشركة المغربية، التي حجزتُ تذكرة فيها عن طريق النت، أقدمت ببساطة على إلغاء الرحلة لعدم توفّر عددٍ كاف من الركاب..!
الفتى الألمانيّ، الذي نقل لي الخبرَ بلغةٍ انكليزية أنيقة، ما لبث أن انضمّ إلى جوقةٍ من مواطنيه الأوروبيين، الغاضبين. إذ ذاك، انتقلت بدَوري إلى صحبةٍ أخرى وعلى شيء من الانسجام أيضاً: كانا زوجاً بملامح شرقية نوعاً، كما أن كلاهما كان على درجةٍ رفيعة من التأنق بالرغم من سنّه المتقدمة. وإذ احتفظ الرجلُ بوقار المشيب، إلا أن امرأته رأت على ما يبدو أن مظهرها سيكون أحسن حالاً بشعر مُصطنعَ الصفرة. ما أن قدّمتُ لهما نفسي بإنكليزيةٍ رديئة، حتى تبادلا ابتسامة خفيفة. وإذا بالرجل العجوز يمدّ يده مُصافحاً، وهوَ يقول بلغة عربيةٍ لا تقلّ ركاكة: " أنا من المغرب، ولكنني أعيش في اسرائيل منذ زمن بعيد ". وبطبيعة الحال، فلم يكن من الممكن مواصلة حديث التعارف لو كنتُ قد اتخذتُ هيئة عدائية. بيْدَ أنني لم أرَ موجباً لتصرفٍ أخرق كهذا، خصوصاً وأن اقامتي في أوروبة، المديدة، قد جعلتني أكثر واقعية وانفتاحاً على الآخرين. عدا عن حقيقة أخرى، وهيَ رغبتي في اشباع فضولي بالتعرّف على ماهيّة اليهوديّ الشرقيّ وسيرورة تحوّله إلى مواطن اسرائيليّ. إنّ ما منعَ تحقيق رغبتي، على أيّ حال، لم يكن تحفظ رفيقيّ الرحلة العاثرة. فبعد حديث قصير، اعتذر الرجلُ بضرورة ذهابه وزوجته لمحاولة الاتصال بمكتب شركة الطيران في بلدهما، كونهما قد حجزا التذاكر لديها.
*
لقائي الثاني بالرجل العجوز، جرى في ظهيرة اليوم نفسه، الذي وصلتُ فيه إلى مدينة " مراكش ". يتعيّن عليّ القول، قبل كل شيء، أنّ هذه كانت زيارتي الثانية للمدينة الحمراء، الفاتنة. فقد سبق لي، قبل شهور أربعة، أن قضيتُ هنا أسبوعين في أوج موسم الحرّ والسياحة.
كنتُ إذاً ثمّة في حديقة مسجد " الكتبيّة "، عندما اقتربَ من مجلسي ذلك اليهوديّ العجوز صحبة امرأته. من نهاية الممر الفاصل بين المسجد والحديقة، أين كنتُ قاعداً استمتع بمنظر جَدَعة صبّار كبيرة، استطعتُ التأكّد من ملامح رفيقيّ الأمس. كانا يسيران بتؤدة على أرضيّة الممر الحجرية، مجتازين بعض بائعي الأشياء السياحية التذكارية، ممن كانوا يستظلون بفيء أشجار التين والتوت. العجوز اليهوديّ، المتأنق بسترة فضيّة منسجمةٍ مع شعره الأبيض، كان قد شرعَ في سؤال أحد أولئك الباعة عن مكان فندق " رياض موغادور ". أدهشني ولا غرو، أن يستعمل الرجلُ اللغة العربية لا الفرنسية في مخاطبة البائع. هذا الأخير، أشار إلى الناحية المقصودة، التي تقع خلف مجلسي متمتماً ببعض المفردات المبهمة. بصرُ العجوز اليهوديّ حط إذ ذاك على هيئتي، فميّزني في الحال. فتابع الرجلُ سيره باتجاهي، وقد شعّت ابتسامة محتفية على شفتيه الرقيقتين. مع هذه البسمة، التي عمّقت التجاعيد في وجهه، تقدّم إليّ ما أن نهضت من مكاني: " يُسعدني أن أراك مجدداً، أيها الصديق الكرديّ..! "، حياني بنبرة مرحة وهوَ يربتُ على يدي. تشديده على انتمائي الأثني، كان مُحالاً ولا شك لحديث التعارف الأول. وقتذاك، كان قد أثنى على شخصية زعيم كرديّ، راحل، واصفاً إياه بالمكافح العنيد وأيضاً بصديق الدولة العبرية.
" بدا لي، من سؤالك عن موقع الفندق، أنك قليلُ المعرفة بمراكش؟ "، قلت للعجوز مستفهماً. أجابني وقد انطبعت البسمة ثانيةً على سحنته الحنطية اللون، المتأثرة بعلامات الزمن: " أنا بالأصل من مدينة موغادور، المرتبطة إدارياً بهذه الجهة. ولكن زياراتي للمغرب، على أي حال، قليلة ومتباعدة ". ثمّ أضاف يسألني " ولكن، هل زرتَ مدينة موغادور..؟ "
" لا، بل قرأتُ عنها "
" شيء جيد أن تهتم بالقراءة، غير أنها ليست كالمعاينة على الأرض. فأنصحك بزيارة موغادور، إذا كان لديك متسعٌ من الوقت، فهيَ أكثر المدن البحرية سحراً في العالم "، قالها فيما هوَ يربت مجدداً على يدي وكأنما ليودّعني. عندئذٍ، لم أنتبه للمعنى الآخر في كلمة " سحر "؛ وهوَ المعنى، الذي جاز لي أن أستعيده فيما بعد.
*
خمسة أيام، غبّ لقائنا الأخير، ورأيتني وجهاً لوجه مع العجوز اليهوديّ وفي مسقط رأسه هذه المرة. كان مما له مغزاه، أن ألتقي بهذا الرجل ثلاث مراتٍ وفي أمكنة مختلفة. غيرَ أنّ فكرة كهذه، لم تراودني يومئذٍ.
وإذاً، كنتُ أتمشى في حيّ " الملّاح "، وصادف أن مررت حِذاءَ مدرسة يهودية قديمة. رحتُ أقرأ اللوحة المثبتة على حائط المدخل، فإذا برجل على حدود الكهولة يخرج من الباب الرئيس، المفتوح. قام بتحيتي ، مَن تبيّن أنه الحارس، ثمّ ما عتمَ أن دعاني بلطف للدخول. يبدو أنه كان يُمنّي نفسه بالبقشيش، مثلما اعتاد أقرانه أن يفعلوا في الأماكن الأثرية والسياحية.
" كما قرأتَ ثمة، في لوحة المدخل، فإن هذه المدرسة قد تعهّد مصاريفها أحد أغنياء اليهود في بداية القرن المنصرم بعدما كانت منزلاً عادياً. إلا أنها مقفرة منذ أعوام طويلة، بسبب هجرة معظم يهود الحيّ "، قال لي ذلك الرجل. وعلمت منه أيضاً، أنه المسئول عن حراسة المكان مذ أن تحوّل إلى أثر رمزيّ يُزار أحياناً من لدن أولئك اليهود المهاجرين. إنّ الصمتَ العميق، المُضافر في وحشة المدرسة المهجورة، قد جعلني أحجم عن معاينة أقسامها العلوية. فاكتفيتُ بإلقاء النظر على ما حولي، منصتاً لحديث الحارس عن أحوال الحيّ اليهوديّ، الحالية. على غرّة، إذا بأحد الزائرين يدلف من الخارج. الباب الرئيس، كان عند ذلك خلف ظهري. هاجسٌ ما، خفيّ، جعلني أجزمُ بأنّ هذا الشخص الداخل يتجه تواً نحوي. فما أن التفتّ، حتى وجدتني في مقابل العجوز اليهوديّ.
*سنستخدم هنا حرف الغين بدلاً عن الكاف الأعجمية؛ كما في اسم " موغادور " مثلاً..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس
- القضيّة
- الطوفان
- مسك الليل
- خفير الخلاء
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: المقدمة