عمار علي
الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 10:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يستند الخطاب السياسي العراقي الراهن, لتحليل وقائع الحاضر وملامحه,وصياغة المستقبل القادم, الى عقل ذرائعي نفعي وتدميري. و الى معطيات الماضي السياسية التي تكونت في ظل نظام سياسي استبدادي مغلق. خرب كل تراث النظام السياسي العراقي السابق الذي تبلور وترسخ منذ سنوات, عبر مناخ شبه ديمقراطي و عبر مؤسسات مدنية مستقلة عن بنية الدولة وشروطها المسبقة لصياغة عقل الفرد وتكوينه الفكري , و يتميز هذا المناخ بهامش سياسي كبير لحركة القوى الاجتماعية وصراعها مع السلطة ضمن حياة دستورية وقضاء نزيه الى حد معقول. وتشكلت قاعدة فكرية واسعة ومشاركة فعلية في صياغة الشأن السياسي العام ,من مشاريع ورؤى وبرامج, وخطاب سياسي فكري مطلبي ومعارض ومستقل عن خطاب الحكومة الرسمي حد القطعية والمواجهة مع مشروعها واحيانا اسقاطه. واستمر هذا المناخ حتى سقوط حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم. وهومناخ اقل وطئة وعنف . و يختلف كثيرا عن شروط العمل السياسي في ظل حكومة شباط الاسود الانقلابية والبعث ,الذي تميز بأعطاء دورا مطلق لنظام العائلة والحزب والأجهزة القمعية والجيش, لتكتمل في بنية هذا النظام دورة القمع والتفرد بزمام الدولة واقصاء الاخر مهما كان لونه السياسي والفكري .وافضت هذه الممارسة الى ظهور دكتاتور دموي , متخلف وارعن وأخيرا اثبت أنه جبان ومتخاذل, وعرضت البلاد الى أزمات وأشكالات لاتنتهي . وتركت ورائها خراب لكل مناحي الحياة. وأنتكهت سيادة البلاد من خلال احتلالها من قبل الحزب والعائلة والفرد(الدكتاتور) ومن ثم احتلال اجنبي لتبقى اسيرة مشاريع تفتيتها.
وفي ظل مرحلة نظام البعث المنغلق لم يتأ سس مشروع فكري سياسي اعلن القطعية مع فكر النظام وادوات تحليله لوقائع تلك المرحلة وحراكها السياسي والاجتماعي . بسبب عملية القمع والتصفية الجسدية وتعطيل العقل والفكر, واجهاض مشاريع فكرية عقلانية تتبلور بعيدا عن سياق الدولة ونظامها الفكري الساكن,
ممادى الى خراب نسيج التفكير المستقل المنتج لخطاب مختلف, ومعارض يهدد كيان الفكر البعثي السائد والفاعل رغم سكونه, وعدم استجابته لمعطيات الخارج التاريخيةالمتحركة بسرعة في معظم مجالات الفكر بالدولة والمجتمع.
وحتى وان تأسس فكر مستقل فهو بعيد وخائف وسري ومقتصرعلى نخب دينية وسياسية صغيرة معزولة عن حراك الشارع المستكين الذي سحقته آلة القمع والتغييب. والان تسحقه آله الطائفة والاقليم ,مما اثر على مفردات العمل السياسي والفكري بالعراق. وهذه المشاريع الجديدة هي تدور في فلك الذهنية الرافضة لقيام عقل مستقل متحرر ,يؤسس لدولة المواطنة والوحدة الوطنية باطار التنوع الاثني والعرقي وكل الطيف فوق ارض السواد.
والخطاب الراهن لم يخلق قطعية معرفية مع آليات تلك المرحلة بل أنه أعادة صياغتها بشكل ينسجم مع مشروعه ورؤيته للمستقبل .ولم يعتمد على نقد تلك المرحلة السابقة وتحليل ظروف نشوء الانغلاق وألية النظام السياسي الذي انتج الدكتاتورية و الخراب والحروب والطوائف والتقسيم.والبحث المعرفي عن اكتشاف آليات جديدة تتفاعل مع متغيرات الحياة وتخدم التطور الاحق للبلاد واعادة الدم في شريان العراق المعطلة, وارساء قواعد جديدة للدولة والمجتمع .والبحث عن اساليب تنعش الاقتصاد العراقي المنهار وأعادة الثقة الى الروح العرافية التي اندرست .والامل في حياة حرة وانسانية وكريمة.
ولكن هذه النخب انتجت خطاب ذرائعي مصلحي متطرف, يدعو الى تفكيك البلاد عبر اعلان مشروعها الداعي الى تحويلها الى دولة أقاليم وبرلمانات وجيوش وحدود وأعلام. وهي مبطنة بالتصدي لقيام الدولة المركزيةالتي تستحوذ على الاموال وتبديدها في بناء دولة القمع والجيش, والدعوة الى دولة حديثة مركبة غير مركزية , لان العراق طيف متعدد الاعراق والطوائف وألاديان, وان الاقاليم المقترحة كانت قد عانت من ظلم الانظمة الاستبدادية المتعاقبة على حكم البلاد.وعلى بديهية الفقر والقمع وألاهمال,وكأن تقسيم البلاد هو ضمانة لعدم تكرار هذه الظاهرة . متناسين ان الدستور العراقي سوف يضمن حق كل اطياف الشعب العراقي ويضمن عدم اعادة انتاج الماضي ومآسيه. ان صيغ بروح مدنية تقدس الفرد وتنشئ العدل والحرية والمساواة,
فالمشروع الداعي الى اقليم الجنوب, هو خليط من افكار قومية و طائفية وعشائرية يراودها حلم السلطة والسيطرة على عائدات نفط الجنوب .وتأسيس دولة المذهب المتماهي مع الفكر القومي العربي الخارج من مدرسة البعث الذي يسمونه(اليساري) مجازا وهوبعيد عن اي ملمح يساري او حتى وطني, لتشكيل بؤرة تنشط وتتحرك في اطار ديني قومي ,مدعومة بقوات بدر ومليشيات الصدروفقهاء السلفية الشيعية ,العائدة من دولة الاستبداد الديني والمعرقلة لمسارات التقدم والحداثة ,وستقوى هذه البؤرة وتتمدد الى المحافظات القربية , الى ان تعلن انفصالها عن المركز وبهذا تقوم دولة الجنوب الذي يسمونها (جمهورية سومر الشيعية العربية).
وهناك المشروع الكردي المنتاقض و الذي يدعوا الى عراق ديمقراطي فيدرالي موحد وبنفس الوقت يدعم مشروع فيدرالية الاقاليم بقوة لانها صدى لدعوته,وهو يدعم طموحات القوميين والطائفيين العرب,في تفكيك العراق بأيدي عربية حتى تتخلص القوى الكردية من دم يوسف العربي ورميه في جب التمزق والحروب الداخلية , وهي تدعوا الى وحدة العراق لكنها تقول ان كركوك خط احمر .اذن اين الدعوة الى الوحدة؟ وكركوك ستكون منطقة معزولة ممنوع الاقتراب منها. وهي تصر انها كردية وهذه الاشكالية بحاجة الى دراسات معقدة ومقنعة لجميع الاطراف ولاتحل الاعبر حوار سلمي ومتحضر واخلاقي.ولايخضع لمنطق القوة. منطق الوهم وخاصة الوهم الكردي بالاعتماد على امريكا بتحقيق مشروعها الاستقلالي رغم مشروعية هذا الحق والطموح.
ان تناقض الخطاب الكردي يظهر بوضوح حول مسالة كركوك وهي قضية معقدة وشائكة وهي نتاج عصور استعمارية ومصالح متحركة ومتناقضةوخاضعة لتوازن القوى ألاقليمية والداخليةالمتنافرة .وهي عنصر تهديد حقيقي لتمزق العراق ونشؤء مناخ الحرب الاهلية ,التي سيخسرها الجميع .
ان تصريحات القوى الكردية حول كركوك بانها سوف تقاتل حتى اخر نقطة دم لا تنسجم والخطاب الاعلامي المعلن , عن وحدة العراق الفيدرالي الديمقراطي والتعددية والتداول.
ان اعلان الحرب المؤجلة من قبل القيادة الكردية سيدفع قوى اليمين العربي بشقيه السني والشيعي الشوفيني المتطرف الى حالة من الاستعداد الذهني والفكري والعملي, لتصعيد اجواء التوتر وصولا الى نقطة الانفجار.
ان المطلب الكردي التعجيزي بكردستانية كركوك هو مقدمة موضوعية لأعلان الأنفصال عن العراق ,وهي ذريعة تقف ورائها القوى الكردية لتعجيل أنفصالها المعد في أروقة برلمانها الذي لاتربطه بالعراق اي وشيجة بل انها لا تشعر بان العراق وطنها بل هو معبر نحو الضفة الاخرى ,ضفة الانفصال, وعلى خلفية تصعيد روح العداء للشريك العربي المكروه بالمخيلة الكردية التي تكونت عبر خطاب قومي متعصب ومتطرف يصور العرب على انهم غزاة ومحتلين ومستوطنيين وليس شركاء في بلاد تأسست بعلمية قسرية رغم انف كل الاطياف العراقية وليس برغبة أحد ولكنها اصبحت بيتا للجميع.و لقد أتفقت الاطياف العراقية على ان تكون هذه الارض وطنا للجميع. من خلال دستور ثورة 14 تموز الوطنية .لكن طموحات ومشاريع تتحرك بالخفاء من اجل تخريب هذه البلاد وزجها في اتون حرب ضارية.
اما المشروع الثالث فهو مشروع المنطقة الغربية التي تتحرك تحت سيطرة قوى الارهاب والشوفينة العربية والطائفية المتأصلة في نسيج هذا الاقليم . وتحت مشاريع الاستقلال ورحيل قوات الاحتلال, وهي تناغي بهذه النغمة القوى الطائفية المتعصبة والمتعطشه لأراقة الدم العراقي (الرخيص) في مواجهة مع قوة عسكرية منفلتة ومغرورة. وهي مواجهة غير محسومة ولاتحصد غير الخراب الذي صنعته الحكومة المنحدرة من الصحراء والقرى النائية التي سلمت البلاد للاحتلال وهربت في وضع مخزي ومهين. ومع قوى القومية العربية التي لاتعيش الا على روح العداء للاخر الصليبي, الغربي, الكاف,ر العدو الغازي المهدد لكيان الامة العربية والاسلام.
ان خطاب (اقليم) المنطقة الغربية وطني تحرري بالشكل طائفي قومي متعصب وتحريضي بالجوهر .وهوخطاب تدميري وعنيف, وهويريد الحصول على كل شيء او لايريد,هو يريد العودة الىمقاليد السلطة او سوف يدمر العراق وأهله.
ان هذه الخطابات المنتوعة اللهجة والطموح يجمهعا مشروع واحد لاغير هو تقسيم العراق وتدميره .
اننا بحاجة الى خطاب عقلاني تنويري معتدل ووسطي .خطاب يدعوا الى روح المواطنة والى دولة وطنية حديثة مركبة, وهي تجسد مصالح كل اطياف العراق بنظام دستوري يضمن التعددية والتداول وضد المركزية.دستور وطني علماني يفصل الدين عن الدولة ويفصل بين السلطات ويضع حدود بين عمل كل المؤسسات .ولايستند على روح الاغلبية الطائفية او الدينية ذهه ألالية التي تفضي الى نشوء استبداد ديني اوسياسي او صعود دكتاتور بزي عسكري او مدني او بعمامة او بزي كردي.
ان مشاريع النخب السياسية الجديدة تخلق اجواء التمزق والعودة الى الانكفاء الى الطائفة والقومية والمحلة والمنطقة , وسوف تؤدي الى تجذير الخراب والتخلف والانغلاق.
اننا بحاجة الى تغليب العقلانية بالفكر والسياسية والاعتدال في صياغة العراق الجديد.
انها مشاريع تقسيم العراق الى اقاليم وجيوش وبرلمانات وأعلام وطوائف وحدود .
#عمار_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟