أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - توحد















المزيد.....


توحد


زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)


الحوار المتمدن-العدد: 4408 - 2014 / 3 / 29 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


توحد

مشكلاتٌ في التفاعل الاجتماعي و التواصل..يدير الأشياء "أو نفسه"..التفاعل غير المناسب مع الأصوات و أحياناً عدم التفاعل..صعوبة في التعبير عن الحاجة..مقاومة التغيير..ارتباط غير طبيعي بالأشياء..ترديد الكلام..لا يرضى بالاحتضان..عدم اللعب الابتكاري..يتجنب التواصل النظري..يفضل البقاء وحيداً..عدم الإحساس بالألم..عدم الخوف من الخطر..الضحك من غير سبب..ما هذه؟؟..إنها قائمة تصف أعراض مرض التوحد..و لأني "وجدتنا" في تلك القائمة فلقد قررت أن أهديك تلك الهدية الصغيرة.

فبعد أن عرفتك أصابتني حالةٌ من عدم القدرة على التواصل مع الآخرين..أو لنقل أني لم أعد أكترث كثيراُ إلا بالتواصل معك..فاقترابك مني هو اللذة الوحيدة التي تدوم في روحي في مقابل لذاتٍ أخرى لا تنافسها في هذا الصمود الوقتي..فلذتك في روحي كانت و ما زالت صامدةً كصمود يهودي أثناء حصار المسادا..فعن أي تواصلٍ سأبحث و مجرد الحديث معك يجعلني أقف على أطراف أصابعي منتظرٌ لمزيد من اللذة التي ستنسكب فوقي!!.

أدور حولك؟؟..نعم..في كثيرٍ من الأوقات كنت أشعر أنك تديريني و عندما تتوقفين عن فعل ذلك أستمر أنا في الدوران كما تلك اللعبة المخروطية القابلة للدوران ذاتياً حتى فقدانها لطاقتها فتسقط بلا حولٍ و لا قوة كما حدث معي..فبسبب ابتسامتك كنت لا أملك إلا أن أطبق كل قوانين الفيزياء التي توجب أن يكون دوراني حول مدارك بناءاً على قانون جذبك لي تجاه مجالك المغناطيسي و لا شيء سواه..فمن أنا لأكسر قوانين الفيزياء الخاصة بك!!.

أعلم أني كنت دائماً أتفاعل مع صوتك بطريقةٍ غير مناسبة..فاتصال واحد منك يبقيني منتصبٌ على أطراف روحي..أصغي إليك حتى تنتهين..تمر الساعات و أنا أصغي..و كأنك كنت تستمتعين برؤية حدودي..برؤية مقاومتي للاستسلام للذة النوم في مقابل جشعي للحصول على لذة الإصغاء لذلك الصوت الذي يراهن على نومي.

كنت أحتاجك كثيراً و لكني كنت عاجزاً عن ممارسة ما يفعله الآخرون بكل سهولة..أي المطالبة بحقهم في تواجد الآخر معهم دوماً أبداً أو حتى أحياناً..كان يصيبني الخرس..أو لعله الكبرياء..الكبرياء الذي يجد أن من المهين لي أن أطلب تواجدك معي طالما أنك لم تعرضيه علي من تلقاء نفسك.

قاومت كثيراً التغيير الذي أصابني معك و بعدك..و في كلا الحالتين استسلمت لذلك التأثير و كففت عن المقاومة..و لم أعد أجد رفع الراية البيضاء أمراً مهيناً كما في السابق..لعلي لم أقاوم معك لأني شعرت بلذةٍ غريبة تتسلسل إلى عقلي فتصيبه بالشلل لتمر من بعده متنقلةً بين حواسي فتصيبني بنوعٍ خاص من الشلل..نوعٌ لا أجد أني "يجب" أن أقاتله.

آه أسأليني عن الارتباط بالأشياء التي تخصك لأعترف لك اعترافاً مخجلاً بعض الشيء..عندما رحلت دون سبب ألقيت بكل ما يذكرني بك في أقرب سلةٍ للمهملات..لم أحتفظ بأي شيء..تعاملت مع ذكرياتك و تفاصيلك كما كان يتعامل البشر في الماضي مع مرضى الطاعون و كل ما يمت لهم بصلة كائنٌ حي كان أو جماد..أصبحتُ ناراً لا تبقي و لا تذر و لكنها لا تريد أن تصرخ "هل من مزيد؟؟" لأن حرق المزيد يعني احتراقي معه.

لهذا أكثر ما أردده بيني و بيني في أغلب لياليَّ هي وعودك..لن أتركك..لن أتخلى عنك..لن أفترق عنك لسبب بسيط و هو أني سأموت في اليوم التالي..سأقاتل لتظل معي ليس من أجلك بل من أجل بقائي حية..وعودٌ تجعلني أتساءل بدهشةٍ لا تنطفىء لماذا نكون صادقين جداً عندما نتلفظ بوعودنا و نصبح نزاحم عرقوب في تاريخه العريق عندما يحين موعد تنفيذنا لها!!.

نعم لم أكن أرضى بأن أحتضنك لأني كنت لا أكتفي بتلك "المُقبلات"..فأن أكون معك و أكتفي بحضنٍ عابر أسرقه منك هو كدخولي للمطعم و أنا في قمة جوعي فقط لكي أستنشق رائحة الطعام دون أن أمرر أصابعي على قائمة طعامك لأتخير منها ما أريد تناوله ليشبعني لبضعٍ ساعات أحياها من دونك.

توقفت عن ابتكار الألاعيب بعد أن أحببتك..كنت أشعر أني لو مارست ألاعيبي المعتادة فأنا أضيع وقتاً لا يمكن استرداده فيما بعد..وقتاً لن أتمكن من إعادة خلقه و سيرفض الرب أن يقوم بتلك الخدمة الجليلة من أجلي..وقتٌ كان من الممكن الاستفادة منه حتى حدوده القصوى فقط إذا توقفت عن ممارسة تلك الألاعيب الصبيانية التي يهوى ممارستها أغلب العُشاق.

لم أكن أستطيع النظر في عينيك مباشرةً..لأكن صريحاً لم تكوني جميلة بالمقاييس المتعارف عليها و لكنك كنت تجدين الأنوثة جداً..كان هناك أمر عندما أنظر لعينيك يصيبني بالارتباك..ماذا كان؟؟..لا أعلم..هناك أمرٌ ساحر..لعله ذلك السحر التي ورثته حتماً من جدتك سالومي التي تمكنت أن تحصل على رأس يوحنا دون أن تدفع مقابلاً له سوى أن ترقص بجسدها لتغوي به قاتله.

لهذا عندما ابتعدتِ اكتفيت بالوحدة..هناك شيء بداخلي لم يعد يكترث بالآخرين..حاولت أن أعود كما الأغلبية حيوانٌ اجتماعي ينتمي للقبيلة و لكني فشلت أكثر من مرة أو لعلي لم أحاول بإخلاص كما يجب..لماذا؟؟..لعلي أصبحت أؤمن أنه لا يوجد من يستحق أن أحاول و بإخلاص أيضاً من أجله..فالجميع متشابه و نحن نكرر ذواتنا بطريقةٍ مملة و دعكِ من تلك الأهازيج الشعرية المكررة و الأمثال العربية الحمقاء التي تصر على أننا نسخ لا تتكرر لأني بدأت أؤمن أن الرب يعيد طباعتنا بإصرارٍ يشابه الإصرار الذي نستخدمه عند الحديث عن اختلافنا.

و لعلي بسببك أيضاً كففت عن الإحساس بأي شيء..فكل ما أمارسه الآن هو محاولة الشعور بأني ما زلت أشعر..فلكي نشعر بالألم بالحياة بالحب بالسعادة و حتى بالحزن يجب أن نمتلك القدرة على ممارستهم..و لكن عندما تتم مصادرة جميع مشاعرنا بطريقةٍ حكومية احترافية فما الذي سيتبقى لنا غير "فتات" المشاعر التي لا تسمن و لا تغني من جوع!!.

و لكني لم أكن أشعر بتلك الهواجس سابقاً..لم أكن أخاف أي أمر و أنا معك..فأنت كنت قدري و من منا يخاف القدر؟؟..أنه أمرٌ تم تصميمه منذ الأزل و خوفنا منه لن يغيره فهو ككل الأشياء القديمة الأثرية تصمد في حين ننقرض نحن..و لعل هذا الأمر هو مصدر قوته التي ننسحق نحن تحت وطأتها.

هل توحدت معك لهذا الحد أم أنك أصبتني بالتوحد في حضورك كما في غيابك؟؟..لا أعلم و لكني أصبحت كما مرضى التوحد لا يُرجى شفاؤهم كما لا يُرجى -على الأغلب- صمودهم حتى سن الثلاثين..أي أني ببساطة أصبحت مُجبراً بين عدم الشفاء أو الموت..و كلاهما بسبب "توحدك".



#زين_اليوسف (هاشتاغ)       Zeina_Al-omar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما زال
- القاعدة و الزير سالم
- للكرامة جدران!!
- شَبَقَ -قصة-
- فيلم ظل الضمير -التحرش الجنسي في اليمن-
- فراس و الكلاب
- انفصال
- ملحد..شيعي..مِثلي بنكهة يمنية - 3
- ملحد..شيعي..مِثلي بنكهة يمنية - 2
- ملحد..شيعي..مِثلي بنكهة يمنية - 1
- طفلة زنا للبيع
- يمن جديد!!
- رغبةٌ و اشتهاء و بينهما نحن
- الأرباب الصِغار
- طفل البسكويت و طفل العامود
- إغتصاب هدى
- صور
- مَدِّد يا هادي و لا تُبالي
- شجرة بمنزلة نبيَّ
- رداد يمتهن النساء*


المزيد.....




- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - توحد