|
دَوا نُقَط
مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)
الحوار المتمدن-العدد: 4407 - 2014 / 3 / 28 - 17:04
المحور:
الادب والفن
دَوا نُقَط
- 1-
ما اسم ذلك الدواء ؟ علبة صغيرة داخلها زجاجة أصغر ، بها قطَّارة ، تنزل منها النقاط بمقدار. الدواء المذكور كان يوزن بميزان الذهب كما علمتنا الأفلام ، نقطة زائدة لا أكثر قد تودي بحياة الأعزاء ، وقد تنقذ الزوجة الشابة التي أُكِلتْ لحما ؛ إذ أوصى زوجها المسن – من على كرسيه المتحرك – أن توهب أمواله للجمعيات الخيرية . كان الطبيب في تصريحه الأخير – قبل أن يغادر - وهو يسلم وصفته الطبية يستلهم روح ممثل آخر ، في فيلم آخر : " خمس نقط لا أكثر ولا أقل " يقولها وهو يرفع سبابته متوعدا الحماقة كمفهوم ، أو الزوجة الشابة التي ستئول مغامرتها – حتما - إلى العدم والإعدام بفضل المخرج القدير ، الذي لن يرضى لأحد أبطاله – مهما كانت مساحة دوره - أن يجافي الحقيقة وطبائع الأمور . ليس للشر من مفر ، ليس له أن يرمح أكثر من ساعتين. كان الطبيب يوصي بإحضار الموت في علبة ، ويشدد على تحري السلوك الرشيد . - 2 - جارتنا " أبلة هيام " التحقت بنادي القلوب الجريحة شابة ، إلا أن ذلك لم يعطلها عن شيء ، حياتها تمشي بوتيرة طبيعية . مسألة لزومها بيتها لا تتعلق بتاتا بالمرض ، هي بالأساس تحب دور المضيف ، لأسباب كثيرة أهمها أن ( نِفْسها ) لا تستسيغ طعام وشراب الآخرين إلا مضطرة . فَهِمَ أحبابها هذا العيب اليسير ؛ فوفدوا إليها عن طيب خاطر ، من الصباح كمن على سفر تنتظر الزيارات ، ترحيبها بالوافدين هو أكثر مشاهد حياتها إتقانا وتأثيرا ، بابتسامة صحيحة تفتح باب شقتها ، بشوقٍ كأن من زاروها بالأمس وأول الأمس ، وهم الآن أمام بابها ، عائدون توًا من هجرة طويلة ! لا تطمئن لأحد إزاء عقار " النقط " الشهير ، تتلقف النقاط التي تمطرها العلبة في كوب صغير ، تتفادي الهطول ، مطرها ينزل بالكاد ، أتذكر كان العدد خمسة يحدث بعد وقت طويل . لم تكن أبدا من الصنف المتشكك ، هي - بالضبط - لا تريد لعزيز أن يقع في الخطأ الإنساني غير المقصود .
سيد أبوالعينين ، ابن عمها ، الشاويش في سلاح الشرطة العسكرية ، أقرب الأقارب إلى نفسها ، في جلساتهما يستعيدان معا ذكريات الطفولة وألعابها وسط قهقهات تتجدد مع كل زيارة . سيد هو أحد الذين نالوا نجمة سيناء إثر بطولاته المشهود لها في حرب أكتوبر ، كان يحضر كثيرا بقامته الطويلة التي تبدو وكأنه اكتسبها بناءً على حياته الطويلة في صفوف المحاربين ، والدليل على ذلك أنه بعد أن خرج إلى الحياة المدنية ، بعد أن أتم مدة سجنه ، عاد قصيرًا . في اليوم المشهود كان ينظف سلاحه وهو يشرب الشاي معها ( قالوا ) أو كان يمازحها ، لكن السلاح طال . خرجت من بندقيته الآلية دفعة استقرت في قلب هيام . فماتت شابة رغم التزامها بنصيحة الطبيب وأكثر . كم مرة حضرت سيارة الإسعاف ، وحملت هيام ، ثم أعادتها إلينا ضاحكة منتظرة زوارها . في المساء تجلس أمام أطباق الترمس تتابع فيلما قد يكون " أغلى من حياتي " . عندما ماتت بـ الآلي ، لا بنقطة زائدة من الدواء ، ردد الجميع ( لأن الحياة كالأفلام ) : سبحان الله! - 3 - مرض القلب قد يرقّق القلوب ، إذا كان صاحبه حاذقا ، يعرف كيف ومتى يبدأ بثه . خذ مثلا الست عقيلة راتب أم سعاد حسني في فيلم " ليلة الزفاف " ، كانت تريد أن تحمي ابنتها الوحيدة بعد أن مات الأب . سعاد أجمل الكائنات . كانت سعاد تُماشي شابا من بتوع اليومين دول ، " دول " ثابتة رغم تغير الأزمان . هو شاب يفتح ثلاثة زراير على الأقل في قميصه .الممثلة القديرة قالت لبنتها في عز المصيف : " الدكتور قالِّي هوا إسكندرية تقيل وممكن يرجّع لي النوبة " . أمها كانت مريضة فعلا ( لا تمثيل يقوم على باطل ) إلا أن الله شفاها . وأمام المحنة الجديدة اشتاقت روحها للدواء ، لكن كيف ؟ اتفقت مع الخادمة على أن تستبدل بدواء النقط ماء الورد .كلما عنَّ لسعاد أن تستجيب لنداء الحب مع الشاب التالف ، تسقط الأم مغشيا عليها ، وتجري الخادمة لتغمس القَطَّارة في الزجاجة ، وتنزل على نصف كوب الماء بالنقاط المعدودات.سعاد متأنقة ، على موعد . لكنها - ككل ابنة بارة - تضحي . مع الأيام ، مع انخراط الأم أكثر في التمثيل يأتي الجار أحمد مظهر، شاب ، لكن قويم ، ببدلة وكرافتة ، على جبهته تقطيبة الجد والمسئولية . أضِفْ أنه دكتور مثل المرحوم . ينجح الطبيب في إخراج الأم من أزمتها. عندما دقت ساعة الفراق ، قدمت سعاد علبة من القطيفة بها خصلة من شعرها ؛ ليظل الشاب الفالت على العهد إلى الأبد ، وانتزعت بعض الشعرات من صدر رمزي ؛ ليكون " شَعرًا بشعر " . في ليلة الزفاف عندما اقترب أحمد - كعادة زملائه الممثلين- ليضع القبلة الأولى التي ستزدهربعدها الأحوال ، ويصير الغريبان في لمح البصر بلا حياء ، يالَسوء الطالع ! بكت سعاد ، بكت سعاد بحرقة ، وأخبرته أن قلبها هناك ، وأن ما حدث ما هو إلا إرضاء للأم التي تحت أقدامها الجنات . فتفهَّم وتراجع كما يتراجع جنتل مان ؛ فصارت الغرفة اثنتين : لسعاد السرير ، ولمظهر الأرض .
أحمد رمزي الـ " مِبلَّط 3 سنين في تانية هندسة ، المصفرَاتي " بخفته المعهودة كشابٍ لِوِن أضاع سعاد. أما الطبيب أحمد مظهر ، المحترم في أكتر من موقف وأكتر من من فيلم ، بصبره واعتقاده في " إذا أحببت شيئا بشدة ، فأطلِقْ سراحه ، فإن عاد فهو ملكك " . صارت له . عادت سعاد ، رُفع الجدار العازل من وسط الغرفة . وأصبح ما تترجَّاه الأم هو – بالتمام والكمال - الحب الحقيقي في نظر سعاد !
#مجاهد_الطيب (هاشتاغ)
Megahed_Al-taieb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوقية
-
قهوة علي مالك
-
جبال الألب
-
محمود ونوجة وصفية
-
النادي الفرنساوي
-
بأثر رجعي
-
شارع الحب
-
مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012
-
ليلي نهارك
-
نُؤْنُؤ
-
حراس الفكرة
المزيد.....
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|