|
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 15:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة – 1 : هذه المقالة، في أغلب تفاصيلها واحصاءاتها وبياناتها، مبنية على تقرير كلية جون جاي للعدالة الجنائية (John Jay College of Criminal Justice) المنشور في سنة 2004، ويُمكن تحميل نسخة كاملة من التقرير من الرابط في هامش المقالة. وهي مبنية أيضاً على كتاب الأب توماس دويل الذي سوف يُشار إليه أدناه. وأتت المقالة كاستكمال للمراجع بخصوص هذا الاضطراب النفسي والسلوكي في هذا الموضوع.
ملاحظة – 2: هذه المقالة تضع عينة صغيرة جداً من المصادر العلمية المتوفرة الآن بكثرة فيما يخص مشكلة الفضاء العقائدي أو الطقسي المسيحي مع الاعتداء الجنسي على الأطفال غير البالغين. فهي بالتالي تُشير إلى مشكلة (ظرف عقائدي أو طقسي) بالتحديد وليست مشكلة ظرفية مشتركة مع المجتمع للفارق الكبير جداً في النسب المئوية لهذه الاعتداءات الجنسية بينهما. ويضاف إلى ذلك أن تلك الممارسة الجنسية لها امتداد تاريخي قديم جداً داخل الكنيسة كما سنقرأ أدناه. فإذا عرفنا أن حوالي (11 ألف شخص)، كما سنرى في المقالة، قد تقدموا بشكوى في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها خلال الفترة من سنة 1950 إلى 2002 بخصوص تحرشات أو اعتداءات جنسية من جانب كهنة أو شمامسة مسيحيين، عرفنا مباشرة أن هناك (خلل خطير جداً في النظام الطقسي أو العقائدي المسيحي). هذه المقالة تتعلق بتلك الاحصاءات العلمية والتاريخية التي تشير إلى حجم المشكلة.
في سنة 2006 نشر الأب توماس دويل بالاشتراك مع الكاهنين السابقين رتشارد سايب وباترك وول (Thomas P. Doyle, A.W.R. Sipe, Patrick J. Wall) كتاباً بعنوان (Sex, Priests, and Secret Codes) [الجنس، الكهنة، والأنظمة السرية] تناولا فيه تاريخ مشكلة الاعتداء الجنسي بكافة أنواعه داخل الكنائس المسيحية منذ أول نشوئها حتى بداية الألفية الثانية. فقد كان الدافع الأساسي لنشر هذا الكتاب من جانب كهنة مسيحيين سابقين هو التأكيد على تواجد هذه المشكلة السلوكية بين الكهنة (في كافة حقب تواجد الكنيسة التاريخية ومِن دون استثناء) وخصوصاً مع تفاقم هذه الإشكالية السلوكية بين الكهنة المسيحيين. ففي هذا الكتاب قال المؤلفون الآتي:
"يُظهر التاريخ بالتحديد أنه في كل القرون، من أول نشوء الكنيسة، أن مشكلة اعتداء الكهنة على الأطفال دون سن البلوغ لم تكن إطلاقاً مشكلة تقبع في الظل، ولكنها كانت علنية [so open] في بعض الأحيان بحيث كانت بحاجة لوسائل غير عادية لإخماد علنيتها. فإذا كان هناك أي شيء جديد بخصوص اعتداء الكهنة الجنسي على الأطفال دون سن البلوغ فهو أنه خلال الخمسين سنة الماضية كان هناك اتفاق [كنسي] لإسكاته والتغطية عليه [...] إن الإنكشاف العلني، الذي ابتدأ في منتصف ثمانينات القرن الماضي، لممارسات الكهنة فيما يخص الاعتداءات الجنسية قد تم افتراضه بصورة خاطئة على أنها (ظاهرة جديدة)، ولكنها على الحقيقة هي ليست كذلك [...] ففي خلال أربعين (40) سنة من ممارسة العلاج النفسي وما يتعلق به من تحليل لِما يقارب 1500 كاهن، فإن النتيجة النهائية هي أن ما بين 20 بالمئة إلى 25 بالمئة من كهنة أمريكا الشمالية لديهم صعوبات نفسية خطيرة، وما بين 60 بالمئة إلى 70 بالمئة كانوا يعانون من انعدام النضوج العاطفي. والنتيجة هي أن انعدام النضج العاطفي فيما يخص ممارسة الجنس [psychosexual] قد تجلى في هؤلاء الكهنة على شكل ممارسات جنسية مع الجنس الآخر أو نفس الجنس [heterosexual and homosexual] [...] ففي دراسة تولاها كندي وهاكلر (Kennedy and Heckler s)، وتطابقت نتائجهم مع دراسة أخرى قام بها بارس وتروو (Baars and Terruwe)، أظهرت أن 66 بالمئة من الكهنة غير ناضجين نفسياً ولا عاطفياً [...] وفي دراسة تولاها ريتشارد سايب [أحد مؤلفين الكتاب] أظهرت النتائج أن ستة (6) بالمئة من الكهنة قد انخرطوا في أعمال جنسية مع أطفال دون سن البلوغ، وأكثر من عشرين (20) بالمئة مع نساء بالغات، وأن حوالي خمسة عشر (15) بالمئة في انخرطوا في علاقات جنسية مثلية مع رجال [...] إنها (حقيقة غير متنازع عليها) بأن التحرش الجنسي الذي يقوم به الكهنة هو ليس انحراف طارئ حديث وهو ليس ظاهرة عابرة، ولكن هذا التحرش الجنسي له أصول عميقة ومتجذرة [...] الدليل التاريخي يُشير إلى أن بدءاً من القرن الرابع الميلادي فإن الرهبنة وشرط العزوبة قد تم انتهاكه بصورة منتظمة من جانب الكهنة من خلال التحرش الجنسي بالأطفال وأيضاً مع البالغين المُعرَضين لتلك التحرشات [...] على الرغم من أن هناك المئات من الاتهامات بخصوص التحرش الجنسي علمت بها المؤسسة الكنسية خلال العقود الماضية، فإننا لم نشاهد أية إجراءات قانونية قامت بها الكنيسة كما هو مفترض [...] إن الكهنة الذين يقومون بالتحرش الجنسي ضد الأطفال هم جزء من جماعة أكبر بكثير، يعلمون عن نشاطات بعضهم البعض، ومن خلال تلك المعرفة يبتزون بعضهم بعضاً". [انظر الهامش لرابط كتاب الأب دويل وآخرون (Sex, Priests, and Secret Codes)]
إلا أن هذا الكتاب المهم في موضوعه قد سبقه بسنتين تقرير شهير جداً أحدث ضجة إعلامية وقتها في الأوساط الغربية. هذا التقرير أصبح من الأهمية والشُهرة بحيث أنه يُشار إليه في أغلب، إن لم يكن كل، المراجع والأبحاث التي تتطرق لهذه المسألة. يُسمى التقرير اختصاراً بـ (تقرير جون جاي) (John Jay Report)، وهو دراسة قامت به كلية جون جاي للعدالة الجنائية (John Jay College of Criminal Justice) ونُشر في سنة 2004. واسم التقرير كاملاً هو (طبيعة ومدى انتشار مشكلة الاعتداء الجنسي على الأطفال من جانب الكهنة الكاثوليكيين والشمامسة في الولايات المتحدة الأمريكية) (The Nature and Scope of the Problem of Sexual Abuse of Minors by Catholic Priests and Deacons in the United States). وما توصلت له هذه الدراسة من نتائج أصابت الجميع بالذهول. أدناه هي عينة من تلك النتائج في هذا التقرير الضخم [285 صفحة]:
1- في الفترة من سنة 1950 إلى سنة 2002 كان هناك عشرة آلاف وستمئة وست وسبعون (10667) شخص تقدم باتهام موجه ضد كهنة مسيحيين بخصوص التحرش الجنسي. وأكثر من 17 بالمئة من هؤلاء الذين تقدموا بالشكوى قد قالوا بأنهم يعرفون بأن أحد أقربائهم قد تعرض أيضاً بدوره للتحرش الجنسي من الكهنة.
2- عدد الكهنة الذين استطاعت الدراسة مقابلتهم بعد توجيه الاتهام لهم بالتحرش الجنسي هو (4392) كاهن وشماس.
3- النسبة المئوية من إجمالي عدد الكهنة العاملين الذين تعرضوا لشكوى، خرجت للعلن، بخصوص التحرش الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية هو أكثر من 4 بالمئة. أما الشمامسة فالنسبة هي 5 بالمئة من العدد الإجمالي في الفترة ما بين 1960 إلى 1996.
4- أنه من المستحيل معرفة (العدد الحقيقي لحالات التحرش الجنسي من جانب الكهنة والشمامسة) خلال فترة الدراسة، وإنما الدراسة تتعلق فقط بمن تقدم بالشكوى في هذا الخصوص.
5- التحرش أو الاعتداء الجنسي المتكرر امتد في بعض الحالات إلى سنوات طويلة. ففي 38 بالمئة حدث التحرش الجنسي خلال سنة واحدة، وفي أكثر من 21 بالمئة استمر التحرش لأكثر من سنة واحدة ولكن لأقل من سنتين، وفي 28 بالمئة استمر الاعتداء أو التحرش ما بين سنتين إلى أربع سنوات، و 10 بالمئة ما بين 5 إلى 9 سنوات، وأخيراً أقل من واحد بالمئة لمدة عشر سنوات أو أكثر.
6- نسبة 23 بالمئة من الكهنة والشمامسة كانت أعمارهم ما بين 40 إلى 49 سنة وقت حدوث الاعتداء أو التحرش في الاتهامات الموجهة لهم، وتقريبا نسبة 17 بالمئة كانت أكبر من سن 49 سنة.
7- نسبة 56 بالمئة كان الكاهن أو الشماس يتحرش أو يعتدي جنسياً على شخص واحد، ونسبة 27 بالمئة كان الكاهن أو الشماس يتحرش أو يعتدي على شخصين أو ثلاثة أشخاص، و نسبة 14 بالمئة كان الكاهن أو الشماس يعتدي على أربعة أشخاص وصولاً إلى تسعة أشخاص، وأكثر من 3 بالمئة كانوا يتحرشون أو يعتدون على أكثر من تسعة أشخاص.
8- 149 كاهن وشماس من العينة تحت الدراسة كانوا يواجه كل واحد فيهم أكثر من عشرة (10) اتهامات تحرش، ووصل عدد ضحاياهم 2960 ضحية.
9- نسبة 32 بالمئة من عدد الكهنة كانوا يعانون أيضاً من مشكلات سلوكية أو نفسية أخرى.
أما فيما يخص احصاءات الضحايا في هذا التقرير:
1- نسبة 6 بالمئة من الضحايا كانت أعمارهم أقل من 7 سنوات، ونسبة 16 بالمئة من الضحايا كانت أعمارهم ما بين 8 إلى 10 سنوات، وتقريباً نسبة 51 بالمئة من الضحايا كانت أعمارهم ما بين 11 سنة إلى 14 سنة، و 27 بالمئة كانت أعمارهم ما بين 15 إلى 17 سنة.
2- (النتيجة الخطيرة التي توصل لها هذه الدراسة هو في جنس الضحايا)، إذ كانت نسبة 81 بالمئة من ضحايا التحرش الجنسي والاعتداء من جانب الكهنة والشمامسة هم من (الذكور)، بينما احتلت الضحايا الإناث باقي النسبة المئوية 19 بالمئة. ولاحظت الدراسة أن (الفئات العمرية للضحايا الذكور) كانت أعمارهم أكبر من الفئات العمرية للضحايا الإناث. وهذه النزعة تجاه الضحايا الذكور بالتحديد قد أشار لها كتاب الأب توماس دويل بكل وضوح، وتستدعي دراسات مستقلة لفهم الأسباب.
3- أنواع التحرش الجنسي التي مارسها الكهنة والشمامسة هي، مع ملاحظة أن عملية التحرش الواحدة قد تحتوي على (أكثر من فعل واحد): نسبة 52 بالمئة ملامسة الضحية فوق ملابسه، أكثر من 44 بالمئة ملامسة الضحية تحت ملابسه، 26 بالمئة (جنس فموي)، أكثر من 25 بالمئة تعرية الضحية، وأكثر 22 بالمئة العملية الجنسية تكون مكتملة. وأغلبية الكهنة انخرطوا في أنواع متعددة من هذا التحرش.
4- أماكن حدوث الاعتداءات هي: حوالي 41 بالمئة في مسكن الكاهن أو الشماس، أكثر من 16 بالمئة (داخل الكنيسة)، أكثر من 12 بالمئة داخل منزل الضحية، 10 بالمئة داخل منزل مخصص للعطلات، 10 بالمئة (داخل المدرسة)، وحوالي 10 بالمئة داخل السيارة. كما أشارت الدراسة أيضاً إلى مواقع أخرى حدثت بها اعتداءات مثل فناء الكنيسة وغرف الفنادق.
5- وقت حدوث الاعتداءات هي: 20 بالمئة خلال المناسبات الاجتماعية، حوالي 15 بالمئة خلال زيارة منزل القسيس أو العمل لديه، أكثر من 17 بالمئة خلال السفر معه. وقد حصلت الاعتداءات أيضاً خلال فترة الاستشارات، والساعات المدرسية، المناسبات الرياضية.
الخلاصة هي أن الاحصاءات والدراسات تشير بشكل واضح إلى (خلل عقائدي في محيط هؤلاء الكهنة) بحيث تكون نسبة التحرشات الجنسية بينهم أعلى بكثير جداً من المعدلات الطبيعية في المجتمع. ومن دون الاعتراف بوجود هذا الخلل العقائدي [الرهبنة على سبيل المثال كما هو منصوص عليه في رسائل بولس]، فإن الإشكالية السلوكية والنفسية الخطيرة التي يعاني منها هؤلاء ستتفاقم وضحاياهم سيزيدون.
هــــــــــــــــــــوامــــــــــــش:
1- تقرير جون جاي:
http://www.usccb.org/issues-and-action/child-and-youth-protection/upload/The-Nature-and-Scope-of-Sexual-Abuse-of-Minors-by-Catholic-Priests-and-Deacons-in-the-United-States-1950-2002.pdf
2- لشراء نسخة من كتاب الأب توماس دويل والكاهنين رتشارد سايب وباترك وول:
http://www.amazon.com/Sex-Priests-Secret-Codes-Catholic/dp/1566252652
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
كتابي في نقد النص المسيحي المقدس
-
تزوير مسيحية يسوع – 28
-
تزوير مسيحية يسوع – 27
-
عندما يُنتحل اسمي في مقالة
-
تزوير مسيحية يسوع – 26
-
عندما تسحب السعودية والبحرين سفيريهما
-
تزوير مسيحية يسوع – 25
-
تزوير مسيحية يسوع – 24
-
تزوير مسيحية يسوع – 23
-
تزوير مسيحية يسوع – 22
-
تزوير مسيحية يسوع – 21
-
تزوير مسيحية يسوع – 20
-
تزوير مسيحية يسوع – 19
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع - 16
-
تزوير مسيحية يسوع - 15
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|