أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - من ذكرى أبي / الجزء الثاني الدراجة الهوائية














المزيد.....


من ذكرى أبي / الجزء الثاني الدراجة الهوائية


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 03:22
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما أقف متأملا الذين ما أن يتموا مراسيم الدفن حتى يتكالبوا على التركة كالكواسر والسباع ينتف كل حقه ضيعة أو عقارا أو سيارة فارهة أو حسابات بنكية..واريت أبي التراب في يوم شمسه حارقة كأنها فوق الرؤوس مباشرة أو هكذا ظني والحزن يرخي سدوله على المكان.. جفت المآقي ولكن القلب منفطر. تفرق الجمع بعد الدعاء للميت وتفرق الإخوة (ذكورا وإناثا بعد العزاء ) كل الى بيته ومعه ذكريات الراحل .. مات فقيرا كما عاش فقيرا، لم يكن يغريه زخرف الحياة. .. يكره التصنع والتكلف ويغبط البسطاء ، ويردد دائما (النوالة توصل الى الآخرة ). في آخر أيامه كان كثيرا ما يسأل أمي عن الدراجة الهوائية ، والتي هي ما ورثناه، فهو يظن أنه تركها عند ألعجلاتي ..دراجة اهترأت عجلاتها ونخر الصدأ هيكلها الحديدي..تعددت ألوانها حتى فقدت لونها الأصلي..فلم يعد أحد يميز نوعها لكثرة ما لحقها من تغييرات..لكنها مميزة لدى سكان الحي ومميز كذلك راكبها!
لا يرتاح حتى تقسم له أنها معلقة على جدار بحوش المنزل فيغرق في غفوة عميقة نظنه قد اسلم الروح لباريها.. تغيرت الدراجة ولم يتغير أبدا عشقه لها. رفيقة دربه وعشرة عمر داوم على ركوبها وقد بلغ من الكبر عتيا. أعيتنا الحيلة ليتركها في ركن من الدار ..قاسمتنا شرطة المدينة الرأي، فكلما لمحه شرطي وهو على الدراجة أوقفه خوفا على حياته، لكنه كثير التذمر ..لقد وهن منه العظم وقل بصره ولم يعد ذا قدرة على التحكم فيها..الطريق تعج بالسيارات والمحركات مع ازدياد مهول في عدد المارة والراجلين.تغيرت معالم المدينة ولم يواكب هو هذا التطور...يعتبر الدراجة آلة تساعد على الحركة فقد رافقته في تنقله الى عمله وزيارة الأهل والأحباب..وهي رياضة وصحة.. كان يقول يكفيك من الدراجة أن تجرها من مقودها ولا تركبها.
في أمسية وشمس الصيف الحارة تدنو من الغروب بدأت أمي ونسوة من جاراتها يركضن نحو الطريق الإسفلتية وهي تولول..لم نكن ندري نحن الصغار مصابها! تبعناها نجري وكلما مررنا من زقاق ازداد عد النسوة وعدد الأطفال.سبقتنا الأم الى الطريق. ناقلة متوقفة على الطوار وعلي متنها يتمدد أبي والى جانبه دراجة مهشمة. تحلق جمع غفير من سكان الحي ..دخل بعض الرجال في حوار مع السائق وأخبرهم أنه وجد أبي ممددا على إسفلت الطريق الرئيسية 21 بعد أن سقط من فوق الدراجة ويظهر أن كتفه قد تهشم عظمه..طالبوه بأن يسلم الرجل لأهله ,لكنه يخشى تبعات ذلك فلابد أن يسلمه للدرك أو الأمن ليخلي ذمته. تفهم الحاضرون موقفه ..تحركت الناقلة.. وعادت أمي الى الدار.
كنا نسرقها في غفلة من الأم إذا غاب الأب في البحث عن عمل او شغلته عنا مشاغل الحياة لنتعلم ركوبها في أزقة الحي، وقد كانت لنا سببا في تعلم أولى مبادئ قيادة الدراجة الهوائية دون أن نضطر - كغيرنا من الأطفال- لكراء واحدة من عجلاتي بسوق الجمعة مقابل ريالات معدودة.. تضعنا أرضا ونعاود الكرة دون أن نشتكي أو نذرف دمعا...عندما يئسنا منه ليتركها ويبتعد عنها اشترى له الأخ الأكبر دراجة رياضية جديدة..لم يقبلها ضرة في الأول ولكنه أعجب بها في الأخير لأنها خففت عنه بعض المشاق بما تتميز به من قدرة على تغيير السرعات ، لكن فرحها بها لم يدم طويلا إذ سرقت منه أمام مسجد الحي..
علم جارنا الميكانيكي بمصاب الأب وتبعه الى المخفر ليطمئن عليه.. سلمه السائق للدرك الملكي وبدورهم نقلوه الى المستشفى ليعالج..بات ليلة هناك بمشقة لأنه كثيرا مايكره هذه الأماكن ويخاف المغلقة منها ، وبتنا ليلنا قلقين عليه..
لم يطل مقامه هناك فقد هرب من المستشفى في الصباح الباكر وعاد الى الدار.



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق من يوميات معلم بالجنوب المغربي 1986
- من ذكرى أبي الجزء الأول الجدي الأجرب
- حوش المتعة
- خيانة
- رقصة في بيت العنكبوت
- النقابة بعد رحيل كيكيش
- هشام المطال وتقبيل أرجل نائب الوكيل
- ميدلت أون لاين في حوار مع السيد أحمد كيكيش نائب وزارة التربي ...
- حوار مع عبد القادر موعلي الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للت ...
- حوار بوابة ميدلت مع عبد القادر موعلي الكاتب الإقليمي للنقابة ...
- حوار دفاتر مع السيد أحمد كيكيش / منقول الى المكتوب
- نص قصصي : طلسم الفحولة
- النبش في تعيين أحمد كيكيش
- خطاب الى السيد النائب


المزيد.....




- وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - من ذكرى أبي / الجزء الثاني الدراجة الهوائية