أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - نحو مادية شعرية في قصيدة (ليالي زفافنا السّبْع) للدكتورة أسماء غريب في طقوس الجسد المقدس/ وشعرية النص المُتخَيّل















المزيد.....


نحو مادية شعرية في قصيدة (ليالي زفافنا السّبْع) للدكتورة أسماء غريب في طقوس الجسد المقدس/ وشعرية النص المُتخَيّل


حيدر علي سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 02:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إن المتتبع للخطاب الشعري عند الدكتورة "أسماء غريب"، يلحظ أنه خطاب حافل بالتداخلات الميثية/والصوفية والرمزية/والخيالية. الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان، قراءة نصوصها الشعرية، على طريقة "الأشكال التنميطية" السائدة في قراءاتنا التقليدية في حقول النقد الأدبي والدراسات الادبية. وذلك لأن "الخطاب النقدي التقليدي" لطالما انعزل عن مواكبة ابستمولوجيا العلوم الإنسانية والأناسية واللسانية، وعن الكثير من المنجزات والطفرات الثقافية في خطاب "الفلسفات الصوفية/والعرفانية" التي أصبحت هي الأخرى أكثر تداخلا مع ابستمولوجيا التحليل النفسي والعلوم السيكولوجية وسيكولوجيا الأعماق لاسيما عند عالم النفس الألماني يونغ، والتي عملت في مجملها على إعادة قراءة تلك الفلسفات، لتعيد تشكيلها بما ينسجم والراهن الذهني/الجسدي لموقع الذات الإنسانية في العالم من جهة، وعلاقة ذلك الراهن بالعوالم الماورائية والميتافيزيقية والخيالية من جهة أخرى.
من هنا، نرى كيف أن "خطاب النقد الأدبي" ظلّ يتعامل مع كثير من المفاهيم والمفردات الصوفية والخيالية والرمزية بشكل بعيد عن "الطرح الإشكالي"، وبذلك عمل على هدر طاقة "المتخيل الأناسي/الانفعالي passion" و "الفلسفي/الماورائي". لهذا، حتى وإن جاءت أغلب تلك الكتابات على ذكر مجمل مثل تلك الثيمات، فإن تناولها ظلّ يفتقر إلى التحليل الابستمولوجي واللساني، لأنه خطاب يكاد لا يؤمن بمنطق تعددية المناهجmulti methodology في خطاب الدراسات الأدبية literature studiesوالعلوم الإنسانية والأستيطيقية والتاريخية.




ـ في جدل الدنيوي/والقدسوي/والشعري

تعد ثيمة جدل الدنيوي/والقدسوي في قصيدة "ليالي زفافنا السّبْع" من أهم الثيمات المسيطرة على بنية تشكيل لغة النص الشعري من جهة، وتشكيل فضائها المتخيل/الواقعي من جهة أخرى. وبدا ذلك الجدل واضحا من خلال تجليات جسد الأنوثة/وأنوثة الجسد. فعلى مدار "خطاب الليالي السّبْع" نجد أن ثيمة الجسد/المتخيل/الواقع ظلت تتحرك بشكل "ميتافوري"، فأمست كل ليلة "تُئول" وتُفسّر الليلة التي تليها وهكذا دواليك، فمثلا في الليلة الأولى (ليلة الحانة) :

"بالأمسِ ضربتُ لكَ موعداً في حانة جدّنا العتيقة
فجئتَ للقائِي ببدلتكَ الملكيّة الزرقاء وربطة عُنقك الحمراء
ووردة جيبكَ البيضاء وشعركَ الفضي المعطّر بالمسْكِ النّجفيّ
وكانتْ موائد الحانةِ صاخبة بالمُبسْملين والمُحوْقلين والمستغفرين
وحينما رأيتكَ قمتُ ووضعتُ يدي في يدكَ ثم انتبذتُ بكَ مكانا قصيّا."

في النص أعلاه، نلحظ كيف بدأ سِفِر تكوين الأنوثة في العالم، أي ضمن مكان محدد "في حانة جدنا العتيقة"، لتتشكل بعد ذلك، حالة من "التداخل الميتافوري" بين "الحانة" وروادها من "المُبسْملين والمُحوْقلين والمستغفرين". فالحانة تبدو وكأنها "الأنوثة المُتخَيلة/الجسد بما ينبغي عليه - ought to- أن يكون " والذي يعاد ضبطه وتشكيل نظامه النزوي/المُتعوي الداخلي من خلال "نسق المُبسْملين..."، الذين يُشكلون الدائرة التي يتموضع/يتشيء فيها فضاء الذات/والآخر؛ الأنا/والأنت والأنوثة/الذكورة. فالآخر ظهر أيضا ضمن ذلك الفضاء "الميتافوري القدسوي"، فقد تم وصفه: "شعرك الفضي المعطّر بالمسْكِ النّجفيّ.....ثم انتبذت بك مكانا قصيّا". بعدها، وفي الليلة الثانية (ليلة المصحف الذهبي) يتمّ تأويل ماهو قدسوي/إلى ماهو دنيوي :

"نعم يا حبيبي، فقلبِي هو مكاننا القصيّ ومائدتنا الحمراء
مائدتنا التي طلبتَ فوقَها اليومَ يدي وأردتني فيه زوجة لحرفك الباذخ
هو قلبي هذا المكانُ القصيّ الشرقيّ الذي لم يعرفْ قبل ولا بعدُ سواكَ
وهوَ مائدتنا التي وضعتَ فوقها اللحظة مُصحف جدّنا الذهبيّ وخمسة دنانير
نعم، فقد كان هذا هو المهرُ الذي طلبتهُ منكَ".

من النص أعلاه، يتبيّن كيف أن علاقة الذات/والآخر أو الأنوثة/والآخر جرى تأويلها بشكل أقرب إلى "بنية الوجود الدنيوي" المتمثلة في ظهور ذلك الآخر/الزوج، أو قل أن شئت تدشين لحظة القِران المحميّ "بعقد قدسوي قرآني" وهو مهر الأنوثة المُتخَيلة. ومع الليلة الثالثة (ليلة الإخلاص) تبدأ رحلة "الأنوثة البرزخية"، حيث قيامة "ميتافيزيقا الجسد القدسوي" التي تشهد وحدة وجودها مع الآخر/الزوج :

"وكانت أحاديثُ العشقِ والجوى بيننا ملتهبة
ومن مائدةِ القلبِ دخلنا سريرَ الرّوح، أو قـُلْ سرير الملذّة
وهناك قرأتُ لكَ سورة الإخلاص وأعلنتُ بين يديك آيات الوفاء الأبدي
وألبستني خاتم العهدِ الجعفريّ وألبستكَ خاتم أهل الأحدية والقيّومية
وقلتُ لكَ: هذه نقطتي البيضاء بين يديك، فحافظ عليها."

نشهد مع النص أعلاه، فيوضات الأبعاد الروحية والصوفية الواضحة الحضور والمعالم في (ليلة الإخلاص)، التي وإن بدت للعيان أنها تصف حالة زواج سائد، لكن كيف هو هذا الزواج، وهل له علاقة بأشكال الزواج المألوفة؟ إنه زواج "المغايرة والاختلاف" ، زواج الأنوثة مع المقدس أو اتحاد الأنوثة مع الكوزموس، إنه زواج/ارتباط يخرج بنا عن أطره التقليدية السائدة، حيث سيطرة المنافع المادية والمصالح الدنيوية. وهنا نحن في واقع الأمر، نقف أمام إشكالية علاقة الأنوثة مع خلق العالم وتكوين الحياة، وهي إشكالية ميتافيزيقية استأثرت باهتمام كبير من لدن كل من : المتصوفة والمتأهلين والعرفانيين وأرباب الأحوال والمقامات. وهذا ما توضحه الليلة الرابعة (ليلة السجود):

"سمعتَ وصيّتي وبكيتَ كثيرا وقلتَ: الشموس قليلة والقناصُون كُثر
قلتُ: لا تأبه فمنْ حفظَ ذكرهُ لا ريبَ حافظٌ لي ولكَ
ثم نزعتَ رداءَ الكبرياء الآدمي
ورفعتَ خمار العشق عن وجهي السرّي وصحتَ:
يالله، شمسكَ الحمراءُ هذه كم سجدة عليّ أن أسجد لها كل فجر!"

هكذا، تتم لحظة ملاقاة جسد الأنوثة/مع جسد الذكورة، حيث تتعرى كينونة الأشياء قبل الأجساد، وتُفَض غشاوة الوجود قبل فَض غشاوة البكارة التقليدي. وهذا ما تصفه الليلة الخامسة (ليلة الفناء والصحو):

"ابتسمتُ ثملى من كلمات حبّك العظيم
ثم قلتُ لكَ: هي سجدة واحدة في العمر كلّه
ثمّ قبّلتني وسجدْتَ في وجهي الخفيّ لهُ
وفنيتَ فصرتَ الكأس وفنيتُ وصرتُ الخمرة
وصحوتَ فصرتَ الباب وصحوتُ فصرتُ الحضرة."

ثم يستمر مشهد حضور الأنوثة في العالم/الكون بوصفها رمز الوجود والخصب والنماء، بل رمز "الفضائل الكونية الخالدة". لكن هذه المرة، ستكون لحظة فناء متبادل بين الأنوثة/والرجولة، والأنا/والأنت، حيث تتحول المواقع وتتغير الأجناس وتتداخل الأزمان وتندمج الأكوان وتختل المقاييس وتتوحد الأديان، إنها "فضيلة الأنوثة المقدسة والخالدة" التي تُعيد تشكيل الوجود والحياة. وهذا ما جاءت على وصفه الليلة السادسة (ليلة التخصيب) :

"ثم بعدَ الصحوِ بقيتَ فصرتَ الجمعَ وصرتُ الكثرة
وظهرتَ لي وظهرتُ لكَ وحبلتُ في الختام بكَ مِنكَ
فصرتَ ابني وصرتُ ابنتكَ وقام فيكَ عيسايَ وقامتْ فيّ مريمُكَ
وعُدنا على بدء نبكِي بدل الدّمع دما
لا أنت تعرف لبكائنا سببا ولا أنا أدري لمَ!"

ترسم لنا اللوحة اللغوية لقصيدة (ليالي زفافنا السّبْع) "تمرحلا خطابيا" بين ليلة وأخرى، هذا التمرحل يتطور من خلال أنطولوجيا الأنوثة/وأنطولوجيا العالم، وذلك في الليلة السابعة (ليلة الأسد الأحمر) ،التي انعرجت بالمقدس/الميثي ليسكُن في العالم، حيث تتحول الأنوثة - وجود - في- العالم، بل تؤسس العالم، فهي أساس الوجود منذ الأزل :

"مسحتُ دموعكَ بشفتيّ وقلت لك: لا تبكي يا كبريتي وأسدي الأحمر
لا تبكي يا مَلِكي، وساكن سويداء قلبي
فما الذي نبغيهِ بعد هذا وقد أكلنا معاً أسدنَا الأخضَر
فقلت لي: ليس للأسد الأحمر أيّ معنى، ما دمتِ أنت كوكبي الجديد
الذي سأعلن عنه للعشاق في ندوة صحفية جديدة أعقدها في قلبي غدا!"

ـ في تحليل "الشعرية المتعالية في منطق الولاية" لقصيدة (ليالي زفافنا السّبْع)
قراءة في شعرية-الأونطو* Ontopoietic لبنية الخطاب الصوفي

إن إشكالية بنية "النظام اللساني" في قصيدة الدكتورة "أسماء غريب"، تستحضر أكثر من وقفة تأويلية وتحليلية، لإعادة اكتشاف الأطر "والبرادايمات الثقافية" الكامنة في لغة نصها الشعري، سيما فيما يخص التعلق المشيمي بين كل من: النص/والأسطورة/والرمز، فبدون تفكيك "لغته الرمزية" يظل النص عصيا على التحليل اللساني/واللغوي، خاصة وهو نص حافل بالتناصات اللاهوتية والقدسوية المتعالية. وبواسطة مثل ذلك التحليل سيمكننا أن نفهم ابستمولوجيا: ((الكلام الرمزي [الذي] هو اللغة.الوحيدة التي ينبغي لكل منّا أن يتعلّمها. إذ أن فهمها يجعلنا نضع أيدينا على مصدر من أغنى مصادر الحكمة، وأعني به الأسطورة، كما أن هذا الفهم يضعنا على صلة بأعمق الركائز التي تقوم عليها شخصيتنا. فالواقع أن هذه اللغة تساعدنا على إدراك المعنى، الذي يصدر عن مستوى بشري مخصوص من مستويات الخبرة المعيوشة))(1).
فعلى الرغم من سيطرة "الانطولوجيا العامة/الكلية للمقدس" على بنية لغة القصيدة، إلا أن حضور الوجود الأونطو/المعيوش في نص الشاعرة هو الذي يتمأسس في العالم من خلال الطاقة الشعورية/والجسدية للأنوثة، التي لابد وأن تعبر عن دواخلها المسكوت عنها من خلال نظام رمزي/متعال : (( فمشاعرنا تعبر عن نفسها بحركات واختلاجات محددة وتتحدث بلغة أبلغ من لغة الكلام. والواقع، إن الجسد رمز للفكر، لا كناية عنه. فالانفعال الذي يعتمل في قرارة أنفسنا، والفكرة التي نستشعرها بعمق وصدق يتطلبان للتعبير عن نفسيهما استنفار الجسد بأسره. وعندما نكون حيال رمز جامع نجد صلة مماثلة بين التجربة الذهنية والتجربة الجسدية))(2)
وعند التحدث عن طبيعة التداخل الحاصل بين التجربة الذهنية والتجربة الجسدية، ففي واقع الأمر، لابد من الإشارة إلى إشكالية ولوج الجسد في "فينومينولوجيا الشعائر وخطابها القدسوي". وهذا ما سوف يقودنا إلى حقل "الدراسات الشعائرية أو الطقوسية"، التي لا تكتفي في حضور الذات الإنسانية بوصفها منشطرة بين عالم الأعيان/وعالم الأذهان، لاعتمادها على قاعدة "الممارسة التاريخية" المرتهنة بالخطاب discourseوالسياق الثقافي العامcontext، وهذا هو بالضبط، ما عمل عليه حقل "دراسات الشعائر المقدسة Ritual Studies" الذي استند على: (( البحث التجريبي سعيا منه للكشف عن حجم التباينات بين المثال والواقع في الاعتقاد عند العامة الممارس في طقوسهم. والتي تساعد على تأويل تلك التباينات من خلال توضيح معنى تلك الطقوس التي تُولَد من جديد من خلال وجودنا في العالم))(3).
ولما كانت بنية وجودنا في العالم محاطة بهالة كبيرة من الرموز الثقافية والأسرار اللاهوتية، كان من الصعوبة بمكان، تحليل وتأويل الطاقة الرمزية في النصوص الشعرية، وذلك لكونها تتخارج دائما كمستودع وخزين كبير لتلك الرموز والأسرار، التي يتعذر هتكها. فالرمز : ((هو تصور يُظهر معنى سريا، إنه تجلي السر. وسيكون النصف المرئي من الرمز أي "الدال" محملا دائما بالحد الأقصى من التجسيم، وكما عبر "بول ريكور" عن ذلك محقا عندما اعتبر أن كل رمز أصيل يملك ثلاثة أبعاد ملموسة : فهو في الوقت نفسه "عالمي" (أي يقتبس رسمه بسخاء من العالم المحيط بنا بشكل جيد) وهو "حُلْمي" (أي يتأصل في الذكريات،في الحركات التي تنبعث من أحلامنا....) وأخيرا هو"شاعري"، أي أن الرمز يستدعي أيضا اللغة، واللغة الأكثر غزارة، إذاً الأكثر مادية))(4).
من هنا، يتضح لنا كيف أن هناك تداخل ابستمولوجي/تاريخي بين كل من : منطق الرمز؛ ومنطق الشعرية ومنطق الأنوثة، وأنه من خلال جدل التفاعل وصيرورة التداخل بين مختلف أشكال المنطق تلك، سوف تتبلور وظائف الميكانيزمات الخفية للخطاب الصوفي ضمن الخطاب الشعري، ومن ثم ضمن الخطاب اللاهوتي أو بما يُعرف بحركية المقدس : من "منطق شعرية الولاية" إلى "منطق شعرية النص الشعري". فلا يمكننا أن نفصل بين التجربة الصوفية/والتجربة الشعرية، وذلك لأن اللغة الصوفية : ((...هي تحديدا، لغة شعرية، وأن شعرية هذه اللغة تتمثل في أن كل شيء فيها يبدو رمزا : كل شيء فيها هو ذاته وشيء آخر. الحبيبة، مثلا، هي نفسها، وهي الوردة، أو الخمرة، أو الماء، أو الله. إنها صور الكون وتجلياته. ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن السماء أو الله أو الارض. فالأشياء، في الرؤيا الصوفية، متماهية متباينة، مؤتلفة مختلفة بهذه اللغة تخلق التجربة الصوفية عالما داخل العالم، تتكون فيه مخلوقاتها، تولد وتنمو، تذهب وتجيء، تخمد وتلتهب. وفي هذا العالم تتعانق الأزمنة في حاضر حي. اللغة الصوفية لا تقول إلا صورا منها ،ذلك أنها تجليات المطلق- تجليات لما لا يُقال، ولما لا يُوصف، ولما تتعذر الإحاطة به. فما لا ينتهي لا يُعبر عنه إلا ما لا ينتهي. والكلام منتهٍ، والمتكلم هو كذلك منتهٍ. ستظل قدرة الكلام، إذن، إشاريّة، ورمزيّة، وسوف يظل القول الصوفي شأن القول الشعري، مجازا، ولن يكون حقيقة))(5).
يتضح من النص أعلاه، أن أدونيس لم يكن منشغلا في توضيح وتحليل بنية لغة الخطاب الصوفي، بقدر انشغاله في وصفها وبيان مقاربتها مع لغة النص الشعري، بمعنى آخر، إن سؤال التصوف الأبستمولوجي/واللساني/الشعري، لم يأتِ على طرحه. واللافت في الأمر، إن الأستاذ علي زيعور لم يأخذ هو الآخر على عاتقه، استئناف "القول الأبستمولوجي في النص الصوفي"، الذي طالما تم إهماله. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما جاء على تحليل ثيمة "الكرامة" في الخطاب الصوفي، اكتفى بوصف سطحي للظاهرة، وكأنها، ظاهرة منفصلة عن نظريات اللغة والتحليل اللساني والثقافي. لذا، نراه قد اختزل ثيمة "الكرامة" ضمن الجانب المثالي/والمادي، حيث : ((يلتحم في الكرامة الوجه الواقعي بالخيالي، والاتجاه العلمي بالاتجاه الوهمي، والمثالية بالمادية. لكن العنصر الماورائي، المثالي، يبرز بشدة أكبر بسبب كون النشاطية الصوفية عملت على اللاواقعي، وانعزلت عن المجتمع والمجابهة الفعلية للاحداث،وقفزت خارج جدلية الإنسان مع المحيط. (وهي بهذا تتوازى مع ما كان يجري في دنيا الفلسفة بوجه عام))(6). إن هذا النص يطرح علينا أكثر من سؤال إشكالي يتعلق في إمكانية تحقيق لحظة إنصاف تاريخية لروح التصوف ولجوهره الراديكالي، الذي لم يتوقف عنده الأستاذ زيعور، فمثلا، بأي منطق يمكننا أن نفسر به ظاهرة الصلب التاريخي التي تعرض لها الحلاج؟ وإذا كان الحلاج قد اشتغل بحكمة الاستاذ زيعور -كون النشاطية الصوفية انعزلت عن المجتمع- فلماذا جرى عليه ما لم يجرِ على غيره من عمليات اضطهاد وقمع وتنكيل وتمثيل بجسده، ولماذا لُقب بالمقتول اذن ؟ فهل شهدنا وعلى مدار تاريخ الفكر الفلسفي، مفكرا او فيسلوفا تملق للسلطة وتقرب إلى بطانتها الداخلية والخارجية، ولُقِب بالشهيد المقتول؟
في الواقع، إن كثيرا من نظريات التصوف اتسمت بصفة "التعميم الارثوذكسي" في حين أن تلك النظريات لا تحمل صلاحية مطلقة وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان. ربما قد تكون كذلك في بعض كتاباتنا العربية، التي طالما تمسكت وبشكل حنبلي بطريقة "الاستعراض الدوغمائي/الايديولوجي الرسمي للفلسفة الصوفية". لكن ما إن ننحرف بأنظارنا صوب الكتابات الغربية، حتى نجد أن الأمر مختلف تماما، فالتصوف أصبح فلسفة لغة وابستمولوجيا، وتحليلا لسانيا وخطابا تداوليا وفلسفة منطق... الخ. لذا، فلم يعد بإمكاننا الارتكان إلى تعريف واحدي/مطلق للتصوف، كما أرخّ له الأستاذ زيعور، وذلك لأن : ((المتصوف هو الذي يدرك أن كل لغة، بما في ذلك المقدسة؛ والاعتقادية، إلى جانب لغة الشعيرة لمجتمعاتهم الدينية، فقيرة جدا، إلى الدرجة التي لا يمكنها أن تقوم بالدور الوصفي الموكول اليها، وذلك على أي حال، ما يُشكل وحدة الحقيقة في كونها تمثل البعد المتعالي لكل من التعبير اللساني linguistic expressionوبشكل مخصوص لتلك اللغة التي تنطوي عليها))(7).
إن التداخل الحاصل بين التصوف ومختلف العلوم الإنسانية، يطرح علينا اليوم اكثر من سؤال إشكالي، ربما أهمها علاقة التجربة الصوفية مع التجربة اللغوية، وعلاقة هذه الأخيرة مع الواقع. بعبارة أخرى، إننا نسعى لتأسيس التجربة الصوفية في فلسفة الخطاب، وبالتالي، هذا يتطلب منا إعادة النظر في فلسفة "مُسيِرّي قداسة المعاني الخالدة" اي الفلاسفة المعمرّين والأبديين الذين يمثلون حلقة الوصل بين عالم المثال وعالم الواقع، الا ان هناك الكثير من : ((الصعوبات التي ينطوي عليها اختبار راهنية معنى "الممارسات الخطابية الصوفية" التي تذهب فيما وراء تلك التي تتعلق منها بطبيعة تجارب الصوفية. أولا، هناك بعد باطني ماورائي في تلك الخطابات الذي لا يحمل بالضرورة وصفا مباشر للتجارب الصوفية المُعطاة. ثانيا، حتى وان تمكن المتصوفة من وصف تجاربهم (فسيظل شيء ما عصي عن الوصف والتحديد) فأحدها يتطلب ان يأخذ بنظر الاعتبار عملية ترجمة تتم بين تجربة صوفية ما وبين وصفها اللساني، وهذا هو بالضبط ما يمكننا من معرفة كيفية تمثل تلك التجارب في هيئة نص. اما الاعتبار الخاص بديمومة العلاقة (أي العلاقة بين كل من المعنى التجريبي والمعنى اللساني) فهو على الأقل أو الأكثر يكون على النحو التالي: فبينما يمكن لمابعد التجريبية لتأويلات لسانية صوفية معطاة ان تعكس اديانها و/او سياقها السوسيوثقافي. ان التجربة الصوفية في ذاتها تقدم عدد من الخاصيات البنيوية التي تربطها بتجارب صوفية تخص تقليد آخر وتسمو بالخصائص النصية للتقليد موضع السؤال. بعبارة اخرى، رغم تعددية الوقائع التي هي على علاقة مع التجربة الصوفية، فأن مجمل التوصيفات تكشف عن عوامل اساسية للتجربة الصوفية: عن > الذي يوحد تلك التجارب برمتها ))(8).
من هنا، يتضح أن جدل التجربة الصوفية يحمل أبعادا فلسفية وأنتروبولوجية ولسانية، تمكننا من تأويل "شيفرات شعرية الولاية الماورائية" التي مثلت النظام الوظيفي للنص الشعري (ليالي زفافنا السّبْع). لكن السؤال هنا، هو كيف يمكن لمنطق ماورائي/ومتعال/ثابت ان يُعيد تشكيل اللغة والمعنى في بنية ذلك النص الشعري ؟ وهل يمكننا ان نعتبر وجود "شعرية الولاية" عامل يعمل على اثراء النص الشعري، ام العكس ؟ وكيف يتشكل المعنى المشخّص/والواقعي من خلال شعرية مثالية/ماورائية ؟ في الوقت الذي توجد فيه: ((هناك مشكلة مع الانماط الدائمة او الثابتة في التجربة الصوفية، اي انها –اي تلك الأنماط– غير قادرة على تحديد التجربة الصوفية كما هي كائنة، وليس كما ينبغي عليها ان تكون. كما وانها غير تاريخية بما يكفي " ليجعلها قادرة على تمييز الاسس السياقية للغة، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تحديد المعنى الفعلي للخطابات الصوفية.))(9).
من هنا، يتبين كيف أن وظيفة التجربة الصوفية في "النص الشعري" تتحدد من خلال معنى "التجربة كما هي كائنة" وليس "كما ينبغي عليها ان تكون"،فالمعنى لأول يضع التجربة الصوفية في قلب "الممارسة الأنطولوجية/اي حضور-في-العالم"؛ والثاني يضعنا في قلب "الممارسة النظرية المجردة/أي الماقبل التجريبية/ماقبل الاونطو"، لتظل مرتهنة بالأصول الماورائية/الميتافيزيقية، التي يُعبَر عنها احيانا "بالفلاسفة المعمريِن/او الدائميين"،وهو ما اصطلحنا على تسميته "بالولاية الشعرية/اللسانية"، التي تُسيّر صيرورة كل من : النص الشعري؛ والخلق اللساني والخلق الكوزمولوجي.
في نهاية المطاف، نلحظ أن "البنية الشعرية" في قصيدة (ليالي زفافنا السّبْع) انعرجت بلوغوس الولاية ألمفاهيمي/المتعالي/الثابت، ليتحول الى Ontopoietic اي الشعر يَسكُن العالم، ويُعيد تشكيل العلاقة الابستمولوجية بين كل من : المتكلم/واللغة/والمقدس. وعليه، أصبح من المتعذر التعامل مع مثل هذه النصوص الشعرية كنص الدكتورة "اسماء غريب" والنظر إليها بوصفها مجرد أثر ميثولوجي؛ لاهوتي وصوفي، والتجاوز على كثير من الإشكالات المسكوت عنها في متون نصوصها. أضف الى أن ممارسات النقد الأدبي عندنا، لا زالت تفصل بين كل من : الأدبي والفلسفي والفينومينولوجي، رغم أن الخطاب الفينومينولوجي منذ مؤسسه الفيلسوف هوسرل وحتى مجيء هيدغر الذي شكلّ أكثر من منعرج في الفلسفة الفينومينولوجية، سيما فيما يتعلق في فلسفة اللغة وتحليل الخطاب وتحليل بنية الدازاين-في-العالم، ناهيك عن تحليل ماهية الشعر وبنية لغته، من أجل اعادة اكتشاف "الأونطو" في كل من : الديني/واللاهوتي/والصوفي، الذي يعادل بين "شعرية الوجود والممارسة الأنطولوجية في العالم" وهو ما تم الاصطلاح عليه في فلسفة الفينومينولوجيا " The Ontopoietic Plane of Life " : (( فمع انبثاق مستوى شعرية-الأونطو The Ontopoietic لصيرورة الحياة، جرى اكتشاف القوى والتجاويف المتغلغلة في لوغوس الحياة من اجل اعادة مساءلة الميتافيزيقا. هذا المستوى من التحقيق المرتبط بالانطولوجيا الديناميكية للكينونة هو في صيرورة متوازية مع رؤية ميتافيزيقية وتأملية تضعنا بأتجاه ماوراء الألغاز الكبرى للوغوس الكلي الشامل/ Universal Logos))).10)
هكذا، يتصيرن لوغوس "شعرية الولاية الكلي" في نص (ليالي زفافنا السّبْع) بوصفه نظام الأنظمة لبنية خطابه الشعري، ليتحول بعد ذلك الى خطاب في شعرية-الاونطو الذي يُعيد الاعتبار إلى راهنية الدازاين-في-العالم.

الهوامش
(*)ميزّ الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر بين كل من : On التي تعني الكينونة-في-العالم اليومي للإنسان،أي إنه مصطلح يمثل الخاصية الوجودية للدازاين المُلقى به في عالم انشغالاته اليومية. وبين الأونطيك Ontique الذي يشير الى معرفة الكائن المادي المشخّص في العالم. وبين الانطولوجي Ontologie، وهو مصطلح يتكون من مصطلح الاونطو Ontos الإغريقي والذي يعود في اشتقاقه إلى مصطلح On الذي يعني: الكينونة و اللوغوس(Logo)، الخطاب (discourse)، اللغة (langage).يُنظر :
Larousse, Grand Dictionnaire de la PHILOSOPHIE, sous la -dir-ection de Michel Blay, CNRS Editions-Paris, 2003, pp753-755

(1) إريك فروم : اللغة المنسية، مدخل إلى فهم الأحلام والحكايات والأساطير، ترجمة، حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي- المغرب، الطبعة الاولى، 1995،ص 15
(2) المصدر نفسه، ص21
(3)Hans Schilderman : Discourse in Ritual Studies, Brill, Leiden-Boston, 2007, pp 15-16

(4)جيلبير دوران : الخيال الرمزي، ترجمة، علي المصري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع-بيروت، الطبعة الثانية، 1994،ص ص10-11
(5) أدونيس : الصوفية والسوريالية، دار الساقي-لندن، الطبعة الثالثة، 2006،ص ص23-24
(6)د. علي زيعور : الكرامة الصوفية والأسطورة والحُلم، القطاع اللاواعي في الذات العربية، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت، الطبعة الثانية،1984،ص ص152-153
(7)STEVEN T. KATZ : MYSTICISM AND LANGUAGE, OXFORD UNIVERSITY PRESS, New York-Oxford, 1992, p3
(8)MONICA KIMMEL: INTERPRETING MYSTICISM, , University of Gothenburg, 2008, p15
(9) Ibid, p14
(10)Anna-Teresa Tymieniecka: TIMING AND TEMPORALITY IN ISLAMIC PHILOSOPHY AND PHENOMENOLOGY OF LIFE, Springer-Netherllands, 2007, p18



#حيدر_علي_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما يتخثر الشعر ، يرتجف اليومي.... نزول سقراط الشعر في قاع ...
- من نظرية المعرفة الى فلسفة المنطق في مدرسة بغداد الفلسفية (ا ...
- نحو تأويل سوسيو-ثقافي لنظرية المعرفة* في مدرسة بغداد الفلسفي ...
- في جدل التراث والأيديولوجيا ، قراءة ابستمولوجية في فلسفة الا ...
- هيرمونطيقا الخطاب الفلسفي العراقي : في جدل اللاهوت والوجود - ...
- التأبين الفلسفي للاستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي - نحو ...
- من العقل والحرية الى سيرة حارة بغدادية، قراءات في لوحة التنو ...
- -في نقد وعاظ الثقافة والمثقفين- نحو تحليل فلسفي ولغوي للمشرو ...
- -خمسة الآف عام من أنوثة النهرين- قراءة في موسوعة الأنوثة الع ...
- خمسة الاف عام من كلام النهرين قراءة في موسوعة اللغات العراقي ...
- فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي
- الثقافة العراقية، ثقافة مفاهيم أم ثقافة علاقات ؟
- محاولة لغوية لتحليل ظاهرية الخطاب الثقافي العراقي، نحو دراسا ...
- غرامشي من نقد نخبوية المثقف الى نقد نخبوية النص الديني


المزيد.....




- مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا ...
- في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و ...
- قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
- صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات ...
- البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب ...
- نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء ...
- استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في ...
- -بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله ...
- مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا ...
- ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - نحو مادية شعرية في قصيدة (ليالي زفافنا السّبْع) للدكتورة أسماء غريب في طقوس الجسد المقدس/ وشعرية النص المُتخَيّل