|
ماذا عن مصير الأقليات في الدولة الكوردية المنتظرة ؟
حبيب تومي
الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 00:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في شهر آذار من كل سنة تلبس مدن اقليم كوردستان حلتها الربيعية ، وفي مقدمتها اليوم تزهو وتتألق مدينة اربيل كونها عاصمة السياحة العربية عام 2014 حيث الفعاليات الفنية والثقافية والفولكلورية الجميلة ، وهذا يعكس صفحة التعايش والأستقرار والأمان في اقليم كوردستان ، وينبغي الإشارة الى ان ولادة ملا مصطفى البارزاني القائد المعاصر للثورة التحررية الكوردية هي في شهر آذار عام 1903 كما ان هذا الشهر اضافة الى حوادث مؤسفة تعرض لها الشعب الكوردي كضرب حلبجة بالغازات السامة وكذلك ايام من عمليات الأنفال السيئة الصيت قد ارتكبت جرائمها في آذار عام 1988 . وهنالك حوادث اخرى كان تاريخها شهر آذار الذي بقي ثابتاً لاستقبال ذلك سنوية كرمز للتحرر ولتجدد الحياة في عيد نورز الربيعي السنوي . بعد هذه المقدمة نعود الى عنوان المقال . إذ لا ريب ان المسألة لا تحتاج الى فطنة وبعد نظر سياسي ليجد المراقب امامه على أرض الواقع دولة كوردية قائمة ، لكنها غير معلنة ، وفي الحقيقة ، إن امر الدولة الكوردية بات مقبولاً ، الى حد ما اليوم ، من اطراف عراقية وعربية وأقليمية ودولية . ويبدو ان القبول هو نتيجة منطقية امام حجم التضحيات والنضالات التي قدمها الشعب الكوردي خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي . من جانب آخر فإن حجم الملفات العالقة بين بغداد وأربيل تدفع على الأعتقاد ان مفهوم الدولة الكوردية لا يمكن ان يكون إلا خطوة استراتيجية قد حان أوان قطافها ، لاسيما إن اتسمت الخطوة الأستراتيجية باعتبارها خياراً استرتيجياً مدروساً وستكون في صالح اقليم كوردستان وصالح العراق ، فالعراق الحديث اثبت انه ليس كالأتحاد السويسري الذي طبعت في مخيلة شعبه وفي قوانين حكومته ودستوره ثقافة التعدد والتنوع . فالدولة العراقية الحديثة غلبت عليها ، منذ التأسيس ، ثقافة التوجهات الأديولجية الشمولية ، فكل من يصل الى الحكم يكون هو على حق وعلى الآخرين الخضوع له ، كما ان عقلية الدولة المركزية الصارمة مسيطرة على العراق ، ولا يمكن تصور العراق بدون حكم مركزي ، وثمة هاجس شائع بأن العراق آيل نحو السقوط والأنفكاك في ظل فقدان او ضعف الحكم المركزي ، اي ان العراق لكي تبقى وحدته قائمة هو بحاجة دائماً الى عصا غليظة . وبموجب هذه المعطيات وطغيان تلك الثقافة يلوح في الأفق عدم تماسك العراق ، فالقضايا المعلقة بين الأقليم والمركز كثيرة ، وهي في تفريخ وازدياد ، كان آخرها مشكلة موازنة الدولة ، ومسألة رواتب موظفي اقليم كوردستان ، حيث ان المشكلة طفرت من جانبها الحكومي الى طابعها الشعبي ، فهناك الآلاف في اقليم كوردستان لم يستلموا رواتبهم . وتيرة الأزمات بين المركز والأقليم بين مد وجزر ، وغالباً ما يصار الى ترديد شعار تقرير المصير مع كل ازمة ، وفي الحقيقة ان تقرير المصير هو حق طبيعي للشعب الكوردي الذي نادى وكافح لعقود طويلة ، وليس منوطاً بطبيعة العلاقات بين الأقليم والمركز . في هذا السياق نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 14 / 03 / 2014 حيث ورد ان الرئيس مسعود بارزاني، يعتزم إعلان استقلال الإقليم بعد سنتين. وكانت وكالة «باسنيوز» الكردية نقلت عن شخصية لم تسمها حضرت لقاء مع نوشيروان مصطفى في المقر الرئيسي لحركة التغيير بالسليمانية أنهم خلال اللقاء تحدثوا عن موضوع الدولة الكردية المستقلة، فأبلغهم مصطفى بأن بارزاني ينوي إعلان الدولة المستقلة بعد سنتين من الآن وأنه بصدد الإعداد لذلك حاليا. وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع أحد المشاركين في الاجتماع أكد أن موضوع الدولة الكردية «نوقش كاحتمال». وأضاف المصدر، طالبا عدم نشر اسمه، أن حركة التغيير «ستدعم إعلان الدولة إذا جرى التحضير لها جيدا وفي حال تهيئة الأرضية الاقتصادية والمؤسساتية اللازمة لها وما إذا كان مشروع الدولة سيتحقق عبر الحرب أو بدعم إقليمي». وعليه ينبغي بحث كيفية تحقيق هذا الحق ( حق تقرير المصير) ، والأفضل ان يصار الى تحقيقه بالطريق الدستوري ، بحيث يجري استفتاء الشعب الكوردي وبأسلوب ديمقراطي وبإشراف دولي ، وبرضى وقبول من الحكومة الأتحادية والشعب العراقي عموماً ، بحيث ان الأنفصال لا يعني إنشاء دولة معادية ، بل يعني إنشاء دولة لشعب صديق اختار ان يعيش حياته ويكون اقرب جيرانه وأصدقاءه في العراق . ويكون العراق اول المعترفين بجمهورية كوردستان ، وبهذا سنكون قد وضعنا ركائز متينة للعلاقات المستقبلية بين العراق والدولة الناشئة على اسس دستورية ، وثانياً سوف لا تبقى هذه الجمهورية حبيسة اعتراف دولة او دولتين كما حصل حين انفصال قبرص التركية عن قبرص حيث لم يعترف بها سوى تركيا التي صنعتها . وفي الحقيقة ان الطريقة الوحيدة في الوقت الحاضر هو نشوء الدولة الكوردية على الأسس التي نشأت عليها دولة جنوب السودان . حينما نتكلم عن التجربة السودانية لا يعني اننا قد وضعنا حدا لما ينجم بعد الأستقلال ، فالشيطان يكمن في التفاصيل والتفسيرات كما يقال وكل فريق يفسر المواد المتفق عليها وفق رؤيته . هنالك متعلقات متراكمة خلال السنين السابقة بين الطرفين ، الأقليم والمركز ومنذ سقوط النظام في نيسان 2003 فإن كان هنالك اتفاق على حدود الأقليم ، لكن هنالك المناطق المتنازع عليها وفي المقدمة تأتي مدينة كركوك ، كيف يصار الى حل تلك المشاكل ؟ هل يؤخذ مبدأ الأستفتاء وأخذ رأي المواطن في تلك المناطق ؟ كأن يكون السؤال للمواطن في المناطق المتنازع عليها : هل تفضل الأنتماء الى جمهورية كوردستان الوليدة ام تفضل البقاء مع العراق الأتحادي ؟ ((( وهنا سؤال يفرض نفسه بقوة وهو : ماذا لو صوّت المواطن في المناطق المتنازع عليها ، بأنه يريد الأستقلال وليس له رغبة في الأنتماء الى جمهورية كوردستان الوليدة ولا الى جمهورية العراق الأتحادي ، إنه يريد الأستقلال في ارضه ))) . هل بحثت هذه الفرضية بين اصحاب القرار ؟ لا سيما بأن ثمة مساحة كافية من الحرية ليبدي المواطن برغبته ، كما سيكون هنالك اطرافاً دولية تراقب عملية الأستفتاء . لا يوجد في الأفق اي علائم تشير الى تطبيق المادة 140 الواردة في الدستور العراقي في المستقبل المنظور ، وإن استقلت كوردستان حينئذ يصار الى الأحتكام الدولي باللجوء الى منظمات الأمم المتحدة التي لها خبرة وتجربة في وضع الحلول لقضايا مماثلة في مختلف مناطق العالم ، ولكن هذا الأحتكام ينبغي ان يُتفق عليه قبل اي خطوة لكي لا تكون محل نزاعات وعنف دموي . الدولة الكوردية المنتظرة ستبنى على ارضية الحكم في اقليم كوردستان حالياً الذي يتمتع بمساحة جيدة من الديمقراطية فهنالك اكثر من خمس احزاب متواجدة في برلمان الأقليم بالأضافة الى المقاعد الممنوحة للاقليات الدينية والقومية في برلمان الأقليم ، اي ان الديمقراطية سوف لا تكون حالة جديدة في الدولة المنتظرة . هنا يتبادر الى الذهن بعض الأسئلة حول مستقبل الأقليات الدينية في الأقليم وفي المناطق المتنازع عليها لا سيما المكون المسيحي ، حيث انه بعد موجة الإرهاب التي طالت هذا المكون في المدن العراقية ، وجد الملاذ الآمن في اقليم كوردستان او في المناطق المتنازع عليها ،ويتكون اكثريته من الكلدان ، وهؤلاء مهمشون كلياً لا يجد من يدافع عنهم سياسياً وقومياً حتى كنيستهم الكلدانية تخلت عن مسؤوليتها القومية والسياسية عن شعبها على اعتبار ان الكنيسة لا تتدخل بالسياسة ، فبقي هذا الشعب (الشعب الكلداني ) كأنه مقطوع من شجرة لا يوجد من يدافع عنه ، واصبحت حقوقه محصورة في حق ممارسة الشعائر الدينية ، ولا شئ عن حقوقه القومية والوطنية السياسية . ـ في حالة تأسيس الدولة الكوردية هل سيبقى التعامل مع الشعب الكلداني من خلال الأحزاب الآشورية كما هو حاصل حالياً في اقليم كوردستان ام سيكون التعامل معه بشكل مستقل كما هي الحالة مع التركمان والأرمن والاشوريين ، ام ستبقى وصاية الأحزاب الآشورية قائمة ؟ وهذا ينطبق على الأخوة السريان ايضاً ، حيث مصيرهم غامض كمصير الكلدانيين . ثمة امور كثيرة تخص الموضوع لكن اختم المقال لنعود اليه بمناسبات قادمة .
#حبيب_تومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمن امنح صوتي الثمين في الأنتخابات القادمة ؟
-
هل يصبح العراق واحة تعايش بين العرب والأكراد والسنة والشيعة
...
-
الرابطة الكلدانية خطوة مباركة في الأتجاه الصحيح .. كيف ؟ ولم
...
-
الكلدان في العراق والعالم والوعي القومي المطلوب ودور المثقف
...
-
خريطة طريق واضحة امام سفينة الكنيسة الكاثوليكية للشعب الكلدا
...
-
كيف نشكل من الكوتا المسيحية كتلة برلمانية يكون لها تأثير على
...
-
لنعمل على نبذ التسقيط السياسي بين قوائم الكوتا المسيحية
-
امنياتي وطموحاتي الوطنية والسياسية والقومية عام 2014
-
نصف قرن على استشهاد هرمز ملك جكّو ذكريات البطولة والتضحيات
-
قائمة بابليون وزحمة القوائم في الكوتا المسيحية للانتخابات ال
...
-
اقليم كوردستان والسباحة ضد التيار .. كيف ؟ ولماذا ؟
-
لو اصبح حبيب تومي رئيساً لوزراء العراق ..!!(3 ) القسم الثالث
...
-
لو اصبح حبيب تومي رئيساً لوزراء العراق ..!!(2) الجزء الثاني
-
لو اصبح حبيب تومي رئيساً لوزراء العراق ..!!! (1) القسم الأول
-
البطريرك الكاثوليكي للشعب الكلداني من قلب العاصفة ينادي : يا
...
-
مبروك الفوز الساحق للأحزاب الآشورية (بجميع) مقاعد الكوتا الم
...
-
لقائي مع الأخ علي الكلداني في بغداد
-
هل تبادر البطريركية الكاثوليكية الكلدانية لجمع سياسيي شعبنا
...
-
نداء البطريركية الكاثوليكية الكلدانية لمساعدة قرانا ونوم الع
...
-
حقوق الكلدان ليست ضد الآثوريين او السريان او ..
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|