|
عبور البرزخ
سيد القمني
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 18:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في ظل مناخ يشتعل بالأحداث اليومية، ومجتمع تحول عن السلبية السياسية والسُبات الشتوي والصيفي وما بينهما، إلى مجتمع مُسيّس بامتياز، وثورة ينايرية كُبرى في فجر سنة 2011 تتلوها موجات من الثورات الصغيرة، إلى ثورة أكبر وأعظم في مغرب يونيو وبدايات شهر يوليو شهر الكرامات في 2013، وقفَت الدنيا إزاءها تراقب وتندهش وتتعلم، ثورة تحدّت أعتى القوى الدولية ودخلت معركة كبرى ما زالت قائمة ضد مؤامرة كونية تتم في العلن دون مواربة. ولأن مصر هذه الأيام تحت نظر وبصر التاريخ الكهل ليُدون كشوفًا جديدة، ويكتب يومياتها بحبر الحياة، فقد انتعشت آمالي وعادت أحلامي في مصر عظيمة عزيزة فحلمت وتمنّيت، ومصر في العُلى تستعيد هويتها المصرية ضد التقسيم الطائفي والعبودي بين شعب الوطن، تمنيت وحلمت: أن دستورنا الجديد سيُبهر العالم، لأنه دستور أعظم الثورات في تاريخ الكوكب الأرضي من حيث الحجم وكثافة الأحداث، حلمت: أن المادة الدينية في الدستور سيتم استبدال نص يليق بثورتنا وبوطننا بها، يقول: إن المصدر الرئيسي للتشريع المصري هو قوانين الأمم المتحدة والمواثيق الحقوقية الدولية، وتخيّلت حجم تأثير هذا البند في العالمين، وصداه لدى كل شعوب الأرض ليرتبط ممجدا بثورته المجيدة، وكيف ستكون حياتنا مع هذا البند الراقي، لكن أصحاب اللحى على تنوع مشاربهم ومذاهبهم من سلفيين وأزاهرة ومنتسبين ومتعاطفين، مع أيديولوجيا حفرية تعود إلى زمن موغل في وحشيته البدائية، ومع خلايا نائمة بين ظهرانينا، اتخذوا قرارا تاريخيا بالعمل داخل لجنة الخمسين مترافقا مع العمل الإعلامي وفي المساجد والشوارع لتكبيل مصر حتى لا تلحق بقطار الحداثة العالمي، وتأخذ مكانها بين الأمم المعاصرة، وتستعيد حرية عقلها في الإبداع لتشارك البشرية منجزاتها. وهذا كله إنما يعني أن مصر ستنعتق من رهاب الغيب وزمن اللحى الموتورة بمصالحها وسيادتها على العقل الجمعي، زمن يعود إلى ما ينوف على أربعة عشر قرنا في أشد البيئات توحشا وفقرا وجهلا في التاريخ كله، في بوادي الحجاز البلقع، فإن ركبت مصر قطار الحداثة فهو ما يعني خلاصها من ثقافة غازية متوحشة، ومن سدنة وكهنة ودهاقنة هذه الثقافة وأساطيرها وغيوبها وغيبوبتها إلى الأبد. هذه هي المسألة! فالسلطة الروحية على الناس هي أبشع ألوان الاستعمار العقلي، هي منصب سيادي فاسد حتى النخاع، يُحدث الناس عن حلاوة الإيمان والزُهد في الحياة الدنيا من أجل نعيم مؤجل للآخرة، وفي الوقت نفسه يعب من الدنيا بنهم خبيث، إضافة إلى الوجاهة الاجتماعية والاحترام التقديسي، هي أقوى السلطات عبر تاريخ الإنسانية وأكثرها أثرا وفعلا، ولا حياة لها مع العقول الصاحية فتعمل على دهس العقل وتصغيره ووطئه بالنعال، كما قال الثري السلفي الأمثل محمد بن حسان في خطبة متلفزة. في ظل هذه الثقافة تسمع وتطيع الدهاقنة فقولهم القدسي والفصل. ولا تسأل لأن السؤال تشغيل للعقل، أيضا لا تسأل عن الرزق فإذا سألت فاسأل الله ولا تعترض على قدره، فأصحاب اللحى سيقومون بالنيابة عنك بالتفاهم معه ما دمت ملتزما مطيعا. ورغم سقوط الآمال وبقاء الأحلام أحلاما فإني أسجل شديد احترامي للقطب الدبلوماسي الأستاذ عمرو موسى لحسن إدارته لما بين أعضاء لجنته من متنافرات متصارعات، ولدور شباب تمرد تمجد اسمها، كان لديه أزهر وسلفيون وكنيسة وكلها كائنات حفرية تعود إلى ماض تعيس، ولم تجلب للبشرية سوى الأوجاع والآلام، لذلك كان الهدف النهائي لليبرالية والعلمنة هو سعادة الإنسان تعويضا عن ماضٍ رهيب، أصحاب اللحى كائنات أسطورية الشكل والفهم يضعون لحاهم ساترا وحجابا بين العقل ومنهج التفكير العلمي، فمن يعتقد أن إنسانا صعد السماء على ظهر بغل مُجنح، ومن يعتقد أن الكاهن قد حرك جبل المقطم بالأمر المباشر أو أن زيت القنديل أو بول الجمل، أو أن علاجا واحدا وجهازا واحدا يمكنه أن يكتشف كل الأمراض ويعالج كل الأمراض التي اكُتشفت والتي لم تُكتشف بعد، لا تطلب منه أي إنجاز ممكن، ناهيك بالسماح له بالمشاركة في وضع دستور مدني لأمة من الأمم وإن فعلت تكون فاقدة لرشدها. تمكن السيد عمرو موسى من قيادة ثيران جامحة وأصحاب رؤى تقدمية ومتسامحة وناصريين وقوميين ويساريين، ليدون اسمه في تاريخنا بدستور دون طموحات مصر وشعبها لكنه مقارنة بما سبقه من دساتير يُعد الأفضل بينها. لكنه أبدا لا يصل إلى قامة الشعب المصري المشدودة ولا يعوضنا عن الدماء المسفوكة ، فشعبنا منذ يناير 2011 أصبح سابقا لكل السياسيين والمفكرين في طموحه لعالم الحرية والعدالة والكرامة، وهذه الطموحات كلها لم يعرفها دين من الأديان فالكرامة والعزة لله وليس للعباد ولا يعترف دين واحد بأن العبودية وصمة عار في جبين الإنسانية ولا يعرف معنى العدالة الاجتماعية ولا حقوق الإنسان، فالدين يطلب فقط حقوق الله، كلها مفردات لا يعرفها أي دين ولا يفهمها أيُ من دهاقنته، والرزق مكتوب والعدل مفقود والحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. كل هذا كان يفعل داخل لجنة الخمسين يتنازعها صراع بين زمنين زمن ولّى وزمان يرفض أن يمضي، ويقاتل بشراسة للبقاء إلى جوار الزمن المعاصر، فجاءنا دستور يقف بين زمنين، في البرزخ ما بين الماضي والحاضر، ما بين البداوة القبلية البدائية وبين الحضارة الحديثة. ويبقى أمام شعبنا مرأى العالم المتقدم يتقدم ونحن مربوطون بسلاسل الماضي، يرى الدنيا تبحر نحو عوالم من المعرفة والحريات ونحن ما زلنا نعتبر المرأة نصف ذكر وبملك اليمين وفتح العالمين، ولا أشك أن شعبنا العظيم سيكتشف مع حجم المعاناة وتعدد التجارب كارثة الأيديولوجيا الدينية بعد أن اكتشف أصحابها، وحينها سيتمكن من عبور البرزخ.
#سيد_القمني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاعنف والخراب العاجل (5)
-
اللا عنف والخراب العاجل (4)
-
اللاعنف ..... والخراب العاجل (3)
-
اللا عنف.. والخراب العاجل (2)
-
اللا عنف والخراب العاجل (1)
-
سيادة الفريق.. احسم أمرك الآن
-
شخصية مصر.. فرادة الأصول
-
شخصية المجتمع الصحراوي ( جزيرة العرب نموذجا )
-
مذهب إسلامي جديد.. -شيعة مرسي-
-
يسقط حكم العسكر.. شعار لئيم ضد وطن مأزوم
-
! حرب الجواسيس
-
دراسة واقتراح مقدم للجنة الخمسين بشأن المواد الدينية بالدستو
...
-
مصر تخوض حربًا عالمية ( 2) تمرد عبقرية مصرية
-
مصر تخوض حربًا عالمية (1 من 4)
-
لغم المادة الدينية بالدستور
-
المعركة الوهمية ضد العلمانية
-
من الدين إلى العلمانية
-
العلمانية كضرورة زمانية
-
تفويض للقوات المسلحة المصرية
-
نداء.. نداء.. نداء
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|