|
مناضل من مدينتي -كامل سعد صالح الهيتي
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 00:24
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الاسم والنسب:
هو كامل سعد صالح مطلك جمعة الهيتي، أصله من عشيرة البوحيات، وهي عشيرة عربية أصيلة معروفة بقيميها وكرمها وطيبتها، استوطنت أعالي الفرات بين حديثة وهيت والرمادي والموصل وبغداد والطارمية والعزيزية. ولا اريد ان ادخل في أصل هذه العشيرة ونسبها مدخلا يخرجني عما وضعته عنوانا لهذا البحث وهو علم من مدينتي، فقد اختلف النسابون في ذلك وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، ولكن المتفق عليه عند أبناء هذه العشيرة في محافظة الانبار انهم ينتسبون الى الشيخ ناصر الحياني وانهم سادة حسينية. ولأنه ولد في هيت وعاش فيها فترة صباه فقد أحبها واتخذ من اسمها لقبا.
ويرجع نسب أمه عسلة بنت عبد الله نجم الى عشيرة الزوج ذاتها، وامها هي جوزة بنت الشيخ قاسم الخطيب ابن عم الشيخ عبد المجيد الخطيب والد الشيخ محمد سعيد الخطيب والد الشيخ ضياء الدين الخطيب وكان الأخير بمثابة الخال لكامل.
ولادته ونشأته
ولد بمدينة هيت في العام 1923ونشأ في عائلة كريمة متحابة في بيت من بيوت الهيتين المعروفة بالألفة والمحبة والاحترام وحسن التربية والتدبير، وشب كما شب اقرانه الهيتيون محبا للعلم والعمل والفضيلة، مواطنا صالحا وتأثر بما تأثروا به من فكر تقدمي تحرري.
دراسته وعمله
دخل مدرسة هيت الابتدائية للبين في العام 1929 وتتلمذ على خيرة المعلمين فيها ومنهم المعلم أحمد حسن البكر -رئيس جمهورية العراق الأسبق الذي كان معلما في تلك المدرسة في العام الدراسي 1933-1934 قبل تطوعه في الجيش-والشيخ ضياء الدين الخطيب وعبد الله السيد أحمد (عبد الله أفندي)، وحمزة فتيان الراوي، وشاكر محمود الهيتي، وشفيق توفيق، وداود عبد الرزاق، وعبد الحميد الهيتي، ومحمد امين محمد علي وغيرهم.
وكان من بين زملائه في المدرسة ثابت شعبان الناصر، وغازي الكيلاني، ورافع الكيلاني، ويوسف نمر ذياب، ومدني صالح، وعبد الباقي سيد نوري، وطراد الكبيسي وآخرون.
أكمل الدراسة الابتدائية ولم يكمل دراسته المتوسطة او الثانوية لكون الدراسة المتوسطة كانت في مدينة الرمادي، وبسبب عسر الحال اكتفى بالشهادة الابتدائية بعدها انتقل هو وأشقاؤه محمد صالح، وحميد، ومحمود الى الفلوجة، وامتهن الحدادة وصار واحدا من أشهر العاملين بهذه المهنة وتعلم منه الكثير.
في سنة 1939تطوع في الخدمة العسكرية بصفة جندي كهربائي تحت الرقم العسكري (56695)، ثم رفع الى رتبة جندي اول كهربائي، وخدم في سرية رحبة كتيبة هندسة الميدان العاشرة، واستمر بالخدمة الى أن طرد من الجيش بعد صدور الحكم عليه بالحبس الشديد لمدة ثلاث سنوات ابتداءً من 6/4/1946 بسبب انتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي.
بعد (طرده) من الجيش عمل في شركة الصناعات العراقية، ومعمل العزيز للحدادة الفنية، ومديرية معمل المكائن الثقيلة التابع لمديرية الري العامة للفترة من سنة 1959 وحتى 1961.
وتولى العمل مديرا مفوضا لجمعية بناء المساكن التعاونية لعمال ومستخدمي الميكانيك من عام 1959 وحتى منتصف السبعينات. ثم عمل كفني كهرباء وحداده في وكالة الانباء العراقية للفترة من 1972/2/1الى 1979/2/1.
مارس العمل النقابي، وكان من أصدقائه المناضل المعروف صادق جعفر الفلاحي الابن البار للطبقة العاملة العراقية في نضالها الدؤوب من اجل حياة حرة كريمة، ومحمد عايش رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال آنذاك. واستمر ناشطا نقابيا الى أن احيل على التقاعد في سنة1979بعد ان قدم ورقة النقابة في الوكالة الى ندوة مناقشة ورقة عمل انخفاض الإنتاج والإنتاجية التي عقدتها وزارة الصناعة في منتصف السبعينات وقد حوت الورقة التي قدمها أبو تحرير الكثير من المعلومات عن جوانب الفساد في عمل بعض المسؤولين في الوكالة ووزارة الاعلام في حينها.
لقد كان صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك المشرف الرئيس على تلك الندوة. وقبل ان يقدم أبو تحرير ورقته الى الندوة طلب من صدام حسين حمايته ممن قد يلاحقوه بسبب فضحه لهم وقد وعده بالحماية ولكنه لم يوفِ بوعده.
ويروي ابنه سلام هذه القصة عما حدث بعد ذلك:" واذكر في الليلة نفسها وبعد ان جاء الوالد الى البيت تقاطرت عدة سيارات لمسؤولين وموظفين لينبهوه ان يحمي نفسه وان لا يذكر اية اسماء أخرى، وقالوا له بالحرف الواحد -كيف تطلب الحماية من انصاف الرجال-وسترى ماذا سيحل بك وبنا؟ وكان من بين أولئك الموظفين من كان يزود والدي بالمعلومات التي تقيده في الورقة، وكان نتيجة ذلك انهم تعرضوا للمضايقات وقطع ارزاقهم."
نضاله في صفوف الحزب الشيوعي
كتب أبو تحرير في مذكراته قائلا: في شباط 1945استلمت موافقة حزبنا المناضل للمساهمة في العمل بين صفوفه للنضال من أجل خدمة الشعب والطبقة العاملة وباقي شرائحه، وحسب نظامه الداخلي وقبول توجيهات القيادة المخلصة ، وبعد مضي سنة كاملة كلفت بإيصال ادبيات الحزب وتسليمها الى الوحدات العسكرية داخل معسكر الرشيد ، وبقيت مستمرا بتنفيذ الواجب حتى يوم 6/4/1946 حيث فوجئت بثلاثة عسكرين طوقوني وقيدوا يدي ، واقتادوني الى سرية رحبة هندسة الجيش، وكان في حقيبتي ما تبقى من الادبيات بما فيها جريدة القاعدة ، وبعد التحقيق معي فترة عشرة أيام قدموني الى المحكمة العسكرية في الوشاش، فصدر الحكم عليّ بالحبس لمدة ثلاث سنوات استنادا لأحكام الفقرة أ من 3 من المادة 89 مع جلدي خمسة عشر جلدة على وفق أحكام الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون العقوبات البغدادي بموجب مقتبس الحكم 4155 في 11/8/1946 الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمية/ فق3في الوشاش على ان ابقى في سجن المعسكر".
ويذكر أبو تحرير ان الحزب كلف الرفيق الخالد محمد حسين أبو العيس والرفيقين سالم عبيد النعمان ومهدي الأزري للدفاع عنه امام المحكمة العسكرية.
ويروي في مذكراته أنه في 19/8/1946 نقل من سجن المعسكر الى السجن المركزي في بغداد، وبعد فترة زاره أحد الرفاق في السجن وطلب منه التوقيع على عريضة يطلب فيها شموله بالامتيازات السياسية وأخذ العريضة وخلال اسبوع واحد حصلت الموافقة على الطلب ونقل بعدها الى القسم السياسي في السجن.
بتاريخ 18/1/1947 تم اعتقال الرفيق فهد وأودع مع رفاقه الذين ألقى القبض عليهم معه في المقر الرئيس لمديرية الاستخبارات العسكرية في بغداد، وبعد التحقيق معهم تم الحكم عليهم في 24/6/1947 بالإعدام وبسبب حملات الاحتجاج العالمية اضطرت حكومة صالح جبر ابدال حكم الاعدام بالسجن المؤبد في 13/7/1947، وفي اليوم التالي تم نقله الى سجن بغداد المركزي.
وفي سجن بغداد المركزي تعرف أبو تحرير على الرفيق فهد، وعن هذا يقول في مذكراته:" جاء اليّ السجان قائلا لي حرفيا: (رئيسكم يريدك بالباب) فخرجت من غرفتي وتوجهت صوب باب القضبان الحديدية فإذا بالرفيق الخالد حسين محمد الشبيبي ماسك أحد القضبان الحديدية وعرفته فورا وقبلته، وقال لي (سَلمْ على رفيقك فهد) فقبلته من بين القضبان الحديدية ، وكان موقفي مؤلما جدا بحيث فقدت السيطرة على نفسي لأن الرفيق كان مكبلا بالحديد والْخِطَام، عندها بادرني الرفيق الخالد بقوله :(انت سبع الزم نفسك) لأنه شعر بأنني فقدت السيطرة، ثم قال لي: (السجن للرجال) وهو يبتسم ثم ودعوني وذهبوا الى قلعتهم.
ويحكي لنا أنه بعد انهاء السجناء اضرابهم عن الطعام قائلا:" وبعد ثلاثة أيام صدرت التعليمات عن إدارة السجن بنقلي الى سجن السليمانية لأنها اعتبرتني من المحرضين على اضراب السجناء عن الطعام في السجن المركزي".
ويستمر أبو تحرير في مذكراته فيروي لنا قصة نقله الى سجن الكوت قائلا:" طلب مني الرفاق في سجن الكوت أن أقدم طلبا لنقلي من سجن السليمانية الى سجن الكوت فقدمت طلبا الى إدارة السجن، وحصلت الموافقة في اليوم الثاني وحزمت امتعتي وسيروني مع أحد السجانين الى سجن الكوت وكنت مضربا عن الطعام تأييدا لرفاقي الذين أعلنوا الاضراب من اجل الحصول على الامتيازات".
ويقول:" وفي اليوم الثاني كنت في سجن الكوت، ورحب الرفاق بمقدمي واعطاني الرفيق أبو غانم عريضة وقعتها تضامنا وتأييدا لإضرابهم عن الطعام طالبين شمولهم بالامتيازات السياسية، وفي اليوم الثامن للإضراب جاء متصرف لواء الكوت ليكون على بينة من موقف الرفاق وقدمت له العريضة، وقال: (انت مضرب) قلت: نعم وانني محكوم وفق المادة 89 من قانون العقوبات البغدادي ورفاقي محكومون بنفس العقوبة وأكدت له إذا لم نحصل على مطالبنا فسوف نضرب عن شرب الماء".
وفي سجن الكوت التقى بالرفيق فهد الذي نُقل الى هناك في ليلة 14/15 آب 1947وفي هذا السجن الذي كان بحق مدرسة حزبية تعلم فيها الكثير فكرا وتنظيما. وعن هذه المدرسة يروي لنا هذه القصة:" كان عدد رفاقنا في السجن يزيد على مائة وخمسين رفيقا ، وفي أحد الأيام بلغنا بالاجتماع مساءً وكان لدراسة كتاب الاقتصاد السياسي لمؤلفه ليونتيف ترجمة راشد البراوي ، وعند حضورنا كان الرفيق فهد جالسا على كرسي مرتفع بعض الشيء ليشرف على جميع الحضور و بجانيه الرفيق حسين محمد الشبيبي يقرأ في الكتاب ، وعندما اكمل قراءة عشرة أسطر او اكثر بقليل توقف عن القراءة ، عندها رفع الرفيق فهد يده وأشار الى أحد الرفاق وقال له اشرح مال قاله الرفيق حسين ، فشرح الرفيق وتوقف ، بعدها أشار الرفيق فهد الى رفيق آخر، وقال له اكمل ولم يكتفِ بما قاله الرفيقان، بعدها بدأ يشرح ما قُرأ بصورة لم نسمع مثلها سابقا".
وعن طبيعة العلاقة بين الرفاق في سجن الكوت وتضامنهم في العمل فيه يقول:" اتفقت مع أحد الرفاق على رش الساحة يوميا، وفي أحد الأيام جاءني الرفيق الخالد حسين الشبيبي وأكرمني بـ (بجامة) من النوع الجيد، وقال لي: عند خروجك من السجن سوف أرش الساحة نيابة عنك تقديرا للجهد الذي تبذله يوميا، علما بأن الرفاق كانوا يساهمون بهذا العمل دوريا".
ويذكر لنا يذكر لنا قصة اللوحة الزيتية التي رسمها له الفنان رشاد حاتم في سجن الكوت، ويفتخر كثيرا بجهاز الراديو الذي كان قدمه له الرفيق فهد في تلك الفترة ليظل ذكرى خالدة بينهما، وظل محتفظا به مدة تزيد على 54 سنة الى ان سلمه الى قيادة الحزب بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003.
وروى لي ولده سلام عم ابيه هذه القصة التي حدثت في السجن " ان جدتي عسله زارتهم في السجن وشاهدت فهد وكان ذو لحيه طويله وقد قال لها والدي ان هذا هو شيخنا فهلا قبلتيه على جبينه حتى تأتي البركة. فقالت له -يعيبة العيبة شلون ابوس واحد غريب عليه-حينها ضج السجن بالضحك ".
فَرِح أبو تحرير كما فرح العراقيون واستبشروا بثورة 14/تموز/1958، وساهم مثلما ساهم رفاقه في التصدي لأعداء الثورة من الرجعيين والشوفينين والطارئين عليها، لهذا فقد اعتقل بعد انقلاب 8/ شباط /1963 وبقي رهن الاعتقال مدة تسعة أشهر وأطلق سراحه قبل أن ينقلب عبد السلام محمد عارف على نظام الحكم في 18/تشرين الثاني/1963. ولم يسلم من مراقبة رجال الشرطة والأمن، ولا من كثرة الاستدعاءات والاستجوابات في العقود التي تلت تلك الفترة، فقد كان ضيفا دائما لرجال الأمن والشرطة في مراكزهم ودوائرهم.
لقد كان يشرك ابناءه في اغلب الحملات التي يقوم بها للتضامن مع الشعوب سواء في جمع التبرعات او التواقيع وتهدف الى جمع التواقيع لتأييد نضال الشعوب كما كان يكلفهم بتوزيع جريدة طريق الشعب وبعض ادبيات الحزب الى أصدقائه الشيوعيين والى الجماهير المتعاطفة مع فكر الحزب. لقد كان يتعامل مع ابناءه كأصدقاء للحزب ولم يطلب من أي منهم الانتماء الى الحزب بل ترك الخيار لهم ولكنهم وبسبب تأثرهم بسلوكيات الوالد وأسلوب تربيته لهم وعلاقته بالناس وحبه للعمل وتفانيه من اجل المصلحة العامة أحبوا الحزب الشيوعي.
لم يكن أبو تحرير مؤيدا لسياسة الحزب فيما يخص التحالف مع حزب البعث وقيام الجبهة الوطنية والتقدمية لأنه كان يشعر بإن أي تحالف مع هذا الحزب لن يدوم وأنه لا يسعى الا الى تحقيق مصالحه وأهدافه، وبسبب ذلك قطعت علاقته بالحزب تنظيميا ولكنه ظل وفيا مخلصا لمبادئه مدافعا عنها بكل تفان الى أن توفي.
ولم يكن راضيا عما جرى من نهب وسلب بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وهو ما عرف بـ (الحواسم) وقد وقف بوجه الكثيرين ممن سرقوا ونهبوا لأنه كان يعرف ان تلك الأموال والممتلكات هي ملك الشعب العراقي وليست ملكا لرجال النظام، ومن أشهر مواقفه بهذا الصدد هو تصدية لعصابة ارادت ان تنهب المدرسة القريبة منهم فتصدى لهم ولكن الأمر انتهى بـ (حوسمة) ما فيها.
نشاطه الاجتماعي
الى كامل سعد يعود الفضل الكبير في إنشاء حي الميكانيك في منطقة الدورة في بغداد، حيث تولى متابعة تخصيص الأرض ومن ثم تصميمها كحي سكني متحضر، ومن ثم توزيعها على أعضاء النقابة. وحيث أنه كان مهتما بالموضوع اهتماما بالغا فقد صار مرجعا لدوائر الدولة ومؤسساتها في كل ما يتعلق بهذا الحي من تصاميم وخرائط.
وتكريما له ولدوره البارز ولجهوده المتميزة في تطوير هذا الحي ومتابعته المستمرة فقد أسمى أبناء هذا الحي الشارع الذي يسكنه بشارع (أبو تحرير) وهي كنيته التي عرف بها نسبة الى أكبر أبناءه الشهيد تحرير الذي استشهد في عام 2006 في خلال فترة الاحتراب الطائفي.
لقد سخر نفسه لتحقيق مطالب الناس بكل تضحية وإيثار من خلال عمله مديرا مفوضا لجمعية بناء المساكن التعاونية لعمال ومستخدمي الميكانيك، فقد بذل الكثير من جهده وشبابه وراحة عائلته لإنجاح اعمال الجمعية من أجل الحصول على الارض والتخطيط للبناء ومتابعة دوائر الدولة للحصول على القروض السكنية ومقابلة المسؤولين لتوفير الخدمات لحي الميكانيك.
قلت في أثناء ذكري لدراسته أن الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر كان معلما لأبي تحرير في مدرسة هيت الابتدائية للبنين ويبدو أن علاقة المعلم بالطالب بقيت في ذاكرة الأثنين فقد نجح الطالب النقابي في مقابلة المعلم الرئيس لمرتين في عامي 1969 و1971 وبعد أن ذكر التلميذ معلمه باسم المرأة الهيتية الفاضلة التي سكن في بيتها وهي (عواشه) تذكر المعلم فضل أهل هيت عليه فلبى رئيس الجمهورية المطالب التي تقدم بها أبو تحرير، فما أن مرت بضع أيام حتى تحول الحي الى ورشة عمل كبرى عندما بدأت أليات أمانة العاصمة بتسوية وتعديل الشوارع وتبليط بضعها ، وفي مد خطوط الكهرباء والهواتف وبناء المدارس ومد شبكات المياه وتأسيس المجاري وتبليط الشوارع وتخصيص باص لمصلحة نقل الركاب وكان برقم95 ، و قد نشر الخبر في الصحف المحلية مع صورة جمعت الرجلين معا.
وما زال أبناء الحي يذكرون ذلك ولن ينسوه. وحبا له وتقديرا لجهوده فقد أطلق أبناء الحي على الشارع الذي يسكنه اسم شارع (أبو تحرير).
ومن أجل تشجيع أعضاء الجمعية على السكن في الحي، فقد قام ببناء داره كأول عضو في الجمعية. بعدها بذل جهودا جبارة من أجل توفير الخدمات اللازمة لسكنة الحي ومنها التعليم ولما لم تكن في الحي سوى مدرسة الكلدان فقد اتفق مع الرهبان على استقدام المدرسين وفتح مدرسة للطلبة الى ان يتسنى بناء مدرسة حكومية وقام بتشجيع ابناء الفلاحين في المنطقة وحتى البدو الرحل لتسجيل ابنائهم لغرض التعليم وقد أمضى طلبة الحي في أربعة سنوات دراسية في الابتدائية في الدير بعده فتحت مدرسة متوسطة.
وحيث أن الفكر الذي كان يؤمن به أبو تحرير يقر المواطنة أولا، ولا يفرق بين العراقيين من حيث قوميتهم أو دينهم وطوائفهم فقد نشأ حي الميكانيك كما هو العراق فكان اغلب سكانه من المسيحيين فضلا عن السنة والشيعة والصابئة، وعاش الجميع عراقيين دون أن يفرقهم الدين او المذهب او العرق، وتشهد على ذلك كنائسه الثلاث: كنيسة مار بهنام واخته سارة للسريان الأرثوذكس. وكنيسة مار بولص وبطرس للكلدان. وكنيسة مار زيا الطوباوي المشرق الاشورية.
ولم يكن يسكت عن الظلم من اي طرف كان، وتعرض لمضايقات كثيرة بسبب مواجهته للظالمين وعدم السكوت عن حقوق الفقراء والمحرومين، مثابرا في الدفاع عنهم وقد ضرب للآخرين مثلا في سلوكه الاخلاقي الراقي وتعامله النزيه في كل الأمور، وكان يحترم ويبجل كل من يتصف بالأمانة والنزاهة والإخلاص ويذكرهم بكل تقدير وبالعكس كان لا يقيم وزنا للتافهين والمنافقين وسيئي الخلق ومتصيدي الفرص على حساب مصالح الناس.
كان ابو تحرير شخصية اجتماعيه محبوبه من الاغلبية وله تأثير كبير على من حوله لذا كان بيته ملتقى لأهل المنطقة خاصة من الرافضين للبعث ومن الشيوعيين السابقين. وكان محبا للرياضة ومشجعا على ممارستها وساعد شباب المنطقة على تأسيس اول الفرق الرياضية وعمل جاهدا لتوفير الملابس والتجهيزات الرياضية للشباب بجمع التبرعات لهم من اعضاء الجمعية.
ويروي لنا ولده سلام هذه القصة:" اذكر ان أحد اعضاء الجمعية -وقد تعرفت عليه بالصدفة عام 1994 - قال لي: ان والدك كان السبب في أني املك الان بيتا يأويني واطفالي فقد جئت اليه في نهاية الخمسينات ليدلني على مكان اشتري منه مسدسا ، فقال لي ماذا تعمل بالمسدس الناس تنشد السلام وانت تريد شراء مسدسا تعال لأدلك على مكان تضع فيه نقودك أفضل من المسدس، وقد أقنعه بشراء ارض في حي الميكانيك من الجمعية وهي ما بقي له في حياته حيث بنى عليها مسكنه، ويقول ان ذلك قد غيرني كليا بعد ان عرفت ان في الدنيا امورا جميله لم نكن نعرفها".
لقد رفض العمل او التعاون مع البعث الا لما فيه مصلحة ابناء المنطقة وعرضوا عليه ان يكون رئيسا لمجلس الشعب في الثمانينات والتسعينات ولكنه رفض عروضهم وقال لهم: كيف تطلبون مني ذلك انا شيوعي الا تخافون على انفسكم من افكاري الهدامة؟ مذكرا إياهم بما كانوا يقولونه عنه.
أولاده:
في 1951 تزوج أبو تحرير بعد خروجه من السجن من السيدة الفاضلة فضيلة عبد الرحمن الصعب وهي اخت المرحوم طالب الصعب الذي كان مدرسا في اعدادية الفلوجة ثم أبعد من مهنة التدريس لأسباب سياسية كونه من الإخوان المسلمين ونقل الى وزارة المالية ثم شغل منصب مدير مصرف الرشيد فرع هيت.
لقد كانت السيدة (فضيلة) فضيلةً وفاضلةً لزوجها فعلا وقولا، وقد شاركته حياته بحلوها ومرها، وكانت ثمرة هذا الزواج عشرة أولاد، أربعة أبناء وستة بنات. ومازالت الى اليوم حية تروي للأبناء والاحفاد قصة عشق وحب وكدح ونضال وكفاح.
توفي أبو تحرير دون ان يترك مالا سوى بيت هو اليوم ديوان الأبناء والاحفاد، ولكنه اورثنا من هم أثمن من كل الثروات وأغلى من كل التركات، إنهم أبناؤه وبناته وهم بحق خير خلف لخير سلف، فقد ساروا على منهج الوالد وعلى وفق ما أراده منهم.
أكبر الأبناء تحرير الذي صار كنية له، وثانيهم سلام، وثالثهم نصير، وأصغرهم سمير. ومن قراءة الأسماء نفهم مدى حب هذا الرجل للوطن ومدى عشقه للشعب. فقد ناضل واعتقل وسجن من أجل (تحرير) العراق من الهيمنة الاستعمارية ومن الحكم الملكي وحين صار أبو تحرير نصيرا في حركة أنصار السلام أراد ان يخلد علاقته بهذه الحركة فأسمى ابنيه سلاما ونصيرا، وربما أراد الراحة والسمر بعد ان طال ليل الظالمين وحنّ الى السمر فأسمى ولده الرابع سميرا.
لقد فجع أبو تحرير بفقدان ولده البكر تحرير (تولد 1955)، الذي كان أسيرا في إيران، وعاد الى العراق حالما بوطن حر وشعب سعيد، ولكن بدلا أن من تمد له يد العون أعاق أعداء الإنسانية من الطائفيين يده، ولم يكتفوا بذلك بل أنهم خطفوه في العام 2006ومازال مصيره مجهولا حتى اليوم. ومع كل هذا ومع الحزن الذي عاشه أبو تحرير على فقدان فلذة كبده فأنه بقي ذلك الرجل الصبور الذي تعلم الصبر من النضال، ولم يكن حزنه على ولده إلا لأن نهايته كانت على أيدي من ضحى لأجلهم.
وقبل هذا عانى ولده سلام من اضطهاد السلطة في النظام السابق، حيث اعتقل في سنة (1995) من قبل مفارز الأمن العام في السيدية، ونقل الى مديرية الأمن العامة وجرت محاكمته من قبل المحكمة الخاصة بالأمن، بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي والعمل ضد الدولة من خلال انخراطه في صفوف الأنصار في قاطع أربيل للفترة من 1987-1991 وأطلق سراحه لشموله بقرار العفو الخاص بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في عام 1996 بعد أن وقع العراق مذكرة التفاهم المعروفة بالنفط مقابل الغذاء في شهر مايس/1996 استنادا الى قرار مجلس الأمن ذي الرقم 986 في نيسان /1996 . تلك المذكرة التي كان من شروطها تحسين معاملة النظام للشعب العراقي ومنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لم يميز الأب بين ابناءه وبناته فقد اهتم بهن أيما اهتمام، فاكملن دراساتهن كل على وفق ما استطاعت تحقيقه، فمنهن من أكملت الدراسة الجامعية والاعدادية، ومنهن من اكتفت بالدراسة المتوسطة ولكن يكفيهن جميعا أنهن تخرجن من مدرسة (أبو تحرير).
وفاته:
توفي أبو تحرير في يوم الأربعاء الموافق 20/12/2006 بعد صراع مرير مع المرض. لقد مات غريبا في دار مستأجرة في حي الجامعة، ولم يمت في الدار التي بناها واستوطنها وتمنى أن يموت فيها ويحمل نعشه منها. مات مهجرا في بغداد الرشيد غريبا عن حيه الذي بناه. مات أبو تحرير وفي قلبه غصة وحسرة على شعب صارت الطائفة عنده فوق الوطن.
لقد كان كامل سعد صالح كاملا في خلقة وصلته بالناس كافة، وكان سَعدا لهم ولأيامهم، وصالحا يسعى لكل ما هو صالح في عمله. مات هذا الشيوعي الذي كان يرى العراق للعراقيين كلهم، ويرى العراقيين شعبا واحدا، لا مكان للعرقية والطائفية والعنصرية فيه. مات وفيا للمبادئ التي آمن بها. مات حالما بتحقيق شعار حزبه وطن حر وشعب سعيد.
ودعنا أبو تحرير جسدا، ولكنه لم يودعنا مناضلا ورفيقا وأبا خلف لنا من الأبناء والبنات من سيبقون فروعا لتلك الشجرة الطيبة. لقد رحل عن ديناه تاركا لأصدقائه ومحبيه كل ذكر طيب.
المراجع ------------ (1) مذكراته بخط يده تحت عنوان من الذاكرة. (2) رواية ولده سلام كامل سعد. (3) رواية ابنته بشرى كامل سعد.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس في اللغة – الحروف الشمسية والحروف القمرية
-
دروس في اللغة - حروف المعاني
-
مذكرات جندي
-
المنتخب الشيعي والمنتخب السني
-
التغذية المدرسية من الزعيم الى محمد تميم
-
المرأة بين الضرب والهجر
-
النارجيلة
-
قولي أحُبك يا حبيبي
-
المسبحة تاريخا وصناعة وشرعا
-
مَن مع مَن في مصيبة الأنبار؟
-
الشاعر والصحفي والأستاذ
-
هذا مو انصاف منك
-
عبد الغفور جاسم محمد عبيد
-
حقيقة أمينة العاصمة سعاد العمري
-
الليلة التي لم تنطق بها شهرزاد
-
الراشدي
-
بشرى
-
قصة مدرسة
-
دعوة الى الإستثمار
-
ليلة زكريا
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|