عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 00:22
المحور:
الادب والفن
أسمع كلام غير مفهوم جيدا ولكن أعرف أن ما يدور ليس وهما ,ما زال الصراخ يملأ أذني ليس صراخ المعلق بحبال إلى السقف فهو جامد كالحديد ولكن صراخ هؤلاء السفلة وهم يمارسون ساديتهم المستذئبة على جسده النحيف ,ليس أمامك إلا أن تفسر لماذا فعلت هذا ؟ كيف ومن كان معك ....
_ سأنقش ألواني على جسدك أيها السارق كما نقشت هذه الخطوط الغوغائية على جدران الكلية ... ستكون ألواني دائمة وألوانك الباهتة قد مسحتها الأيادي فلم يعد لها أثر.
_ سيكون دمك أرخص من طلاء نلف به الجدران.
_ أتلمس بوعي تلك الخطوط الجميلة على الجدران كأنها عروس تنتهك عذريتها في ليلة العرس المجيده والشهود يتسامرون حول حطب سيحرق الأرض بهم ,أسمع أصوات أنين قادم نحوي ,لكن لا أرى ذلك الجسد المنهك من حمل الأمل الكبير بلوحة كبيرة بطول الأرض وعرضها صدر فاتنة تغني للنخل والفرات على ضفاف دجلة ,والياس من أمامي بقبته البيضاء المطلة عليه يوزع أحلاما للفقراء ,أحلام بلا لحم فقط خبز وورود وشموع ملونة.
أتحسس ما تحتي بارد جدا وناعم لا شيء يفصل بيني وبين البرد حتى الدف الذي يخرج من منخاري لا أثر له,عيناني تتناوبان على الرؤية لا حمل لي أن افتحهما معا الخدر في بدني ,فقط أيقظني صوت أجش ,انهض يا أبن الكلب ... تلقيت شيء قطع صلتي بالعالم من حولي ,أسير كطفل يحبو مرة ويركض بخطوات قصيرة على مرج حديقتنا الكبيرة بين أقدامي مجموعة كرات ملونة ,هناك أمي بثياب ملونة أول مرة أرى أن أمي كزهرة الربيع كنت أظنها ليست إلا راهبة في دير دارنا,وجهها هو ذات الوجه ولكن إشراقتها تكاد تلفت الأنظار,تذكرت أن بيتنا لبس فيه مرج ولا مراجيح حتى الحمام الصغير لا يسعني مع صفيحة الماء الساخن والطشت ... أه جميل أن تتحول الدنيا بك ...البرد ...البرد عاد ليأكلني .
كف بارد يمسح على جبين ذلك النائم بقربي أرى شيئا يشبه شيء لا أتذكره إلا إني افتش عن ملامح قد تقودني لشيء نائم أو أحلم لا أدري لربما هي هلوسات حمى أصابتني من البرد الذي تخزن بين أضلاعي ... نفق طويل يقودني من ظلام إلا ظلام وهمهمات أعرفها وخبرت ما وراءها ترافق سيري ...ليس سيرا ... أنا نائم لكن قدماي أحس يهما من وراء الغياب أنها تقطع مسافة ما ... شيء دافئ يلامس صدري تمنيت أن تسري هذه الحرارة إلى باقي أوصالي ...ألم بسيط وزخزة اثنتان .. أنام بعمق ...لا أدري فقط البحر أمامي وسفينة صغيرة كانت بيضاء ترسي .. أهرول بكل قوة نحو الشاطئ أرى دخان من وراء الأشجار يلحقني ..أركض لا شيء يمسك قدمي ولكنني تتقطع بي المسافة أتعثر بالحشائش الصغيرة ... السفينة بدأت تتحرك لا بأس استطيع اللحاق بها لم تبعد ...أصرخ بكل قوة ...لا صوت ولا صدى أغلقت الستارة وأطفئت الأنوار ضربات خفيفة على خدي ... يا كلب يا كلب ...أنهضني قوة القدم التي زلزلة منامي كانت كافية لتنقلني بين العوالم المختلفة.
لم يكن في الزنزانة الردهة سوى أثنين انا ونعمان ذلك الفتى الموصلي المحشو بكل أنواع الجمال والرقة جسده يخلو من اللحم فقط ,عظامه تئن وروحه أجمل من كل ألوان الرسم ... يساري لا يحتمل كأنه جيفارا ...من عائلة اقترفت ذنب أنها فتحت عيون أولادها على الحرف ... أبوه أستاذ التأريخ والجغرافية الذي لم يعرف أحد سبب اختفاءه منذ أربع سنوات خارجا من المدرسة ,اعترضته سيارة فيات بيضاء وهو عائد للمنزل .. حتى علماء الغيب لا يعرفون أين حطت به تلك الملعونة .. والدته تطوعت بكافة الأدوار فهي المخرجة والممثلة وكاتبة السيناريو وهي الجمهور...بقول صديقي أمي مسرح متكامل .. بيتنا مسرح حياة لكنه يفتقد للإنارة.
سرني أني أرى الابتسامة المعتادة على وجه أشبه بأسفنجه أو بالونه منتفخة زرقاء فاقع لونها ضحكت من قلبي وأشرت له بأصبعي كأني أرسل له علامة تعجب فأعادها لي بنفس الاصبع مشيرا إلى وجهي,فقط بحاجة إلى قطعة صغيرة من مرآة أرى فيها ملامح مرعبة أكاد أتحسسها من أنتفاخ العين وورم أنفي وشقتي تلمستهما لا أصدق أنهما يمكن أن يكونا بهذا الحجم,لي رغبة شديدة للتغوط خارجا وربما على ضفة النهر كما كنت اعملها وأنا صغير ... الأجمل أن اعوم قليلا ... الماء يحملني بعيدا كأنه يحمل جسد ذاهب إلى ملاقاة جدنا الأكبر الطين ... في بلاد بابل كان الطين هو أول منشور أنزله الرب إلى العالم السفلي كي يقهر النار ...غباء الطين أنه خاف من النار ... الجبن ليس في الماء ... الجبن في التراب ...لا ليس كل الأتربة جبانة ... التراب القريب للرمل هو الأجبن والقريب للصخر هو الأغبى ... الطين الحري سيد الأطيان ..ناعم مثل الكحل يسافر مع المياه من أعلى الجبال في رحلة البحث عن الحياة .... أنكيدوا ...ذلك الإله الذي سن متعة البحث عن المستحيل ... ترى هل ما زال يصارع الثور السماوي ... ثيران تتعارك فتدمر الزرع ....أخضر أخضر ..أصفر أصفر ..أبيض أبيض ..شرار يخرج من عيني تلقيت صفعة ...أسناني ..لساني فتحت عيني ..جمعة ذلك الثور الأرضي أسود كفحل الجاموس ..ينتزع الأصفاد ليخرجني ... رفيقي ليس هنا ...
نزع جمعة الأسود لفافة سوداء من فوق عيني ما زال الشرر يتقافز اما هيني كنجوم بيضاء وأحينا كحروف تتراقص من أبجدية أظن أني قرأت فيها يوما ما كتاب ولربما في حلم ,الحروف تشبه الديدان السابحة بالنهر ,, لا أصدق كل هؤلاء هنا منذ ليالي طلاب في مستنقع التذليل ... لا بد أن العالم قد حلت عليه اللعنة طلاب شعراء أحمد ذلك المترف بدين المحبة وسامي ..كان يلهو بنا في كتاباته الساخرة جعلني مرة بطل لفلم كتب له السيناريو ووعدني انه سيخرجه يوما باسم القروي البائس بلا حدود ... وعلت منه لست بقروي قال أبطالك من القرى وأنت مجرد راع ... تعلمت الرعي من عيسى اليسوع فقبلت ان اكون كربه يسوع أبن الإله ..شيء جميل عظمة ... أين يسوع .. سامي .. سيأتي على خشبه من أخشاب فلك نوح ...هل بقى من فلك نوح باقية .
_ نعم ترك كتاب وعلبة ألوان زاهية وزوج من حمام أبيض وسلالة ورد ,وقصيدة يحتفظ بها من نظم أبوما آدم ... كلها تركتها في كف أمي كي تبعدها عن أنظار الغربان السوداء.
_ صحيح أني أكره الغربان لكن من الإنصاف أن نحترم معلمنا الأول.
_ لقد أحيل على التقاعد والآن معلمنا من ...
_حوار قد يكون حدث غير أني لم أكن متأكد أنه حدث.
أتفحص الوجوه لا أعرف الكثير لكن الغالب يرتدون الزي الموحد أظن لا أحد قد غير ملابسه من أيام ..الجو هنا مشوب بحرارة ورائحة كريهة تنبعث من كل مكان رائحة أجساد مخلوط برائحة البول والبراز .. شيء من هذا انا سعيد أن حاسة الشم عادت لتعمل..أما شفتاي لا أثقل منهما في جسدي...أصوات وصدى يلف دماغي صفير أذاني كأنه أزيز منتظم يتصاعد أحيانا ويتلاشى ..قليل ما أسمع كلمات مفهومة ..فقط نظري يتجول داخل الزنزانة يتفحص الوجوه.
خمسة أشهر ونزل البرد في بغداد المطر يغسل الشوارع لكن لن يغسل حزني على صديقي ..البرد لا يفارقني صار طقسا مقدسا أن أتذكر برد البلاطات ... موسيقى الأنين تملأ مسامعي ..أتلمس الجدار كل يوم أبحث عن ألوانه المختفية تحت هذا الطلاء الرملي ....له لون الرمال ...روحه تحت تنادي ... أمض فأنا ما زلت حيا.
_ لكن برب العبيد أين أنت ؟ فرشاتك يتيمة وألوانك ثكلى تبحث عن دفء أصابعك المحترقة بشمس بغداد.
_ لا أريد كلاما ,فقط لو أسمع صدى ,كرهت شارع المغرب ,الوزيرية تبحث عن خطواتك الغريبة بين الغرباء والزناة ومغتصبي شوارعها الفرعية ,حتى هذه السكة المعلقة تسأل أين أخر خطوة وضعتها لتحملها وتلف بها العراق في سفر كرحلة ابن بطوطة .. توزع بركات روحك أيها الشيخ نبي الألوان .. سأمضي إلى باب المعظم علي ...ها علي أجد رائحتك في تحت من تخوت مقهى أم كلثوم ... كم كرهتها وهي تصدح بأغنيتك المفضلة بعيد عنك ..
_ اليوم عيد الأم هل تذكرتها أمك ثلاثة وثلاثون عام لم تشاهد أخر عروضها ..أمي
هل تعرفين فن الإخراج المسرحي مثل أم رفيقي ... قالت أنا أعرف الخبز وأشعل المواقد وأفرش السماء لك دواوين شعر وقصائد ...
_أمي أريد أن أنام بحضنك ... أعملي لي كما كنت تعملين لصغارك ..دلي اللولي يبني دي الي اللول ... عدوك عليل وساكن الجول .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟