أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين عاشور - المالينخولي السّعيد .. أو كيف يحتمل السّوداويُّ مُكوثه في العالم ؟















المزيد.....

المالينخولي السّعيد .. أو كيف يحتمل السّوداويُّ مُكوثه في العالم ؟


ياسين عاشور
كاتب

(Yassine Achour)


الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 15:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثمّة من النّاس من اختار انتهاج السّوداويّة رؤيةً للعالم و مقاربةً من مقارباته المتعدّدة و مسلكًا جماليًا يعبُر تفاصيل الحياة و أفانينها , و المالينخولي في الأصل إنسانٌ يائسٌ من العالم و من النّاس , ليس يأسهُ يأسًا رومنسيًا ساذجًا أو حالة انفعاليّة عابرة , بقدر ما هو كينونةٌ تُنحتُ و تُؤَصّلُ طيلة مكوثه في العالم .
تعرّض ابن سينا في كتابه " القانون في الطبّ " إلى المالينخوليا باعتبارها حالةً مَرضيّةً مُحدّدًا أعراضها قائلًا : "علامة ابتداء المالنخوليا ظنٌّ رديء، وخوفٌ بلا سبب، وسرعةُ غضبٍ، وحبُّ التخلي واختلاجٌ، ودوارٌ ودوىٌّ وخصوصاً فى المراق . فإذا استحكم، فالتفزغُ وسوءُ الظنِّ ، والغمُّ، والوحشةُ ، والكَرب ، وهذيانُ كلام، ، وأصنافٌ من الخوف مما لايكون أو يكون .." و إذا كان تعامل ابن سينا و سائر النفسانيين مع المالينخوليا تعاملًا طبيًا اكلينيكيًا فإنّنا نُقاربها خارج الفضاء الصحّي , لذلك نختلف معهم في الرّؤية العامّة للحالة السّوداويّة-التّشاؤميّة-المالينخوليّة من حيث اتّفاقنا في تشخيص الأعراض .
حسم المالينخولي أمره مع مفردات من نوع : قصد , غاية , هدف , معنى , مطلق ... و لم يعد يهمّه ماذا يقع في الضفّة الأخرى من العالم , و لا ما وقع في غياهب الماقبل , و لا ما سيقع في سرمد الما وراء .
كيف للإنسان أن يحتمل مكوثه في هذا العالم , لولا تلك الأضرب من الوهم الجميل ( الفنّ , المُثل العليَا , شرائع الخلاص المزعوم ... ) , عدا ذلكَ فإنّ الحقيقة لا تُؤدّي إلّا إلى ثلاثة طُرق : اللّامبالاة المطلقة ( و هي درجة عُليا من الحصافة) أو الجُنون ( و هو عينُ الوعي بالعالم ) أو الانتحار ...
ينتمي المالينخولي إلى سجلّ اللّامبالاة المطلقة , حيث الانتماء إلى اللّاانتماء , و ليس ثمّة ما يدفعه الانتحار , لأنّ الانتحار عادةً ما يكون نتيجة خيبةٍ متأخّرة , يقول إيميل سيوران في شذرة خاطفة " لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الاستمرار فى التفاؤل. أما ألآخرين فلماذا يكون لهم مبرر للموت و هم لا يملكون مبرراً للحياة" .
المالينخولي كائنٌ سعيدٌ من شدّة الحزنِ لأنّ الحزنَ مصْلٌ مضادٌّ لنفسهِ , لا خشيةَ من شيءٍ إذنْ و لا أمل في شيءٍ , لا انتظارات و لا خيبات . يكفي الالتذاذ بما هو متاحٌ , لأنّ اللّذّة مصدر كلّ خير وفق المعلّم " أبيقور " , و الخيرُ كلّ الخير في تجنّب كلّ ما يسبّب الألم . تُعدُّ الإيتيقا الأبيقوريّة وصفةً مثاليّة لحياة المالينخولي السّعيد : الالتذاذ في حدود المتاح , تجنّب كلّ ما يشكّل مصدرًا للآلام , عدم الخشية من الموت و لا من القوّة المفارقة , القدرة على تنسيب الألم و المصالحة معه .
يحاول المالينخولي الفكاك من كلّ الارتباطات المحدّدة بصفة قبليّة , إذْ لا معنى للوطن فهو من قبيل المصادفة الجغرافيّة , و لا معنى للعائلة لأنّها مُؤسّسةٌ على حتميّات بيولوجيّة و لا معنى للعلاقات المبنيّة على الانفعالات الطّارئة و العرضيّة . لذلك فإنّه جازمٌ حازمٌ في مقاطعته لفكرة الزّواج و التّناسل : ففي زيادة النسل زيادةٌ في عدد الأشقياء . جاء في مصنّف " الدّراري في ذكر الذّراري " لابن العديم الحلبي أنّ فيلسوفًا سُئل : لم لا تطلب الولد ؟ فقال : من محبّتي للولد . و قيل لآخر :لو تزوّجت فكان لك ولدٌ تُذكر به , فقال : والله ما رضيت الدنيا لنفسي فأرضاها لغيري .
لا يذهبنّ في الظنّ أنّ المالينخولي السّعيد داعية كراهيّة أو صاحب نزعة تصفويّة إباديّة , فهو يفقد القدرة على الحبّ و الكره تدريجيًا خلال حياته القصيرة , لا شيء يستحقّ الكره , كذلك بالنسبة إلى الحبّ , كلّ الموجودات سواسيّة لأنّها باطلةٌ بالأصالة و قبضٌ للرّيح . الحياة عديمة الجدوى , و إذا وضعنا لها هدفًا على سبيل التجوّز فإنّه حتمًا سيكون الموت , لم يعد الموت مصدر خوف , بل هو صديق طيّب للمالينخولي السّعيد , و طيبته تكمن في حكمته المُعريّة للحياة .
يسخر المالينخولي من النّوع الإنساني , بل و يشعر بالعار إذا تذكّر انتماءه إلى هذا النّوع , لذلك فهو محكومٌ في تمثّله للعالم ب"إرادة الفناء " , و تنزع هذه الإرادة إلى الإنهاء الوجودي للنوع الإنساني بعامة , حتّى يعود النّظام الطبيعي إلى مجراه , فالإنسان كائنٌ ناشزٌ , و قد تسبّبَ نشوزه في إفساد العالم رغم التقدّم الحضاري الظاهر . يقول جان جاك روسو في مقالته الرّائدة في العلوم و الفنون " .. و أنفسنا ازدادت فسادًا بقدر ما ازدادت علومنا و فنوننا كمالا . أ يقول بعضهم إنّها نكبة خاصّة بعصرنا ؟ كلّا , يا سادتي , فالشّرور الناجمة عن فضولنا الباطل إنّما هي قديمة قدم العالم ... "
هل في نفس المالينخولي السّعيد رغبةٌ في إصلاح ما قد فسدَ ؟ كلّا , إنّ الضّررَ هائلٌ و جبره صار محجوبًا عن الأفق , المالينخولي عدمي في المستوى الإيتيقي العام و في مستوى السّياسة . كلُّ تدبير للشّأن العام هو تدبيرٌ للألم , و كلّ سلطة تبدع مسخها الفرانكشتايني من حيث تدري و من حيث لا تدري , فالأنظمة المجرمة كما يقول ميلان كونديرا " لم ينشئها أناس مجرمون , و إنّما أناس متحمّسون و مقتنعون بأنّهم وجدوا الطّريق الوحيد الذي يُؤدّي إلى الجنّة " .
قد يبدو المالينخولي السّعيد متناقضًا في كثير من مزاعمه , فهو سعيدٌ من حيث حزنه , و موجودٌ من حيث إرادته للفناء , و علاقاته الإنسانيّة و العائليّة طيّبةٌ من حيث عدم إيمانه بأيّ ضرب من الارتباطات !!! ... لكنّ التناقض الظّاهر بالنسبة إليه ليس " نقصاً، أو خطأً ، أو ضعفاً. إنه حركة حياة وكينونة . ورؤية عقلية متجددة " على عبارة عبد الله القصيمي , إنّه حالة من القلق الدّائم و الارتياب اللّامتناهي .
في ختام هذا المانيفستو , يريد المالينخولي السّعيد بيان أنّ لامبالاته غير ناجمة عن طيش أو فراغ و إنما هي حصافةٌ و رؤية للعالم و اكتناه مباشر للألم الإنساني , فلا عزاء لهذا الألم إلّا في فكرة فناء الإنسان ذاته باعتباره كائنًا مسيئًا إلى نفسه فضلا عن إساءته إلى بقيّة الموجودات .صدق محمود درويش – و هو أحد الكائنات المالينخوليّة السّعيدة - إذ قال في سطرٍ شعري جميل جليل " في اللّامبالاة فلسفةٌ , إنّها صفة من صفات الأمل " ...



#ياسين_عاشور (هاشتاغ)       Yassine_Achour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس على سرير بروكروست .. أو في البروكروستيّة الهوويّة
- الفُصامُ جُنونًا و شِعْرًا... -أرنست هربك- العائدُ مِن وَادي ...
- جان دمّو .. أو ديوجين في حياةٍ أخرى
- الشّعرُ يُنشدُ خافتًا
- غثيانٌ من وطأة الرّاهنِ
- الرّابطة العربيّة الأكاديمية للفلسفة
- محاكم التّفتيش السّراطيّة
- كلّ الهزائم لي
- فلسفة المعيش
- يوميات الخيبة
- أوّلُ الاغترابِ
- تشذّرٌ على هامِشِ النّسقِ
- العرّاف
- و هل تغيبين عنّي ؟
- مشروع ميثاق العمل الإسلامي - محمّد شحرور
- الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين
- كنَعِيقِ البُومِ أو أتْعَسْ
- هَمْسُ البَرَاءَةِ
- سَعَةُ البَيْنِ
- فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين عاشور - المالينخولي السّعيد .. أو كيف يحتمل السّوداويُّ مُكوثه في العالم ؟