أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - امرأة من حرير _ قصة قصيرة














المزيد.....

امرأة من حرير _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


امرأة من حرير

كان مضطربا منذ الصباح لم ينبس ببنت شفه منذ أن نهض متثاقلا من سريره ,حاول أن يغير من قسمات وجهه كي يبدو أقلا حدة لم يفلح بذلك مما أنعكس هذا الجو على شركائه في المنزل,خرج الأولاد للمدارس دون أن يتناولوا شيئا في الصباح فيما لاذت زوجته بالصمت وهي تبحث عن سر هذا الإنقلاب السيئ الذي حول جو المنزل إلى ما يشبه الثكنة العسكرية,خرج مرتديا البذلة الرسمية السوداء وهذا بحد ذاته مؤشر على تفاقم أزمته النفسية.
في العادة مثل هذه الأيام الغالب عليها حرارة الجو أن يرتدي قميصا خفيفا مع سروال ذا لون فاتح كالعادة,التأنق الرسمي ببذلة سوداء لا بد أن يتبعه سيل من الأسئلة المحيرة التي لم تجد الزوجه لها تبرير ولا تستطيع أصلا أن تسأل فهناك الكثير من الألغام الناسفة لو حاولت أن تستكشف ما تريد ,فقط الصمت سيد الحال وأحيانا تسمع من آخرين عن بعض ما تبحث عنه ولكن عموما الصدفة هي التي تسوق الأخبار لها,في زحمة التساؤلات والبحث عن أجوبة نسيت السيدة أن تضع له كما أخبرها بالأمس مجموعة من الوثائق الرسمية التي طلبها منها,كانت جاهزة لكنها لا تعرف أين سيضع هذه الوثائق وهو خارج بدون حقيبته الجلدية ,لعله سيعود لو تذكرها بالطريق وضبت كل شيء ووضعت المطلوب على طاولة غرفة المعيشة متى ما رجع ستكون أمام عينيه.
من خلال نافذة المطبخ المطل على ركن الشارع سمعت بعض من قهقهات زوجها مع أحدهم كانت ضحكات عميقة تصدر من نفس منشرحة تمنن لو أنها تستمع إليها في كل صباح هنا بين أولاده ومعها,زادها صوت الضحكات توتر وحنق من ما تلاقيه من جفاء وخشونة لا تجدها في الكثير من العائلات التي تعرفها أو التي تعرفت عليها خلال حياتها معه الممتدة لأكثر من ثلاثين عام,أصبح المنزل الفخم والجميل كأنه صالة تعذيب روحي وسجن قضبانه من ذهب,الإنسان في بعض جوانبه كطير حر لا يمكنه أن يفرح بقفص من ذهب.
جلست على كرسي تتأمل ما يفعله زوجها خارج البيت وكأنه إمبراطور أطلق لنزواته الذكورية العنان يعيش أجواء الإنشراح والتمتع خارجا مع شلة لا يمكن أن يتعاملوا مع عوائلهم بنفس النمط الإنعزالي الذي يفرضه وجهه المتجهم الممتلئ أخاديد حفرتها سنين العمر دون أن يحاول أن يترك وراءه ذكرى جميله يتذكرها من يتذكر بغيابه اليومي أو لو حاول السفر أو الرحيل لجهة ما,كل ما يمكن أن يفره رجل مخلص لبيته متوفرة هنا,العيب أن التجهم والجفاء الروحي يفسد كل شيء في هذا المنزل البارد في عواطفه بين الجميع .
عادت السيدة في ذكرياتها القديمة تستعرض بعض المحطات الجميلة التي تعيد لها توازن نفسي أصبحت بحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى وهي تصارع رغباتها بالفرار من هذا المنزل الذي يطوقها يوميا بما يشبه الشرنقة الحريرية التي أحتوت وجودها,لكنها تقاوم فقط لأجل أولادها ولأجل أن تبقى بعض الجسور ممتدة خوفا من إنهيارات لا يمكن لأحد أن يتوقع مداها,المهم البحث لم يفلح إلا على مشاهد لا تسد الرغبة في تذكر أشياء جميلة,حتى أيام الزواج الأولى التي تقاطعت مع سفره والدراسة والبحث عن هدف العمر كانت لقطاته قصيرة وغير واضحة المعالم.
هذا الحوار الذاتي لم ينقطع منذ فترة وأخذ في التوسع نحو مدى أكبر وأمام خيارات متعددة أهونها البقاء على هذا الحال,لاشيء يوحي بالتجديد ولا أمل من تغيرات مهمة الحياة والأيام تمشي ببطء شديد وحدها الأفكار تتصارع داخل رأس السيدة التي تحاول أن تخرج من عالمها الأحادي نحو بقعة فيها أضواء مسلطة على خفايا ودواخل إنسان لم يعد يتحمل الكثير من التجاهل,قالت مرة سأحاول أن أعيد النظر في الكثير مما تعودت عليه,غيرت الكثير من المفردات وحولت كل الإهتمام نحو البحث عما في داخله كي يتحرك خطوة للأمام النتيجة أنه لم يلحظ هو أي تغير فزادها حنقا ,تعرف جيدا انه لا يكرهها ولكنه جليدي المشاعر لا تحركه أعتى العواصف ما يحركه نار مستعرة.
صدى الضحكات العالية ما زالت تتردد في أذنها لتعلن هم دوار أخذ رأسها في غفلة وكأن الأرض تدور وتدور وأصبح الضوء الذي تلتقطها عيونها أشبه بالضباب الرمادي ثم أنقطع تواصلها مع العالم الخارجي ...بدأت تستعيد شيء من الإحساس ولكن يثقل غير معتاد مع اشتهاء بالعودة إلى نومه عميقة وعميقة جدا,بدأ كل شيء مرتخي حتى التنميل في أطراف الأصابع بات أشبه بالأسفنجة المبللة بثقل ما فيها من ماء,حاولت أن تفتح أجدى عينيها حاولت وبتثاقل رأت شبه أشباح تتحرك أمامها أغلقتها بهدوء لتعود للاستسلام إلى النوم مرة أخرى.
كأنها لم تلمس دفء يديه من قبل ولا تعرف أن لمسة اليد تحي فيها ذلك الشوق للأمان ,نهضت من السرير الذي لم تعرفه كمريضة وهي تشعر بكثير من الرضا بعد أن قضت نهارها وليلته تحدق بعيون زوجها الذي لم تفارق نظراته لها وكأنها حارس من نهاية لا يريدها الرجل متمسكا بخياره وكأنه يعرف أن لديه جزء من روحه خارج جسده لا يفرط به ويصر على مصاحبته بسيل من العواطف التي ذوبها حرارة الصدمة وهو يعرف أن جسد المرأة من حرير لا يتحمل العواصف والصواعق.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية الفكرية للمجتمع العربي ح3
- الهوية الفكرية للمجتمع العربي ح2
- الهوية الفكرية للمجتمع العربي
- الحب الأول _قصة قصيرة
- الإسلام وواقع المسلمين ج2
- الإسلام وواقع المسلمين
- من يمنحني روح
- الدين بدالة التدين أفتراق في الجوهر والمضمون ح2
- الدين بدالة التدين أفتراق في الجوهر والمضمون ح1
- حلم بلون العسل ..... المر _قصة قصيرة
- البعدية وأعلان أنتصار العقل
- الدين والقومية والجغرافيه
- المرأة بين حق الوجود وحق الوجوب
- الفكر العربي بين روميو وجوليت وعنتر وعبله
- شيخوخة الفلسفة وأزمة العقل
- ولادة اللحظة تاريخية الزمن أم زمنية التأريخ.
- مسافات الوهم
- الحس الإنساني في كتابات المرأة Anaba Biskra مثالا.
- مقتطفات فلسفية
- شجرة الأحلام _قصة قصيرة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - امرأة من حرير _ قصة قصيرة