شفيق طارقي
الحوار المتمدن-العدد: 4397 - 2014 / 3 / 18 - 17:13
المحور:
الادب والفن
بابا لخضر جدّي الثّاني لم نكن صديقين بما يكفي لأسرد عليكم ما يمكن أن يسرده حفيد ما عن تلك الأشياء المحتملة بينه وبين جده، كلّ ما أتذكّره أنّه توفّي جالسا وأنّني شاركت الرّجال موكب العزاء وأحسست وأنا في العاشرة أو هي التّاسعة بمعنى أن تكون رجلا، شربت عشيّتها ومباشرة بعد دفنه قهوة، كانت المرّة الأولى الّتي أشرب فيها قهوة تقدّم لي خصّيصا في فنجان أبيض صغير، كانت مرّة وخجلت أن أمدّ يدي إلى طوابع السّكّر الّتي وضعت على طرف المائدة، جدّي كان قطبا من أقطاب طريقة صوفيّة تنسب إلى سيدي عبد الملك، أو ملّوك بي كما يحلو للمريدين تسميته، ما أتذكّره بالإضافة إلى موته، أنّ جدّي كان يصطحبني أحيانا إلى أطراف القرية كان بعد تقاعده يحرس ما نسمّيه الملاجئ وهي أحواش قديمة تركها المستعمر، أتذكّر صمته إلى درجة أنّه يخيّل لي أنّي لم أسمعه يتكلّم، حتّى حضوره في الحضرة الّتي كانت تجمع المريدين كان صامتا، يجلس وسط الجماعة ويحيطونه، جدّي لا يتكلّم كان يشير فحسب، كانت تعجبني عكّازته وكنت أنتظر اليوم الّذي سأصبح فيه في مثل سنّه لتكون لي عكّازة تشبهها،فيما كان جدّي يطبخ الشّاي ويقرأ كتبا كلّ ما أتذكّره عنها أنّها كانت صفراء، كنت ألاعب كائنات خضر بطرابيش، وكانت على قدر من اللّطف، لم تكن تخيفني، الغريب أنّ تلك الكائنات كانت تختفي كلّما دعوت أخا لي أو صديقا ليشاركنا اللّعب،كنت أفعل ذلك من وراء جدّي ولم يكن ليغضب منّي، سألته مرّة وأنا أصطحب زميلا لي عن أصدقائي الخضر أصحاب الطّرابيش فابتسم، وعاد يتصفّح كتابه الأصفر، بعد موته لم يحصل أن رأيت أصدقائي الخضر رغم تردّدي على المكان، أخبرتني أمّي أنّهم من الجان وأنّهم قرناء جدّي، ربّما كبر أصدقائي الخضر ولعلّهم تزوّجوا وصار لهم أبناء يلاعبون صبيّا آخر في بقعة أخرى من الأرض، صبيّ يرافق جدّه الّذي لن يتذكّر من أمره شيئا بعد سنين سوى أنّه مات.
#شفيق_طارقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟