|
التلاعب بالفضاء في عمارة الحداثة ..
فؤاد احمد الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 19:54
المحور:
الادب والفن
يقول الفنان والنحات المجري *موهولي ناجي ان تحسس الفضاء ليس امتيازا يقتصر على قلة موهوبة فحسب بل (هو وظيفة بايولوجية ) . ان التلاعب الواعي بالفضاء هو من وحي العمارة الحديثة التي انطلقت في بدايات القرن العشرين اذ دأب اساطين العمارة وآباء العمارة الحديثة على تحقيق الديناميكية في حلولهم التصميمية ، وتمثلت في تحقيق حركة مجازية نفسية وليست حقيقية ملموسة فأما الناظر او الفضاء في حركة دائمة .. وتبعا لشيوع النسبية الانشتانية التي تشغل عصرنا فلا يهم ايهما يتحرك حول الاخر في العمارة الحديثة الفضاء ام الناظر اليها (سواء المتلقي او المستخدم ) .. فأما حركة الناظر حول الفضاء فتتمثل بالمسارات البصرية التي يخلقها المعمار في تصميمه من خلال التلاعب بالفضاء الداخلي للمبنى كما فعل ليه كوربوزيه في فيلا سافوي على سبيل المثال لا الحصر عندما وظف عناصر المنزل بطريقة رائعة خالقا مسارات بصرية متحركة ضمن الفضاء الداخلي حيث المرتقيات وانسيابيتها و المنصات وتدرجها و الفتحات وامتداداتها لتقود الناظر لسلسلة من المناورات الفضائية الممتعة والجاذبة . وأما الحالة المعاكسة وهي حركة الفضاء ودورانه حول الناظر فقد حققها المعماري الامريكي فرانك لويد رايت في مقاربته التصميمية لمتحف كوكنهايم (Guggenheim Museum) وبالرغم من التشابه في فكرة التلاعب بالفضاء بين الحالتين الا ان مضمون هذه الحالة التي تجعل من الناظر مركزا لدوران الفضاء حوله اكثر دهاءا واكثر ديناميكية .. فالممر اللولبي الملتف حول الفضاء المركزي للمتحف (القاعة الرئيسية) يجعل الفضاء وكأنه يرتقي الى الاعلى بحركة دائمة لولبية تحيط بالناظر وتجعله مركزا لفضاء متحرك .. وهذا ما يجعل فضاء العمارة الحديثة وكأن له علاقة من نوع خاص بالناظر ... وهناك حركة اخرى تربط الفضاء بالناظر وهي الحركة التداخلية بين الفضاء الخارجي والفضاء الداخلي (المنزل والحديقة المحيطة به ) او بشكل عام ( المبنى والفضاء الخارجي) حيث يحرص المعماري من خلال هذه الفلسفة تصوير الفضاء وكأنه ينساب الى داخل المبنى عندما يكون الناظر في الخارج وعندما ينتقل الى الداخل يصور الفضاء وكأنه ينساب عائدا الى الخارج وذلك نابع من كون الناظر هو منبع تحسس الفضاء .. في منزل فارنزورث (Farnsworth House) للمعمار ميز فاندر روه في ضواحي شيكاغو و برغم بساطته الا انه يحقق هذه الحركة الانسيابية للفضاء .. المنزل عبارة عن فضاء بين مستويين هما صبتي من الكونكريت في اسفل واعلى المنزل وما بينهما زجاج يمتد من الارضية الى السقف وبدون اية امتدادات اخرى وبذلك يحقق المعماري في اجتراحه هذا اتصال كامل بين الفضاء الداخلي المحدد وبين الخارجي اللامتناهي ويشعر الناظر بانسيابية الفضاء الى حد الحركة المنسابة نحو الداخل بمجرد وقوفه امام المنزل وكذلك سيشعر بانسيابية عالية تدفعه دفعا الى الخارج الى الحديقة والفضاء الخارجي عندما يكون في احد الزوايا داخل المنزل ... اما في فورمات المباني فقد اشتهر العديد من المعماريين في خلق فورمات تتحسس الفضاء الخارجي وتتعامل معه واحيانا تتلاعب به ولكن بعناية فائقة دون استخفاف او استهزاء فهذا المعماري الياباني الكبير كنزو تانكة الذي اثبت خلال ستة سنوات فقط انه احد ابرز المعماريين في العالم قاد مسيرة العمارة الحديثة في اليابان وخرج باسلوبه المعماري عن المسار المفترض للعمارة اليابانية وما توقعه لها النقاد المختصين في الاوساط الغربية . ومن اعظم اعماله مركز كوفو للاتصالات في اليابان (1967) تلك الكتلة البنائية التي تبدو وكأنها عبارة عن عدة صناديق بمقياس رسم ضخم جدا معلقة بكلاليب عملاقة مثبتة في ابراج كونكريتية ساندة لكن الحقيقة ان اذرعا عملاقة تحمل تلك الصناديق الجبارة والتي يبلغ طولها احيانا 25 متر لم ولن تخلق ابدا ..! وهنا "ضربة" تانكا فهو بهذه الافتراضية المجازية يعرض مبناه وكأنه يقول ان كل شيء قابل للتكيف وان كان مستحيلا . اما علاقة فورمات المبنى بالفضاء الخارجي فقد كانت علاقة رائعة كبقية اعمال تانكة اذ غالبا ما يحقق علاقة خاصة بين فورمات المباني التي يصممها وبين الفضاء الخارجي ويحرص دوما على جعل الفضاء الخارجي ينساب في اجزاء الفورم محاولا التسلل الى داخله . الا ان التحفة المعمارية العظيمة السابقة لعصرها وزمانها والاكثر تلاعبا بالفضاء هي برج ايفل في باريس للمعمار ستيفان سوفيستري (1889) ذلك المبنى المرتفع الى 324 مترا والمكون من فضاء معقد يتحرك خلاله الناظر سواء الواقف خارج البرج ام الصاعد الى احدى منصاته الثلاث من خلال السلالم المتينة التي تمر كالخيوط خلال الارجل السفلية العظيمة للهيكل . اخيرا ان تحسس هذا الفضاء الطليق المجنون المحيط باجزاء البرج يعني التعرف على احد اهم اسس العمارة الحديثة ..
* موهولي ناجي هو فنان ونحات مجري وهو احد الاساتذة في مدرسة الباوهاوس الالمانية التي اسسها المعمار وولتر كربيوس ، اختص موهولي ناجي بتدريس الفخاريات و الجداريات و النجارة والمعادن .
#فؤاد_احمد_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملخص للبحث الموسوم خارطة الطريق لحل أزمة السكن في العراق
-
صراع البداوة والحضارة وتأثيره على الطابع العمراني ..
-
التزيين و العمارة الحديثة .. دراسة حول الابتذال في ظاهرة تغل
...
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|