|
مملكة الجرذان
عبد العالي كركوب
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 08:57
المحور:
الادب والفن
مملكة الجرذان بعد فراره من القبيلة التي كان يعيش فيها حاكما على بني جنسه حل ببلاد "الجرذان"، و نظرا لعيش ساكنتها على الفطرة التي تجردها من كل عمل سياسي، حاول "حبشلا" إثارة الفتنة في هذه البلاد السعيدة، مما حولها في بضع سنين إلى خراب نتيجة التفرقة و الحروب. غاب عنها مدة محدودة، ثم عاد ثانية، لكنه هذه المرة يدعي الحكمة و الرزانة، بشر أهل البلاد بأن هناك حل لمشاكلهم، و هو تأسيس الدولة و جعل السياسة حكما. فبدت علامات الاستغراب على الجرذان اللذين لم يسمعوا قط بشيء اسمه الدولة أو السياسة، لكنهم أوكلوا له أمرهم. بدأ باختيار خيرة الجرذان و أنضجهم ليكون الجيش، سن القوانين، أسس هيئات عديدة: إدارية، اقتصادية... و بعد شهرين جاء وقت إعلان تأسيس الدولة ، احتشد الجرذان في ساحة كبيرة، و جاء "حبشلا"، فصعد المنصة، و تلا عليهم خطابه الشهير الذي لم يذكره التاريخ: " أيها الجرذان، أنا جرد مثلكم، أتيت من بلاد لم تقدر ما أسديته لها من خدمات، لكنني أشكرها لأنها علمتني المعنى الحقيقي للسياسة. أيها الجرذان، اسمحوا لي الآن أن أناديكم بمصطلح أخر، و هو: الرعية، و أنا الآن لم أعد جردا مثلكم بل أصبحت السلطان. أيها الجرذان، ستغدو دولتنا بعد أعوام امبراطورية عظمى، و سأصبح امبراطورا عظيما. و الآن سأحدد المبادئ العامة لدولتنا: أنا السلطان صاحب القرار و القول الصائب، و أنتم الرعية وجب عليكم الطاعة و إتباع ما أقول، هكذا يمكن أن يستمر الخير في بلادي و يسود الأمن و السلم، القانون واضح، من يحترمه يسلم، و من يتجاوزه يعاقب، التمرد مرفوض قطعا، و عقوبة المتمرد رميه في بئر الأفاعي "الإعدام". الحشد يهتف: عاش السلطان، عاشت دولة "الجرذان" السلطان يبتسم ابتسامة خفيفة ثم يتمم خطابه: " أيها الجرذان، لكم لي حق الحماية و الصيانة، و لي لكم مقابلا لهذه الخدمة، لذا سأحصل على جزء من منتوجاتكم. أيها الجرذان، هنيئا لكم فقد أصبحتم مواطنين." أخفض رأسه كأنه ينظر إلى قدميه لبضع ثوان، الكل ينتظر ما سيأتي في الخطاب، ثم قال: "لقد هاتفني إلهكم، و هو راض عما قمت به، و خبرني بأنه سيكون نصيرا لي، و أنه سيحمي كل من يطيعني، و يسلط البلاء على كل من يعصاني. أيها الجرذان، انصرفوا و لا تنسوا وصية إلهكم." شك أحد الجرذان اليافعين في كلام السلطان و حتى شكله، و بدأ يبحث عن أصله و تساءل: لماذا بلاده الأولى لم تقدر العمل الذي قام به؟ و لماذا يشكرها لأنها علمته الكثير؟ فشد رحاله إلى مجموعة من البلدان المجاورة، إلى أن وصل إلى قرية مهجورة لا يعيش فيها سوى ثعلب مسن، فحدثه الجرد قائلا: اسمح لي أيها الثعلب، لملأ فراغك، أنا أسأل عن جرد اسمه "حبشلا" فهل سبق لك معرفته أو السماع عنه؟ الثعلب: و من تكون؟ الجرد: أنا جرد من بلاد "الجرذان" لقد جاءنا "حبشلا" الذي أسألك عنه و دعانا إلى تأسيس دولة.. و هو الآن سلطان علينا. ابتسم الثعلب بتقهقر و قال: و هل سمعت يوما عن ثعلب يحكم الجرذان. لقد كنت المساعد الأول للحاكم "حبشلا" في بلاد الثعالب، كنا نكبح دوافعنا الغريزية للحكم بالعدل، لكن الثعلب يبقى دائما ثعلبا، فالمكر و الخداع الذي يميز نوعنا لم يدع حكم "حبشلا" يستمر. رفع رأسه للسماء، وقال: دعني أيها الجرد في سبيل حالي، فلم يعد لي شأن في السياسة. أريد أن أموت في صمت.
انصرف الجرد، و هو يحمل معه سر سلطانهم، عاد إلى "بلاده"، و أخبر الجرذان بأن "حبشلا" كان حاكما في بلاد أخرى على الثعالب، يحكم وفق مبادئ الحق و العدالة، يتميز بالرحمة و الرأفة، فقد كان يصارع طبيعته ليحقق ذلك، لكن هذا أدى بجماعات إلى الانقلاب عليه و محاولة اغتياله، و بعد نجاح الانقلاب هرب كي لا يقتل. هذا كان بمثابة درس ل"حبشلا"، فقرر أن يعتمد أساليب جديدة في الحكم إذا ما أصبح حاكما، الأساليب التي تميز نوعه، التبرير اللاعقلي و المشروعية المزورة، توهيم الرعية بأنه صالح، و لكنه في الأصل ماكر و مخادع... هذه هي الطريقة الوحيدة لاستمراره في السلطة و حكم الجرذان، و إن كانت طبيعتهم تختلف عن الثعالب. لم يكترث الجرذان لكلام الجرد اليافع، خصوصا بعد أن استقرت أحوالهم و هدأت مخاوفهم، فعلم "حبشلا" بالأمر، فكان مصير بطلنا الإعدام رميا في بئر الأفاعي، بتهمة إفساد عقول الرعية و تهديد سلمها و أمنها. مات "السلطان حبشلا" بعد قضاء مدة طويلة في الحكم، لكنه جعل بقوانينه من السلطة تركة تورث للأبناء، فأصبح كل حكام البلدان التي غزاها "حبشلا" من جنس الثعالب، ويقال أن الأمر لازال على حاله إلى الآن. عبد العالي كركوب
#عبد_العالي_كركوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية الجبر و التخيير من منظور الفكر الديني
-
إشكالية الحرية في الفكر الفلسفي
-
الفكر السوفسطائي و العدالة كممارسة سياسية، تراسيماخوس و كالي
...
-
البعد الفلسفي لحقوق الإنسان
-
المغرب بين المرتكزات الدينية و أسس العلمانية
-
-هذا ليس مقتطفا من جمهورية أفلاطون و لا مدينة الفارابي الفاض
...
-
دعوة إلى التسامح
-
محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مك
...
-
الوضع العربي الراهن و نقد مفهوم الثورة
-
المشهد السياسي المعاصر: زمن بنكيران
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|