ريم الحياة
الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 13:57
المحور:
الادب والفن
أطلت عليا بثوبها الأبيض تمسح دمعي و تقول: "لا تبكي حبيبتي, لا تحملي من الذنب ما لم يحملك إياه الإله و لا تنزلي من الدمع ما يحرق خضار العمر" قالتها مع ابتسامة ساحرة محت بها آثار الدمع عن مقلتاي..
نظرت في عينيها و قلت:" مريم!! من أين أتيت ؟؟ و كيف وصلت؟؟ أنا لا أؤمن لا بالإله و لا بمعجزات الإله يا مريم.. و لا أبكي إثمي اتجاه الإله و لا خوفي من الحساب و العقاب..
الجنة هي ما أبنيها في الحياة من خير, هي ما أرسيه من أخلاق و ما أقدسه من حب و وفاق و ما أمارسه من عدالة.. و العقاب هو ما ترسله عليا ذنوبي اتجاه الناس من حزن و دمع و ذنب..
يا مريم, أنا أبكي وجعي و وجع كل النساء, أبكي شرفي و شرف كل النساء..
مريم, أجيبيني هل العذرية شرف و غياب العذرية عهر..
يا مريم أنا لا أؤمن بالإله و لا بمعجزات الإله..
أنا لا أؤمن بإله يجعل من شرفي قطرتي دم و من قطرتي الدم دينا..
مريم أنا لا أؤمن.."
العذراء تدمع لحزني و تبكي كفري.. ترتجف من قدرتي على البوح بعهري.. تشفق عليا من عقاب الإله..
تدعوني للإيمان و تضمني إليها كأنها الخالق و المصور, تحاول إنقاذي من قدري كأنثى, فهل تقدر أن تمنحني حياة أخرى كما منحت نفسها حيوات تجعلتها تجلس قربي الآن.. و أشفق عليها من هول الهم الذي تريد أن تتبناه و من هول الخطيئة التي تريد أن تمحيها فأقول :
"مريم, لا تهتمي لهمي و لا تبكي وجعي و لا تشفقي على بأسي و لا تخاف عليا من إلهك.."
جلست أفكر, مريم العذراء المؤمنة خلقها الله كما خلقني فلماذا تخاف عليا منه و لا يخاف هو علي من عذابه و لا يحميني من عباده.. لماذا تبكي مريم لدمعي و لا تبكي السماء لوجعي..
تأخذني مريم بين أحضانها و آخد أنا في التكوّر بين يديها أريد أن أعود للوراء, للوراء كثيرا, للوراء أكثر, لبطن أمي, حيث لا شرف لي يخنقني و يمنع عني الحياة.. و أخذت في بكاء هستيري.. لم أكن من اللواتي يبكين بسهولة.. كنت أقف أمام الموت دون أن أدمع.. أواجه ذلك القدر القاسي الجبار كجبل لا يتحرك لمرور نسمات الصيف..
لكن في تكوري بين أحضان العذراء, واجهت ضعفي في إحدى لحظات الاستسلام لما في داخلي من آلام.. رأيت حقيقة نفسي, رأيت الطفلة التي تسكنني عارية من تصنعها القوة و التحكم في مصيرها كما التحكم في مصائر بعض اللذين حولها.. رأيت جرحي عاريا من الضمائد و المسكنات, رأيته غائرًا مقيحًا قبيحًا ملوثًا بمحاولاتي الفاشلة للنسيان.. نسياني دائم الخذلان لي, لذلك سميته خذلاني, سميته دائي و في لحظات الأمل سميته عبقريتي و ذكائي..
في لحظة ما تذكرت أني مازلت بين يدي العذراء فأردت أن أغتنم فرصتي و أسئلها عن ما يحبطني منذ عرفت معنى أنوثتي.. نظرت إليها فوجتها مازلت تبكي شفقةً علي.. دمعها يجعلني أشفق عليها و أشفق على نفسي أكثر و أكثر.. فحتى السماء لم تشفق عليا من ذلك الحمل الثقيل الذي حملتني إياه حين ولدت, فتحت عيني وجدت جدتي تمتعض لسماع إسمي و حين أغيب تسميني بلوة إبنها البكر, إبتلاه الله بالأنثى الثانية و لم يطعمه الولد ليورثوه ترسانة الجهل و العنصرية
و نظرت لمريم و قلت:" مريم هل إلاهك يبتلي الناس فيبعث لهم مولودة أنثى؟؟؟ هل أنا إبتلاء من ربك لأبي ليعرف مدى صبره و ثباته؟؟؟ مريم لماذا خلقت حملا يثقل كاهله؟؟"
زادت مريم في إحتضاني بعد السؤال و كأنها تريد أن تعوضني عن ما آلمني من نبذ و زدت أنا في التكور و الإلتساق محاولة إختبار معنى جديد للأمان و الإحتواء.. و قالت بألم شديد ينم عن فهم عميق لمأساتي و معايشتها لما عشته و أعيشه من الأزل: " شرائع الله كاملة محصنة سليمة و قويمة لكن البشر يحرفونها, و يشتتون المفاهيم و يميعونها على قياس أحلامهم البذيئة بسلطة زائلة, إنه يخافون قوة المرأة لذلك يكرسون كل قوتهم و كل نصوص الله لقمعها و إحباطها"
قالت لي مريم أن الله لا يفرق بين ذكر و انثى, مريم لا تكذب لكني لم أصدقها, تذكرت زميلتي في الدراسة التي خسرت عذريتها على فراش الحب فخسرت حياتها على فراش العادات و الشرف الموروث و رأيت من تسبب في خسارتها يَمْضِي و يُمْضِي حياته من فراش حب إلي آخر و لم يعاقبه أحد حتى ضميره لم يكن له وجود..
لم أرد أن أواجه مريم بكذبها, أحسست بالخجل أمام حنوها علي و دمعها على جرحي, مريم امرأة مثلي و تعرف لعنة الأنوثة و لعنة العذرية و الشرف..
أردت أن أسألها الكثيرة من الأسئلة و أحاججها بلعنة يقولون أنها من صنع الإله إسمها العذرية و الشرف, لكن لم أرد أن ألقي في قلبها لعنة الشك, لم أرد أزعز إيمانها في عدالة الإله خاصة أمام ما قدمته لي من حب و حنو و إحتواء.. فخيرت أن أشكرها بصمتي, خيرت أن أكون شاكرة لها على تعاطفها مع دمعي.. و صمِتُ مواصلةً التكور في حضنها و اختبار معنى آخر للأمان و لاحتواء ..
#ريم_الحياة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟