|
هل ستنشطر أوكرانيا ؟!
حميد خنجي
الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 00:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما أن رجع المشهد الاوكراني- الملتبس أصلا- بتداعيات أكثر إثارة في الميديا –المرئية خاصة- حتى أستحضرتُ ذخيرتي المعرفية والحياتية حول هذا البلد، الذي كان بمثابة سلة غذاء الجمهويات السوفيتة، فيما مضى .. بل عُدّت" روسيا " نفسها – حسب الخبراء- دولة عملاقة مع "أوكرانيا" وبلد عادي بدونها! من هنا لم ارَ ضرورة الأسراع في إبداء رأي من الآراء حول هذا البلد القابع- جغرافيا- في منطقة جيواستراتيجية في قلب القارة العجوز، مما يعطيها أهمية إستثنائية وميزة لاتتكرر، من زاوية الجيوبوليتيك العالمي، حيث يشكل التموضع هذا؛ مسألة حياة أوموت للفيدرالية الروسية برمتها! هذا إن لا نعيد إلى الأذهان إشكالية "أوكرانيا" التاريخية وعلاقتها العضوية بـ " روسيا"، كونهما - مضافا إليهما "بيلاروسيا"(روسيا البيضاء)- ليشكل البلدان الثلاثة؛ الثلاثي الأهم ضمن عائلة الشعوب السلافية الشرقية. إرتأيت التأني في إعطاء رأيي حول هذه المسألة المعقدة، مع أني كتبت -قبل مدة- أكثر من مقالة حول أوكرانيا. وأيضا بالرغم من وجود شوق غامر مكبوت لدي، لكتابة مقال تحليلي مدروس ومفصل حول المشكلة اوالمعضلة الأوكرانية؛ ماضيها منذ أول دولة سلافية / روسية، إنبثقت في الشرق الأوربي والغرب الأسيوي تحت إسم "روسيا كييف"، مرورا بالعصر الوسيط ، حتى الوقت الحاضر! غيرأن تسارع وتيرة الأحداث في أوكرانيا في الأسابيع والأيام الاخيرة، شدني إلى إنهاء مقالي الموسوم بسرعة، حتى لا ألهث خلف الأحداث، التي ستترى تباعا، في الأيام والساعات القليلة القادمة
لعل الزاوية الصحيحة، التي يجب أن ننطلق منها في فهم الحدث الأوكراني هي؛ التغييرات المرتقبة في ميزان القوى العالمي بين الشرق والغرب.. ولابد ان اوكرانيا تجسد قلب وثقل هذا الميزان، الذي سوف يتبدل حثيثا ونوعيا في السنوات القليلة القادمة.. ونقصد بذلك ؛ صيرورة التطور الموضوعي في رحلة تغيير بُنية العالم المعاصر من "منظومة القطب الواحد" إلى "منظومة متعددة الأقطاب"، الأمر الذي سيؤثر على العوامل الجيوبولوتيكية والجيواستراتيجية، في قلب العالم وفي الخط الفاصل بين العالمين. ومن هنا فإن الصراع علي اوكرانيا هو نوع من الهجوم المضاد للقوى الغربية المتنفذة، ضد العملية الموضوعية المذكورة (عناد ذاتي ضد الصيرورة الموضوعية)، المؤدية لامحالة إلى تقليص نفوذ وهيمنة القوى الغربية علي العالم المعاصر! ولعل هذا يشكل الخطورة الكبرى، التي قد تجر القوي االرأسمالية المتنافسة والمتنازعة إلى حرب مكشوفة، إن استعملت روسيا ودول أسيا الوسطى والصين (مثلا) - من جهة - وأمريكا والاتحاد الاوروبي -من جهة اخرى- مجمل أوراقها
إنطلاقا من المعطيات أعلاه، لابد أن ندرك بعمق خطورة اللعبة (الورقة) الأوكرانية على السلم العالمي الهش (في قلبه هذه المرة)، وعودة إليه منذ الحرب العالمية الثانية (أوروبا- الاتحاد الاوروبي وامتداده نحو الشرق!) وفي هذا السياق لابد أن أعبر عن عجبي من التحليلات الغرائبية والنظرة السطحية (الصَّبْيَنة السياسية) لبعض المقالات والتعليقات، التي كُتبت حول المشكلة الأوكرانية، حيث أن جُلّها تنطق من العاطفة والتحيّز والنظرات المثالية لمفهوم الديمقراطية البرجوازية! وهناك أيضا آراء تنطلق من النظرة العدمية والأنارخية (الفوضوية)، حيث تُقحم الأدلجة المكثفة والمفرطة على المسألة ، بدون إدراك واضح للهدف الاستراتيجي وأسّه المكنون للأحداث هذه، المتجسدة في؛ تكملة خطة محاصرة روسيا ومحاولة كبح عودتها للساحة الدولية، وبأي ثمن ؛ حتى لو سقطت ضحايا بريئة أوعادت حقبة الحرب الباردة (لاحظوا رمزية الحدث المتزامن مع يوم ختام أوليبياد سوتشي الشتوية).. بل والمحاولة المستميتة لتفتيت روسيا نفسها (بعد عقدين من تفتيت الاتحاد السوفيتي)، التي تشكل خطرا كامنا ومستقبليا على المصالح الغربية، إنطلاقا من قوتها وميزتها الجيوسياسية (اليورواسيا)! من هذه الزاوية بالذات يجب أن ندرك الهدف الاستراتيجي للخطة الشيطانية،التي حيكت في دوائر البنتاغون وملحقاتها التابعة؛ حلف شمال الاطلسي، قبل تسليمها للتنفيذ على يد المتطرفين الأوكرانيين، مستفيدين من الوضع المعيشي الصعب للجماهير الأوكرانية العريضة، وسهولة جرها إلى "الميدان" للإستيلاء على السلطة من خلال تنفيد الإنقلاب الذي حدث في كييف! وفي هذا السياق لابد أن نبين للمتشدقيين " الديمقراطيين" في إدعائهم من أن مجئ المعارضة (العناصر المتطرفة ورثة تقاليد البنديرا الفاشية ووارثو عصابات غاليسيا النازية) للسلطة حدث بطريقة شرعية ، من خلال تصويت البرلمان الاوكراني بالاجماع لعزل رئيس الجمهورية الشرعي!.. فـلا "كرونولوجية" الأحداث تشفع لهؤلاء المتشدقين؛غربيي الهوى والمعادين لروسيا أصلاً.. ولا تصويت البرلمان، الذي حدث بالإكراه وتحت تهديد السلاح والتصفية الجسدية لأعضاء البرلمان، يقنعهم !.. فتصعيد الأحداث من قِبل المتطرفين، بُغية الإستيلاء على السلطة بالقوة كان لافتا للقاصي والداني، حيث جاء ذلك في وضح النهار.. وبتشجيع مباشر وتدخل مشين من قبل القوى الغربية عبر زيارات مسؤوليها وعملائها (وقاحة ما بعدها وقاحة) حتى بعد توقيع إتفاق الـ 21 فبراير، الذي لم يصمد أمام خطة الانقلاب المبيّتة إن الهدفَ الإستراتيجي - من خلال ذريعة تواجد الأسطول الروسي البحري في شبه جزيرة القرم- واضحٌ للعيان ؛ فالمطلوب هو رأس روسيا كبلد مترامي الأطراف، تحوي أراضيها البكر أكبر خزائن الأرض الباطنية من الموارد الكامنة من طاقة وفلزات ومعادن نفيسة، في الوقت الذي تسود فيها منظومة" رأسمالية الدولة"، إلى جانب القطاع الخاص الرأسمالي الأقل سيادة في بُنية الرأسمالية الروسية المعاصرة .. بعكس الرأسماليات الغربية المتوحشة ، المركونة أساسا على مايسمى بالإقٌتصاد الحر، المتجسد في سوق حرة مفتوحة بلا ضوابط أو قيود (كذبة إقتصادية سائدة في علم الإقتصاد البرجوازي!). ومن هنا يجب أن ندرك سبب الخصومة الشديدة والتنافس البيّن، بين الرأسماليتين الغربية الإمبريالية والشرقية الجديدة؛ غير الإمبريالية (روسيا والصين)، الأمر الذي يجسّد بشكل واضح سِمة بُنية العالم المعاصر وإشكاليتها!.. وهي تتطلب بالفعل "ماركس " آخر، ليقوم بمهمة تفتيت كُنهها الصعب وسبرغورها العميق!
صحيحٌ أن هناك صراع بين الرأسماليات الجديدة والقديمة من أجل النفوذ والطاقة والأسواق!.. ولكننا في غنىً للاختلاف حول البديهيات .. كأن نقول فحسب؛ أن روسيا دولة رأسمالية، لا فرق بينها وبين الرأسمالية الغربية، فالأنظمة الرأسمالية سواسية في إستغلال العمال وشفط فيض القيمة! .. من المؤكد أن هذا استنتاج عام لاقيمة له، لأن هناك فروق عديدة في شكل المنظومتين الرأسماليتين المعاصرتين والمتنافستين، كما أسلفنا. بجانب أن روسيا قوية ومعافاة، مركونة بقناعة بيّنة على منظومة تعدد الأقطاب، وندّ فعلي للرأسمالية الغربية العدوانية؛ بامكانها هي بالذات –أكثر من غيرها- الحد من الهيمنة الغربية التقليدية على مقدرات الشعوب الأضعف. ولابد أن روسيا -مقارنة بالقوى الغربية- تتعامل ، بشكل أكثر صدقا مع القوانين الدولية ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول..الخ.. وهي أمور تصب في صالح الدول الفتية. لكن هذا كله لايعني ان روسيا ستقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مصالحها الحيوية – بل وجودها- مهددة بفعل التوسع والتمدد العدواني لناتو، والمنطلق هذه المرة من خصرها (أوكرانيا) ورئتها (القرم)! وفي هذا السياق لابد أن نكشف للقارئ الكريم أن شبه جزيرة القرم ذات الطبيعة الخلابة والآسرة (ثلثا سكانها روس) ، كانت بالأساس أراضٍ روسية، طوال العصر الحديث حتى سنة 1954 (عهد خوتشوف) ، حين ارتأت الدولة السوفيتية في حينه إلحاقها إداريا بأوكرانيا لأسباب لوجستية محضة. أما أوكرانيا نفسها بحدودها الحالية فلم تكن كذلك، عبر دولاب الزمان وتقلبات الدهر!
يبدو أن الوضع مرشح لتداعيات لايمكن التنبؤ بمدى خطورتها وتعقيداتها!.. غير أن الغرب يدرك جيدا أن روسيا بوتين لاتمزح في أمور كهذه، كما رأينا في الأيام الخمسة، التي هزت العالم إبان الحرب الاوسيتية ، في 8 - 8- 2008 !.. والرمزية أنها جاءت إبان الألعاب الاولمبية في بكين ، كما الدراما الأوكرانية الحالية، التي تزامنت مع الأولمبياد الشتوية في " سوتشي"! والجدير بالذكر أن تلك الأيام العصيبة لروسيا الجريحة قد رأت الحسم البوتيني (الوطنية الروسية)، الذي كان بمثابة بداية العودة الروسية للساحة الدولية كقوة عملاقة! فما بالنا باليوم حيث السمعة الدولية للقوة الروسية ونفوذها أكبر من تلك الأيام. بجانب أن الدول الأساس المهيمنة على بقية دول الاتحاد الاوروبي (المانيا خاصة ثم بريطانيا وفرنسا) لاتفضل في الواقع أن تشاركها أوكرانيا قوية، صناعية، شبه نووية وأكبر مساحة منها.. والأدهى أن السلطة السياسية في أوكرانيا قد وقعت، بشكل غير قانوني بيد قوى اليمين المتطرف والفاشية الجديدة، الأمر الذي لاينسجم مع وعي وذهنية الطبقة الوسطى السائدة في المجتمعات الغربية! من جانب آخر فإن سيل الغاز الجنوبي/ الغربي الروسي المار عبر الأراضي الاوكرانية ( دَين أوكرانيا للروس من الغاز فقط في حدود مليار ونصف الملياردولار!) متجه لتغذية المجمعات الصناعية الالمانية.. ومن هنا فان الخطة الغربية الأطلسية (الأمريكية أصلا) للسيطرة على أوكرانيا ودقّ إسفين بينها وبين روسيا، ستنقلب- بتقديري- على أصحابها وتكون وبالا عليها (اليانك)، في نهاية المطاف. نعم هناك خطورة خطوة ضم القرم لروسيا أو استعادتها– وهذه أبسط- ولكن الخطورة الحقيقية تتمثل في؛ تشطير أوكرانيا الى شرقية وغربية، إن تزايد منسوب التحدي الأوكراني / الغربي لروسيا ، في المجال الحيوي لهذه الأخيرة! لا أحد يستطيع التنبؤ بتطورات غير مسبوقة في المشهد الأوكراني المعقد، إلا أن الغرب الأوربي بالذات قد يرى في التقسيم مصلحة له (بلع نصف اوكرانيا)،ان خسر معركة ترويض الدبّ الروسيّ
#حميد_خنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شران أحلاهما مُرّ... لكن يجب أن تختار أهون الشرين
-
كم جميلة وذاتَ عبير وشذى كانت الأزهار !
-
هدية نوروزية بسيطة من الشاعر : سعدي
-
بلادُ الإغريق .. غريقٌ يهفو للنجاة
-
معركةٌ في اسطنبول
-
حول إشكالية -الربيع العربي- ... إجابات موجزة متداخلة لأسئلة
...
-
مقدمةٌ حولَ إشكاليةِ حركةِ الواقعِ المعاصر..
-
شُعلةُ أُكتوبَر السّرمَدِيّة
-
مفاجأةٌ يتيمةٌ ورمزيةٌ تسجّلها المرأةُ في البحرين في إنتخابا
...
-
تحيةً وتقديراً.. للحوارِ المتمدن، لنيلهِ جائزة ابن رشد - من
...
-
شئٌ عن الرياضة الذهنية (الشطرنج) ...2
-
شئٌ عن الرياضة الذهنية (الشطرنج) ...1
-
مطارحاتٌ فكريةٌ -3- ... شيءٌ عن الماضي السّديم والحاضر الملت
...
-
مطارحاتٌ فكريةٌ .. 2 .. في انتظار البديل الأردأ .. !
-
مُطارَحاتُ فِكْريّة ... ( 1 )
-
مرثيةٌ للخلاسيِّ الذي جمعَ أجزاءَ الإنتماءاتِ المتشظّية 2 -
...
-
مرثيةٌ للخلاسيِّ الذي جمعَ أجزاءَ الإنتماءاتِ المتشظّية 1 –
...
-
حول وحدة التيار الديمقراطي..ونحو تدشين..-الخط الثالث-
-
الجذوة
-
ايران..على أعتاب تغيير قادم
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|