أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غادة م. سليم - الافتراس - قصة قصيرة














المزيد.....

الافتراس - قصة قصيرة


غادة م. سليم

الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 16:08
المحور: الادب والفن
    


حدث ذلك في قرية نائية، بيوتها صغيرةمتناثرة، أهلها منعزلون لايجمع بينهم حسن جوار ولا فضول.
يعيشون غرباء عن بعضهم البعض، ليس بينهم موقف أو هواية. الموقف هو إن كلا منهم منصرف لتأمين حاجاته ومصالحه والهواية أنهم جميعا إهتموا بتربية الكلاب والعمل على تكثيرها على نحو لم يفعلوه فيما بينهم. إذ أنهم تبنوا سياسة تحديد النسل بطفل واحد لكل عائلة، والعائلة المتميزة هي التي لاتنجب.
مالت بجسمها عنه ونهضت قليل لتتأمله. كان مغمضا العينين مستسلما لنشوته.

- كم أنتَ جميل.
- أنتِ أولُ من يقول لي ذلك.
أبتسم مطمئنا لذلك الحنان الأمومي بينما كانت أصابعها تبحث عن مكان بين خصلات شعره. لم تكن حبيبة فقط بل أماً حين يمرض، وأختاً حين يغيب، وعشيقة في تلك الصباحات المبكرة، وزوجة حين أراد طفلاً، وصديقة في نزواته مع الأخريات. ويمكن القول انهما يحتويان أحدهما الآخر أحتواء الجسد للروح.

- كثُر الشب في شعركَ
- كثُر وأنتِ في حياتي، تخيلي الحال لو لم تكوني!

واندفعا يتقلبان ضاحكين، وهي تحاول أن تحسب عدد الشعرات البيض، يؤرخان لحياتهما بالدقائق التي يقضيانها معاً مرحين متألقين.

أخذ نباح الكلاب يعلو ليوقظهما من نشوتهما.

- يبدو ان الكلاب عادت لتهاجم القرية.

تلك الكلاب، التي طالما أعتنوا بتكثيرها وتحسين أنوا عها وتغذيتها، أصبحت كثيرة العدد، صحيحة الجسم، ولم يعد الغذاء يكفي لهم ولها، فلابد أن تتغذى عليهم.

نهض متكاسلاً ليلقي نظرة عبر النافذة. رأى أعداداً هائلة منها تعوي عواءً متصلاً مكشرة عن أنيابها، ولم يكن في القرية حرس او سلاح إذ كانت مكتفية بكلابها، وهي الان تريد الطعام ولو كان من البشر.

- إن الكلاب تحاصر البيت والقرية كلها.
- كلابنا؟ كيف؟ لقد أحسّنا تربيتها.

التفتَ اليها متأملا جسدها الرخامي، كيف تكون هذه المرأة طفلة لاتريد أن تكبر، ويذعن له جسدها بهذا الشكل فيبدو ناعماً متماسكاً وكأنه جنين.

تمطت مغمضة العينين مبتسمة وهمست :

- ما احلى الحب!
- يجب ان نهرب بسرعة.
- هل نترك الاخرين لتاكلهم الوحوش مع أطفالهم؟

لم يستمع اليها، وأسرع يجمع حوائجه في حقيبة صغيرة، يلملم بها اوراقه، أقلامه، هداياه، وأسرع نحو الباب. ثم تذكرها إذ فاته أن يضعها في الحقيبة مع حوائجه. ألم يكن هذا شانها على الدوام؟

- هيا أسرعي. لايمكنني الأنتظار كثيراً، أنسيتِ موعد الأمتحان؟
- لم أنس، ولكن....
رنت اليهِ حتى تحولت كلها الى عينين ثاقبتين، وذابت أجزاؤها الأخرى، وسلمته يدها لتلحم بيده.

أسرع راكضاً يسحبها وصوت الكلاب يعلو.

بدا الدرب شاقاً، طويلاً، مظلماً... الدرب الذي طالما سارا عليه يتمازحان ويتبادلان المزح الرديئة، ولكن لماذا اصبح مختلفاً الآن؟ هل لأنهما يهربان؟ ولكن ألم يكن الهروب لغتهما المشتركة؟

إقترب عواء الكلاب حتى خيل اليه انه يسمع لهاثها، نبضاتها، واختلط عليه: أهو لهاث التي معه، أم لهاث الكلاب؟ لم يكن ممكنا تبذير لحظة والألتفات للتأكد من وجودها، واكتفى بضغطة خفيفة على يدها ليطمئن.... ألم تكن هي ملاذه الوحيد حتى وهي غائبة؟

لاحت المصابيح الكهربائية من بعيد لتشير الى انهما قد وصلا مدينة الأمتحان. زاد من سرعة ركضه ليصل بسرعة، ساحباً يدها بقوة، مع ان وزنها قد خف كثيرا.

- ها قد وصلنا! لو تأخرنا لحظة أخرى لأصبحنا في عداد الأموات.

ومن فرط سعادته شعر ان وزنه قد خف ايضاً، وأصبح طائراً سعيداً، وأراد أن يسعدها.

- أتذكرين يوم قضينا ليلة كاملة يفترس أحدنا تضاريس الآخر، ويسأل لم هذه الندبة؟ ومن أين جاء أثر هذا الجرح ؟ أتذكرين يوم أعطيتني وردة حمراء حاولت عبثاً أن أثبتها في شعرك المنثور؟ أتذكرين تلك الدار الخربة في ذلك اليوم الجليدي البارد ونحن عراة نتفصد عرقاً من حرارة اللقاء؟ لا تتركيني الآن، لقد قطعنا شوطاً طيباً معاً، إصبري ها قد وصلنا.

ترك يدها، ودخل أحد البيوت المظلمة بسرعة ليؤدي أمتحانه المطلوب. وقبل أن يجيب على أي سؤال قرأ الملاحظة التالية: تذكر ان بأجتيازك هذا الأمتحان تكون قد قطعت علاقتك بحياتك الماضية.

لم يكن الأمر سهلا. تذكر بريق عينيها وأبتسامتها الرافضة- الموافقة عندما أخبرها بضرورة الأسراع للخروج من القرية، ولم يكن ثمة بد من قبول ذلك الشرط فقد عمل طويلاً للحصول على هذه الفرصة.
أدى الأمتحان بجدارة، وعندما خرج ليخبرها، لم يجد سوى يدها وقد علقت بها بعض بقايا ثوب!



#غادة_م._سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشجرة قصة قصيرة
- المكعب- قصة قصيرة
- التلويحة ----- قصة قصيرة


المزيد.....




- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غادة م. سليم - الافتراس - قصة قصيرة