أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - العلم عملية تصحيح لغوية















المزيد.....

العلم عملية تصحيح لغوية


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 08:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نميِّز عادة ً بين حقل العلوم و حقل اللغات. لكن الحقيقة هي أنهما يشكّلان حقلا ً معرفياً واحداً بما أن العلم ليس سوى عملية تصحيح لغوية.

الوظيفة الأساسية للغة هي الحفاظ على بقاء الجنس البشري. فمن خلال التواصل اللغوي تنتقل المعلومات بسرعة هائلة ما يضمن بقاءنا أحياء. فبمجرد أن نقول " هذا حيوان مفترس " تنتقل معلومات قيّمة في إفادتها إلى المُستمِع أو المتلقي فينتبه من الخطر المتمثل في حضور الحيوان المفترس فيتجنب الإنسان الخطر و ينجو. و لأن هذه الوظيفة المحورية للغة كانت ناجحة جداً في إبقائنا أحياء تكاثرت الكلمات و المفاهيم في لغاتنا لتشير إلى كائنات عدة واقعية و ممكنة قد تساعدنا الإشارة إليها في الحفاظ على حياتنا. من هنا , تحتوي لغاتنا الإنسانية على العديد من المفاهيم و المصطلحات التي قد تفيدنا في البقاء أحياء من دون أن تشير في الحقيقة إلى أية حقائق واقعية. و هذه المفاهيم التي لا تدل على حقائق قد تكاثرت في لغاتنا لأن إكثار المفاهيم آلية مفيدة في ضمان البقاء. فمثلا ً , مصطلح " الجن " لا يشير إلى كائن حقيقي في الواقع لكنه ينبهنا من كائن ممكن قد يظهر في أمكنة لا نعرفها. و بذلك ساعد هذا المصطلح أجدادنا في الاستمرار على قيد الحياة من خلال جعلهم حذرين في الأمكنة التي يجهلونها. هكذا تكاثرت المفاهيم و الكلمات في اللغات الإنسانية بسبب إمكانية مساهمتها في إبقائنا أحياء. لكن بما أن لغاتنا تتضمن العديد من الكلمات و المصطلحات التي لا تشير إلى حقائق واقعية , إذن لا بد من نشوء آليات عقلية تساعدنا في تطهير لغتنا و تصحيحها. و العلم آلية أساسية من تلك الآليات التي تصحّح لغاتنا البشرية.

العلم عملية تصحيح لغوية. فمثلا ً , تميّز لغتنا بين الزمان و المكان و المادة و الجاذبية. بالنسبة إلى اللغات البشرية , الزمان مختلف عن المكان , و كلاهما يختلفان عن المادة , و الجاذبية مجرد قوة قائمة بين المواد. لكن أثبت أينشتاين في نظريته العلمية أنه لا يوجد فرق حق بين تلك المفاهيم و مدلولاتها. و بذلك العلم آلية تصحيح لغوية فمن خلال العلم تمكنا من تصحيح لغتنا التي تميّز بين مفاهيم و مصطلحات لا تمييز حقيقي بينها. بالنسبة إلى نظرية أينشتاين العلمية , الزمان و المكان يشكّلان كائناً واحداً هو الزمكان. و من منظور نموذجه العلمي , الجاذبية مجرد إنحناء الزمكان بينما المادة اضطراب الزمكان. و بذلك توحِّد نظرية أينشتاين بين الجاذبية و المادة و الزمان و المكان. هكذا النظرية العلمية لأينشتاين تصحّح لغتنا فتنفي تكاثر المفاهيم و المصطلحات و تلغي التمييز بين العديد منها فيغدو العلم بذلك آلية تصحيح لغوية. من المنطلق نفسه , تميّز لغاتنا الإنسانية بين الجسيم و الموجة ؛ فالشيء إما جسيم مادي و إما موجة متكوِّنة من طاقة. لكن نظرية ميكانيكا الكم العلمية تصحّح لغتنا البشرية فتؤكد على أن الجسيم كالإلكترون هو جسيم و موجة في آن. و بذلك تنفي ميكانيكا الكم التمييز اللغوي بين الجسيم و الموجة فتصحّح لغتنا. من هنا , العلم عملية تصحيح لغوية بامتياز.

كما تميّز لغتنا بين الوعي الإنساني و الكون المادي. لكن الفيزيائي جون ويلر يؤكد في تفسيره لنظرية ميكانيكا الكم على أنه لا يوجد فرق حقيقي بين الوعي و الكون. فبالنسبة إلى نظرية ويلر العلمية و على ضوء تفسيره لنظرية ميكانيكا الكم , الكون غير مُحدَّد لكنه يصبح مُحدَّداً متى أدركه الوعي. بكلام آخر , من غير المُحدَّد ما إذا كانت قطة شرودنغر حية أم ميتة , و فقط حين يدركها الوعي تمسي إما حية و إما ميتة. من هنا , الوعي الإنساني شريك أساسي في تحديد الكون و صياغته. و بذلك لا فرق حق بين الوعي الإنساني و الكون المادي على نقيض مما تشير إليه لغاتنا البشرية. على هذا الأساس , العلوم عمليات تصحيح لغوية. و تميّز لغتنا أيضاً بين الواقعي و الممكن. لكن , بالنسبة إلى ميكانيكا الكم , يعبر الجسيم من نقطة مكانية إلى أخرى من خلال عبور كل الممرات الممكنة فيتخذ عبوراً مستقيماً و آخر ملتوياً و آخر شبه ملتو ٍ إلخ. و بذلك يتحقق كل عبور ممكن في الممرات الممكنة كافة رغم اختلاف الممرات و تعارضها. من هنا , الواقعي يتكوّن من كل الممكنات. و بذلك يصحّح العلم تصوّر لغتنا و تمييزها بين الواقعي و الممكن. فاللغة عقل كامن , و العقل لغة تتكلم.

بالإضافة إلى ذلك , تميّز لغاتنا الإنسانية بين العدم و الوجود. لكن العلم المعاصر ينفي هذا التمييز الجذري. فمثلا ً , يقول الفيزيائي آلن غوث إن الكون أي الوجود قد نشأ من العدم من جراء التقلبات الكمية التي تصيب العدم نفسه. فالعدم يتكوّن من طاقات مختلفة و متعارضة لكنها متساوية في قيمتها ما يؤدي بتلك الطاقات المتناقضة إلى أن تختزل بعضها البعض فيتشكّل العدم. لكن بما أن العدم متكوِّن من طاقات متنوعة , إذن من الممكن أن تنجو طاقة ما من العدم و لا يحدث اختزالها و بذلك يتشكّل الكون منها. هكذا , بالنسبة إلى الفيزيائي آلن غوث , ينشأ الوجود من العدم بما أن العدم نفسه ليس سوى طاقات مختزلة لبعضها البعض. و بذلك لا فرق حقيقي بين الوجود و العدم على نقيض مما تدعي لغاتنا البشرية. من هنا يصحّح العلم لغاتنا فينفي التمييزات الكاذبة التي أوقعتنا فيها لغتنا البشرية بهدف إبقائنا أحياء. و بالنسبة إلى الفيزيائي غوث , الوجود موجود لأنه عدم ؛ فإذا جمعنا طاقات الكون سنجد أنها تساوي صفراً لأن طاقة الكون الايجابية تُعادِل طاقة الكون السلبية. من هنا العلوم المعاصرة تعتبر أنه لا يوجد فرق حق بين الوجود و العدم فتصحّح لغاتنا المُسبَقة و المُحدَّدة سلفاً.

لقد أوقعتنا لغتنا البشرية في مشاكل فكرية و فلسفية و علمية من خلال تمييزها بين مفاهيم و مصطلحات لا يجب التمييز بينها. فلغاتنا خلقت ثنائيات كاذبة لا تعبِّر عن الحقائق في الكون و الواقع. و فعلت لغاتنا ذلك لكي تزيد من أرجحية إبقائنا أحياء. فكثرة المفاهيم و المصطلحات و إن كانت كاذبة قد تساعدنا في البقاء أحياء كأن يساعدنا مفهوم " الجن " في تجنب الأمكنة المجهولة ما قد يساهم في إبقائنا على قيد الحياة. على هذا الأساس , الوظيفة الأساسية للغة ألا و هي أن تبقينا أحياء أدت إلى تضليلنا فكرياً رغم نجاحها في الحفاظ على بقاء الجنس البشري. فتلك الوظيفة اللغوية أدت إلى ولادة ثنائيات خاطئة فمشاكل فلسفية و علمية كاذبة تزول بزوال تلك الثنائيات كثنائية العدم و الوجود و ثنائية الزمان و المكان. و بما أن لغتنا ضللتنا فكرياً كان لا بد من نشوء آليات معينة لتصحيح الخلل اللغوي منها الآلية الأساسية في تصحيح لغاتنا ألا و هي العلوم. فالعلم تصحيح للغة البشرية. و لذا لا تتطور اللغة سوى بتطور العلم و لا يتطور العلم سوى بتطور اللغة. و لذلك تجد الشعوب المتطورة في العلوم متطورة أيضاً في اللغة و العكس صحيح. و لا يكتفي العلم في نفي الثنائيات الكاذبة بل يبني أيضاً مفاهيم و مصطلحات جديدة لم نعهدها من قبل كبناء مصطلح " الزمكان " لأينشتاين الذي يوحِّد بين الزمان و المكان. من هنا , العلم أيضاً آلية صياغة لغات جديدة.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوبر تخلف : ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية
- فلسفة العلم في مواجهة فلسفة الجهل
- المعرفة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- اللغة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- العقل بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- فلسفة المجتمع العربي الإسلامي
- فلسفة الحوار العربي
- فلسفة الحروب العربية
- فلسطين قضية فلسفية
- فلسفة السوبر تجهيل
- فلسفة التفقير و الإفقار
- فلسفة البطالة العربية
- فلسفة الأكوان الممكنة
- السوبر إنسانوية
- السوبر ديمقراطية
- السوبر تاريخانية : صراع التواريخ الممكنة
- السوبر عولمة
- السوبر تواصلية : إيصال المعلومات أم إنتاجها
- السوبر حداثة : فلسفة اللغة
- السوبر حداثة : فلسفة المنهج العلمي


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - العلم عملية تصحيح لغوية