|
حوار العيون الحلقة الخامسة
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 02:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حوار العيون الحلقة الخامسة
ارتدت حسناء برقعها و قبلت خديه بلطف ، وضعت نقابها و اتجهت نحو باب القاعة . عيناه تتلوها الى ان اغلق الباب خلفها . احس بالقاعة الفسيحة تضيق به ، كانه مريض في مشفى ودعه زواره ، او كمن زار سجينا و لما اعطيت الاشارة تنفيذا لرغبة حراس السجن. ذهب عزيزه الى عنبره و بقي هو في مكانه يتالم للفراق . تذكر كل صور السجن حين كان يزور امه في سجن العلو . كانت امه هناك . يزورها مرة في الاسبوع بمعية عمته . لا يعرف عنها سوى انها كانت خادمة في بيت اسرته . و لسبب لا يعلمه دخلت السجن . تذكرها و هي تودعه لتلتحق بعنبرها ، كانت تضمه اليها بشدة و في كل مرة تهديه اشياء بسيطة لم تكن لها قيمة لديه . كانت طفلة في السادسة من عمرها، تتميز في القرية برشاقة اخاذة و جمال مثير ، التقطتها سيدة من المدينة ، ادعت انها تريدها انيسة لابناءها و ستهتم بها كما تهتم بفلذات كبدها . اقتلعت الطفلة من موطنها و اسرتها الشديدة الفقر و دخلت عالما وجدت نفسها فيه خادمة بيوت في سن الطفولة . في البداية لم تكن اشغال المطبخ و التنظيف من مهامها و لكنها مساعدة لسيدة البيت في اشياء بسيطة . لكن مهمتها تكبر كلما كبر جسدها الى ان اصبحت هي الكل في الكل داخل بيت توسعت اسرته و كثرت اشغاله . دون ان تعرف طعم الطفولة .تراست فريقا من الخدم من حراس المنزل الى مربيات الاطفال و طباخات ...لكنها تنعم بثقة الكل . اندمجت الشابة من اصل بدوي في الاسرة و اصبحت جزءا منها، الى درجة فقدت فيها هويتها و نسبها ، بل نسيت لهجة قريتها المهمشة و اصبحت تعيش في عالم القصور و النبلاء و البرجوازيين . الشابة في مقتبل العمر ازداد جمالها اشعاعا و هي في السابعة عشرة من العمر لها قدرة على ارضاء الكل في الاسرة و حتى الاقارب و الضيوف ، ميزت نفسها بابتسامتها و اجتهادها و حرصها على خدمة الكل ، بل تعد مذكرة للمواعيد ، بما انها كبرت داخل كنف الاسرة الى حد يصعب تمييزها عن اهل الدار ، بل انها اعلم بخصوصيات كل فرد في الاسرة ، و هو ما لا يتوفر لدى اي كان ، تنوب عن كل فرد في الاسرة في مهامه . شابة مبتسمة ليل نهار ، تحمل اسرار الاطفال و الشبان و الكبار . لا تثير شك او غيرة احد في العاىًلة نظرا لانها صادقة واضحة طيبة و كتومة . رغم ان عمرها صغيرا الا ان تعاملها كالراشدات . ذات مرة رافقت اب الاسرة الى ضيعته عند سفح الجبل حيث يقضي اياما رفقة اصدقاىًه في الصيد . رفقته لها لم تثر اي احد في الاسرة بمن فيهم زوجة السيد لان الامر معتاد او لان الكل يراها طفلة و ابنة و اختا بل محرما لكل رجال الاسرة فكيف بربها . بعد شهور اسرت السيد انها حامل منه . بادر الى اخبار زوجته بالامر ، تكفلت الزوجة بعملية جمع اوراق الشابة لتسجيلها في بطاقة التعريف الوطنية و بعدها تزويجها من رب الاسرة كزوجة ثانية . كانت ربة البيت تقوم بكل ذلك دون ان اظهارادنى غضب او رد فعل سلبي لا ضد الشابة او ضد زوجها، بل بقيت ابتسامتها و تعاملها الطيب المعتاد كما كان . و تتعامل مع الشابة و كانها ابنتها او زوجة ابنها . اصبحت الشابة زوجة شرعية لرب الاسرة دون ان تغير من تصرفاتها و لا موقعها داخل البيت او الاسرة . فقط غرفة مبيتها انتقلت الى جناح اخر داخل البيت . تم ذلك دون ان يثير اي صخب او ضجر في البيت و الاسرة ، ربما لان الشابة تقوم بدور الام داخل العاىًلة قبل الان ، و ان تصبح زوجة الاب لم يغير في تقاسيم حياة البيت شيىًا . انجبت الشابة طفلا ، سجله زوجها في دفتر الحالة المدنية . لم ينتبه ان اسم ام الطفل هو نفسه اسم زوجته الاولى . و هو الاسم الذي كتب على بطاقة التعريف الوطنية للشابة ، حيث لا تختلف الزوجة الاولى و الثانية الا في الرقم التسلسلي للبطاقة . لم يعر الامر اهتماما ، لان الكل راض عنه و عن زوجته و خاصة حين انجبت ابنا ذكرا لم يكتب له مع الزوجة الاولى . منذ الاسبوع الاول من الولادة ظهر اهتمام السيدة الاولى بالطفل و والدته مفرطا ، خاصة ان الشابة لا يزورها احد من اسرتها و تتعامل معها ضرتها كابنتها . الطفل يبيت ليلا الى جانب السيدة الاولى . بل تهتم بكل ما يخصه . لما خرجت الشابة من اربعينية النفاس عادت الى حياتها العادية و كانها ليست زوجة لرب الاسرة الا في المبيت . تواضعها و بساطتها و طيبوبتها و لينتها جعلت منها انسانا راض بهذا الوضع ، خاصة ان السيدة الاولى لم يبد منها اي شيء غير عادي لا معها و لا مع الزوج بل انها تهتم بالطفل و كانها انجبته من احشاىًها . كل من يدخل البيت يعتقد ان الطفل ابن السيدة الاولى خاصة انه يدعوها "مامي" و يدعو الشابة " خالتو " . و هو امر لم يثر في الشابة اي استغراب . بعد سنوات قليلة توفي الاب . و دخلت الزوجتين في العدة معا . انتهت فترة الحزن و عادت حياة الاسرة لطبيعتها . في يوم من الصيف و بينما كان اغلب اعضاء الاسرة في المصطاف ، و الشابة في البيت الرىًيسي، دخل رجال ادعوا انهم رجال امن وطلبوا من الشابة الالتحاق بهم لان هناك امر يهمها و يتطلب التحقيق فيه . ذهبت الشابة الى المكان المعين ، و اذا بها تجد نفسها رهينة لدى عصابة تطلبت تدخل الشرطة بطلب من السيدة الاولى في البيت ، ضرتها ، و تتم متابعتها بجراىًم خطيرة جعلتها سجينة . كل الاسرة تنكرت للشابة غير اخت زوجها التي عادت موًخرا من الخارج و بقيت تهدد بفتح ملفها ، لكنها غير قادرة لاسباب مجهولة . كانت عمة الطفل تزور الشابة في سجنها و تهتم بحاجياتها بل انها ترافقه معها . تخبره ان السيدة السجينة ربته و اهتمت به في صغره لذلك عليه ان يتعامل معها كام له . لم يكن الطفل يعلم شيىًا غير انها خادمة لدى الاسرة و انها اعتقلت لسبب ما . كبر الطفل و درس خارج البلد ، يحمل لقب ابيه و اسرته المعروفة في البلد . اسم له قيمته و مقامه سواء في اوساط رجال الاعمال و تجارة الفضة و الذهب و حتى الوظاىًف العليا في البلد . و اسم امه يدل على ان اخواته هن شقيقاته ، و ان السيدة الاولى هي امه . فقط لان الاوراق مثبت فيها ان اباه له زوجتان بنفس الاسم . بعد عودته من الدراسة بالخارج تفاجا بعمته تخبره بان السجينة هي امه البيولوجية . و انها زوجة شرعية لابيه ، بل ان سجنها لم يكن الا بكمين وضع لها للتخلص منها . اصيب بصدمة شغلته عن الاهتمام بالبحث عن منافذ لحياته المستقبلية . ذهب رفقة عمته للسجن لزيارة امه . كان امله كبيرا ان تخبره السجينة عن خبايا ما تعرضت له ، لكن صدمته ازدادت عمقا حين اخبره الحراس بدخولها في وضع نفسي خطير ، حيث لم تعد تتكلم بل انها اصبحت بكماء . جاءتهما لقاعة الزيارة تعانقه دون ان تقول كلمة واحدة . يزورها كل يوم دون انقطاع و يهتم باغراضها و يرشي حراس و حارسات السجن للاهتمام بها . يودع امه في السجن و يعود لعالمه الذي الزمه العزلة و التفكير في وضعه و البحث عن مخرج لاعادة الاعتبار لامه بعودتها لحالها الطبيعي . طلب من عمته البحث عن حل لقضية امه ، اخبرته ان كل الحل و العقد في يد ضرتها ، زوجة ابه ، مامي . و ما عليه الا التفاوض معها . في البداية ظن الامر يسيرا، لان السيدة الاولى التي يناديها " مامي " لم يصدر منها اي تقصير لتوفر له ظروفا مواتية للحياة و الدراسة و غيرها . لكن حين فاتحها في الموضوع تبين له ان الامر عكس ذلك . بعد طول الحوار و التفاوض توصل معها الى حل مضمونه ان يتنازل عن نسبه لزوجها و اي رابط له باسرته و ان يحل زواج السجينة من رب الاسرة . لم يكن مطلوبا منه سوى الموافقة و فقط ، السيدة تقوم بكل الاجراءات اللازمة ، بل ان كل شيء جاهز للتنفيذ في اي لحظة . دخل يحاور نفسه عن اهداف هذا كله رغم ان السيدة الاولى ضمنت له قسطا مهما من الارث و الذي ستمرره له عبر البيع . اصر الشاب على اخراج امه من السجن مهما كانت التكلفة . طلبت منه ان يختار اسما اخر غير اسمه الاول (منير ) و لقبا اخر غير لقب والده البيولوجي و بناتها . اخبرته ان اسم امه المثبث على البطاقة الوطنية ستعتبر صاحبته ميتة ، و ان اسمها الاصلي و الذي كانت معروفة به في قريتها ( اشعيبية) سيعود لها و باوراق ثبوتية . اختار منير اسمه الجديد " احمد" و لقبا اخر لا يمت بصلة للاسرة التى تربى و ترعرع فيها و انقطعت اية صلة قانونية بابيه . تغير اسمه في كل اوراقه و باحكام قضاىًية لم يمض هو و لو على وثيقة واحدة الى ان توصل بوثاىًقه جاهزة و بتواريخ رجعية . حتى دبلوماته بالخارج تم تغيير الاسماء بها . حرر امه من السجن و عاد لبناء حياته من البداية . بعد لحظات دخل نادل الفندق للقاعة ، طلب منه ان كان يطلب شيىًا . اخبره انه يريد مغادرة المكان . اتجه نحو الباب ، رافقه امن الفندق الى ان ركب سيارته مودعا اياهم . في طريقه اتصلت به حسناء و اخبرته انها اجلت سفرها لتعيد لقاءه غدا بقصرها الخاص . طه 09/03/2014. 1:30
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار العيون الحلقات الاربع
-
حوار العيون الحلقة الرابعة
-
الالحاد السياسي
-
حوار العيون الحلقة الثالثة
-
حوار العيون الحلقة الثانية
-
حوار العيون
-
لقاء صامت
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
مصر بعد سوريا و العراق ... امريكا تدمر المنطقة 2 ( ذرائع الت
...
-
مصر بعد العراق و سوريا .. امريكا تدمر المنطقة 1
-
تسييس العفو و اعفاء السياسة ملاحظات اولية في العفو عن البيدو
...
-
مصر بين شرعية النص و شرعية الميدان. الجزء الاول
-
مصر: الاخوان ، الجيش و المعارضة اي سيناريو
-
البيان في علاقة 20 فبراير بالعدل و الاحسان
-
فاتح ماي/ ايارللعمال اية علاقة ببن كران ؟
-
اليسار و اشكالية النضال الدمفراطي ( مساهمة في ندوة psu 7/8/1
...
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|