احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1248 - 2005 / 7 / 4 - 11:01
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أُفتتح يوم الثلاثاء الماضي 25/6/2005 في القدس "مؤتمر قيسارية" الثالث عشر الذي يشرف على تنظيمه "المعهد الاسرائيلي للدمقراطية" بالتنسيق مع الاوساط الحكومية وخاصة مع وزارتي المالية والصناعة والتجارة ومع ادارة البنك المركزي، "بنك اسرائيل". ويشارك في هذا المؤتمر اضافة الى الاوساط الرسمية الحكومية ارباب الرأسمالية والشركات الاحتكارية وبعض الباحثين المختصين من رجال الاكاديميا الذين لهم علاقات مباشرة وغير مباشرة بعملية النشاط الاقتصادي وباوساط ارباب الرأسمال الصناعي والمالي.
وبالمقارنة مع جميع مؤتمرات قيسارية السابقة امتاز المؤتمر الحالي بسمتين اساسيتين بارزتين، الاولى، التأكيد على مواصلة تعميق وتسريع خطى السياسة النيوليبرالية التي تنتهجها حكومة شارون – نتنياهو – بيرس، والتهليل "لانجازاتها" في السنتين الماضيتين. فاليوم الاول من المؤتمر، جلساته الاولى يوم الثلاثاء، كانت اشبه ما تكون "بزفة العريس" التسبيح بحمد السياسة الاقتصادية – الاجتماعية النيولبرالية التي قادت الاقتصاد الاسرائيلي الى مرحلة "الاستقرار الاقتصادي" المزعوم. فوزير المالية، بنيامين نتنياهو، وعميد بنك اسرائيل الامريكي المستورد ستانلي فيشر، زعما ان سياسة الخصخصة، بيع املاك وشركات من القطاع العام الى القطاع الخاص، والتقليص الدرامي الكبير في ميزانيات الخدمات العامة والرفاه الاجتماعي بما في ذلك مختلف مخصصات التأمين الوطني، من مخصصات الاولاد الى مخصصات البطالة وغير ذلك قد ادى الى بناء قاعدة الاستقرار الاقتصادي والى زيادة وتيرة النمو الاقتصادي وتخطي مرحلة الركود الاقتصادي!! ولهذا اكد وزير المالية نتنياهو انه سيعمل خلال السنة القادمة على تسريع عمليات الخصخصة، خصخصة "بنك لئومي ليسرائيل" وغيره من الشركات واملاك القطاع العام. تنمية اقتصادية على جسد تعميق وتوسيع فجوات التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء، تنمية جرفت معها مائة الف فقير جديد قذفتهم الى هاوية المعاناة والفاقة في السنة الاخيرة لوحدها.
والثانية، انه اكثر من كل المؤتمرات السابقة طغى الطابع السياسي على باقي ايام المؤتمر وخاصة فيما يتعلق بمدلولات واسقاطات وتأثيرات خطة الفصل احادية الجانب مع قطاع غزة على الاوضاع الاقتصادية- الاجتماعية الاسرائيلية في المرحلة الراهنة وفي المستقبل المرتقب، وعمليا جرى نقل المواقف المختلفة والصراع بين قادة الليكود واليمين، بين وزراء الليكود الى منصة مؤتمر قيسارية ومداولاته، فوزير الامن، شاؤول موفاز، المعدود على معسكر شارون ومن مؤيدي خطته للفصل مع قطاع غزة، اكد في خطابه امام المؤتمر يوم الاربعاء الماضي "ان خطة الفصل ستؤدي الى زيادة الثقة بالاقتصاد الاسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني، وستكون بمثابة رافعة لنمو الاقتصادين" ويعلل موفاز لذلك بان الخطة ستؤدي الى تخفيض الارهاب والى تحسين مكانة اسرائيل عالميا وستكون نتيجة ذلك تحسين وضع اسرائيل الاقتصادي. وحسب رأي موفاز انه من لحظة الاعلان عن خطة الفصل واقرارها في الحكومة عبرت الاسواق المالية عن ثقتها بالاقتصاد الاسرائيلي وزادت من استثماراتها وتوظيفاتها في اسرائيل، كما ان تنفيذ الخطة سيؤدي "الى تخفيض ميزانية الامن لمصلحة زيادة ميزانيات التعليم والرفاه"، على حد تعبير موفاز!
ان موفاز يصيب كبد الحقيقة في قضية واحدة من حيث مدلولها السياسي وهي انه اذا حققت خطة الفصل استقرارا سياسيا وامنيا فسيكون من نتائجها تحسين وانتعاش ونمو الاقتصاد الاسرائيلي، لانه بدون استقرار سياسي، لا يمكن توفير المناخ والظروف للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. كما انه في ظروف السلام والاستقرار والامن لا حاجة لميزانية عسكرية تبتلع حوالي نصف ميزانية النفقات من الميزانية العامة. وموفاز يدرك ذلك جيدا ان خطة الفصل الشارونية لا تعني ابدا تسوية الحل الدائم للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، خاصة وان الاحتلال الاستيطاني لا يزال كالكابوس جاثما ايضا على صدر الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية، في الضفة الغربية وعاصمة الدولة الفلسطينية، العتيدة، القدس الشرقية المحتلة. كما ان خطة الفصل لا تعني ابدا نهاية السياسة العدوانية الاسرائيلية بل تعني التكيّف في اطار الاستراتيجية العدوانية الامريكية في المنطقة وكونيا. وموفاز من مؤيدي النهج النيولبرالي الذي وجه ضربة قاسية الى مجال التعليم والرفاه الاجتماعي. وخطابه في مؤتمر قيسارية لا يخرج من اطار المنافسة والمزاودة بين معسكري "صراع الثيران"، معسكر شارون ومعسكر نتنياهو.
وخطاب شارون يوم الخميس الماضي في مؤتمر قيسارية لم يجدد من حيث المضمون والمدلول السياسيين أي شيء، سوى تشديد لهجة التهديد لمعارضي خطته. اكد على دعمه لسياسة الليبرالية الجديدة في المجال الاقتصادي – الاجتماعي اما في المجال السياسي فقد عاد واكد ما اكده في مؤتمر كرمئيل، مؤتمر الجليل والنقب التهويدي العنصري، بان الخطة تخدم اهداف الاحتلال الاستراتيجية التي في مركزها تهويد القدس الكبرى لضمها مع كتل الاستيطان الكبيرة، اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل لمنع قيام دولة فلسطينية ذات مقومات طبيعية قابلة للحياة والتطور.
اما وزير المالية، بنيامين نتنياهو، رئيس مؤتمر قيسارية، فقد برز بتفوقه ديماغوغيا، في لخبطة الاوراق السياسية والاقتصادية وقلب الحقائق رأسا على عقب، فهذه هي الصنعة التي يتقنها ببراعة وبشكل انتهازي سافر لخدمة مصالحه الذاتية وتطلعاته الانانية. ففي خطابه في مؤتمر قيسارية ابرز موقفه المعارض لخطة الفصل. والدافع الاساسي لهذا الموقف ان نتنياهو الذي يعد نفسه لمنافسة شارون على زعامة حزب الليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة في الانتخابات التي ستجري في سنة الفين وستة القادمة، يدرك جيدا المواقف اليمينية المتطرفة داخل الليكود ومؤسساته المركزية، يدرك المعارضة القوية لخطة الفصل بين ايتام ارض اسرائيل الكبرى في الليكود وخارجه، بين قطعان المستوطنين والعصابات الفاشية العنصرية، ولهذا كان خطابه بمثابة رسالة تأييد وتبنّ لمواقف هذه القوى وبهدف كسب تأييدها على ساحة المنافسة مع ارئيل شارون. ولدعم تبريراته لجأ الى التضليل الديماغوغي في الخلط بين السياسي والاجتماعي بشكل تشويهي سافر. فاضافة الى ادعاءاته الكاذبة بان الفصل مع غزة سيؤدي الى قيام دولة الارهاب في قطاع غزة برئاسة حماس والجهاد الاسلامي الذي سيهدد امن اسرائيل، اضافة الى ذلك، فان "قلبه الحنون والرحيم" على الفقراء "يتقطع" من الآثار السلبية لخطة الفصل على مستوى معيشتهم وحياتهم. فقد ادعى في خطابه "انه بدلا من تبذير ثمانية مليارات الى عشرة مليارات شاقل على خطة الفصل فانه يمكن توجيه هذه المبالغ لدعم المسنين والمشوهين والمرضى وسلة الادوية والامهات العاملات ولمحاربة العنف وحوادث الطرق"!! أيوجد تضليل كاذب وبشكل سافر اكثر مما ادعاه نتنياهو، وهو بخطته الاقتصادية – الاجتماعية بخسفه لمخصصات التأمين الوطني ولميزانيات الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ورفاه وميزانيات سلطات محلية، خلال هذا العام والعام الماضي من ممارسته لنهج الليبرالي الجديد، قد "حفر على قبور" الفئات الاجتماعية المسحوقة، على الفقراء والمحتاجين من مسنين متقاعدين واطفال وعائلات احادية الوالدين وعاطلين عن العمل وغيرهم واوجد "دولة الفقر" التي يبلغ تعداد ضحاياها حوالي مليون ونصف المليون فقير مقابل زيادة عدد "القطط السمان" من ارباب الملايين بالف وستمائة مليونير جديد خلال سنتين، الامر الذي يعني ان سياسة حكومة شارون – نتنياهو قد عمقت فجوات التقاطب الاجتماعي في اسرائيل.
لقد جاء خطاب نتنياهو هذا، الديماغوغي سياسيا واجتماعيا، كرد على معطيات تقرير جدي اعده طاقم من الاختصاصيين الاقتصاديين برئاسة البروفيسور داني تسيدون حول "المدلولات الاقتصادية لخطة الفصل". وهذا التقرير بمعطياته بمثابة انذار وادانة ونسف لموقف المعارضين من غلاة اليمين لخطة الفصل مع قطاع غزة. فحسب معطيات هذا التقرير فان عدم تجسيد خطة الفصل في المرحلة الراهنة يعني ضررا اقتصاديا كبيرا حيث يتدهور الاقتصاد الى هاوية "اعتدال اقتصادي عميق" ازمة ركود عميقة، اشد وطأة وعمقا من ازمة الركود التي تفجرت في اعقاب الانتفاضة الفلسطينية، ازمة تعمق اكثر فجوات التقاطب الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الاسرائيلي. عدم تجسيد خطة الفصل، حسب التقرير، يقود الى انهيار اقتصادي، الى ازمة عميقة والى المس بالدمقراطية في اعقاب فقدان صلاحيات الحكومة (في مواجهة غلاة اليمين وقوى الفاشية) وان النتيجة ستكون فقدان ما نسبته (10%) من الناتج القومي الاجمالي الاسرائيلي في السنوات الثلاث القادمة، او ما قيمته خمسون مليار شاقل.
وينتقد هذا التقرير بمضاعفة المبلغ المعد لتمويل خطة الفصل من خمسة مليارات شاقل الى عشرة مليارات شاقل. اما بالنسبة لقطعان واوباش المستوطنين الذين نهبوا خيرات الارض الفلسطينية والشعب الفلسطيني، خلال عشرات من السنين فانهم باخلائهم للمستوطنات ينهبون عمليا خزينة الدولة ومن جيوب دافعي الضرائب. فحسب التقرير المذكور فان معدل ما ستقبضه كل عائلة استيطانية "تعويضا" على اخلائها يساوي خمسا وعشرين سنة عمل بالمعدل الوسطي للاجور.
فكل عائلة من الدخلاء المستوطنين ستحسن وضعها الاقتصادي من "التعويضات" بما معدله 200 الف دولار معفاة من الضرائب.
الايجابي في هذا التقرير انه يعكس وجها من اوجه الحقيقة، وهي ان التسوية السياسية تعكس اثرها الايجابي على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتصور كم تكون هذه الحقيقة اكثر سطوعا، من مختلف اوجهها لو كان الحديث يدور عن انسحاب كامل للمحتل من جميع المناطق المحتلة وابرام تسوية الحل الدائم، كم كانت تنطق معطيات المدلولات الاقتصادية المرتقبة بمؤشرات تنمية اقتصادية سريعة الوتائر.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟