جولي وجيم (1962) / فرانسوا تروفو -:فيلم يقف عملاقا في الموجة الجديدة

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4389 - 2014 / 3 / 10 - 22:13
المحور: الادب والفن
    

جولي وجيم (1962) / فرانسوا تروفو -:فيلم يقف عملاقا في الموجة الجديدة
فعلياً هو الفيلم الثالث لهذا المخرج الفرنسي الكبير، ملك الموجة الجديدة، والذي نفضل أن نطلق عليه بالثوري الهادئ تمييزاً له عن زميله في الموجة الجديدة الآخر غودار.
إن كان من المستحيل أن يكون هذا الفيلم " جولي وجيم " هو أفضل أفلام تروفو، إلا أنه هو الأشهر على الإطلاق، حيث شكل انطلاقة حقيقية لسينما مختلفة، سردية في معطياتها، ومن الممكن أن تدفع الجمهور إلى التساؤل والاستغراب، بالإضافة إلى أن هذه السينما بحد ذاتها تبدو مفهومة ولا تثير أية إشكالية بالنسبة للمشاهد.
الفيلم هو من بطولة الشهيرة " جين مورو" في ظهورها الأول، وربما الأفضل والأشهر لها على الإطلاق، كما أنه تروفو في بداية الفيلم يتعمد أن يستخدم الأسلوب الكوميدي الذي سوف ينقلب إلى تراجيديا هادئة مع توسط أحداث الفيلم، وهذا نابع من حبه لتلك السينما الأمريكية التي ربما خلق هذا الثنائي من ثنائي خالد آخر هو "لوريل وهاردي" على الرغم من عدم وجود شخص بدين بينهما، وعلى العموم فتروفو قام بكل شيء في هذا الفيلم باستثناء التمثيل في فيلم أبسط ما يقال عنه بأنه يقف عملاقاً في الموجة الجديدة.
تبدأ أحدث الفيلم عام 1912 عن بداية الصداقة بين جولي " النمساوي" و جيم " الفرنسي" والذي يجمع بينهما هو بحثهم عن المرأة، وهذا يتخلله العديد من العلاقات حتى يتوصلا إلى كاترين، ومعها تبدأ الحبكة الفعلية للفيلم.
هذا الثنائي " جولي وجيم" يبدو متجانساً جداً ومتفاهماً، يعلمان بعضهما البعض اللغة، ويترجمان القصائد ويجمعهما حب الفن، وبالتالي انضمام كاثرين لهذا الثنائي يبدو انضماماً قدرياً محسوباً لأن كاثرين ببساطة هي الشخص المؤهل لأن ينضم إليهما بسبب ميوله الفوضوية وحياته الغريبة القريبة من التعلق بهموم فنية ورغبة صارمة بالاحتجاج، وبالتالي العلاقة مع كاثرين سوف تشكل المحور الرئيسي في الفيلم.
تروفو يعرف عن الفيلم باستخدام الراوي، وهذا أسلوب يذكرنا بالدنماركي " تراير "، حين يحاول هذا الراوي أن يوضح المشاعر والانقلابات الداخلية غير المفهومة بالنسبة للمشاهد.
إذاً العلاقة التي تنشأ بين هذا الثلاثي هي علاقة طبيعية تلقائية تسير بمنحاها الطبيعي وحتى النهاية لن تكون صادمة عندما نتعرف على شخصية كاثرين المضطربة أكثر، فبالإضافة إلى بحثهم عن المرأة؛ فهذا الثلاثي مثقف ومتعلق بالفن وبالقيم السياسية الشبابية وأحياناً تكون هذه القيم فوضوية.
* تقول كاثرين * : أنا أحلم بنابليون
جعلني حاملاً ذات مرة في مصعد ومن ثم اختفى ... مسكين نابليون
ومن ثم تعقب: قبل أن أقابلكما لم أكن أعرف الضحك

كما قلنا، فالعلاقة تلقائية تسير في مسارها القدري، وكأن كاثرين فصلت لمثل هذه العلاقة، ومثل هذه التصرفات، ولكن هل كاثرين من الممكن أن تتزوج أي أحد منهما ؟!
* يقول الراوي * : بعد هذه السعادة التي أحاطت بهذا الثلاثي بدأت كاثرين تجد جذورها في هذه الحياة.
ومن هذا نفهم أن كاثرين كانت غير متقبلة لهذه الحياة، ورما موضوع الانتماء تحديداً له دور كبير في التقييم، وتروفو يروي قصة في أحداثها تبدو خارج المسار الطبيعي المألوف، وكأنه يقول أن هذا الثلاثي المتوائم الذي جمعت بينهم صدفة قدرية كان لا بد لها أن تحدث وأن تكون حتى تنشأ هذه القصة، فهذه القصة إن كانت تتميز بالتلقائية والتجديد، ولكن الفيلم لا يسير أبداً نحو نهايات طبيعية أوحتمية ... " تروفو الثوري الهادئ".
هؤلاء الثلاثة متفقين على الغرق في نظريات ثقافية ولكنهم لا زالوا غير متفقين على الحب بعد، من خلال نظريات عن المرأة وحديث من شكسبير وبودلير، والسؤال الذي يجب أن نسأله الآن: هل هذا المسار من العلاقات كان مألوفاً قبل زمن الموجة الجديدة ..؟!
جولي وكاثرين يتفقا على الزواج في أبعاد تقول عنها بأنها غير محسوبة حتى لو كانت الشخصيات تتطور بسرعة إلا أنها تخدم مسار فيلم، أراد مخرج على شاكلة تروفو أن يقوم بصناعته.
ملامح للحرب العالمية الأولى تبدأ بالظهور بحيث يلتحق كل منهما في الجيش وتنقطع أخباره عن الآخر، ولكن لفترة محدودة، ولكن تروفو لا يؤرخ أبداً لفترة معينة، فسرعان ما سوف تعود الشخصيات الثلاثة إلى الالتقاء مع شخصية رابعة هي " سابين" ابنة كل من جولي وكاثرين بدون منغصات الحرب.
ومع سرعة السرد وتسارع الأحداث، جولي لا يبدأ بالشكوى ولكنه يتحدث عن حقائق عن زوجته وهي تخونه، والمرة الأولى كانت عشية يوم زفافهما.
كاثرين سوف تتجه نحو " جيم" ولكن هل هي غواية أم هل هو حب كان قد تولد في السابق، وجولي يطلق كاثرين، ويطلب من جيم الزواج بها مؤكداً أن هذا الأمر ليس إلا لأنه يحب كاثرين فعلياً.
نستطيع أن نعرف أن جيم سوف يستجيب لهذه الدعوة سواءً كانت بزواج أو من غيره، وجولي يتقبل هذه العلاقة من دون أي اعتراض سوى أن يطلب من جيم الاحتراس من كاثرين ومن نفسه، وسرعان ما سيتحول الموضوع كله إلى مثلث غرامي حساس، ليس الخيانة بل شخصية كاثرين المتقلبة ... شيء فيه تشبيه دقيق، رجلان يحبان امرأة ... وامرأة تحب رجلان.
والقصة هي كذلك، فالرجلان متأكدان من حبهما لكاثرين، ولكن كاثرين لا تعرف ما الذي تريده فعلياً.
هل تريد جيم ... جولي ... أم هل تريد شيئاً آخر ... ؟؟!!
الشيء المثير والحقيقي بالنسبة للعلاقة بين جيم وكاثرين بأن جيم يفضل الانصياع لرغباتها، ورفضه التحمل بأن كاثرين سوف تخونه في يوم ما، ولذلك يقرر جيم الزواج مرة أخرى، ولذلك تمارس كاثرين حقها في الاعتراض بأن تقتله وتقتل نفسها في حادث مفتعل.
تروفو حقق هذا الفيلم ولا زال يبلغ من العمر (29) عاماً ولا زال ناضجاً وهو الأكثر شعبية بين كل أفلامه، في قصة بدأت عام 1912 وانتهت عام 1932، في قصة ممتعة ثورية، تسير مساراً سرديا طبيعياً سريعاً ويلاحظ فيها الكثير من التقلبات في أحداث القصة وفي المسار السينمائي بحيث ينتقل تروفو انتقالاً أساسياً ـ غير متقلب ـ من كوميديا خفيفة رافقت الفيلم مع بداياته وانتقلت إلى دراما مع توسط أحداث، ولن تقع أبداً في الميلودراما في قصة سردية طبيعية قد يكون فيها بعض الاشكاليات.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات