|
ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4389 - 2014 / 3 / 10 - 14:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن أخطر ما يهدد العراق الديمقراطي هو غياب وحدته الوطنية وانقسام شعبه، وعدم تماسكه. والانقسامات عادة من طبيعة النظام الديمقراطي كما هو ملاحظ في الغرب، لأن النظام الديمقراطي يسمح بالتعددية والمعارضة الشرعية، على الضد من النظام الدكتاتوري ألذي يقمع أي رأي مخالف، ويظهر الشعب وكأنه كتلة واحدة متراصة، ولكن في الحقيقة هي وحدة ظاهرية مزيفة، ينكشف زيفها بعد سقوط هكذا نظام جائر. ولكن الانقسام العراقي هو من نوع آخر، عدائي وخطير في جوهره يهدد وجوده كدولة. وهذا الوباء ليس جديداً ولا من صنع أمريكا أو بول بريمر كما يحلو للبعض تفسيره، بل ولد مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، استمراراً للموروث التركي العثماني. ولإثبات ذلك، أستميح القراء عذراً أن استشهد للمرة العاشرة أو العشرين بما جاء في مذكرة أحد مؤسسي هذه الدولة، وهو الملك فيصل الأول، عام 1933 حين قال: (...لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت..." . ومما زاد في الطين بلة أن هيمنت على الدولة الحديثة جماعة من بقايا الحكم العثماني يمتلكون الخبرة في انتهاز الفرص بحكم انحدارهم، فادعوا العروبة والانتماء لطائفة دينية معينة وانتهجوا نفس السلوك التركي العثماني في التمييز الطائفي وعزل الأغلبية الساحقة من الشعب وبذر التفرقة بينهم ليسهل عليهم حكمه وفق مبدأ (فرق تسد). وبشهادة الملك أيضاً: أن "العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية، مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني،...الخ". وقد شدد الرجل على عزمه قائلاً: " فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه...الخ).
ولسوء حظ العراقيين أن مات هذا الملك الحكيم بعد أشهر من كتابة مذكرته تلك، مما أتاح لحكام العهد الملكي بالإيغال في التفرقة والتمييز الطائفي والعنصري رغم إدعائهم بالديمقراطية الليبرالية، إلا إن العهد الملكي كان ديمقراطياً في الظاهر، وإقطاعياً وطائفياً وعنصرياً في الممارسة، حيث كانت الانتخابات تزيف علناً مما أعطى صورة مشوهة للديمقراطية، الأمر الذي شجع على انتشار أيديولوجيات الأحزاب الشمولية المعادية للديمقراطية. والجدير بالذكر أن سلكت الحكومات المتعاقبة هذا السلوك (عدا حكومة ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم)، وبلغ هذا التمييز والقمع أقصاهما في عهد حكم البعث الصدامي حيث اختزلت السلطة بالعائلة والعشيرة. هذه السياسات الطائفية والعنصرية وخاصة في العهد البعثي الصدامي، دفعت الناس إلى التخندق في العشيرة والدين والطائفة من أجل البقاء، الأمر الذي شجع على انتعاش الأحزاب الدينية وانحسار الأحزاب العلمانية الديمقراطية، والولاء للانتماءات الثانوية على حساب الولاء للوطن، والوحدة الوطنية. والجدير بالذكر أن تشكيل الأحزاب الدينية لم ينحصر على المسلمين فقط، بل وشمل حتى المسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى حيث دخل المسيحيون في الانتخابات الأخيرة بأربعة قوائم وما يرافق ذلك من تبديد لأصوات الناخبين.
هذه الانقسامات دفعت قادة بعض الكتل السياسية إلى الإستقواء بالحكومات الأجنبية من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية والفئوية، وإلحاق أشد الأضرار بالخصوم السياسيين، وعلى حساب الشعب الجريح الممزق، كما ولجأ بعض السياسيين حتى إلى الإرهاب ودعم منظماته. وقد اعتمدت الحكومات الأجنبية مثل السعودية وقطر وتركيا العزف على وتر الطائفية بغية إشعال حرب طائفية بين السنة والشيعة، ونتيجة لهذا الاستقواء بالأجنبي وتدخله الفض وممارسة الإرهاب، دفع الشعب العراقي عشرات الألوف من الضحايا.
وقد حاولت أمريكا التي حررت الشعب العراقي من الطغيان البعثي العنصري الطائفي أن تحل مشكلة صراع الكيانات السياسية على السلطة بإقامة نظام ديمقراطي بديل، يشارك فيه ممثلون عن جميع مكونات الشعب، وحسب حجم هذا الكيان والمكون، ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، ودون عزل أية مكونة ومهما كانت صغيرة. وقد تم تطبيق هذا النهج خلال السنوات العشر الماضية إلا إنه اصطدم بعقبات، أهمها أن الكيانات السياسية التي تمثل المكون السني العربي لم توافق على معاملتها على قدم المساواة مع بقية المكونات الأخرى، ولم تقبل بالتخلي عن امتيازاتها السابقة، فاعتبرت مساواتها بالآخرين وفق نتائج الانتخابات هو تهميش لها، لذلك نسمع كثيراً باتهام النظام الحالي بتهميش السنة العرب وحرمانهم من حقهم التاريخي في حكم العراق. وأطلقوا على هذا النظام أسماءً تسقيطية بذيئة مثل (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية)!!! بدلاً من التعبير الآخر وهو: (حكومة الوحدة أو الشراكة الوطنية). وعليه فالعراق يعيش الآن في حلقة مفرغة من الصراعات السياسية التي تزيد في انقسامات الشعب، وانقسامات الشعب تزيد في الصراعات الدموية ودوامة العنف، لذا يجب كسر هذه الحلقة المفرغة بشكل وآخر وقبل فوات الأوان. من نافلة القول، أن السبب الرئيسي لتمزيق الوحدة الوطنية وإضعاف الشعور بالولاء للوطن، والتخندق بالطائفة والعشيرة هو التمييز الطائفي والعنصري وعدم معاملة المواطنين بالمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص أمام القانون. وعليه يجب على المسؤولين العمل على خلق أجواء تعيد الثقة للمواطن بنفسه وبانتمائه للعراق، وإشعاره وخاصة إذا كان من الأقليات الدينية والعرقية بأن الولاء للوطن لا يتقاطع ولا يتناقض ولا يتضارب مع الولاء للانتماءات الثانوية. فالمسيحي والصابئي والشبكي والأيزيدي، والكردي والسني العربي، والشيعي العربي لهم مطلق الحرية في ممارسة ثقافاتهم وتقاليدهم وأعرافهم وطقوسهم الدينية والمذهبية مع الاحتفاظ بولائهم للوطن العراقي الواحد. وأن من حق أي عراقي أن يتبوأ أعلى المناصب في الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية بغض النظر عن انتمائه القومي والديني والمذهبي. وبالتأكيد لا يمكن تحويل العراق إلى سويسرا بين عشية وضحاها، ولكن يمكن أن نبدأ بخطوة جيدة في هذا المضمار، فكما قيل: (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة).
وهذه الخطوة هي أن يحذو العراق حذو الهند وألمانيا وسويسرا وغيرها من الدول الديمقراطية العريقة ذات المكونات الأثنية، والدينية، المتعددة، يكون منصب رئيس الجمهورية شرفي يمثل الوحدة الوطنية، ودوره ينحصر في قيادة الاحتفالات بالمناسبات الوطنية، ودون حصر هذا المنصب في مكونة معونة. فمرة يكون مسيحياً، وأخرى صابئي، وثالثة من الشبك، أو الأيزيدي ومرة كردي فيلي، كأن يكون أكاديمي وله ماض مجيد، وغير منتم لحزب أو أيديولوجية شمولية، وهكذا تنضج الديمقراطية وتصبح جزءً من ثقافة الشعب العراقي. وبذلك سيشعر المواطن أنه منتم حقاً إلى العراق، ومستعد ليتفانى في سبيله طوعاً لا قسراً.
وهناك فوائد كثيرة يجنيها العراق الجديد فيما لو تم اختيار رئيس الجمهورية من المكون المسيحي في الدورة البرلمانية القادمة، كخطوة أولى في رحلة الألف ميل، ومن هذه الفوائد ما يلي: 1- إشعار الأقليات في العراق بأنهم مواطنون أصلاء، وهم فعلاً وتاريخياً كذلك، يعمق ذلك شعورهم بالانتماء والولاء إلى وطن أجدادهم العظام، مهد الحضارة البشرية. 2- إزالة السمعة السيئة التي يبثها الخصوم أن النظام العراقي الجديد هو نظام ديني إسلاموي، بل وراح البعض يصفه بأنه نظام ولاية الفقيه يدين بالولاء لإيران... إلى آخره من الدعاية المضادة. 3- يقنع العالم الغربي المسيحي أن النظام العراقي الجديد هو ليس كما يصفه الاعلام المضاد، وبذلك يكسب دعم العالم الغربي وتأييده للعراق الجديد، فهل من مجيب؟
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على العراق أيضاً سحب سفيره من قطر
-
مبادرة علاوي لإنقاذ داعش من الهزيمة
-
لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
-
نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة
-
الداعشيان في واشنطن
-
التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
-
الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب
-
شاكر النابلسي في ذمة الخلود
-
من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟
-
هل حقاً أهل السنة من أنصار يزيد؟
-
نواب يمثلون الواجهة السياسية للإرهاب
-
تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب
-
البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
-
إعمار العراق ولعبة الشركات الوهمية
-
مانديلا في مسيرته الطويلة إلى الحرية
-
الانتخابات القادمة والحملات التسقيطية
-
الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال
-
هل حقاً المالكي سبب الإرهاب السعودي في العراق؟
-
الفعل ورد الفعل في التجاوز على الشعائر الدينية
-
زيارة المالكي لأمريكا، نجاح أم فشل؟
المزيد.....
-
تجربة طعام فريدة في قلب هافانا: نادل آلي يقدّم الطعام للزبائ
...
-
6 فقط من أصل 30: لماذا ترفض دول الناتو إرسال قوات إلى أوكران
...
-
الدفاع التركية: تدمير 121 كم من الأنفاق شمال سوريا
-
صحيفة: خطاب بايدن في الفعاليات بـ 300 ألف دولار
-
وكالة الطيران الأممية ترفض طلب كوريا الشمالية التحقيق في تسل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
-
مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع بالفاشر ويدعو لفك الحصار
...
-
المحكمة العليا الروسية تزيل تصنيف “طالبان” كـ-جماعة إرهابية-
...
-
ما ردود الفعل في إسرائيل على رفض “حماس” مقترح وقف إطلاق النا
...
-
الخارجية الأمريكية توضح لـCNN مصير سفينة قمح متجهة إلى اليمن
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|