أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - ليندا كبرييل - من مذكرات - عبد الحميد - في السجن















المزيد.....

من مذكرات - عبد الحميد - في السجن


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 4388 - 2014 / 3 / 9 - 16:55
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


حدّثنا عبد الحميد فقال :
احتجّ السجناء بشدة في ذلك اليوم على سياسة التجويع التي تلجأ إليها السلطات الآمرة .
دخل الحارس والشرر يتطاير من عينيه ، واحتجز سطل البول المخصّص لنا نحن السجناء ، ووقف يبول فيه أمام أنظارنا ، وهو يرمقنا بوجهٍ ادّخرتْ تقاطيعه الكثير من الكراهية واللؤم ، والثقل في معدتي يهدّ حيلي ويذيب قواي . ألفّ رجلاً على رِجل لأحصر الضغط الشديد في البطن ، أرجوه وأنفاسي تتقطّع أن يفتح لي باب الزنزانة لأذهب إلى المرحاض .
التفتَ وضربني على أصابعي المتمسّكة بالقضبان بسلسال حديدي كان يحمله لتأديبنا ، فأفلتت أصابعي تحت وطأة الألم ، وارتميت متكوّراً على أرضية السجن ، وفعلتها على نفسي .
لم أشعر بالمهانة كما شعرتُ وقتها .
تباً لهم ! لقد جعلونا نكره أجسادنا التي تعذّبنا فوق عذابهم .
كانت أول مرة أبكي فيها . فضحك الحارس وقال إني أبكي كالنساء . وقال أيضاً : هل يخلق ربكم نجاسة بيديه ومشايخكم يقولون إن البول والبراز نجاسة وقذارة ؟ أراكم تتطهّرون منهما كالمهسترين ، لعل شيوخكم لا يدرون أنهم يأكلون من مزروعات مرشوشة بروثكم !؟ ضعوا مشايخكم الثرثارين في صحراء ملتهبة بالقيظ وامنعوا عنهم الماء وانظروا ! هل سيركلون هذه النعمة أم سيَسْتوهبون الحياة مما يدّعونه نجاسة ؟؟
لتكنْ هذه النجاسة ملاذكم ، واشربوا منها هنيئاً مريئاً ، فالماء مقطوع عنكم اليوم !!!
_______________________

عبد الحميد هذا قريب لصديقة عزيزة . سمعته في جلسة في بيتها يروي لنا جزءاً من مذكراته .
قُبِض عليه مرتين .
في المرة الأولى قبل سبع سنوات . أخبرنا أنه وقف محشوراً بسيارته في شارع لا مجال للمناورة فيه لشدة الازدحام . يقع في هذا الشارع مبنى مشهور للمخابرات ، جاء الحارس وقال له : العمى بقلبك ولاه .. شو مو طاسِس أدامك أنك بمكان ممنوع ولّا أحْول ؟
فردّ عبد الحميد ولم يكن يعرف أنه من رجال المخابرات : ولشو هاللهجة يا أخ ؟ شو الشارع ملك أبوك ؟ وأنت كمان مو أحْول ، طسْ أدامك وشوف الزحمة .
فما كان من الشبّيح إلا أن فتح باب السيارة ونزل بعبد الحميد صفعاً وركلاً ، وصاحبنا يستنجد وما من ذي مروءة يتجاسر أن يهبّ لنجدته ! ثم مسكه الإرهابي من رقبته وقال له : والله لأخلع زمارة رقبتك ، أنت عارف مع منْ تتكلم ؟ والله لأطلّع روحك من باب بدنك !
فأجاب عبد الحميد والدماء تنزف من أنفه ورأسه : ومنْ تكون إلا ابن سوقي ما عرف يربّيك !
فانفتحتْ بهذه العبارة أبواب جهنم على عبد الحميد ، ووجد نفسه مشحوطاً والشبيح يقول له : لازم تتربى كم ليلة بالحبس لتعرف كيف تتكلم مع صفوة الناس وأكابرهم يا حقير !
_______________________

دمعت عيناي وأنا أتأمل صورتَيْ عبد الحميد التي أرانا إياهما في تلك الجلسة ، بوجهه المتورّم وآثار الضرب والجَلد على جسمه .
أما في المرة الثانية التي قَبِض عليه فيها ، فكانت قبل عام . هو من سكان المدينة السورية الثائرة .. حمص .
عند الشمس تقع حمص .. جرح نازف في كبد السماء .

جاءت قذيفة على بيته فدمرته تماماً ولم يكن فيه إلا ابنه الشاب . يومها أقسم أن يلتحق بالثورة . وقبل ذلك رافق عائلته إلى لبنان ، ثم هربوا إلى إيطاليا عن طريق البحر واستقروا فيها بعد معاناة شديدة . ثم عاد عبد الحميد وانتسب للثورة . قال : أبحث عن الكرامة والعدالة .
ليلة أمس وصلتني رسالة ينعون فيها عبد الحميد .
عبد الحميد مات تحت التعذيب .
_______________________

ورد ذكر " عبد الحميد " في مقالي :

في رحم الرزايا تتخلّق المزايا

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=328769

والفقرة أدناه ، عندما سجّلتها في مقالي ، كانت قصة عبد الحميد في السجن تؤرق مضجعي فلا أنام وأنا أتذكر تفاصيل روايته .
المقال كان يتحدث حول انطباعي عن فترة مرضيّة مررتُ بها . وجدتُ آنذاك تشابهاً كبيراً بين الأمراض السفيهة ، وشخصيات الحياة السفيهة .
فقرة من المقال :

" تباً لزمن لا يعرف رد الجميل فيجود بالسفاهة علينا . سفيه وإلا ؟
هل خبرتَ سفيهاً في حياتكَ ؟ لا شك .. فالحياة لا تخلو من الحمقى . بل إنها لا تكمل بدونهم . قد يكون المرض تجاوزك .. أخطأك .. فإن شئت أن تعرف معنى المرض على حقيقته ، فانظرْ إلى السفيه الصفيق في الحياة وتأملْ التشابه !
السفيه إذا تحديتَه لاشتدّ عليك ، وسحب من صدرك روح التمرد وأطفأ في داخلك جمرة الحياة . لا تقع عينه إلا على النواقص في الجسد السليم ليُعمِل فيها شناعته بلا رحمة ، ولا يعرض يائساً .. يريد بسطوته وطغيانه أن تذعن كل أعضاء الجسم إلى حكمه الطائش في الصحة ، ولا يحقق وجوده إلا متمدداً فوق صدر الحياة .
وأخطر ما في المرض – السفيه أنه يتبدّى لك صادراً عن نيّة صافية مخلصة غير مؤذية ، فإن تكبّرت عليه أو أهملته كشف قناع الخسة عن وجهه لاحتواء أسباب حيويتك وإرباكك .
هناك من الأمراض ما يستجيب للدواء ، هذا داء سفيه لا أخلاق له ، عونطجي بلطجي ، فإذا أقبلتُ على الحياة ومباهجها لحقني من خلفي ، وإذا التفتُ إليه فرّ من أمامي ! "

________________________

منْ يستكنْ للطغيان والبطش ، فليس أقلّ من أن يتمادى الاستعباد في قتل الضمير . حينها .. تفور في داخله الغريزة الوحشية ، وتتوقّد خيالات مخاصمة الحياة .
سامحهم من عليائك يا عبد الحميد .. إنهم أيضاً ضحايا الاستعباد والتجهيل والتضليل .



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب المخالِف / الضالّ المغضوب عليه !
- قسَمَ اللهُ لكم تفاحة تُذهِب عقولَكمْ !!
- الحروب بين الخلل الجينيّ والخبل الدينيّ
- عند أقدام الحقائق يراق الدم
- الرقص خمرة المرأة ونشوتها !!
- الرقص خمرة المرأة ونشوتها !! ( 2 )
- حوار مع سيدة بهائيّة . قيم مطلقة أم قيم إنسانية؟
- النقد فعل مقاوَمة ، ويجب أن تكون ردة الفعل مقاوِمة أيضاً
- أهو تعالٍ من حضرتك يا أستاذ أفنان القاسم أم أننا دون مقام ال ...
- تعليق على مقال : التكامل بين لاهوت التحرير والشيوعية
- في رحم الرزايا تتخلّق المزايا
- معراج طريق الصعب يلزمه حذاء الشعب
- رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا
- أنا ومنْ يعلموني السحر : جويْنَر ونادال وميسي .
- وإن ذُكِرت الرياضة قلْ : ربّي يخلليها ويزيدنا فرفشة
- كل هالدبكة والدعكة .. على هالكعكة !
- كنتُ بطلة أوليمبية ذات يوم !!
- صلواتهم ليست لوجه الله ، إنهم يلعبون
- المسيحية ليست ( باراشوت ) نهبط بها فوق كنيسة
- رسالة من الجحيم : إنْ لمْ تهُبّوا فهِبُوا


المزيد.....




- نتنياهو لوالدة أحد المحتجزين: حماس هي المتحكمة في قوائم الأس ...
- وزيرة الشؤون الاجتماعية السورية تبحث مع نظيرتها اللبنانية مل ...
- الجيش الإسرائيلي يرفض إعادة ممتلكات مصادرة من معتقلين غزيين ...
- الاحتلال يقتحم نابلس ويواصل حملة الاعتقالات بالضفة
- مبادرة دوج يو إن...ظلال إيلون ماسك تلوح في أروقة الأمم المتح ...
- الأمم المتحدة: 70‎%‎ من غزة يخضعون لأوامر تهجير من -إسرائيل- ...
- الأغذية العالمي: السودان يواجه أكبر أزمة جوع في العالم +فيدي ...
- شهداء بغارات وتحذيرات أممية من الوضع الإنساني الأسوأ منذ بدا ...
- الرئيس اللبناني يدعو ضباط أمن الدولة إلى مكافحة الفساد وعدم ...
- تقرير: اعتقال عميل بـ الشاباك سرب وثائق سرية


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - ليندا كبرييل - من مذكرات - عبد الحميد - في السجن