|
جورج حاوي.. كان لابد ان يقتل
حيدر الشيخ علي
الحوار المتمدن-العدد: 1247 - 2005 / 7 / 3 - 12:38
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
تعرفت على الرفيق جورج حاوي عن قرب أيام الدراسة في موسكو التي كان يتردد اليها في فترات متقاربة. وفي آخر لقاء لي معه في بيروت في شباط من العام الحالي، حيث كنا معا في مراسيم دفن الشهيد رفيق الحريري، قلت له ان القتلة المجرمين الذين استهدفوا الحريري إنما يريدون بذلك ان يعيش لبنان في ظلام دامس لتخلو الساحة لهم. إن هؤلاء هم القتلة الرعاع الذين سبق وان اغتالوا عدد من أعلام الفكر المتنور ومناصري المجتمع الديمقراطي الإنساني، من حاملي مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية، والتعايش المشترك بين القوميات والطوائف بسلام ومحبة ووئام .
واليوم أقول ان قتلة الرفيق حاوي لا يختلفون كثيرا عن الذين اغتالوا المفكر حسين مروة ومهدي عامل وسمير قصير وقبلهم كمال جنبلاط . وليس مصادفة ان ينتمي اغلب هؤلاء الشهداء الى الحزب الشيوعي اللبناني، حزب الفكر والتنوير ضد الظلام، حزب المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، الحزب الذي قدم مئات الشهداء ممن استرخصوا حياتهم دفاعا ليس عن لبنان وحسب بل عن قيم الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة.
ان استشهاد الرفيق (ابو انيس) فجيعة كبرى، فعندما تطال الأيدي الآثمة، أيدي الجهل والتخلف الزعيم الوطني اللبناني والقائد الشيوعي الكبير، فهي تستهدف الحرية والديمقراطية ليس في لبنان وحسب و إنما في عموم منطقتنا، وتستهدف أيضا مشروعا إنسانيا كبيرا يحمل أملا للكادحين، فالرفيق هو بحق شهيد الفقراء والمظلومين المتعطشين لضمان العيش الكريم. لقد أراد القتلة باغتيال الشهيد البطل جورج حاوي اغتيال النهج العلماني الوطني الديمقراطي والقيم الإنسانية الكبيرة التي كرس الشهيد كل حياته من اجلها من خلال عطائه السياسي في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية وقيادته للحزب الشيوعي اللبناني لسنوات عديدة .
لسنا وحدنا نحن الشيوعيين من احب جورج حاوي كمناضل وإنسان يحمل كل القيم الإنسانية الخيرة، بل احبه أيضا كل من التقى به ولو لمرة واحدة لبساطته وتواضعه وحبه للخير وكرهه للتعالي والغطرسة. لقد كان (ابو انيس) حقا ابنا بارا للبنان بكل مكوناته وبالأخص منهم الفقراء، حيث كان الفقيد نصيرا لهم ومناصرا لقضاياهم، مدافعا عن لقمة عيشهم. وفضلا عن كل صفاته السياسية وإمكانياته وقدراته الفكرية والتنظيمية، كان الفقيد أنسانا ذا قلب كبير، متواضع ومحب للجميع، سريع البديهية، لطيف المعشر حتى مع من يختلف معه.
ورغم ان أفكاره تدعو الى حياة اجمل و أبهى، كان الفقيد حاوي ينتظر استشهاده منذ زمان، على امتداد عقود نضاله التي خاض فيها معارك طبقية ووطنية كبرى، حيث اختار ان يكون الى في صف الكادحين وفي المقدمة مع شغيلة الفكر، ومع المناضلين في سبيل لبنان لكل اللبنانيين. و حين اندلعت الحرب الأهلية ساهم (أبو أنيس)، بشجاعة، في قيادة المقاومة الوطنية اللبنانية، لا بل قل ان حزب جورج حاوي هو من أطلق شرارتها الأولى.
كان الفقيد الكبير (أبو أنيس) لا يطيق الجمود والسكون ولا يتحمل الفراغ، على عكس ذلك كان أهلا للمبادرة ينشط ويتفاعل مع الجديد متبنيا له مدافعا عنه دون ان تحلق ساقاه عاليا يبقى مرتبطا بالأرض، منطلقا من هم الناس والوطن، مدركا للظروف المحيطة، مفكرا بعمق، محللا بموضوعية ، متخذا القرار بمسؤولية وشجاعة، يختلف حينما يكون الخلاف ضروري، وهذا ما اكسبه احترام الكثيرين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، كان كأب إنسان يصيب ويخطئ لكنه لم يفقد يوما ثقته بقدرة شعبه وقواه الخيرة التي لازمته الى يوم استشهاده.
كان فعالا بالاحداث، نشطا في التفاعل معها، ينظر الى جميع الالوان، هي الوان الحياة وليس لونين فقط أسود أو أبيض، مرن بموقف قوي، له قدره كبيرة في تدوير الزوايا، باستطاعته تحبيب الآخرين بأفكاره، وجمع المختلفين حوله. ولما راى الفقيد الراحل مأزق الحل الطائفي بادر بإطلاق فكرة حركة ديمقراطية عامة واسعة، تضم كل حريص على لبنان كي يكون حراً ومزدهراً وموحداً، غير مقسم طائفيا. غير أن فكرته، التي يتبناها الكثيرون اليوم في اكثر من مكان، في العراق كما في لبنان، والتي لم ترق لزعماء المحاصصات الطائفية، وشهدت حصارا منهم، لم توهن هذه المواقف من همة الفقيد (ابو انيس) المعروف بإصراره وتواصله، حيث لا قنوط او يأس عنده. فقد بقى يتحرك من اجل لبنان حر سيد لنفسه، و أثبتت الأيام كم نحن معشر اليسار الديمقراطي بحاجة الى التواصل والعزم و الأقدام بقناعة، متبنيين ومبشرين بتلك الأفكار الواقعية النيرة، ثم اتخاذ خطوة لا بد منها لجمع كل قوى الخير والعمل المشترك، لبناء المجتمع الديمقراطي الإنساني المتحضر، المجتمع الذي تسوده قيم الحرية ومفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة.
لقد تحققت أفكار حاوي التي أصبحت أفكارا للناس، الذين تلاقفوها وحولوها الى قوة مادية ملموسة، ومن المؤكد أن هذه الأفكار لم ترق لأولئك الذين لا يريدون للبنان الخير، فدفع الرفيق جورج حياته ثمنا لما قاله وفعله، وخوف خفافيش الليل كان اكبر مما سيقوله وما سيفعله. تعب الجميع ولم يتعب، وتراجع الكثيرون وبقى هو يتقدم، و اكمل ما عاهد شعبه ووطنه عليه وكان لابد ان يقتله أولئك الذين أرادوا للحياة أن تتوقف والمسيرة أن تتعطل. ولكن الأحلام السوداء لهؤلاء لن تتحقق، فأفكار جورج حاوي أقوى من القتلة.
* عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني، وزير النقل والمواصلات في حكومة إقليم كوردستان
#حيدر_الشيخ_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|