|
فارس آخر يترجل : الشيوعي الشهيد جورج حاوي - وداعاً
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1245 - 2005 / 7 / 1 - 15:11
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
أتذكر موسكو . نهاية السبعينيات - بداية الثمانينيات من القرن الماضي ؛ مرحلة الحرب الأهلية في لبنان و اجتياح بيروت . كنا ما زلنا من صنف الحالمين ، نؤمن بشكل أعمى بما كانت الدعاية الحزبية الرسمية في الاتحاد السوفييتي السابق و معها الأحزاب الشيوعية " المعترف بها في موسكو " تحشو به أدمغتنا من أنه تم بناء مجتمع الاشتراكية المتطور في الاتحاد السوفييتي حيث يسود مبدأ " من كل حسب طاقته و لكل حسب حاجته " و أنهم يسيرون في طريق بناء المجتمع الشيوعي حيث سيحكم المبدأ " من كل حسب طاقته و لكل حسب رغبته " ، وكنا نتساءل في جلساتنا الضيقة عن فحوى هكذا شعار طالما أننا كنا نلمس بؤس الحياة عند رفاقنا و أصدقائنا المواطنين السوفييت ؛ و نادراً ما كان أحد يتجرأ على التشكيك بصحة المقولة البريجنيفية تلك ؛ كما كنا نكرر ببغائياً ما يملى علينا من قبل أبواق الدعاية الحزبية حول أن السمة الرئيسية للعصر هي الصراع بين قوى الاشتراكية و التقدم و الحرية من جهة و بين الإمبريالية و قوى الاستغلال من جهة ثانية .. و كنا نصدق ما يردده " البوق البكداشي – الفيصلي " في الحزب الشيوعي السوري عن أن تقدمية شخص أو حزب أو بلد إنما تقاس بمدى قربه أو ابتعاده من مواقف الاتحاد السوفييتي باعتباره القائد للجبهة المناهضة للإمبريالية . كنا إلى حدٍّ ما سذجاً ، " أوراقاً بيضاء " تقريباً ، إذ لم يكن بمقدورنا أن نقرأ إلا ما يمليه علينا القادة التاريخيون ، و لم يكن محبذاً لأحد أن يفكر - إذ يوجد مَن يفكر نيابة عنه ، و لم يكن مسموحاً لنا بالذهاب بعيداً في التحليل أو النقاش . لأن سيف التخوين و التهمة بالانتهازية و الطرد من الحزب - مع ما يتبع ذلك من تهديد بالحرمان من إمكانية متابعة التحصيل العلمي ( خصوصاً لمن لم يكن لديه المال ) - كان معلقاً فوق رؤوسنا نحن الرفاق الحالمون و غالباً المستضعفون ... في تلك الفترة كنا نتشوق ( بطرقة عفوية على الأغلب ) للقاء الرفيق جورج حاوي ، الذي كان يحرص و يسارع إلى عقد لقاءات جماهيرية مع الطلاب " العرب " الدارسين في موسكو ، ليشرح لهم و ليطلعهم على ما يجري في الساحة اللبنانية و ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي و بالقضية الفلسطينية . و اذكر أننا كنا نعتبره شجاعاً في مواقفه ، مستقلاً في آرائه و متجدداً في طروحاته ، و هذا كان يجعله يحوز على إعجابنا الرفاق " في القواعد " بشكل عام ، دون أن نكون نحن السوريين استثناءً ، و ذلك على الرغم من المحاولات الحثيثة لرجال الكريملين في الحزب الشيوعي السوري الرسمي ( حسب التعريفة السوفييتية و البلغارية ) ، الذين كانوا يرددون همساً ما يريده قسم الشرق الأوسط في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي بقيادة بروتينس ! ؛ فقد كانوا يحاولون زرع بذور الشك بمواقف و أفكار الرفيق الشهيد جورج حاوي ، متهمين إياه تارة بتوجهات اشتراكية ديموقراطية ، و تارة بالكوسموبوليتية ، و تارة أخرى بالانتهازية . و كم ذهلت عندما قرأت مؤخراً مقتطفات من مذكرات المفكر الشيوعي الكبير كريم مروة حول أن " الرفاق " في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي كانوا يتدخلون في كل شاردة و واردة من عمل و نشاط حزبهم ، لدرجة أنهم كانوا يحاولون إلصاق تهم باطلة بالرفيق الشهيد بما فيها العمل لصالح الأمريكان ! . و لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً . فقد كان الشهيد جورج حاوي من الشيوعيين الأوفياء للفكر الماركسي كما أراده صاحبه كارل ماركس " نظرية خضراء أبدا " و ليس مجرد مقولات جامدة كما أرادوه في المكاتب البيروقراطية للحزب الرسمي السوفييتي و " فروعه " في الخارج . و لم يسبق أننا سمعنا بأن الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق جورج حاوي ترك حزبه أو شعبه يقاتل و يناضل في حرب ضد الظلم و ضد الظلام ، بينما هو يسافر مع عائلته على متن طائرات أيروفلوت ليقضي فصل الصيف في منتجعات بالانغا في ليتوانيا السوفييتية أو في شبه جزيرة القرم ( كما كان الآخرون يفعلون ) ؛ لم يسبق أن عاش على حساب الشعب السوفييتي أو أرسل العديد من أبنائه في بعثات كانت تكلف الدولة السوفييتية أموالاً طائلة و ينقلهم من معهد إلى آخر . و ها هو الشهيد جورج حاوي أخيراً يثبت للتاريخ صدق نهجه مدافعاً عن الحرية و عن ضرورة إعمال العقل و حرية الفكر ؛ لقد برهن على سخف محاولات المتطفلين على التاريخ إذ دفع دمه الطاهر ضريبة الذود عن حرية الفكر و عن أسبقية العقل تلك .. بينما هم قضوا نحبهم أو يموتون مستندين على " هياكلهم الفكرية " ؛ يستشهد جورج حاوي رافعاً راية الوطن و الكرامة أولاً و أخيراً ، بينما هم رحلوا أو يرحلون متمسكين بالوهم و قابضين على الريح . و لكن : إنه لمحزن و مؤسف في آن ذلك المشهد من مراسم تشييع الرفيق الشهيد جورج حاوي في كنيسة مار جرجس في بيروت - كان يجلس في الصف " أيتام خمسة " : وليد جنبلاط ، سعد الحريري ، نائلة معوض ، سولانج الجميل ، أمين الجميل .. ! و يطرح نفسه السؤال : متى سيتمكن لبنان من التوقف عن قتل كبار أبنائه ليخلفهم في قيادته " الأبناء الأيتام " ؟ أعتقد أن الجواب على هذا السؤال يحدد احتمالات المستقبل أمام الشعب اللبناني ، و ربما " شقيقه السوري " أيضا . لكن هل لدينا الوقت الكافي ؟
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عذراً ، لقمان ديركي : نحن أيضا سوريون
-
موضوع الوحدة عند تشيخوف
-
الحسن يُظهر ضدَه الحسن : عن حوار الطرشان في بلاد العربان
-
من الشعر الروسي المعاصر
-
- قصص من سوريا - بــتجنن
-
لبننة - التيار العوني ... لمصلحة الجميع -
-
أدباء عظام ... و لكن
-
... حكي من القلب
-
قراءة في البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا
-
بمناسبة أربعين اغتيال الرئيس الحريري : انطباعات مواطن سوري
-
بوريس باسترناك - الكاتب و الشاعر الفيلسوف
-
أيتها الوَحْدَة ، ما اسمك ؟
-
لماذا 8 آذار – هو عيد المرأة العالمي ؟
-
من الأصوات الشعرية الروسية المعاصرة : اناتولي فيتروف
-
تداعيات و خواطر .. ع البال
-
امتنان و فكرة .. و سؤال
-
تمنيات مواطن سوري في العام الجديد
-
تطورات الروح - من تعاليم التصوف
-
متى ستزور - لحظة الحقيقة .. - اتحاد الكتاب العرب ؟
-
كلمات رائعة .. - باقة - لنهاية العام 2004
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|