سلام كاظم فرج
الحوار المتمدن-العدد: 4383 - 2014 / 3 / 4 - 09:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو أن نزيلا في مشفى الامراض العقلية أمعن في التفكير لاستنباط فكرة لغوية مفيدة وتسائل لماذا يقال عن الرجل (هو..) وعن المرأة (هي)؟؟ ولماذا لم تتفق العرب على ( تو)..للرجل..( وتي) للمرأة لكان في تساؤله محقا ولعجزنا عن الاجابة.. ولا نملك حينها الا ان نقول له. ما باليد حيلة,, هكذا اتفقت العرب..
تبرز في هذه الايام ظاهرة مثيرة للإنتباه تلك هي ظاهرة البحث والتنقيب عن الاخطاء النحوية والبلاغية في القرآن الكريم.. !! فرسانها اعتمدوا التنقيب في بطون الكتب عن محاولات بعض المفكرين الدهريين في العصور العباسية المتأخرة ومن خلال اطروحات مختصين في علم اللغة ركبوا موجة الصراع الديني أبان الحروب الصليبية وبعدها لإيجاد بعض الإستعمالات التي ظنوها أخطاء لغوية او نحوية او بلاغية لقصور في معرفة الجذر التأريخي لعلم النحو وعلم البلاغة وما سمي بفقه اللغة العربية.
فرسان الموجة الجديدة يعتمدون على جهل القاريء المعاصر بتأريخ تطور اللغة العربية على مر العصور . فيلفقون أدعاءات مضحكة عن أخطاء نحوية وبلاغية في القرآن. وما يهمنا هنا ليس التشكيك بأهداف ومقاصد هؤلاء السادة.. ولكن لتثبيت مفارقة لطيفة تحدث عنها المفكر فلاديمير لينين (1870ــ 1924) عندما كان يتصدى لكل من اليمين الرجعي المتخلف من جهة واليسار المتطرف من جهة أخرى فقال:: أنظر إلى أقصى اليسار ستجد اليمين جاثما هناك!!.. بمعنى ان اليسار الطفولي المتطرف يخدم في تطرفه: اليمين المتطرف الموغل في رجعيته..!!
والان لنعد الى جذور علم النحو ثم علم البلاغة في اللغة العربية.. كانت لهجة قريش قد سادت تماما بعد انتصار الدعوة المحمدية ودخول القبائل أفواجا في الدين الجديد. فأصبحت لهجة قريش هي اللغة العربية السائدة.. ولم يكن قد نشأ بعد علم النحو ولا كتبت الدراسات عن علم البلاغة / كذلك علم النقد الادبي كان بسيطا وانطباعيا لا يتعدى استحسان أو استهجان بعض النصوص الابداعية. وكانت الناس عامتها وخاصتها تتقن استعمال تلك اللغة بسليقتها وفطرتها .. ولم يكن اللحن قد فشا على ألسنة الناس. فكان الراعي الأمي والأمير المتعلم من قريش لا يقعان في اللحن ابدا.. وحين نزل القرآن فقد نزل في أغلب إستعمالاته بلغة قريش.. رغم وجود مفردات واستعمالات منتخبة من سبع لهجات معروفة آنذاك. وقد اتفقت العرب على ان النبي محمد هو أفصح العرب في زمانه.. وهو القائل/ انا أفصح العرب ولا فخر بيد أني من قريش..
وسارت الامور فيما يخص اللغة العربية واستعمالاتها بشكل سلس وطبيعي ولم يكدر صفوها مكدر, ولم يختلف العرب فيما بينهم بشأنها, وكان الرجل البسيط يفهم السورة القرآنية بيسر كما يفهم قصيدة للبيد او طرفة او النابغة الذبياني واستمر الحال على هذا المنوال حتى بعد جمع القرآن الكريم في نسخة متفق عليها أشرف على كتابتها ثلة من الصحابة المنتجبين يأتي في مقدمتهم الامام علي و زيد بن ثابت...
بعد ذلك /
أنتبه الامام علي في فترة خلافته أن اللحن ( الخطأ) قد بدأ يدب بين الناس بما يهدد سلامة اللغة العربية.. فأتصل بالصحابي أبي الاسود الدؤلي وتداول معه في هذا الشأن الخطير والذي تسبب في حدوث سوء فهم بعضه لا تحمد عقباه ليس هنا محل ذكره.. علما ان الحركات في اللغة لم تكن قد أخترعت بعد( اعني الضمة والكسرة والفتحة والسكون) فقد كانت العرب بسليقتها تعرف التصريف النحوي بشكل تلقائي سليم. كذلك النقاط فكان القراء يميزون بين الباء والتاء والثاء والنون والياء بشكل تلقائي دون الحاجة الى وضع تلكم النقاط وكانوا يرفعون الفاعل والمبتدأ وينصبون المفعول به على سبيل المثال دون حاجة لمعلم يعلمهم..
بعد فتح بلاد فارس ومصر والعراق والشام دخلت أقوام إلى دين الاسلام وهي لا تجيد تلك الاستعمالات مما سبب انتشارا ملحوظا للأخطاء اللغوية...
اعتمد الامام علي في خطته للحفاظ على أصول اللغة العربية على جملة من الاقتراحات تداول بشأنها مع الصحابي أبي الاسود الدؤلي.. وقدم مشورة حول الاشارات الممكن تثبيتها لمعرفة الحركات اللغوية من رفع ونصب وجر.. واختتم نصيحته للدؤلي بضرورة أن يكون القرآن الكريم ولغة قريش مصدره الوحيد والأساس في هذا المسعى قائلا: (وانح هذا النحو...).. ومن هنا جاءت تسمية قواعد اللغة العربية بعلم النحو.. واستمر مشروع الدؤلي بالتطور مرورا بالفترة الاموية والفترة العباسية والمفارقة ان أبرز من برع في تثبيت علم النحو وفق مقترحات الدؤلي رجل أصوله فارسية يدعى سيبويه.. تجد في مؤلفاته جميعها انه يعتمد على الاستعمالات القرآنية في تثبيت أساسات علم النحو.. وما أشكل فيها يروضه وفق مالديه من معطيات ومبررات.. فعلم النحو والقرآن الكريم صنوان لا يفترقان.. وكل إشكال لغوي يحل وفق استعمالات لغة القرآن... (فالنحو أساسه القرآن وليس العكس) لذلك أتفق العقلاء والشعراء على تسمية اللغة العربية بلغة القرآن.. لغة القرآن هذه:: رفع الله لواها..
فكل إدعاء عن وجود أخطاء نحوية في القرآن مردود ويشبه سؤال صديقنا نزيل الامراض العقلية..
(0وقديما كان ابن منظور الفقيه اللغوي يردد دائما مقولة: هكذا أتفقت العرب..)
فلاجدوى من تلك الطعون والبحوث .. فالشجرة لا تعني شيئا بدون جذرها. وجذر علم النحو القرآن..!! فلا تتعبوا انفسكم !!
كذلك بالنسبة لعلم البلاغة.. فلو رجعنا الى إطروحات عبد القاهر الجرجاني عن علم البلاغة مؤسس علم البلاغة (وهو فارسي الأصل أيضا !!).. سنجده يستعين بكل الاستعمالات القرآنية في علم المعاني من جناس وطباق وتورية وتقديم وتأخير إلى آخره مما اتفق عليه البلاغيون وذلك في كتابه المهم (أسرار البلاغة ) وكتابه المهم الآخر (دلائل الاعجاز )..
ومن الطرائف المعاصرة المتعلقة بسوء فهم هؤلاء المتفيهقين لأسرار علم البلاغة.. إن أحدهم يعترض على تقديم المفعول به على الفاعل في آية قرآنية .. على سبيل المثال/ الاية التي تقول: إنما يخشى الله من عباده العلماء..) مقترحا ومصوبا لجبريل الامين/ ليفترض أن الاصوب ان يقال. انما يخشى العلماء الله... !!! وليدلل على وجود خلل ما!!
في حين أن تقديم المفعول به (لفظ الجلالة )على الفاعل العلماء.. من المسلمات البسيطة في أسرار البلاغة العربية وعلم النحو..
ومن الطرائف السياسية المصرية (والعهدة على الرواي./ ولعل الرواية من تلفيقات الخصوم !!) ان سيادة الرئيس المصري السابق محمد مرسي ( وكما هو معروف هو من الاخوان المسلمين ويفترض ان يكون على دراية بأسرار علم القرآن البلاغية والنحوية أعتقد في خطاب له مخاطبا جمهرة من علماء بلاده متباهيا بأن الله نفسه جل ثناؤه.. يخشاهم ويهابهم لانهم علماء !!
وأعتقد انها مجرد نكتة سياسية . فليس من المعقول ان يقع قيادي في حزب إسلامي عريق كالأخوان في مثل هذا الخطأ الجسيم. وإن صحت الرواية نكون على دراية عالية بالمدى الذي وصلناه في صعوبة التعرف على أسرار البلاغة العربية المتجذرة بأساسات قرآنية بحتة..
فلا تتعبوا انفسكم في الحديث عن ضعف بلاغة هذه الاية او تلك.. فالشجرة لا تعني شيئا بدون جذرها. وجذر علوم البلاغة العربية القرآن.!!
#سلام_كاظم_فرج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟