ميلود العلواني
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 00:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يمكن اعتبار العصر العلم – تقني(بداية من القرن 16 )، بمثابة المنطلق الأساس للتحول الذي شهدته البشرية على مختلف الأصعدة ، فخلاله تحولت المعرفة من الرؤية التأملية إلى المعرفة التقنية الأداتية و خاصة على مستوى التكنولوجيا المعاصرة ، الحربية منها و الصناعية و الاعلامية ،التي صنعها الانسان ليسيطر على الطبيعة ،لكنها أحكمت سيطرتها عليه بل،اصبح عبدا لها ،ومن خلالها سيطر الانسان على أخيه الانسان،سياسيا ،اقتصاديا و ثقافيا، مما كرس لمنطق التبعية بكل المقاييس،و لعل السيطرة الكاسحة لثقافة الغرب "المتقدم"على باقي الثقافات "المتخلفة" من خلال وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي الحديثة لخير دليل على التبعية و التقليد المطلق،دون المساءلة أو التساؤل.
إن الرجوع إلى الزمن غير البعيد،كان الانكباب على السباحة في صبيب نهر السليكون يقتصر على البحث في المواقع المختلفة بحثا عن المعنى ،إلى حين ظهور موقع التواصل الاجتماعي (إم إس إن) MSNالذي كان في متناول الجميع و (الياهو) YAHOO الذي كان حكرا على الطبقة المثقفة ،ثم (سكايب) SKYPE ،لكن بعد مرور بعض الزمن حتى اصطدم الشباب الثالثي بحزمة من المواقع الاجتماعية من قبيل(تويتر) TWITTER و (ماي سبيس) MY SPACE و( لينكداين) LINKED IN ثم الفيسبوك الذي غزى العالم دون هوادة،فكيف تعاطى الشباب المغربي مع هذا الوافد الجديد ؟هل وظفه بالشكل الايجابي ام عكس ذلك؟
لقد أفادت العديد من الدراسات أن ما يناهز 49℅-;- من ساكنة المغرب ترتاد العالم الافتراضي، اي بنسبة 15 مليون،بما فيها 5,2 مليون من مستخدمي الفيسبوك ،و أشار البنك الدولي في أحد تقاريره أن المغرب تصدر المرتبة الرابعة افريقيا من حيث مستخدمي الفيسبوك أي بعد مصر 13 مليون مستخدم،و جنوب افريقيا 5,5 مليون ،ثم نيجيريا 5,3 مليون،بينما احتلت الجزائر الرتبة الخامسة بمعدل 4,3 مليون مستخدم ،و أخيرا تونس بنسبة 3,4 مليون مستخدم،و بناء على ذلك فالمغرب يمثل نسبة 11℅-;- من اجمالي مستخدمي الفيسبوك.
و من جانب آخر فقد أشارت دراسة أنجزتها شركة "كونسلتور" المغربية أن رواد الفيسبوك المغاربة ناهز 5,3 مليون مستعمل ،بينما وصل 4,5 مليون بالجزائر،و 3,6 بتونس.وفي نفس السياق أكد الكاتب العام للجمعية المغربية للانترنيت في أحد تصريحاته أن المغرب يتوفر على 6 ملايين حساب فيسبوك من ضمن ال 15 مليون التي ترتاد الانترنيت.
ان الاختلاف الملاحظ بين الاحصائيات التي وظفناها ليدل عن مدى ارتباك المختصين في هذا المجال نظرا للإقبال المتزايد على هذه البوابة ،اذ أن من الشباب من يمتلك أكثر من حسابين إلى ثلاث على الفيسبوك، أو كما قال أحد المستخدمين :"فيس ليك،و فيس للعزيز عليك."و منه فالتعامل بمواقع التواصل الاجتماعي صار شر لا بد منه،في ظل استعباد التقنية للانسان،والتي أصبحت تنتج ما تريد ،وتريد ما تنتج، كما أشار "M.Maar" في كتابه "غناء الأرض"،أي إرادة الإرادة حسب هيدغر، بمعنى أن التقنية ماهي إلا قوة عمياء مهمتها الاساس هي السيطرة ،أو أنها هي السيطرة في حد ذاتها.
كما تجدر الاشارة إلى أن الطلب الذي أصبح يوجهه الفرد لصديقه الجديد هو اعطني عنوانك على الفيسبوك بدل السؤال عن عنوان المنزل أو رقم الهاتف،و هذا من بين التحولات التي يمكن رصدها ازاء التأثيرات التي أحدثتها التقنية على مستوى العلاقات الاجتماعية مما يدفع الى التحول من المادي في الجانب العلائقي،إلى ما هو افتراضي.
و في محاولة منا للبحث في ظاهرة "الفسبكة" بالمغرب،ركزنا على مجموعة من مقاهي بعض الأحياء الشعبية التي تتضمن نطاق ال "ويفي"wifi،بمدينة القنيطرة ، حيث اتضح لنا أن الأغلبية الساحقة التي ترتاد تلك المقاهي تستعين بخدمات الفيسبوك طوال زمن وجودها هناك،كما بين التقصي المتواصل لجملة من المبحوثين- الأصدقاء على الفيسبوك لمدة تناهز ستة أشهر، أن طبيعة المهام التي يقومون بانجازها على صفحات الفيسبوك تتركز بالأساس حول الدردشة مع الأصدقاء الافتراضيين،و الماديين افتراضيا،أو مشاركة روابط بعض المواقع التي غالبا ما تتعلق بمباريات كرة القدم و نجومها،أو السينما و أبطالها و كذا نكت السياسة من قبيل "التقشاب السياسي" ،و "بوزبال"وكذا النشر المتواصل لأقوال أمجاد اليسار الجدري ،أو الاعلانات المخصصة لبعض الوقفات الاحتجاجية،كما نجد أقوال حول "الحب"و الغرام،و نشر صور لبعض نجوم هوليود و بوليود، لكن من الملاحظ أن هناك غياب شبه تام للإنتاج الفكري ما عدا بعض المحاولات المحتشمة لبعض المبحوثين و المتمثلة في بعض المقالات النادرة ،و بالرجوع إلى الدردشة بين الأصدقاء فيمكن القول أنها أثقل ما يكون على كاهل الشاب المغربي ،حيث يتم رقن عبارات التواصل بلغة غريبة "عرنسية تارة و عرنجليزية،أو دارجعربية تارة أخرى،و بالتالي قتل اللغات الأم سواء العربية أو الفرنسية أو الانجليزية،ومن ضمن العبارات المعطوبة التي سجلناها نجد:
1 – "واش":مفردة بالدارجة المغربية تستخدم للسؤال و تحيل على معنى هل؟و تكتب بالحروف اللاتينية "wax" بدل "wach" العرنسية.
2- "sava" او "cv" أو "صافا" ،و كلها تستعمل للسؤال عن حال المخاطب،لكنها أخذت مكان الجملة الفرنسية .Comment vas-tu ?
3- salam my frandأي:hi friend،وهي عبارة للتحية شائعة بين الممارسين المنشغلين بالفيسبوك.
إن هذه اللامبالاة اللغوية على مستوى الشنكبوتية لتؤدي بتراجع المستوى اللغوي و التعبيري للشخص ،مما يستدعي الإفادة من هذه الخدمة بتحويلها إلى خدمة لاغناء الرصيد اللغوي و الثقافي من خلال التواصل مع الآخر البعيد و المختلف.
إن ارتكان العينة التي اتخذناها للبحث إلى الخوض في الأمور سابقة الذكر،ليوحي بشكل صريح عن أن شريحة كبيرة من الشباب المغربي لا تستخدم الفيسبوك بشكل سليم و انما تهدر الوقت لا أكثر،و لعل الاجابات التي قدمت حول أحد الأسئلة الموجهة لعينة البحث والذي يفيد:لماذا تستعمل الفيسبوك أكثر من غيره من المواقع؟و هل يمكنك الانقطاع عن استعماله؟،فلاحظنا أن الإجابات كانت أقرب ما تكون إلى بعضها البعض،حيث أن الإجابة عن الشق الأول تراوحت بين،لأنه ممتع وسهل الاستعمال،ولأنه الموقع الاكثر شيوعا بين صفوف الشباب،أما فيما يتعلق بالشق الثاني منه فإنه رغم الإجابات المتباينة التي تم تقديمها إلا أنها أجمعت معظمها عن نقطة مفصلية،و هي"قتل الوقت" أي تمضية الوقت الذي لولا احترام الدول المتقدمة له لما وصلت لما هي عليه الآن.
إن إرجاع لفظ "قتل الوقت"إلى الرقابة السوسيولوجية ليوحي بحمولة لغوية و دلالية وازنة،حيث أنها تعبر عن رغبة في التخلص من اليومي الرتيب و الهروب من الواقع المرير،المتمثل في العطالة الاجتماعية و عدم ايجاد الدور المناسب و بالتالي يبقى الهروب إلى الافتراضي هو الملاذ الوحيد للخلاص غير الأبدي من الأعطاب الاجتماعية و الاقتصادية،غير أن الواقع مخالف لذلك تماما.
ختاما نقول أن ظاهرة "الفسبكة" بالمغرب أضحت من الظواهر القابلة للبحث و المناقشة خاصة و أنها طالت مختلف الفئات العمرية و الجنسين معا،وكذا مختلف الشرائح الاجتماعية،الفقير و الغنية،المتمدرس و غير ذلك ،لهذا وجب التيقظ لهذه الظاهرة التي تعتبر بمثابة سيف ذو حدين قد ينفع أحيانا و قد يضر في أحايين أخرى،شأنه في ذلك شأن باقي مواقع التواصل الاجتماعي الاخرى.
باحث في الفلسفة و علم الاجتماع
#ميلود_العلواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟