أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - دَولة العِراق الحَديثة وعَهد التأسيس الذي كان إعجازاً وحُلماً














المزيد.....


دَولة العِراق الحَديثة وعَهد التأسيس الذي كان إعجازاً وحُلماً


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل الدَلائل وقِرائات التأريخ المُتعَلقة بتأسيس الدولة العراقية الحَديثة تشير الى أن العَهد المَلكي الذي عاشَه العِراقيون في النصف الأول مِن القرن العِشرين كان حُلماً جَميلاً وقصيراً ليسَ إلا، سُرعان ما أفاقوا مِنه صباح 14 تموز 1958 على أصوات المَدافع والرَشاشات. حُلم لا ندري إن كان مِن حُسن أو سوء حَضِّنا أن إحتفظَت ذاكرة الأجيال التي عاشته ببَعض صوره وأحداثه وتفاصيله الجَميلة، لتعود وتستذكرها بحَسرة وألم لا يَنفع مَعه ندَم بَعد عُقود الذل والضَيم الذي أصابَها بَعد أن أفاقت مِن هذا الحُلم، لتروي لنا وللأجيال واحدة مِن أغرب القصَص وأكثرها مأساوية عَن مُجتمع توفرت له فرصة تاريخية إستثنائية ليَعيش حُلم النُهوض والتقدم والتمَدّن والتحَضّر وليُحَوله الى حَقيقة، لكنه أبى إلا أن يُضَيّعها والى الأبَد!
مَن هُم أبطال هذا الحُلم؟ وكيف نَجحوا في تحقيقه وضَمان إستِمراريته لفترة تبدوا اليوم قياسية، وفي بيئة لم تعرف الأحلام، وفي مُجتمع ترَبّى على الكوابيس وأثبَت أنه يَرفض أن يَعيش الأحلام حَتى هذه اللحظة، مُجتمَع يَعشق البؤس والجَهل والظلام والمَوت والسَواد واللطم والبُكاء، ويَستغرب النور والجَمال والعِلم والسَلام والحَياة والفرَح!
أبطال هذا الحُلم هُم نُخبة نشَأت ودَرَسَت في الإستانة (إسطنبول) عاصِمة الإمبراطورية التركية والأتراك الذين حَكموا دولنا لخمسة قرون فيما كنا نغط في سُبات عَميق. الأتراك الذين لم يَكونوا سِوى قبائل مُتناثرة توحّدت لتصبح أمة وتؤسِّس دولة وتصنع تأريخ، على العَكس مِن أمة تفرّقت الى شَراذِم مِن طوائف دينية وإثنيات قومية مُتناحرة لتهدُم دولة وتطمس وتشَوّه تأريخ! أبطال هذا الحُلم هُم نخبة مِن الشَباب الذي كان حالِماً بغد أفضل له ولمُجتمعه، هيأت له الأقدار دِراسة وخِبرة عالية ومُساعدة مِن بريطانيا العُظمى التي لم تكن تغيب عَنها الشمس وأعظم إمبراطورية في ذلك الزمان، والتي شائت الظروف أن يَصِل نور شَمسها لأوطاننا وأن تلتقي مَصالحها مَع مَصالح هذه النُخبة في النُهوض بمُجتمعاتِها.
يُسَجّل لأفراد هذه النُخبة أنّهم صَنعوا مُعجزة، ويُحسَب لهُم أنّهم نقلوا مُجتمَعاً كان غارقاً في الظلمات الى النور.. أخذوا بيَده وعَلموه الأتكيت ومَفاهيم المَدنية والحَضارة.. أسّسوا لبُنى تحتية في بَلد أفتقرَت حَتى عاصِمَته ومُدُنه الكبيرة الى مَدرسة حَديثة أو مَشفى مُحترَم أو كهرباء أو شارع مُعَبّد أو مَجرى تصريف أو سَد يَقي مِن الفيضانات.. حاولوا أن يَرتقوا بشَعبه بما يَتفق مَع ما يَدّعيه مِن تأريخ لا تربطه به سوى الكتب.. حاولوا ونجَحوا الى حين وكادوا أن يَمضوا بنجاحِهم لكنهُم في النهاية فشِلوا، فمَن شَب على شيء شاب عَليه والعادة التي في البَدَن لا يُغيّرها سوى الكفن، فهذا المُجتمع أبى إلا أن يَعود الى سابق عَهدِه، لذا إستجاب عَوامه وغوغائه صَباح14 تموز 1958 سَريعاً لصِياح قاسم ونعيق عارف وتناغموا مَعه سَريعاً، لأن فيه نبرة فوقية يُحِبّونها تدَبّغت بها جُلودهم ولغة رَكيكة يَفهَمونها وتتواصل مَع عُقولهم، أيقظتهُم مِن الحُلم وأسقطتهم على الأرض وأعادتهُم الى واقِعهم البدائي الذي إعتادوا وألِفوا.
هي نُخبة لولاها لما كان هُنالك اليوم شَيء إسمه دَولة عِراقية أصلاً. نُخبة كان إلتفافها حَول مُؤسِّس الدولة العِراقية المَلك الراحِل فيصل الأول وهُبوطها مَعه الى العِراق مِن الحُجاز والإستانة والشام أشبه بهُبوط الكائِنات الفضائية التي يُحكى بأنها تزورالأرض بَين حين وآخر لتطمَأن على سُكانها، والتي يُعتقد حَسب بَعض النظريات أنها أصل البَشَرية وكانت وراء تمَدّنها وتطورها، ويَبدوا بأن الله قد خَص العراق بكائِنات مِنها له وَحده، زارَته قبل مِئة عام لتطمأن على حاله وحال شَعبه ولتنهَض به الى مَصاف الدول المُتحَضّرة المُتقدّمة، لكن شَعبَه وكعادَتِه لم يُقدّر هذه النِعمة الفضيلة فرَفسَها، ورَدّ لهذه الكائِنات فضلها نُكراناً وجُحوداً وقتلاً وسَحلاً وتمثيلاً، وسَلم أمرَه الى شَراذِم تقاذفته بأهوائها المَريضة، فمَرّة عَساكِر ومَرّة شَقاوات ومَرّة رَوزخونية، عادَت به الى الظلمات التي كان غارقاً فيها والى الجَهل والتخلف الذي كان فيه قبل أن تنتشِله مِنها الكائِنات الفضائية، إذ يَبدوا أن هذه الطبيعة والأجواء هي الأقرب لتركيبَته المُجتمَعية والدينية، فهاهو يَعيش اليَوم مُرتاحاً كشعب مِن القرون الوسطى، وكل الأدلة العَقلية والمَنطقية تقول بأنه لن تقوم له قائمة لـ 50 الى 100 سنة قادِمة، لذا فالحَديث عَن تغيير ونهوض خلال المُستقبل القريب هو حَديث ساذج، ومَن يَتحَدّث به إما واهم ويَخدَع نفسَه، أو يُريد أن يَخدَع الناس، فهو أمر يَبدوا أقرَب للمُستحيل في ظل الواقع الإجتماعي البدائي البائِس والسياسي الفاشِل الفاسِد والثقافي السَلبي الراكِد،الذي لاتمتلك عَناصِره المُتهالكة آنفة الذِكر أي بَذرة للتغيير والنُهوض ويَحتاج الى ماهو أشبَه بالمُعجزة في زمَن لم تعُد فيه مُعجزات.
هذا ما جَناه العِراقيون عَلى أنفسِهم،وما جَنى عَليهم أحَد. فالجود مِن المَوجود، والمَوجود جاد بقاسِم وصَدام والمالكي. لذا عَليهم أن يَرضوا ويَقنعوا بواقِعهم البائِس الفاشِل الذي صَنعوه لأنفسِهم بأنفسِهم وبأيديهم، وأن لا يُمَنّوا أنفسَهم ويَحلموا كثيراً بأن يَنتشِلهم مِنه أحَد، لأن الحَضارات الفضائية لا تبعَث رُسُلها كل يوم، ولا تهبط سُفنها مِن السَماء مَرّتين.

مصطفى القرة داغي
[email protected]



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارلي شابلن.. وللموسيقى مِن عَبقريّته حُصّة
- ذهَب القائد المُناضِل الضَرورة وجائنا القادة المُجاهِدون الض ...
- جَنّة جَنّة جَنّة .. تمَنّينا تصير يا وَطَنّا
- جعفر باشا العسكري أبو الجيش العراقي.. سيرة عطرة
- الموسيقى الكلاسيكية اليونانية.. نغم راقص وعَبَق مِن سِحر أفر ...
- الإسلام السياسي وأحلام السُلطة
- آلوندرا دي لا بارا وآرتورو ماركيز.. قيثارتان مِن بلاد السِحر ...
- العراقيون و (جين) عبادة الفرد وتأليه الزعماء
- الدَعوَجي والفِصام بَين شَخصيّة رَجل الدولة وشَخصيّة الرَوزخ ...
- هل الدول العربية وشعوبها نامية أم نايمة ؟
- أيها العِراقيون.. إن أعدتم الإعتِبار لمِلوكِكُم فحينها سَتعي ...
- انقِلاب 14 تموز 1958 ومَحكمَته الثورية الهَزلية
- ثورات الربيع العربي تنهش أبنائها
- عَزف نسائي.. وعَودة الألق الى المَسرح العراقي
- الرَوزَخون خضير الخزاعي وإعادة تشكيل الوَعي العراقي
- أحزاب الإسلام السياسي نَباتات سامة أتلفت تُربة مُجتمعاتِنا
- إنتخابات عِراق المالكي وشِراء الذِمَم بالبَطالة المُقنعة
- رَبيع خير أم خريف بؤس عَربي ؟
- العراقيون.. شَعب يَعيش التناقض حَتى في إختيار جَلاديه
- حَقيقة الثورات بَين خَيال مُنَظّريها الخَصِب و واقِعها البَش ...


المزيد.....




- راكبة تلتقط بالفيديو لحظة اشتعال النار في جناح طائرة على الم ...
- مع حلول موعد التفاوض للمرحلة الثانية.. هل ينتهك نتنياهو اتفا ...
- انفصال قطعة كبيرة من أكبر جبل جليدي في العالم!
- 15 قتيلاً على الأقل خلال انفجار سيارة في مدينة منبج في سوريا ...
- روسيا تعلّق الطيران في عدة مطارات عقب هجوم أوكراني بالطائرات ...
- عواقب وخيمة لوقف أمريكا المساعدات الخارجية.. فمن سيعوضها؟
- الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي أكثر قدرة على الصمود
- انتشال رفات 55 شخصا ضحايا اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية ...
- لبنان .. تغيير أسماء شوارع وساحات تذكر بالنظام السوري السابق ...
- الرئيس الجزائري: أبلغنا الأسد رفضنا للمجازر بحق السوريين


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - دَولة العِراق الحَديثة وعَهد التأسيس الذي كان إعجازاً وحُلماً