|
المرأة والمساواة بين التربية الدينية والحقوق المدنية الدين كعائق أمام تحقيق المساواة
نرجس اليعقوبي
الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 15:40
المحور:
ملف - المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ولغير المسلمين،بمناسبة 8 مارت -آذار عيد المرأة العالمي 2014
يعتبر كل من الدين والتقاليد الأساس الذي تستند عليه العائلة في تربية بناتها وأولادها مع ارتبط الثانية ارتباطا وثيقا بالأولى. فالدين وفي هذه الحالة الدين الإسلامي يوجه الأفراد من خلال تشريعاته التي تستمد أصولها من القران والأحاديث النبوية من أجل تبني النموذج الافضل في السلوك والتربية. وعليه فإن التربية التي يتلقاها كل من الولد والبنت داخل العائلة والأفكار والتصورات التي يحملونها عن المرأة تجد أصولها في الثقافة الإسلامية والتقاليد المتواضع عليها داخل المجتمع يحتفي كل من القران والأحاديث النبوية بأهمية الإنجاب وبعبارة أخرى فالإسلام يحث الآباء والأمهات على إكثار النسل وعلى تربيتهم تربية اسلامية جيدة، وكمقابل لهذه التربية الاسلامية الحسنة التي يوفرها الاباء والأمهات لأولادهم وبناتهم هو الاعتراف بهم كمسلمين مخلصين لدينهم. الأولاد والبنات هم الذين يجملون ويزينون حياة الآباء والأمهات "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" )سورة الكهف، الاية 46) فهم أحد الأسباب التي تجعل الاباء والأمهات يستمتعون بالحياة. يكشف الرسول في حديث اخر عن أهمية الإنجاب إذ قال :"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (صحيح مسلم، رقم الحديث 3092) . يقوم المسلمون بكل ما في استطاعتهم لكي يحصلوا على الجنة وواحدة من الأشياء التي يقومون بها عن وعي أو عن غير وعي وحسب الحديث هي الحصول على الأولاد الذين يدعون لهم ويستغفرون لهم بعد الموت فكل دعاء وكل استغفار يصل إلى الميت يجعله سعيدا وقد يكون عاملا للتخفيف من السيئات التي ارتكبها عندما كان حيا. من هذا المنظور يعتبر الأولاد والبنات مصدر نفع للآباء والأمهات يوم الحساب وهنا تكمن أهميتهم؛ من حيث أنهم وسيلة لبلوغ الجنة ولذلك من الضروري تربيتهم تربية اسلامية نموذجية هذا من جهة ومن جهة أخرى فهم مستقبل الأمة الإسلامية ولهذا نجد التحفيز على كثرة الإنجاب لإكثار سواد الأمة ولهذا نجد أن هناك بعض الشيوخ من وصلوا إلى تحريم استعمال أية وسيلة لمنع الحمل. تسود بين الكثيرين سواء من العامة أو من الخاصة من علماء المسلمين فكرة أن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل ومنحها حقوقا لم يمنحها لها أي دين وأي مجتمع اخر. حجتهم في هذا أن الإسلام منع وأد البنات حيث كان بعض العرب يمارسونها قبل مجيء الإسلام يقول القران بصدد هذه الممارسة "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون" (سورة النحل، الايتان 58 و 59) ثم يقول في اية أخرى "واذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" (سورة التكوير، الآيتان 8 و9( فهو يثبت أن العرب في هذه الحالة كانوا يكرهون إنجاب البنات لأنهم كانوا يعتقدون أنهن يجلبن الحظ السيء والعار للعائلة والقبيلة ذلك أنهن لسن بمحاربات ولن يحملن لقب العائلة ولن يستطعن العمل وقد يتم سبيهن في حالة الحرب وبالتالي فإن البنات لا يصلحن لأي شيء. وبهذا فإن الإسلام عندما منع هذه الممارسة فعند الكثيرين قد أعطى بها حقوقا للمرأة ألا وهو الحياة. فهل يتناسى البعض أن هذا أبسط حق يمتلكه الإنسان وأن ما فعله الإسلام هو أنه قام بوضع حد لعمل إجرامي فظيع كان يمارس وهو القتل. لا يمكن اعتبار منع الوأد كدليل على المساواة بين المرأة والرجل بل هو ارجاع حق أساسي ألا وهو الحياة وما يترتب عنه ليس هو المساواة لأن المساواة مرتبطة بأشياء أخرى المعاملة الحرية والمكانة الاجتماعية والمساهمة في الحياة السياسية...الخ. يظهر من خلال أحاديث أخرى صعوبة تربية البنات والمشاكل التي يمكن أن يتسببن فيها من وجهة نظر الثقافة الإسلامية وتشجيع الاباء على الصبر على تربيتهن مقابل دخولهم الجنة جزاءا لصاحبه على تحملهن. قال النبي: "من عال جاريتين (أي بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين" وضم أصابعه السبابة والوسطى." (صحيح مسلم رقم الحديث: 2631( وقال أيضا: "من ابتلي من البنات بشيء فأحسن اليهن كن له سترا من النار". (صحيح البخاري، رقم الحديث: 1335( . وقال: "من كن له ثلاث بنات كان معي في الجنة". (صحيح البخاري. رقم الحديث: 82). وقال: "من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة" ( جامع الترمذي، رقم الحديث: 1836(. وروي عنه أنه قال: "من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة". ( سنن أبي داود، رقم الحديث: 4484(. وقال أيضا: "من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن كن له حجابا من النار يوم القيامة". (سنن ابن ماجة، رقم الحديث: 3667).
يبدو من الوهلة الأولى أن هذه الأحاديث التي تلخص لنموذج تربية البنات يبدو أنها تدعم المرأة وتساندها لكنها في الحقيقة وأثناء إعادة قراءتها من زاوية أخرى يظهر أنها تضع المرأة في مرتبة ثانية بشكل يجعلها تابعة للرجل ذلك من خلال جعلها تظهر كمخلوق عاجز ولا يستطيع تحمل مسؤوليته ناهيك عن أنها تحصرها في تلبية حاجيتها ورغاباتها الأساسية للاستمرار في الحياة كالأكل والشرب وكأن المرأة ليس لها اهتمامات أخرى غير هذه. بالإضافة إلى اعتبارها ضعيفة وتحتاج عناية خاصة مما يجعل تربية البنت مسؤولية وعبء على الآباء لأنها في حاجة للحماية حتى يحين أجلها. في الأحاديث الواردة الذكر لا نجد ولا اشارة واحدة إلى ضرورة تهيئة البنت لتقوم بوظيفة أخرى غير الأمومة والخدمة في البيت. وبالتالي فالقيمة التي أعطيت للمرأة في الإسلام والتي يتحدث عنها البعض هي أن تربى لتكون أما صالحة أن تترك لتعيش ولا يتم وأدها ثم إطعامها شرابها وسترها يقول رضا مراد محمود: "أما فيما يتعلق بالبنت والمرأة فهن بحاجة إلى رعاية خاصة وإلى تربية تتماشى ودورهن في المجتمع. فبنات اليوم هن زوجات وأمهات المستقبل والمسؤولات عن شؤون منازلهن. ولأجل هذا ولكي يقمن بمسؤولياتهن على أكمل وجه ينبغي تربيتهن تربية إسلامية. كما عليهن أن يعرفن أن طريقة لباسهن الإسلامي لا يرتيط بالذوق بل هو واجب عليهن من أج حمايتهن. ذلك أن الله هو الذي فرض عليهن الحجاب والسترة"( Pautas para la crianza de los niñ-;---;--os، ص. 34) بهذا يكون لأفراد العائلة الذكور الحق في مراقبة لباس البنت والتدخل فيه إن استدعت الضرورة فدورهم أي الذكور هو الحفاظ على شرف وصورة العائلة. من بين المهام التي على الذكر القيام بها بالإضافة إلى حماية شرف العائلة ونشر التعاليم الدينية هي أن يكون قويا ومسئولا "التربية الإسلامية للأبناء هي أول طريق وهي السلاح التي يتقوى به. وبالطبع فان التربية تقع على عاتق الوالدين...فالمبالغة في تحقيق مطالب الأبناء تفسد تربيتهم وتبعدهم عن تعلم تحمل المسؤوليات المنوطة بهم في المستقبل" (رضا مراد محمود: crianza de los niñ-;---;--os، ص. 32) وبالتالي فالتربية التي يتلقاها الولد ينبغي أن تتماشى مع المهام التي سيقوم بها في المستقبل يقول عمر ابن الخطاب"علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" (EL QARADAWY, YUSUF. Lo lí-;---;--cito e ilí-;---;--cito en islam. Argentina: Ed. Oficina de cultura y difusió-;---;--n islá-;---;--mica. 2005, pp. 148) كما يحكي أن الرسول كان ينظم مسابقات لركوب الخيل وكان يمنح للفائز جائزة إنه عالم الذكور بامتياز. وللإشارة فإن كل تربية حسب الرسول ينبغي أن تكون مناسبة للدور الذي سيلعبه كل من البنت والولد في المستقبل "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته" (البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)، الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54). هذه الاحاديث تقدم نموذجا للتربية التي تتلقاها كل من البنت الولد في الصغر بحيث يتعلمان الأدوار النمطية التي سيقومان بها عندما يصبح كل منهما رجل وامرأة فالرجل للحياة العامة أي المجتمع والمرأة للحياة الخاصة أي البيت وكما هو بين فلا وجود لأية إشارة تدل على كرامة المرأة أو المساواة بينها وبين الرجل. بل بالعكس تتشكل صورة المرأة السلبية ربة البيت الخاضعة والمطيعة لزوجها في ذهن كل من البنت والولد ناهيك عن أنها توجد في وضعية أقل من الرجل وأن الرجل هو الأفضل منذ الصغر، كما يتعلمان أن المرأة قد تسيء إلى شرف الاسرة وعلى ذكور العائلة الحفاظ على هذا الشرف وذلك من خلال فرض الرقابة على جسد المرأة. فتبدأ العائلة عندما تصل البنت إلى سن البلوغ بمراقبتها ومحاسبتها أكثر من الولد لأن الولد في نظرها ليس لديه ما يفقده. وعليه يصبح جسد المرأة والمرأة نفسها ملك للعائلة والمجتمع أكثر من كونها ملك لنفسها. يقول النبي "فالمرأة متاع يزين الحياة الدنيا بالنسبة للرجال حسب الحديث النبوي التالي: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة". (مسند أحمد بن حنبل، رقم الحديث: 6389). ولا تخفف كلمة "الصالحة" شيئا من صفة المتاع الذي وصف به النبي المرأة. كما أن على المرأة طاعة الزوج طاعة مطلقة، كما يأمرها بذلك الحديث النبوي التالي: "قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ قال التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره". (الألباني، مشكاة المصابيح، رقم الحديث: 3208). بهذا الشكل تتعلم المرأة الخنوع والخضوع كما أنها تعتبر موضوعا للمتعة والشهوة، بحيث يتم التركيز على جسدها الذي منحته إياه الطبيعة أكثر من عقلها وقدراتها الفكرية لذلك قال الرسول : "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". (صحيح البخاري، رقم الحديث: 4727). وهذه صورة أخرى من الصور السلبية عن المرأة غياب اخر للفكر. تحصل المرأة على الجنة إذا اطاعت زوجها، بل الرسول يذهب أبعد من هذا إذ يقول أنه لو كان له أن يأمر لأحد بأن يسجد لأحد لأمر المرأة أن تسجد إذ قال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدّت حقه". (النسائي، السنن الكبرى، رقم الحديث: 283/3). فأية مساواة يقدم الدين إذ يصور المرأة كخادمة مطيعة للرجل. من جهة أخرى ولكي تكتمل الصورة يقوم الدين بمحاولة تحبيب وترغيب الوظيفة التي حصرت في أنها نسائية بقوله الجنة تحت اقدام الامهات ونلاحظ هنا أنه يخاطب الأمهات وليست النساء وهي طريقة جيدة لتحفيز النساء على الانجاب وإقناعهن بان افضل شيء لهن هو البيت وتربية الاولاد لدرجة تجعل الجنة التي يجري وراءها الكل تحت اقدامهن لكن حقيقة هذا الامر هو تثبيت المجتمع الذكوري والسلطة الذكورية فتارة تظهر الجنة تحت اقدام الامهات وتارة تكون الجنة رهينة بالخضوع للرجل وإتباعه. تصاحب هذه القيم السلبية البنت والولد في عملية تعلمهما بحيث يسمعون هذه الأحاديث وما شابهها في المنزل وفي الشارع وفي المدرسة فأصبحت تشكل جزءا من الثقافة العربية المسلمة بل هي عمادها. ما أريد التركيز عليه هنا، هو أن عدم المساواة التي تعاني منه المرأة يرجع إلى اللامساواة التي عانت منها وهي لا تزال طفلة بحيث يتم تلقينهن مباديء التمييز بين الجنسين من نعومة أظافرهن بسبب الاختلاف الجسدي الذي ينبني عليه التمييز الاجتماعي وكما لاحظنا فإن الموروث الديني يعزز هذا التمييز ولا يقضي عليه. تبقى العائلة والمدرسة هي المكان المفضل لتمرير ثقافة التمييز المدعمة من طرف الدين والتي يباركها المجتمع التقليدي. وبالتالي تبقى أية محاولة للمساواة ولتحسين وضعية المرأة ضمن تعديل قوانين تحميها وتضمن حقوقها هزيلة لأنها في الحقيقة لا تقوم على أساس فعلي للتغيير بقدر ما تقوم بتجميل صورتها أمام المحافل الدولية. إذا كانت للدول العربية والإسلامية رغبة حقيقة في أن تتحقق مساواة المرأة مع الرجل فعليها أن تقضي على التربية الدينية وهذا الموروث الذي يتبعنا أينما حللنا. ما يحصل في الواقع هو أن الأساس الذي تقوم عليه معظم قوانين الأحوال الشخصية هو الدين. في اعتقادي لن تتحقق مساواة فعلية إلا إذا تم إخراج الدين من المدارس وتحول الدين إلى مسألة فردية، حينها يمكننا القول أن الدول العربية والإسلامية تريد بالفعل أن تغير من قوانينها المتعلقة بالمرأة. أما والحال لازال كما هو فأي تعديل أعتبره هو تزيين وحفظ ماء الوجه أمام العالم الذي يتقدم بينما لازال جسد المرأة يخيفنا ويوترنا.
#نرجس_اليعقوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
دراسة نقدية لمسألة العنف القائم على النوع الاجتماعي بالمغرب
...
/ أحمد الخراز
المزيد.....
|